بقلم محمد عبد الحكم دياب
التقدمية
تحولت الانتخابات الرئاسية المصرية من كرة
تتنافس عليها قوى قديمة وعناصر جديدة إلى قنبلة انفجرت في وجه الجميع، وصنعت كرة لهب حرقت أصابع من فجرها وتكاد تحرق الملعب ومن فيه من لاعبين وجهاز تحكيم ومتفرجين.
وحتى لحظة الانفجار كانت المنافسة واضحة المعالم محددة القسمات، تجري بين كتل ثلاث، إحداها من الفلول وقدامى العسكريين، يمثلهم عمرو موسى وأحمد شفيق وعمر سليمان، الذي أعلن ترشحه أثناء كتابة هذه السطور، وقد كان في انتظار استجلاء الموقف والحصول على الضوء الأخضر من المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم، وممدوح قطب رجل المخابرات العامة القوي، وتنافسها كتلة ‘الإسلام السياسي’ ويمثلها إلى لحظة ما قبل الانفجار عبد المنعم أبو الفتوح وسليم العوا وحازم صلاح أبو اسماعيل ومجدي أحمد حسين وعبد الله الأشعل، أما الكتلة الثالثة فهي خليط من القوميين العرب والناصريين واليساريين والحزبيين والمستقلين، من بينهم حمدين صباحي وبثينة كامل وأبو العز الحريري وخالد علي وهشام بسطويسي، وباستثناء الكتلة الأولى المعادية بشكل سافر للثورة والمرتبطة بحكم مبارك، باستبداده وفساده وتبعيته، فإن الكتلتين الأخريين يحكمها خطان، الأول يعمل للثورة كل الوقت، رغم اختلاف المشارب والتوجهات، والثاني ينتسب إليها بعض الوقت وأثناء الراحة.
ولو سارت أوضاع ما بعد الثورة على استقامتها لكان الموقف منها ضابطا ومصدرا للأهلية ومعيارا للشرعية، وبعد ذلك تأتي المعايير الأخرى. وإخراج الثورة عن مسارها ومدارها خلط الحابل بالنابل، وأدى إلى تداخل شعارات الثورة مع أكاذيب الثورة المضادة، وكان المال السياسي والطائفي والمذهبي والنفطي أخطر أسلحة الثورة المضادة، وانهمر على كثير من مرشحي الفلول والسلفيين والإخوان وغيرهم من ‘المستشرقين المصريين’ أنصار المشروع الصهيو غربي، انهمر مثل المطر، وجاء مصاحبا للبلطجة والحرب الإعلامية والنفسية ضد الثورة والثوار، ولم تجد الأسئلة الحائرة المثارة حول كم الأموال والصرف الزائد والمبالغ فيه ردا شافيا، ولم يجد الرأي العام من يهتم بسؤاله ويجيب على استفساراته بهذا الخصوص، ولن نتوقف هنا كثيرا.
والتحول الذي حدث وفجر القنبلة في وجه الإخوان المسلمين ووجه الجميع أولى بالتدقيق في هذه اللحظة الفارقة في التاريخ الوطني المصري. سبق ذلك التفجير تسريبات عديدة متنوعة المصادر والمنابع، سواء من داخل الجماعة وحزبها ‘الحرية والعدالة’ أو من خارجها، ومن قوى عربية وإقليمية ودولية، كانوا أطرافا وعلى علم بطبخة تجري تسويتها بالتفاوض المباشر بين مكتب الإرشاد والمجلس الأعلي للقوات المسلحة الحاكم، وعلى تماس مع الإدارة الأمريكية، من أجل ترشيح رجل أعمال وأحد أباطرة المال الكبار لمنصب رئيس الجمهورية، ومع ذلك استبعدت أوساط سياسية دينية وحزبية مدنية ومستقلة إقدام الإخوان على مثل تلك الخطوة اعتمادا على التعهدات التي قطعوها على أنفسهم ولم يلتزموا بها، وكي لا يعيدوا تجربة الحزب المنحل. وغلبت إرادة المرشد العام الشيخ محمد بديع كل الإرادات واستطاع أن يميل بأصوات مجلس شورى الجماعة لصالح مرشحه المفضل ،الشاطر’ خيرت، بعد أن كانت رافضة له. وجاء ذلك نتاج ضغط مستمر على مكتب شورى الجماعة، وتواصله في انعقاد لعدة أيام متصلة، حتى نجح المرشد العام في تأمين الفوز لـ’الشاطر’ خيرت، بأغلبية بسيطة دفعت به إلى حلبة السباق الرئاسي. ولا يجادل أحد في حق ‘الشاطر’ خيرت وغيره من المواطنين في التقدم للمنصب ما توفرت فيه الشروط اللازمة والأهلية المطلوبة، لكن الالتباس الذي أحاط الخطوة أثار جدلا واسعا، وانعكس أثرها على مؤسس حزب غد الثورة أيمن نور، وكانت محكمة النقض قد رفضت طعنه في قضية توكيلات ‘الغد’ في تشرين أول (اكتوبر) الماضي خلال جلسة طلب إعادة محاكمته في قضية تزوير تلك التوكيلات.
وتضمن قرار المشير حسين طنطاوي، رئيس المجلس العسكري بالعفو عن أيمن نور إعفاءه من جميع الآثار المترتبة على الحكم الصادر ضده من محكمة ‘جنايات القاهرة’ في القضية رقم 4245.
ولفت النظر إلى أن قرار العفو عن الشاطر ـ حسب ما ورد على لسان أيمن نور في ‘اليوم السابع’ ـ سبق قرار العفو عنه!!. وليس المهم من سبق إنما المهم هو أن قرار العفو عنه لو صدر منفردا لظهر المجلس الأعلى للقوات المسلحة منحازا للشاطر ولجماعة الإخوان المسلمين.
وهناك خلط بين خيرت الشاطر وعاطف الشاطر، فالأول من مواليد شربين بمحافظة المنصورة والثاني من مواليد السويس، وكان من قادة مظاهرات الإسكندرية في 1968 ولا ينتمي للإخوان، وليس له قرابة بخيرت الشاطر، واستقر في المغرب، تحديدا في مراكش، ويعمل في صناعة الجلود، وله شقيق مهندس اسمه إبراهيم يقيم في المغرب هو الآخر.
والمأزق الحقيقي هو دلالة ترشيح الشاطر وحجم ما يملك من ثروات طائلة، وكان المال مصدر فساد وإفساد حكم مبارك، فالمصالح المالية لا يمكن تحييدها إذا ما كانت في مواجهة المصالح العامة للمواطنين، وما زال الحصاد السام لزواج السلطة بالثروة أساس بلاء مصر ومصيبتها التي لم تجد سبيلا للخروج منها بعد، وما زالت الفجوة على اتساعها بين الغنى والفقر، وبين عوائد النهب واللصوصية ومكاسب الأنشطة المشروعة.
كان من المتوقع أن تكون الانتخابات وما آلت إليه فرصة لمراجعة الحركات الإسلامية الكبرى كجماعة الإخوان المسلمين لمجمل مواقفها، ومنها الموقف من المال، وتتجنب منحه قدسية لا علاقة لها بمبدأ أو دين أو منطق سليم، ونصوص القرآن تؤكد ذلك، وتربط وظيفته بدوره الاجتماعي والإنساني. وتنص على أن الإنسان مستخلف فيه يؤدي ما عليه من مصارف ويحتفظ بما يكفي حاجته. ووصل انحياز الجماعة تحت قيادة الشيخ بديع للسوق العشوائي درجة العبادة والتقديس، وهو ما انتهى بوضع الشاطر في مقام النبوة، لا لصلاح أو تقوى أو إيثارإنما بالغنى والثراء الفاحش. فاحتل في نظرهم مكانة يوسف الصديق بن يعقوب (عليه السلام)، وأخطر أنواع تحصين المال هو توفير الحصانة الدينية له، وتشبيه أصحابه بالأنبياء، كما هو حادث مع الشاطر، ونقول لمن يكفرون الناس: أليس هذا كفرا بواحا وشركا صريحا بالله تعالى.
والغريب أن ‘الشاطر’ خيرت عضو منظمة الشباب الاشتراكي في أواخر ستينات القرن الماضي، وهو طالب بالمدرسة الثانوية بالمنصورة، وكنت أتابع أخباره وقتها من خاله، وكان من الرعيل الأول وعضو بالتنظيم الطليعي ومن بناة تلك المنظمة، وكان اهتمام تلك المنظمة بالغا بالعدالة الاجتماعية ومنحازة للفقراء ومتوسطي الحال والطبقات المنتجة – فلاحين وعمال ومهنيين وصغار كسبة ورأسماليين وطنيين – وكان اهتمامها بالغا كذلك بقياس الرأي العام، والوقوف على أحوال الناس اليومية لحظة بلحظة، وهذه الاهتمامات انتهت بتصفية السادات لهذه المنظمة، وأشاع عن رصدها المشاكل التموينية والانتاجية، ومتابعة حال القوى العاملة ومستوى الخدمات التعليمية والصحية، بأنه نوع من التجسس، ضمن مخطط الحرب النفسية التي وجهت للمنتسبين إليها وإجهاض تأثيرهم الكبير في المجتمع، وما زال هذا يتردد حتى الآن دون دليل مادي وإثبات حقيقي على ذلك، ولم يكن الشاطر وحده ابن هذه المنظمة، وكان مثله شباب آخرون، مثل رفاعي طه وعاصم عبد الماجد القياديين في ‘الجماعة الإسلامية’ تحولوا وتولوا أعلى المسؤوليات في تنظيم الجهاد والجماعة الإسلامية.
والآن فإن ‘الإسلام السياسي’ أضاع على نفسه فرصة قد لا تتكرر، وأعجزه التهافت على السلطة والحكم والمناصب عن اتخاذ خطوات تنفع الناس وتقربهم إليه، ولم يتسق الإخوان المسلمين مع أنفسهم.
وإذا كانوا قد فصلوا عبد المنعم أبو الفتوح بسبب خروجه على قرار الجماعة بعدم دخول انتخابات الرئاسة، كان الأولى بهم إعادة الاعتبار إليه واختياره مرشحا للجماعة بعد أن قرر دخول السباق الرئاسي؟، وألا يكون للمال كل هذا التأثير، ويرجح البعض أن سبب التخلي عن أبو الفتوح يعود إلى أصوله البسيطة، وأخطر الأشياء تكمن في تغليب المال على المبدأ، والثروة على الثورة.
وهي جريمة في حق الإخوان والإسلام معا، وهذه مشكلة الإخوان منذ مدة، بدأت مع المرشد العام الأسبق مأمون الهضيبي. وخفتت مع مهدي عاكف!
بدأ الشاطر حملته بوعده بتطبيق الشريعة، والشريعة في عرف رجال الأعمال وأصحاب الثروات من أمثاله، تعني الحدود وقطع الأيدي وإقامة حد الحرابة، في مجتمع جائع ومحروم، وكان الأولى به أن يتنازل عن ثروته للمجتمع، ولا يحذو حذو جعفر نميري عندما جعل الحدود المرادف الوحيد للشريعة، فقطع الأيادي والأرجل والرقاب، ليغطي جرائم أبشع ومنها السماح للفلاشة بالهجرة إلى الدولة الصهيونية بمقابل معلوم واتفاق مع أنصار الحركة الصهيونية من اليهود والعرب والأوروبيين.
المشكلة ليست فقط في ترشيح خيرت الشاطر أو غيره، إنما المشكلة فيما ظهر من خلافات تجسد حالة مصر الراهنة بكل ما فيها من خطورة لا يلتفت إليها أحد، وتمثلت في الخلاف الإسلامي الإسلامي، بين الإخوان بعضهم البعض، وبينهم وبين غيرهم من فصائل الإسلام السياسي، والخلاف الإسلامي المدني إذا جاز التعبير، بين الأحزاب الإسلامية والأحزاب غير الدينية، بجانب خلافات أخرى بين الإسلاميين والقوات المسلحة، وبين المدنيين والعسكريين، وخلافات الداخل والخارج، وكان ممكنا لكل هذه الخلافات أن تذوب لو التزم الفرقاء بالثوابت الوطنية من أجل بلد مستقل ونظام ديمقراطي وشعب حر.
وخطر الخلاف الإسلامي الإسلامي واضح، خاصة داخل جماعة الإخوان المسلمين، تفجرت الأوضاع داخلها، وحدثت حالة تمرد بين شبابها أعادت إلى الأذهان أزمات 1948 و1954 و1965، وإن كانت استقالة ممثل الإخوان في الغرب الأسبق كمال الهلباوي هي الأكثر دويا لكنها لم تكن وليدة اللحظة، وكانت نهاية لبدايات صاحبت خروج رموز جيل سبعينات القرن الماضي، الذين أحيوا الجماعة من مرقدها، ولهم فضل بعثها من جديد، ومنهم أبو العلا ماضي رئيس حزب الوسط، وقد طردته الجماعة مبكرا، وعبد المنعم أبو الفتوح الذي طرد بعد قراره بالترشح لانتخابات الرئاسة، وكان الهلباوي الأقرب إلى هذا الجيل والأكثر فهما وتفهما له، وكان الأكثر انفتاحا وتعاونا مع القوى الثورية والوطنية. وبدأت مشاكله مع مأمون الهضيبي، ووصلت ذروتها مع محمد بديع. وبدا واضحا أن خط الانفتاح الذي ينتهجه الهلباوي يهدد سطوة أولئك المتشددين خاصة بقايا الجهاز الخاص الذي كان يتولى الاغتيالات وأعمال العنف والاغتيالات منذ أربعينات القرن الماضي. وأولئك المتطرفون وهم المهيمنون على مكتب الإرشاد ومكتب شورى الجماعة، وهناك تفاصيل أكثر لا يتسع الحيز المتاح لذكرها.
‘ كاتب من مصر يقيم في لندن
التقدمية
تحولت الانتخابات الرئاسية المصرية من كرة
تتنافس عليها قوى قديمة وعناصر جديدة إلى قنبلة انفجرت في وجه الجميع، وصنعت كرة لهب حرقت أصابع من فجرها وتكاد تحرق الملعب ومن فيه من لاعبين وجهاز تحكيم ومتفرجين.
وحتى لحظة الانفجار كانت المنافسة واضحة المعالم محددة القسمات، تجري بين كتل ثلاث، إحداها من الفلول وقدامى العسكريين، يمثلهم عمرو موسى وأحمد شفيق وعمر سليمان، الذي أعلن ترشحه أثناء كتابة هذه السطور، وقد كان في انتظار استجلاء الموقف والحصول على الضوء الأخضر من المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم، وممدوح قطب رجل المخابرات العامة القوي، وتنافسها كتلة ‘الإسلام السياسي’ ويمثلها إلى لحظة ما قبل الانفجار عبد المنعم أبو الفتوح وسليم العوا وحازم صلاح أبو اسماعيل ومجدي أحمد حسين وعبد الله الأشعل، أما الكتلة الثالثة فهي خليط من القوميين العرب والناصريين واليساريين والحزبيين والمستقلين، من بينهم حمدين صباحي وبثينة كامل وأبو العز الحريري وخالد علي وهشام بسطويسي، وباستثناء الكتلة الأولى المعادية بشكل سافر للثورة والمرتبطة بحكم مبارك، باستبداده وفساده وتبعيته، فإن الكتلتين الأخريين يحكمها خطان، الأول يعمل للثورة كل الوقت، رغم اختلاف المشارب والتوجهات، والثاني ينتسب إليها بعض الوقت وأثناء الراحة.
ولو سارت أوضاع ما بعد الثورة على استقامتها لكان الموقف منها ضابطا ومصدرا للأهلية ومعيارا للشرعية، وبعد ذلك تأتي المعايير الأخرى. وإخراج الثورة عن مسارها ومدارها خلط الحابل بالنابل، وأدى إلى تداخل شعارات الثورة مع أكاذيب الثورة المضادة، وكان المال السياسي والطائفي والمذهبي والنفطي أخطر أسلحة الثورة المضادة، وانهمر على كثير من مرشحي الفلول والسلفيين والإخوان وغيرهم من ‘المستشرقين المصريين’ أنصار المشروع الصهيو غربي، انهمر مثل المطر، وجاء مصاحبا للبلطجة والحرب الإعلامية والنفسية ضد الثورة والثوار، ولم تجد الأسئلة الحائرة المثارة حول كم الأموال والصرف الزائد والمبالغ فيه ردا شافيا، ولم يجد الرأي العام من يهتم بسؤاله ويجيب على استفساراته بهذا الخصوص، ولن نتوقف هنا كثيرا.
والتحول الذي حدث وفجر القنبلة في وجه الإخوان المسلمين ووجه الجميع أولى بالتدقيق في هذه اللحظة الفارقة في التاريخ الوطني المصري. سبق ذلك التفجير تسريبات عديدة متنوعة المصادر والمنابع، سواء من داخل الجماعة وحزبها ‘الحرية والعدالة’ أو من خارجها، ومن قوى عربية وإقليمية ودولية، كانوا أطرافا وعلى علم بطبخة تجري تسويتها بالتفاوض المباشر بين مكتب الإرشاد والمجلس الأعلي للقوات المسلحة الحاكم، وعلى تماس مع الإدارة الأمريكية، من أجل ترشيح رجل أعمال وأحد أباطرة المال الكبار لمنصب رئيس الجمهورية، ومع ذلك استبعدت أوساط سياسية دينية وحزبية مدنية ومستقلة إقدام الإخوان على مثل تلك الخطوة اعتمادا على التعهدات التي قطعوها على أنفسهم ولم يلتزموا بها، وكي لا يعيدوا تجربة الحزب المنحل. وغلبت إرادة المرشد العام الشيخ محمد بديع كل الإرادات واستطاع أن يميل بأصوات مجلس شورى الجماعة لصالح مرشحه المفضل ،الشاطر’ خيرت، بعد أن كانت رافضة له. وجاء ذلك نتاج ضغط مستمر على مكتب شورى الجماعة، وتواصله في انعقاد لعدة أيام متصلة، حتى نجح المرشد العام في تأمين الفوز لـ’الشاطر’ خيرت، بأغلبية بسيطة دفعت به إلى حلبة السباق الرئاسي. ولا يجادل أحد في حق ‘الشاطر’ خيرت وغيره من المواطنين في التقدم للمنصب ما توفرت فيه الشروط اللازمة والأهلية المطلوبة، لكن الالتباس الذي أحاط الخطوة أثار جدلا واسعا، وانعكس أثرها على مؤسس حزب غد الثورة أيمن نور، وكانت محكمة النقض قد رفضت طعنه في قضية توكيلات ‘الغد’ في تشرين أول (اكتوبر) الماضي خلال جلسة طلب إعادة محاكمته في قضية تزوير تلك التوكيلات.
وتضمن قرار المشير حسين طنطاوي، رئيس المجلس العسكري بالعفو عن أيمن نور إعفاءه من جميع الآثار المترتبة على الحكم الصادر ضده من محكمة ‘جنايات القاهرة’ في القضية رقم 4245.
ولفت النظر إلى أن قرار العفو عن الشاطر ـ حسب ما ورد على لسان أيمن نور في ‘اليوم السابع’ ـ سبق قرار العفو عنه!!. وليس المهم من سبق إنما المهم هو أن قرار العفو عنه لو صدر منفردا لظهر المجلس الأعلى للقوات المسلحة منحازا للشاطر ولجماعة الإخوان المسلمين.
وهناك خلط بين خيرت الشاطر وعاطف الشاطر، فالأول من مواليد شربين بمحافظة المنصورة والثاني من مواليد السويس، وكان من قادة مظاهرات الإسكندرية في 1968 ولا ينتمي للإخوان، وليس له قرابة بخيرت الشاطر، واستقر في المغرب، تحديدا في مراكش، ويعمل في صناعة الجلود، وله شقيق مهندس اسمه إبراهيم يقيم في المغرب هو الآخر.
والمأزق الحقيقي هو دلالة ترشيح الشاطر وحجم ما يملك من ثروات طائلة، وكان المال مصدر فساد وإفساد حكم مبارك، فالمصالح المالية لا يمكن تحييدها إذا ما كانت في مواجهة المصالح العامة للمواطنين، وما زال الحصاد السام لزواج السلطة بالثروة أساس بلاء مصر ومصيبتها التي لم تجد سبيلا للخروج منها بعد، وما زالت الفجوة على اتساعها بين الغنى والفقر، وبين عوائد النهب واللصوصية ومكاسب الأنشطة المشروعة.
كان من المتوقع أن تكون الانتخابات وما آلت إليه فرصة لمراجعة الحركات الإسلامية الكبرى كجماعة الإخوان المسلمين لمجمل مواقفها، ومنها الموقف من المال، وتتجنب منحه قدسية لا علاقة لها بمبدأ أو دين أو منطق سليم، ونصوص القرآن تؤكد ذلك، وتربط وظيفته بدوره الاجتماعي والإنساني. وتنص على أن الإنسان مستخلف فيه يؤدي ما عليه من مصارف ويحتفظ بما يكفي حاجته. ووصل انحياز الجماعة تحت قيادة الشيخ بديع للسوق العشوائي درجة العبادة والتقديس، وهو ما انتهى بوضع الشاطر في مقام النبوة، لا لصلاح أو تقوى أو إيثارإنما بالغنى والثراء الفاحش. فاحتل في نظرهم مكانة يوسف الصديق بن يعقوب (عليه السلام)، وأخطر أنواع تحصين المال هو توفير الحصانة الدينية له، وتشبيه أصحابه بالأنبياء، كما هو حادث مع الشاطر، ونقول لمن يكفرون الناس: أليس هذا كفرا بواحا وشركا صريحا بالله تعالى.
والغريب أن ‘الشاطر’ خيرت عضو منظمة الشباب الاشتراكي في أواخر ستينات القرن الماضي، وهو طالب بالمدرسة الثانوية بالمنصورة، وكنت أتابع أخباره وقتها من خاله، وكان من الرعيل الأول وعضو بالتنظيم الطليعي ومن بناة تلك المنظمة، وكان اهتمام تلك المنظمة بالغا بالعدالة الاجتماعية ومنحازة للفقراء ومتوسطي الحال والطبقات المنتجة – فلاحين وعمال ومهنيين وصغار كسبة ورأسماليين وطنيين – وكان اهتمامها بالغا كذلك بقياس الرأي العام، والوقوف على أحوال الناس اليومية لحظة بلحظة، وهذه الاهتمامات انتهت بتصفية السادات لهذه المنظمة، وأشاع عن رصدها المشاكل التموينية والانتاجية، ومتابعة حال القوى العاملة ومستوى الخدمات التعليمية والصحية، بأنه نوع من التجسس، ضمن مخطط الحرب النفسية التي وجهت للمنتسبين إليها وإجهاض تأثيرهم الكبير في المجتمع، وما زال هذا يتردد حتى الآن دون دليل مادي وإثبات حقيقي على ذلك، ولم يكن الشاطر وحده ابن هذه المنظمة، وكان مثله شباب آخرون، مثل رفاعي طه وعاصم عبد الماجد القياديين في ‘الجماعة الإسلامية’ تحولوا وتولوا أعلى المسؤوليات في تنظيم الجهاد والجماعة الإسلامية.
والآن فإن ‘الإسلام السياسي’ أضاع على نفسه فرصة قد لا تتكرر، وأعجزه التهافت على السلطة والحكم والمناصب عن اتخاذ خطوات تنفع الناس وتقربهم إليه، ولم يتسق الإخوان المسلمين مع أنفسهم.
وإذا كانوا قد فصلوا عبد المنعم أبو الفتوح بسبب خروجه على قرار الجماعة بعدم دخول انتخابات الرئاسة، كان الأولى بهم إعادة الاعتبار إليه واختياره مرشحا للجماعة بعد أن قرر دخول السباق الرئاسي؟، وألا يكون للمال كل هذا التأثير، ويرجح البعض أن سبب التخلي عن أبو الفتوح يعود إلى أصوله البسيطة، وأخطر الأشياء تكمن في تغليب المال على المبدأ، والثروة على الثورة.
وهي جريمة في حق الإخوان والإسلام معا، وهذه مشكلة الإخوان منذ مدة، بدأت مع المرشد العام الأسبق مأمون الهضيبي. وخفتت مع مهدي عاكف!
بدأ الشاطر حملته بوعده بتطبيق الشريعة، والشريعة في عرف رجال الأعمال وأصحاب الثروات من أمثاله، تعني الحدود وقطع الأيدي وإقامة حد الحرابة، في مجتمع جائع ومحروم، وكان الأولى به أن يتنازل عن ثروته للمجتمع، ولا يحذو حذو جعفر نميري عندما جعل الحدود المرادف الوحيد للشريعة، فقطع الأيادي والأرجل والرقاب، ليغطي جرائم أبشع ومنها السماح للفلاشة بالهجرة إلى الدولة الصهيونية بمقابل معلوم واتفاق مع أنصار الحركة الصهيونية من اليهود والعرب والأوروبيين.
المشكلة ليست فقط في ترشيح خيرت الشاطر أو غيره، إنما المشكلة فيما ظهر من خلافات تجسد حالة مصر الراهنة بكل ما فيها من خطورة لا يلتفت إليها أحد، وتمثلت في الخلاف الإسلامي الإسلامي، بين الإخوان بعضهم البعض، وبينهم وبين غيرهم من فصائل الإسلام السياسي، والخلاف الإسلامي المدني إذا جاز التعبير، بين الأحزاب الإسلامية والأحزاب غير الدينية، بجانب خلافات أخرى بين الإسلاميين والقوات المسلحة، وبين المدنيين والعسكريين، وخلافات الداخل والخارج، وكان ممكنا لكل هذه الخلافات أن تذوب لو التزم الفرقاء بالثوابت الوطنية من أجل بلد مستقل ونظام ديمقراطي وشعب حر.
وخطر الخلاف الإسلامي الإسلامي واضح، خاصة داخل جماعة الإخوان المسلمين، تفجرت الأوضاع داخلها، وحدثت حالة تمرد بين شبابها أعادت إلى الأذهان أزمات 1948 و1954 و1965، وإن كانت استقالة ممثل الإخوان في الغرب الأسبق كمال الهلباوي هي الأكثر دويا لكنها لم تكن وليدة اللحظة، وكانت نهاية لبدايات صاحبت خروج رموز جيل سبعينات القرن الماضي، الذين أحيوا الجماعة من مرقدها، ولهم فضل بعثها من جديد، ومنهم أبو العلا ماضي رئيس حزب الوسط، وقد طردته الجماعة مبكرا، وعبد المنعم أبو الفتوح الذي طرد بعد قراره بالترشح لانتخابات الرئاسة، وكان الهلباوي الأقرب إلى هذا الجيل والأكثر فهما وتفهما له، وكان الأكثر انفتاحا وتعاونا مع القوى الثورية والوطنية. وبدأت مشاكله مع مأمون الهضيبي، ووصلت ذروتها مع محمد بديع. وبدا واضحا أن خط الانفتاح الذي ينتهجه الهلباوي يهدد سطوة أولئك المتشددين خاصة بقايا الجهاز الخاص الذي كان يتولى الاغتيالات وأعمال العنف والاغتيالات منذ أربعينات القرن الماضي. وأولئك المتطرفون وهم المهيمنون على مكتب الإرشاد ومكتب شورى الجماعة، وهناك تفاصيل أكثر لا يتسع الحيز المتاح لذكرها.
‘ كاتب من مصر يقيم في لندن