السبت، 1 ديسمبر 2012

الدكتور إبراهيم درويش 
90 %‏ من مواد الدستور الجديد غير دستورية
 



لأن الدستور هو القانون الأساسي الأعلي للدولة الذي يرسي القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم‏,‏ ويقرر الحريات والحقوق العامة‏,‏ ويرتب كذلك الضمانات الأساسية لحمايتها ويحدد لكل سلطة حدود صلاحيتها‏.

جاء ذلك الحوار مع الدكتور إبراهيم درويش الذي شارك في وضع دساتير كثير من الدول العربية.
ويناقش الفقيه الدستوري مسودة الدستور الجديد التي طرحتها الجمعية التأسيسية للنقاش العام, ويحلل الاتجاهات التي اعتمدت عليها فيقول لـ الأهرام: إن النظام السياسي في أي دولة سواء كانت متقدمة أو في طريق النمو أو ديمقراطية أو ديكتاتورية لابد أن يكون في كل منها دستور, يحدد بناء النظام السياسي وجوهره واتجاهاته سواء فيما يتعلق بالحقوق والحريات العامة أو بنظام الحكم, فالوثائق الدستورية تختلف من دستور الي آخر وفق توجهات المجتمع وطموحاته ورؤاه, ومن هنا نسمي الدستور( أبوالقوانين) وليس من الواجب أو المستحب أو من الأوفق أو يتضمن إلا ما هو دستوري بطبيعته وباقي الأمور متعلقة بأهداف الدولة وقضاياها يكون محلا القوانين, ذلك لأن الدستور كوثيقة تحدد الحقوق والحريات العامة والنظام السياسي واستقلال القضاء, وماعدا ذلك يترك للقوانين المكملة للدستور مثل قانون ممارسة الحقوق السياسية وقانون الانتخابات البرلمانية والرئاسية والزراعة والتجارة والصناعة.. الخ, فكل أنشطة الدولة نتركها للقوانين لأن الدستور لابد وأن يتسم بالاستقرار والاستمرار والدوام بينما أنشطة الدولة تكون محل للقوانين, وهذا كله يؤكد لنا ألا نخلط بين مواد الدستور التي هي دستورية بطبيعتها وبين المواد غير الدستورية بطبيعتها والتي تتعلق بأنشطة مكملة للدستور أو بأنشطة متعلقة أيضا بوظائف الدولة مع تحفظ بشرط جوهري وهو أن جميع القوانين المكملة للدستور والتي تشمل تحديدا قوانين ممارسة الحقوق السياسية والانتخابات والمفسرة للحقوق والحريات والأقليات إن وجدت يجب أن تكتب من خلال صانعي الدستور وبروح الدستور ووقت صدوره كي تكون معبرة عن روح القانون بأقلامهم وهي مانسميها بالمواد الموضوعية الدستورية المكملة للدستور, فهي تتضمن كل ماهو قانوني متعلق بالدستور وليس دستوريا متعلقا بالدستور.
> في هذا الإطار العلمي الذي شرحته لنا كيف تري مواد مسودة الدستور جملة وتفصيلا؟
>> بعد أن تابعت بشكل دقيق جدا كل ما أنتجته اللجنة التأسيسية لعمل الدستور أؤكد أن90% من مواد الدستور الجديد غير دستورية لأن محلها القوانين وليس الوثيقة الدستورية, فهذه اللجنة لا تستطيع كتابة دستور ذلك لأن القانون الدستوري شيء وكتابته شيء آخر, كما أن أعضاء اللجنة ليست لديهم القدرة علي كتابة وثيقة دستورية وغلب عليهم طابع وفلسفة الإقصاء وغاب عنهم الطابع الكفء, وغلبت عليهم اتجاهاتهم الشخصية والسياسية, وبالتالي غاب عن الجمعية مفهوم الدستور بطبيعته والوثيقة الدستورية, ولذلك رأينا انقساما حادا بين أعضاء اللجنة التأسيسية وانسحابات كبري ولم يبق إلا فصيل الإسلام السياسي وعدد قليل جدا. ولا يستطيع أي إنسان أن يحلل أي مادة ذلك لأنه كلما خرجت علينا اللجنة التأسيسية بنص معين وانتقدناه فيقولوا لنا إنه تم تعديل النص وتنظر في المسودة الثانية فلا تجد تعديلا أو نجد تعديلا يحتاج الي تعديل تكون الإجابة بذات الأسلوب الذي لا نستطيع أن نمسكه علي اللجنة التأسيسية وفي النهاية يضيع الوقت دون أن نري نصوصا حقيقية واضحة المعالم تستطيع أن تقول رأيا فيها أو تحللها.
> ما هي أهم الملاحظات التي خرجت بها من خلال قراءتك لمسودة الدستور ومتابعتك لها كخبير دستوري؟
>> المادة150 من مسودة الدستور تعطي لرئيس الدولة الحق في تعديل الحدود بعد موافقة المجلس التشريعي, ومصدر خطورتها أنها تدور حول أرض سيناء, كما أنه لم يحدث في تاريخ أي دستور في العالم أن يعطي لرئيس الدولة حق التنازل عن قطعة من أرض الوطن بموافقة مجلسه التشريعي.
وهناك مادة تنص علي المساواة بين الرجل والمرأة في أول الدستور ثم سحبها آخر الدستور, حيث أكدت المادة الأولي أن المواطنين أمام القانون سواء ثم يسحبونها في العديد من المواد بعد ذلك وينظرون الي المرأة علي اعتبار إنها كائن تابع للرجل.. وهنا أقول حينما يتحدث الدستور علي أن الجميع أمام القضاء سواء فهو رجل وامرأة ولكنهم من خلال صناعة الدستور يؤكدون علي التفرقة بين الرجل والمرأة وهذا يفقد المنتج مصداقيته ويفقده أيضا عدم جدارته أن يطلق عليه اسم دستور.
ويضيف: أن نصوص المسودة تسمح بأن يكون الرئيس متجنسا بجنسية أجنبية وهذه أخطر مادة لم يحدث في أي دستور في العالم أن يباح لأي مواطن يكون جده أو أجداده أو جدته متجنسين بجنسيات أخري, لأن الجنسية هي الانتماء الحقيقي للمواطن فإذا تجنس في الماضي أو الحاضر أو حتي المستقبل تعدد الانتماء وحينما يتعدد الانتماء لديه يتم فقدان الانتماء كلية للمواطنة.
> كيف تقيم موقف المؤسسة العسكرية في الدستور الجديد؟
>> القوات المسلحة هي ملك للشعب حتي وإن لم ينص صراحة علي ذلك في الدستور والذي خلق المشكلة وثيقة الدكتور علي السلمي وإنهاء دور المجلس الأعلي للقوات المسلحة, وليس هناك من دستور ينص علي وضعا خاصا للقوات المسلحة لأنها جزء من الوطن يحددها القانون ولا يجوز أن ينص في الدستور علي أن لها وضعا خاصا أو وضع كذا وكذا فلا يوجد أي دستور في العالم ينص علي وضع خاص للقوات المسلحة إلا إذا كان النظام السياسي قائما علي انقلاب عسكري, وإذا لزم الأمر نقول القوات المسلحة هي ملك للشعب لمصر فقط, ويحدد وضعها القانون فقط وميزانيتها تراجع وتراقب لأنه لا يوجد سر في العالم الآن وإذا نظرت إلي المادة السابقة تجد أنها وضعت للسلفيين لتنفيذ أو لإقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهي أيضا مادة خطيرة جدا لأنها تؤدي إلي عمل ميليشيات.
> كيف تري الموقف بالنسبة لمنصب الرئيس فهل سيادتك مع إعادة انتخابه بعد الاستفتاء علي الدستور الجديد بنعم أم مع وضع مادة انتقالية تسمح له بالبقاء وإكمال مدته الرئاسية؟
>> القاعدة الأساسية إذا تم عمل انتخابات تشريعية أو رئاسية في ظل دستور معين وبعدها ولسبب من الأسباب وضع دستور جديد للبلاد فلابد من إخلاء موقع الرئيس, والإعلان الدستوري الذي صدر في نوفمبر بعد استفتاء91 مارس يخالف الدستور, وبالتالي وجب إعادة الانتخابات بعد الاستفتاء علي الدستور الجديد بالنسبة للرئيس والمجالس التشريعية, ومسألة أن يتضمن الدستور الجديد مادة انتقالية لاستمرار الرئيس في منصبه كامل مدته مخالف تماما للدستور ولا يمكن إطلاقا أن توضع مادة تتضمن بقاء الرئيس في الدستور الجديد بعد الاستفتاء عليه, فلابد من احترام الأوضاع الجديدة للدستور بعد إقراره من الشعب مباشرة وإذا استمر الرئيس من خلال مادة تحصنه فإن ذلك يكون غير دستوري فضلا عن أن الدستور أصلا لا توضع فيه مواد انتقالية.
> كيف تري الإعلان الدستوري الجديد للرئيس وتداعياته؟
>> الرئيس لا يملك إلغاء الإعلان الدستوري الصادر في03 مارس بعد استفتاء91 مارس1102, ولا يملك أيضا إصدار إعلان دستوري جديد لأن اختصاصات رئيس الجمهورية محددة في الإعلان الدستوري السابق وتحصين قرارات الرئيس مخالف للمادة22 من الإعلان السابق وما قام به هو هدم للشرعية وما قام به هدم وعدوان علي المحكمة الدستورية العليا.

الإسلام بين العلم والمدنية

.. وليس لمسلم على مسلم إلا

 حق

 النصيحة والإرشاد

 

الكتاب: الإسلام ين العلم والمدنية

الكاتب: الإمام محمد عبده

الناشر: دار الشروق


العرب أول من علم العالم كيف تتفق حرية الفكر مع استقامة الدين.
 
يقولون: إن لم يكن للخليفة ذلك السلطان الديني أفلا يكون للقاضي أو للمفتي أو شيخ الإسلام؟ و أقول: إن الإسلام لم يجعل لهؤلاء سلطة على العقائد وتقرير الأحكام، و كل سلطة تناولها واحد من هؤلاء فهي سلطة مدنية قررها الشرع الإسلامي، و لا يسوغ لواحد منهم أن يدعي حق السيطرة على إيمان أحد أو عبادته لربه.
 
عُرف الإمام محمد عبده بفكره الإصلاحي ومحاولاته المستمرة للارتقاء بالمؤسسات الإسلامية والتعليمية، وسعيه الدائم للإصلاح والتطوير في الأزهر والأوقاف والمحاكم الشرعية.
 
ويُعدّ الإمام واحدًا من أبرز المجددين في الفقه الإسلامي في العصر الحديث وأحد دعاة الإصلاح وأعلام النهضة العربية الإسلامية الحديثة.
 
يعتبر كتاب «الإسلام بين العلم والمدنية» الذي صدر مؤخرا عن دار الشروق من أهم ما كُتب في الفكر السياسي، فلقد كتبه الإمام محمد عبده بقصد الدفاع عن الإسلام، و لكن الغرض الأهم منه هو إيقاظ المسلمين وإرشادهم إلى أسباب تأخرهم وضياع مجدهم وزوال ملكهم وإلى المخرج منه، ويوضح الإمام أصول الإسلام وما أنتجته من نموذج حضاري متميز ومن علاقة متميزة بين الدولة والدين.
 
يقول في سطور كتابه: إن كل مسلم يمكنه أن يفهم كتاب الله دون وسيط من سلف أو خلف وفق ما تؤهله معرفته فإن لم يسمح له إلمامه بالعربية وآدابها وأساليبها، وأحوال العرب وما كان عليه حال الناس في عهد النبي صلى الله عليه وسلم بفهم الحقيقة فعليه أن يسال العارفين وعليه حينئذ أن يطالبهم بالدليل على قولهم.
 
وقد حرص محمد عبده على التأكيد على أن سلطة الحاكم مدنية بوظيفة دينية وليست دينية بطابع مدني وعلى الجانب الآخر فإن علماء الدين ليس لهم سلطان ديني على الأفراد إلا في نطاق التوجيه والإرشاد دون أى حق في السيطرة على إيمان الأفراد, والخليفة عند المسلمين ليس بالمعصوم ولا هو مهبط الوحي ولا من حقه الاستئثار بتفسير الكتاب و السنة.. نعم شرط فيه أن يكون مجتهدا أي يكون من العلم باللغة العربية بحيث يتيسر له أن يفهم من الكتاب والسنة ما يحتاج إليه الأحكام حتى يتمكن من التمييز بين الحق والباطل، والصحيح والفاسد، ويسهل عليه إقامة العدل الذي يطالبه به الدين والأمة معا, ثم هو مطاع مادام يسير علي نهج الكتاب والسُنة، والمسلمون له بالمرصاد فإذا أنحرف عن النهج أقاموه عليه وإذا أعوج قوموه بالنصيحة والأعذار إليه ”لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق” فإذا فارق الكتاب والسُنة في عمله وجب عليهم أن يستبدلوا به غيره، فالأمة هي صاحبة الحق في السيطرة عليه وهي التي تخلعه متي رأت ذلك في مصلحتها ،فهو حاكم مدني من جميع الوجوه.
 
وعن علاقة الإسلام بالعلم أشار الإمام في كتابه إلى أن المسلمين قد ضلوا في فهم معنى العلم على خلاف آبائهم رغم أن الإسلام حفزهم على طلبه في كل مكان، وقد ظنوا أن غاية ما يفرضه الدين هو الوضوء والصلاة والصوم في صورها الأدائية.
 
والعلم يستطيع به المسلم أن يكشف سراً من أسراره في خليقته، أو يستنبط حكماً من أحكام شريعته، فلما وقف الدين وقعد طلاب اليقين وقف العلم وسكنت ريحه، يقصد أن المسلمين توقفوا عن البحث في الدين واكتفوا بالنقل وحده من السابقين عليهم.
 
إن القاهرة في أوائل القرن الرابع كان بها مكتبة تحتوي علي مائة ألف كتاب مجلد فيها ستة الألف في الطب والفلك وكان من نظامها أن تعار بعض الكتب للطلبة المقيمين في القاهرة، و كان فيها كرتان سماويتان إحداهما من الفضة يقال أن صانعها بطليموس نفسه وأنه أنفق فيها ثلاثة آلاف دينار والثانية من البرنز.
 
إن ولاة الأقاليم والوزراء كانوا ينافسون الخلفاء في إعلاء مقام العلم والعلماء وبسط اليد في الإنفاق على إقامة بيوت العلم, ومساعدة الفقراء على طلبه.
 
وقد أكد الفيلسوف جوستاف لوبون على دور المسلمين والعرب على أوربا قائلا :أن العرب أول من علم العالم كيف تتفق حرية الفكر مع استقامة الدين.
 
ومن أصول الإسلام البعد عن التكفير، فإذا صدر قول من قائل يحتمل الكفر من مئة وجه ويحتمل الإيمان من وجه واحد حمل على الإيمان‏, ويقر الإسلام أن الاختلاف بين البشر هو القاعدة السائدة والغالبة‏,‏ و ليس لأحد من المختلفين في الرأي أو الرؤية أن يدعي أحتكار اليقين أو امتلاك الحقيقة المطلقة.
 

نبذة عن الإمام محمد عبده:

هو داعية وإمام إسلامي، عرف بفكره الإصلاحي ودعوته للتحرر من كافة أشكال الاستعمار الأجنبي ومحاولاته المستمرة من أجل الارتقاء بالمؤسسات الإسلامية والتعليمية وسعيه الدائم للإصلاح و التطوير في الأزهر و الأوقاف والمحاكم الشرعية، فبذل الكثير من الجهد من أجل تحقيق التطور والإصلاح في المجتمع على الرغم مما تعرض له من سجن ونفي.‏
 

مصر .. وفخ الشريعة من جديد!!

الطريقة التي تم خلالها إقرار مشروع الدستور المصري الجديد، ورغم الانسحابات المتوالية وأجواء التوتر التي تسود مناطق مختلفة من المحافظات المصرية ضد أعضاء اللجنة وقرارات الرئيس محمد مرسي، تضع الكثير من التساؤلات، خاصة أنه تم مد عمل الجمعية حتى فيراير/شباط 2013، فيما يتوقع قيام رئيس الجمهورية بطرح مشروع الدستور للاستفتاء الشعبي خلال أيام قليلة.

أنصار محمد مرسي يجتمعون في ميدان التحرير بالقاهرة
 القاهرة ـ أشرف كمال
مع تزايد مظاهرات المعارضة في مواجهة الرئيس وجماعة "الإخوان المسلمين"، من المقرر أن يشهد محيط جامعة القاهرة مظاهرات تأييد أنصار تيارات الإسلام السياسي للرئيس وجماعته  تحت عنوان "الشرعية والشريعة". 
والغريب هنا استخدام "الشريعة" في مظاهرات تأييد للرئيس في خلاف سياسي مع قوى المعارضة حول ثوابت الديمقراطية والإعلان الدستوري.
ولكنه تقليد متواتر العمل عليه لدى تيارت الإسلام السياسي، بهدف تطويع ثوابت الشريعة والفقه لخدمة أهداف ومصالح يمكن أن تختلف باختلاف الصراع والأشخاص، فإذ بالمساجد في جميع أنحاء مصر تروج حاليا لـ "وجوب طاعة الحاكم كمنهج إسلامي واجب على كل مسلم"، وأن "مخالفته معصية لله عز وجل". 
وهذا ما يفسر قدرتهم على الحشد في الاتجاه الذي تريده، في استغلال واضح لمكانة الشريعة الإسلامية وما تمثله عند المواطن المصري، وذلك الرصيد الذي لرجال الدين ـ الأصل فيهم قيادات داخل هذه التيارات ـ ووفق مبدأ السمع والطاعة بلا جدل ونقاش. 
وتصريحات الرئيس محمد مرسي ورئيس ديوان الرئاسة محمد رفاعة الطهطاوي والمتحدث باسم الرئاسة ياسر علي، تُشير إلى أن الاتجاه يسير نحو التصعيد بين تيارات الإسلام السياسي والقوى المدنية، أو ما يمكن وصفه بين أنصار الدولة الدينية والدولة المدنية، وأن الرئيس لن يتراجع أمام ضغط المعتصمين والمظاهرات التي خرجت ضده، وسيقوم بطرح مشروع الدستور للاستفتاء الشعبي خلال أيام قليلة في محاولة منه للخروج من المأزق الحالي. 
وقد اعتادت تيارات الإسلام السياسي عند الاحتكام للشارع في خلافاتها مع القوى السياسية الأخرى إلى استنفار الوازع الديني لدى المواطن وتوصيف الخصوم بأعداء الدين، وآلياتها في ذلك المساجد التي تكثف من دروس ومحاضرات في إطار ما يُعرف بـ "الإرشاد الديني" وكيفية بناء مجتمع مسلم يحقق آمال وطموحات هذه التيارات، وتصوير الخلاف السياسي على أنه صراع بين "الحق" المتمثل في الإسلاميين و"الباطل" الذي يدافع عنه أنصار المدنية والعلمانية.
وللمجتمع المصري تجربة واضحة المعالم في هذا لاتجاه، حيث نتائج استفتاء الإعلان الدستوري المؤقت في مارس/آذار 2011، وفي انتخابات البرلمان بغرفتيه الشعب والشورى وفي جولة الاعادة في انتخابات الرئاسة، والتي جاءت مرضية لهؤلاء الذين تمكنوا من إقناع المواطن بأنهم يدافعون عن الشريعة والدين . 
وقليل من رموز تيارات الإسلام السياسي الذين يعتبرون اقحام الشريعة في الخلاقات السياسية أمرا غير مقبول، وينال من عظمة الإسلام وعدله وقبوله للآخر، لاسيما أن المعارضين هم مواطنون مصريون، وأن المساجد يجب أن تبتعد عن تلك الخلافات، فثوابت الدين معروفة وواضحة، فيما يبقى عالم السياسة متغير الثوابت، فليس كل من يخالف النظام والرئيس بكافر. 
واليوم ونحن في انتظار طرح مشروع الدستور الجديد في ظل رئيس ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين مدعوما من الدعوة السلفية في مصر، والجماعة الإسلامية وتيارات الإسلام السياسي الأخرى، يقينا سيعود فخ الشريعة إلى واجهة المشهد الانتخابي في مصر، وأن "نعم" هي التي ستدخل الجنة، و "لا" ستقود إلى النار.  
فمشروع الدستور صاغته تأسيسية تتكون من أشخاص ينتمون إلى تيارات الإسلام السياسي حرصوا على تغليب رؤيتهم على مشروع الدستور، وشكل الدولة المصرية الجديدة، وتمسكهم بهذا المشروع والإصرار على إقراره في هذه الأجواء المشحونة والعمل بشكل متواصل لما يقرب من 17 ساعة، يطرح العديد من التساؤلات حول استجابة تأسيسية الدستور، هل كانت لرغبات الرئيس وجماعة الإخوان المسلمين؟ أم كانت استجابة لرغبات شريحة عريضة من المجتمع تعتصم في التحرير رفضا لعملها وطعنا في قانونية تشكيلها؟ 
ومن جديد سوف يقف المواطن المصري أمام فخ الشريعة لتحديد اتجاهاته السياسية، فهل أدرك ما لحقه من أزمات وصراعات ورغبات الاستحواذ والسيطرة الواضحة في سلوك تيارات الإسلام السياسي منذ استفتاء الإعلان الدستوري المؤقت حتى اليوم؟!
هذا ما ستكشفه الأيام القادمة عند الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد، إن لم تتطور الأحداث بين الميدان والرئيس وتقود البلاد إلى اتجاه آخر.

"زيدان" فى خمس رسائل لـ"مرسى": لا تعلّق برقبتك دماً لن تف بديّته

السبت، 1 ديسمبر 2012 - 11:49
الدكتور يوسف زيدانالدكتور يوسف زيدان
كتب بلال رمضان
وجه الروائى الدكتور يوسف زيدان، خمس رسائل عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعى الشهير "فيس بوك" للرئيس الدكتور محمد مرسى، اعتمد فيها على الكثير من الشواهد الدينية وما اتفق عليه كبار علماء الفقه من أمور حياتية، أولها "درء المفاسد"، مناشدًا الرئيس بأن يتخذ موقفًا لمنع تفاقم الأمور بين مؤيدين للإعلان الدستورى، والمسودة النهائية للدستور، وبين معتصمين ومتظاهرين فى العديد من نواحى الجمهورية رافضين لهذه القرارات، مطالبًا "مرسى" خلال هذه الرسائل بألا يعلق دمًا فى رقبته لن يفِ بديته.

وقال "زيدان" فى رسالته الأولى: يا رئيسَ مصرَ المنتخبِ أكتبُ إليك بيدٍ ترتعدُ خوفاً على مصر وأهلها، ولست بواثقٍ من أن رسائلى سوف تصلك أو تصل إليها، وما ذاك بمانعى عن أداء الواجب ومن ثَمّ أقول: أعرف أنك مُتفقّهٌ، وتعلم عن أمور الدين الشىء الكثير. طيب، ألم يتفق علماء الدين الكبار منهم والصغار، على مبدأ أساسى فى "أصول الفقه" يقول ما نصّه: درءُ المفاسد أَولى من جلب المنافع، فلنفترض أن إعلانك الدستورى ومُسوَّدة الدستور المضطرب، فيهما منافع للناس ولو بعد حين، لكنهما جلبا الآن المفاسد المُنذرة بالتفاقم فى أنحاء البلاد، ألا يدعوك ذلك لإعمال المبدأ الشرعى المُشار إليه، وترجّح "الآن" و"فوراً" درءَ المفسدة على جلبِ المنفعة؟.

وأضاف: يا رئيس الجمهورية، لا تفكّر فى الدنيا وأهلها، فسوف نُفارقها جميعاً بعد حينٍ ونقف بين يدىّ الجبارِ، شديدِ المِحال، ونُحاسب وقد ورد فى الحديث الشريف: حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا عليها.

وقال فى رسالته الثانية: يا رئيسَ مصرَ المنتخب، فى لغتنا العربية التى أظنُّ أنك تُحبُّها، لفظةٌ خطيرةٌ هى "التفاقم" ولا يغيب عن فطنتك وأنت أستاذ الهندسة، مفهوم "الكتلة الحرجة" وإنى أرى فى عتمة الليل أموراً تُدبّر، وما أظنُّها خافيةً عليك، فما قعودك عن إدراك الناس وقد بدأ سيلان الدماء على الأسفلت، وتهيّأت الأسبابُ المُوردة إلى هاويةٍ لا قرارَ لقَعرها، وكلمة "التفاقم" خطيرةٌ، لأن ما يجوز قبلها ويحفظ أحوال البلاد والعباد، لن يجدى بعدها. فلندع المكابرة جانباً، فلا عاصم من أمر الله بعد التفاقم. والله تعالى، لا يعرف القبح ولا يفعله (على قول المعتزلة) وهو تعالى لا يأمر إلا بالخير - على قول الجمهور- فلا تعلّق برقبتك دماً لست بقادرٍ على الوفاء بديّته، ودعنا نقول معاً ما قاله القرآن "لن يُجيرنى من الله أحدٌ".

أما عن رسالته الثالثة فقال فيها يا رئيسَ مصرَ المنتخب، تعرف أن النبى الذى لا ينطق عن الهوى، قال "المؤمن كيّسٌ فَطِنٌ" ودعنا الآن من أىّ مُتنطّعٍ قد ينتقد هذا الحديث روايةً أو دِرايةً، فهذا ليس وقت التنطع والحديث على كل حال مشهورٌ متداولٌ، وعليه أقول: إن كان مقصدك هو إعلاء الشرع وحفظ البلاد - وأتمنّى ذلك لك - فقد طاش سهمك هذه المرة ولن يتمّ ما أردته بما فعلته، فعُد عنه فوراً حقناً للدماء، لأن الشرع لا يقوم فى خضم الفوضى التى تدقّ أبوابنا، وإن كان مقصدك ترسيخ الحكم لجماعة الإخوان - ولا أتمنّى ذلك لك - فاعلم أن جماعتك سعت للسلطة طيلة ثمانين عاماً، ولن يضيرها أن تتوسّل السبل لإقرار السلطة بيدها فى أعوام ثمانية، فترفّق فى الأمر مهما كان مقصدك، واعلم أننى ناصحٌ لك لا يبغى منك جزاءً ولا يخاف من عقابك، فقد حرّرنى الله من انتظار الثواب واتّقاء العقاب.

وفى الرابعة قال: يا رئيسَ مصرَ المُنتخب، قد قتلَ المسلم أخاه وقتل المصرىُّ للمصرىَّ، والحال يُنذر بالمزيد. ولا يخفى عليك أن شباب الإخوان الذين هم وقودُ حربك مع مخالفيك، الكثيرين، هم فى نهاية المطاف مصريون. ودماؤهم، والدماء التى قد يسيلونها، كلها مصريةٌ وأغلبها مسلمٌ، ولا مسوِّغ لإهدارها من أجل مزيد من السلطة. وكل سُلطةٍ إلى زوالٍ، لا محالة، وإنك ميّتٌ وهم ميّتون - كما ورد فى آى القرآن الكريم - وعند سيلان دماء المهتاجين، لن يجدى من بعد ذلك كلامٌ، ولن تُقبل حُججٌ. فالدمُ لا يستجلب إلا الدم، والعنفُ لا يولّد إلا عنفاً. ولن يكون بأيدينا بعد وقوع الواقعة ما يدفعها، لن يكون لها دافعٌ بيدى ولا بيدك ولا بيد المرشد العام - على جلال قدركما - ولن يبقى لنا جميعاً إلا الأسى على ما فات، والندم، والحزن الشفيف على ما هو قائم. فأدرك الناس، رحمك الله ورحمنا معك، واعلم أن عواصمك غير عاصمة لك، ولا لنا، والعواقب الوخيمة عليك وعلينا. وما نحنُ بأعداءٍ، بل إخوةٌ دمُ بعضهم على بعض حرام.

وختم رسائله قائلاً: يا رئيس مصر المنتخب، هب أن لك مؤيّدين وشركاءً قادرين على حَشدهم. ماذا بعد؟، مهما كثُر مؤيدوك فإن مُعارضيك أيضاً كثيرون، وما علينا الآن من الزعم بأن أولئك أكثر من هؤلاء، فهذا قياسٌ سقيم. وهذه الخلافات ليست حملةً لجهادٍ مقدّس، وإنما هو اختلافٌ سياسىٌّ. والسياسة أخسُّ من أن يموت الناس من أجلها. ولا يحق لمسلمٍ ولا لأى عاقلٍ أن يغترّ بكثرة الأتباع، فقد أهلك الله مَن كانوا أكثر أتباعاً وأعزّ نفراً. الوقتُ تأخّر، وظلالُ المساء امتدّت…"الويلُ لنا، لأن ظلالَ المساء امتدّت.. وما عاد الإرجاءُ يُجدى. فقد حدّقتُ فى اسوداد السماء، فرأيتُ أنه سيكون قتلٌ، ويكون هتكٌ، ويكون فتكٌ، ويكون سفكٌ.."يستعجلُ بها الذين لا يؤمنون بها، والذين آمنوا مشفقون منها، ويعلمون أنها الحق" فإنا لله وإنا إليه راجعون.

الجمعة، 30 نوفمبر 2012

مرسي بحاجة لعدو خارجي

مرسي بحاجة لعدو خارجي
مرسي بحاجة لعدو خارجي
في معرض متابعتها للتطورات، التي تشهدها مصر، على خلفية إصدار الرئيس محمد مرسي إعلانا دستوريا مثيراً للجدل، تنشر صحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا" تعليقا للمستشرقة مارينا سابرونوفا، ترى فيه أن ما يحدث في مصر ليس وليد الصدفة، بل كان هناك الكثير من المؤشرات على قرب انفجار الأوضاع. فمن المعلوم للجميع أن أكثر من نصف المواطنين المصريين، كانوا يعارضون السياسة التي ينتهجها الرئيس مرسي، وكانوا بانتظار اللحظة المناسبة للتعبير عن ذلك. ومن المعروف كذلك أن الشرائح الليبرالية في المجتمع المصري والفئة الشبابية كذلك، كانت ولا تزال تسعى لتحرير النظام السياسي. لكن الأمور، لم تقف عند حد الجمود، وعدم التحرك نحو الديموقراطية، بل سارت نحو إعادة إنتاج النظام القديم.
يرى بعض الخبراء أن ما حدث في مصر، كان متوقعا لعدة أسباب من أهمها قلة خبرة الرئيس مرسي في العمل السياسي، وإدارة شئون الدولة. فقد أكدت أحداث الأيام الأخيرة أن مرسي أقدم على خطوة غير مدروسة. هذا بالاضافة إلى أنه لم يحقق حتى الآن الكثير من وعوده الانتخابية. لهذا فهو مطالب الآن، أكثر من أي وقت مضى، بإتقان فنّ المناورة والمراوغة، لكي يتمكن من تجاوز هذه المرحلة بأقل الخسائر. وعليه كذلك أن يكون مستعدا للقادم من الأيام، لأن الأوضاع الاقتصادية في بلاده، تنذر باندلاع المزيد من الاضطرابات. وعليه أن لا يشغل نفسه بالبحث عن أعداء خارجيين، لكي يضمن التفاف الشعب حوله.
من المرجح أن يبحث الرئيس المصري عن حل وسط، لأن الذهاب إلى مواجهة مفتوحة مع نصف المجتمع، ومع السلطة القضائية، يمكن أن يؤدي الى ما لا يحمد عقباه، بالنسبة لمستقبله السياسي، وبالنسبة لأمن البلد واستقراره.
إن هذه الأجواء المشحونة تعيد إلى الأذهان الأحداث التي شهدتها مصر إبان الثورة. فحتى إذا لم تؤد المواجهات الشعبية الحالية إلى تغيير جديد في طبيعة السلطة القائمة، إلا أنها تشكل ضربة قوية لهيبة رأس السلطة ـ الرئيس مرسي. ومن المؤكد انه لن يكون باستطاعة المعارضة أن تزيح الرئيس عن السلطة لأن الإسلاميين لن يتركوه فريسة سهلة لهم. لهذا يجب على كافة أطراف المعارضة أن ترص صفوفها لتحقيق أكبر قدر ممكن من تطلعاتها.


«هيكل»: «الإسلام السياسي»

 

 

 

 لا يقبل مبدأ الاختلاف الفكري




قال المفكر السياسى والكاتب الكبير محمد حسنين هيكل إن تيار الإسلام السياسى فى مصر لا يقبل مبدأ الاختلاف فكرياً.. وإنه يختلف مع المقولة الأساسية للأستاذ حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، بأن الإسلام دين ودولة، لأنها تحمل الكثير من التناقض، فالدين ثابت والسياسة نسبية، والدين يقين واعتقاد، والسياسة حوار دائم ومستمر، كما أن الدين له منطقه ومجاله، وله فعله بمقدار ما هو ممكن، لكنه دوماً فى القلب، أما السياسة فقضية أخرى، لأنها خيارات دنيوية وليست أخروية.
وأضاف الأستاذ «هيكل» فى حوار مطول لمجلة «الهلال» تنشره الجمعة ، أن أزمة سيطرة تيار الإسلام السياسى تكمن فى غياب مجال الحوار، لأن المطلقات لا تمهد لاختيارات سياسية، لأنها تعبر عن مقادير مكتوبة ومحسومة.
وتابع «هيكل» أنه من المؤكد أن الحتمية لا تستطيع تقديم مبدع كبير، لأن أى أدب أو فكر أو فن يدعو إلى التجديد ومخالفة الواقع، وعندما تقول إن ما صلح به أول الأمة هو الذى سيصلحها الآن، هذا يعنى أنك تدعو إلى التقليد ما يعمل بالضرورة على تقييد الفكر والإبداع، «هيكل» تحدث فى حواره مع الكاتب محمد الشافعى، رئيس تحرير مجلة «الهلال»، عن جذوره الثقافية، وقال: فى منزل جدى لوالدتى، وهو من عائلة سلام المعروفة، كان هناك تقليد صارم يخص أطفال العائلة، وهو حتمية تعلم وحفظ القرآن الكريم، لأن أحفاده يجب أن يحفظوا القرآن، وكان فى بيت جدى «مندرة» مليئة بالكتب جمعها جدى وخالى من مكتبة صبيح بالأزهر، وبيت جدى كان موجوداً فى المنطقة، التى بها مشيخة الأزهر الجديدة.. وكان بجوارنا بيت «الرافعى» وبيت «الرزاز».. وهذه المنطقة كانت مقراً للتجارة الوطنية فى مصر.. كما كانت المكتبات ودور النشر تتمركز إلى جوار المنطقة، التى يطلقون عليها الآن السكة الجديدة والأزهر والغورية، وفى الجهة المقابلة كانت البنوك الأجنبية.
وقد ساهمت هذه المنطقة بكل ما تحمله من زخم دينى فى تشكيل ملامح شخصيتى الأولى.. حيث كنت أذهب يوم الجمعة مع جدى إلى مقصورة سيدنا الحسين فى وقت مبكر وأستمع إلى القرآن الكريم بأصوات المقرئين العظام: الشيخ على محمود والشيخ طه الفشنى والشيخ محمد رفعت، وأذكر أن أول كتاب قرأته كان «أدب الدنيا والدين» - وعانيت كثيراً فى فهمه - وقرأت بعد ذلك فى دواوين الشعر وفى كتاب «الأغانى» للأصفهانى وفى كتاب «ألف ليلة وليلة»، ثم جذبتنى كثيراً كتب السيرة الشعبية مثل «ذات الهمة» و«الظاهر بيبرس».. وهو واحد من الشخصيات التى تأثرت بها كثيراً، لأنى رأيت فيه صورة البطل.
وكشف «هيكل» لأول مرة عن عمله بالصحافة الفنية لفترة قصيرة قائلاً: كثير من مشاهير الصحافة والأدب فى العالم عملوا فى الصحافة المصرية الصادرة باللغات الأجنبية، أو عملوا كمراسلين لكبريات الصحف العالمية فى مصر وقت أحداث الحرب العالمية الثانية.. ومنهم على سبيل المثال جورج أوريل، الذى عمل رئيس تحرير «الإيجيبشن جازيت» كانت لديه نظرية للعمل الصحفى تكمن فى ضرورة أن يعمل الصحفى فى بداية حياته بقسم الجريمة أو الحوادث ليتعرف خبايا النفس البشرية.. وعليه أن يعمل أيضاً مراسلاً عسكرياً ليكتشف كيف تلجأ الشعوب إلى الحرب عندما لا تجد حلولاً لمشاكلها..
وفيما بعد كان للدكتور محمود عزمى، ومعه الأستاذ محمد التابعى نظرية أخرى للعمل الصحفى تؤكد أن الصحفى فى بداية حياته عليه أن يعمل بقسم الفن ليتعرف على تفاصيل «الحياة»، لكن بصورة مصغرة.. ثم عليه أن يعمل فى قسم البرلمان.. ليتعرف على أسرار وخبايا الحياة السياسية.. وعندما ذهبت إلى «آخر ساعة» عملت فعلاً بقسم الفن.. وربما لا يعرف الكثيرون أننى ارتبطت بعلاقة صداقة قوية مع الفنان نجيب الريحانى.. وكنت أجلس معه فى الكواليس.. وبعد نهاية العرض كنت أركب معه الحنطور، ونذهب لنجلس على المقهى. ومن حسن حظى أنى طبقت النظريتين فقد عملت مراسلاً حربياً كما عملت بالفن.
وحول رؤيته لأهمية الثقافة ودورها الفاعل فى الواقع قال «هيكل»: أعتقد أنه لا توجد سياسة دون ثقافة.. وإذا فصلت الثقافة من السياسة تحولت إلى سلطة، حيث لا فرق بين رئيس الدولة وخفير أمن.. لأن ما يفرق الاثنين هو البُعد السياسى، الذى يكمن خلف الفكرة السياسية.. ودوماً أؤمن بأن الثقافة ليست بعيدة أبداً عن السياسة.. وأنه لا ظهير للسياسة إلا الثقافة.
الكاتب الصحفى الأشهر كشف عن سر الدور السادس فى «الأهرام»، الذى ضم عمالقة الأدب والفكر فى مصر قائلاً: سألنى توفيق الحكيم عندما عرضت عليه الانضمام لـ«الأهرام» لماذا تريدنى فى «الأهرام»؟ وكان متشككاً باستمرار.. فقلت له لا أريد منك شيئاً أبداً.. ستحصل على راتب يساوى 5 آلاف جنيه فى السنة - وهو الراتب نفسه الذى كنت أتقاضاه فى «الأهرام» - لمجرد تناولك «الغداء» فى مطعم «الأهرام» يومياً.. فسألنى.. ومن سيدفع حساب الغداء؟
فقلت له: «الأهرام» ستدفع.. فقال متعجباً: وأحصل على راتبى مقابل ذلك فقط؟ فقلت له نعم بشرط أن يجلس معك كل يوم خمسة أو ستة من شباب «الأهرام» تدعوهم على «الغداء»، وتتناقش معهم لكى ينهلوا من ثقافتك.. وكنت أهدف من وراء ذلك أن ننقل الثقافة للناس، لأن الثقافة مثل السياسة إذا لم تكن لصالح الجماهير فلا قيمة لها، ثم ذهبت بعد ذلك إلى طه حسين فى بيته «رامتان» بشارع الهرم.. وعرضت عليه الانضمام لـ«الأهرام».. لكن خلافاته مع «الحكيم» جعلته يعتذر.. وكان طه حسين يمتلك «اعتزاز المفكر» فاعتذر وقبلت اعتذاره.. وهذا لم يمنعنى من الإصرار على الإتيان بكبار الأدباء مثل نجيب محفوظ.
وكشف «هيكل» لأول مرة أن نشر رواية «أولاد حارتنا» على صفحات «الأهرام» لم يكن حادثاً فريداً من نوعه، قائلاً: لم تكن «أولاد حارتنا» فقط هى التى أثارت الكثير من الجدل والهجوم على «الأهرام».. لكن رواية «بنك القلق» لـ«الحكيم» أثارت جدلاً أكبر، حيث احتج عبدالحكيم عامر بشدة ووصل الخلاف بيننا إلى نقاش حاد أمام «عبدالناصر».. حيث أكد «عامر» أن «الحكيم» يقصد نقد المخابرات.. لكن «عبدالناصر» كعادته حسم الموضوع بهدوء حيث قال لـ«عامر»: إذا كان توفيق الحكيم كتب فى العصر الإقطاعى السابق «يوميات نائب فى الأرياف»، وقال رأيه فى الأحوال الاجتماعية المصرية فى ذلك الوقت.. ولم يتصد له أحد.. فهل يعقل أنه عندما ينتقد بعض الأوضاع بعد الثورة أن نتصدى له. المهم أن «الأهرام» حرص على وجود كبار الأدباء والمفكرين مثل: زكى نجيب محمود - يوسف إدريس - لويس عوض - عبدالرحمن الشرقاوى - والدكتورة بنت الشاطئ.
وشدد «هيكل» على ضرورة التوازن بين التيارات الفكرية والثقافية قائلاً: إذا كنت تتكلم عن ثقافة شعب فلابد أن تكون جميع تياراته موجودة.. فالبُعد الإسلامى كانت تمثله الدكتورة عائشة عبدالرحمن «بنت الشاطئ».. وتوفيق الحكيم كان يمثل فكراً آخر هو الوسطية.. ويوسف إدريس متأثر جداً بالأدب الإسبانى.. وعبدالرحمن الشرقاوى يمثل اليسار، وهكذا فإن هذه المجموعة من كبار المفكرين والأدباء تمثل «تكامل الثقافة المصرية»، وأيضاً تمثل الانفتاح والاحتكاك بكل ثقافات العالم الأخرى.. من خلال التواصل مع كل المدارس الأدبية والفكرية.. وهذا التواصل مع الآخر هو ما كنا ومازلنا فى أشد الاحتياج إليه.
ووصف «هيكل» الحكاية المتداولة عن دوره فى حماية نجيب محفوظ من الاعتقال فى عهد الزعيم «عبدالناصر» بأنها خرافة، قائلاً: هذه خرافة رددها الكثيرون.. والحقيقة أنه لم يفكر أحد فى اعتقال «نجيب» فى أى وقت من الأوقات.. أولاً لأن جمال عبدالناصر كان يعرف قيمة وقدر نجيب محفوظ.. ويعلم أنه يستطيع أن يعاتبنى على بعض الأشياء التى يكتبها نجيب محفوظ وغيره من كتاب «الأهرام». وثانياً: لأننى كرئيس تحرير لم أكن أسمح بذلك أبداً.. لأننى أرى أن دور رئيس التحرير يتخطى مجرد قدرته على تجنيد الكتاب المهمين وإدارة الجريدة.. لأن دوره الأهم هو حماية الجريدة وكل كتابها..
ولم أقبل أبداً أن يتحدث أحد أو يؤذى محرراً فى «الأهرام».. وكان الجميع يعلمون أن من يريد التحدث إلى أى شخص فى «الأهرام» بخصوص أى أخطاء أو مشاكل فعليه أن يتحدث مع رئيس التحرير فقط.. وأذكر أننى فى اجتماعى الأول مع أسرة تحرير «الأهرام» قلت لهم بوضوح إننى أعلم أن بعض الجالسين معنا إما على اتصال بالاتحاد القومى أو بالمباحث أو بالمخابرات.. وأنا أريد مندوبين لـ«الأهرام» فى هذه الجهات وليس العكس.. ولذلك فأمام هؤلاء مهلة لمدة شهر لقطع صلاتهم بهذه الجهات.. وإلا فعليهم قطع صلتهم بـ«الأهرام».


مصر بين مونتسكيو والجوع
 
عناية جابر

 
2012-11-29

 
مصر تعود الى الساحات من جديد لترفض شكلاً ما رفضته منذ أكثر من عام: السلطة المحتكرة. الأخوان المسلمون لم يستطيعوا بالرغم من جماهيريتهم ومن إسلاميتهم أن يقنعوا الجمهور الواسع بنظرتهم الأحادية للأمور. تعقدت الصورة والمشهد صار مركبا. أهل مصر يرفضون الحكم الأخواني بذاته ويرفضون شكله المقترح ويعتبرونه عودة الى الدكتاتورية. وما العجب في الأمر لا سيما عندما نعلم أن الإنتخابات الديموقراطية حصلت بدون برامج سياسية واضحة يحاسب الرابح على أساسها. الإنتخابات سواء في تونس أم في مصر كانت أشبه باستفتاء ضد الماضي كماض ولم تعنَ بالمستقبل ولا بما يريد الناس من الحكم، أي حكم. صار من الصعب على أي مراقب فهم المشهد العربي العام اليوم من خلال ما يجري في مصر حاليا وبغض النظر عن النتائج التي قد تؤول اليها. 
الصراع اليوم، كما يبدو من خلال المشهد المصري، يتمحور حول الدستور وقواعد السلطة الأساسية وتقوده قوى سياسية مؤتلفة ضد قوة تدعي الإسلام منهجاً. ورغم ذلك يظهر أن الجمهور الواسع لم يهضم هذا 'الإسلام' بالذات. أما كيف أجريت انتخابات رئاسية قبل وضع الدستور وقبل تحديد قواعد اللعبة والإتفاق عليها مسبقا فلم يكلف أحد نفسه عناء التوقف عندها. قد يقول قائل جرى ذلك تحت ضغط الصراع مع العسكر يومها حين كان المجلس العسكري يدير شؤون البلاد بعد سقوط رأس مبارك. وهذا بالطبع صحيح لكن الصحيح أيضا أن الصراع ما زال في أول السكة كما يقول المصريون.
طالما أن المعركة السياسية تدور حول القواعد الأساسية للحكم لا حول الرؤى المستقبلية فإن الثورة الحقيقية ما تزال تنتظر من يعلنها. لا زلنا على الأغلب في حالة تغيير الطرابيش وفي حالة الصراع على السلطة لا على النظام. ما نشهده حاليا هو رفض من قبل جمهور واسع ل'نوع' معين من السياسيين لا لسياستهم. الرفض يطال نخبة تدعي الإسلام لا برنامجها للحكم. وهل طرحت هذه النخبة برنامجا للحكم؟ على أي حال فإن 'المسلمين' في مصر شعب مصر، يرفضون اليوم بأغلبيتهم حكم الإسلام الاخواني وبشكل صريح. 
لكن إذا صح ذلك هل علينا أن نتوقع رد الفعل ذاته في تونس وفي ليبيا ايضا؟ وهل ارتماء حماس الفلسطينية في أحضان الإخوان المصريين جاء متسرعا ومحكوما عليه بالفشل، فشل الحاضن؟ وهل ستخسر حماس الفلسطينية في مصر ما كسبته في حرب غزة الأخيرة ضد الاسرائيلي؟ هل سيدفع الإخوان المسلمون 'العرب' أثمان أخطائهم بهذه السرعة؟ اسئلة كثيرة تتدافع في ذهن المراقب الحذر اليوم على قاعدة المشهد المصري الذي يبدو وكأنه محطة تحول مهمة جدا على طريق الربيع العربي.
ما تطرحه الانتفاضة الجديدة في الميدان المصري يتعدى حتما الإطار المصري ليطال السياسة بمضمونها الفعلي عند الإخوان المسلمون 'العرب'. الإعتراض اليوم ليس فقط على مسائل دستورية مصرية بل على سياسة شاملة ترتسم دون إعلان وتهدف بالواقع إلى تعزيز السياسات القديمة وتأبيدها. فلا تغيير في العلاقة بالخارج بل العكس، ولا تغيير في الطرح الاقتصادي والاجتماعي، ولا تغيير في معادلات الخضوع الى الإسرائيلي.
أيا يكن المخرج السياسي لمعركة الدستور الحالية في مصر والذي أشك بأنه سيفضي الى إجبار الإخوان على التخلي عن السلطة بهذه البساطة وبهذه السرعة فإن الإستنتاج الاول والأكيد الذي يمكن للمراقب أن يستخرجه هو أن الإخوان صاروا في موقع الدفاع لا الهجوم وعلى الصعيد العربي العام لا فقط المصري. وبالرغم من الدعم الخارجي والاتفاقات السرية والعلنية مع الاميركيين وغيرهم وبالرغم من حصولهم بالتالي على 'الإعتراف الدولي' بهم كطرف 'معتدل' مقبول فلقد فشل الإخوان المسلمون المصريون في الحفاظ على شرعيتهم الانتخابية الداخلية وبسرعة قياسية بالحقيقة.
على أي حال وفي المضمون البعيد عن الشكليات يمكن القول أن سياسة الإخوان 'الغامضة' أيضا قد تلقت وعلى نحو غير مباشر ضربة اكثر من قوية. فسياسة الحرص على الغموض والخرس في الشأنين الإقتصادي و الإجتماعي داخليا لن تخــــرج معــــافاة من هذه المواجهة الأخيرة. 
وكذلك الأمر في الشؤون الخارجية ابتداءً من صندوق النقد الدولي ومرورا بالمسألة الفلسطينية وصولا إلى العلاقة بالاميركي والتموضع ضمن سياسته الدولية. فالمجابهة الحاصلة حاليا في الشارع بين المعارضة والإخوان لن تتوقف حتما على المسائل الدستورية. فكلما طال الصراع في الشارع كلما فرض الشارع اسئلته وهمومه على القوى السياسية 'العاقلة'. 
فمن غير المعقول أن يكون الجمهور المصري الذي قام بانتفاضة عفوية منذ أقل من عامين قد قام بها لأسباب فلسفية تتعلق بالموقف من مونتسكيو وجان جاك روسو. أغلب الظن أن أسبابا اخرى من نوع الجوع والفقر والبطالة والسكن والصحة والكرامة الوطنية والفردية قد تكون دفعته الى أن ينتفض على منظومة تتحكم بأسباب عيشه وليس فقط على شخوص هذه المنظومة. وكما يقول المثل اللبناني فإن المصري يريد ان يأكل عنبا لا أن يقتل الناطور. وأما العودة الى الميدان اليوم فإنها وإن تكن شكلا من أجل قضية دستورية لكنها في مضمونها لا يمكن أن تكون بعيدة عن هموم الناس الفعلية في 'العيش والحرية والكرامة الوطنية'. 
أغلب الظن أن الناس في مصر وفي سائر ارجاء الشارع العربي اليوم لم تعد تهتم بصراعات السرايا ومناورات البلاطات هنا وهناك بل هي تتململ وتنتفض وتشارك في الشأن العام من اجل إيجاد البدائل الملموسة لمشاكلها الحقيقية الكبيرة جدا. وأما من يريد أن يحصر الصراع فقط في المسائل الفلسفية والدستورية فهو الذي لا يهتم بغير الوصول الى السلطة واحتكارها، وأما تغيير المنظومة المستبدة فعليا والإتيان بأجوبة عادلة على مشاكل البشر فهما من إختصاص الناس أنفسهم. 
دماء المصريين مسؤولية واشنطن والدوحة والإخوان المسلمين

من الواضح أن الرئاسة الإخوانية في مصر وجماعة الإخوان المسلمين تُصدِّران خطابا ملتبسا إلى الخارج بهدف الحفاظ على الدعم الخارجي عموما، ودعم كل من الإدارة الأمريكية ودولة قطر تحديدا. والخطاب الملتبس يدور حول أن القوى السياسية المصرية ضعيفة ولا تمثل كل المصريين وغير قادرة على منافسة الإخوان والسلفيين ولا تستطيع إدارة الدولة. وكذلك الموجودون في الميادين والشوارع لا يمثلون كل المصريين، لأنهم إما فلول تابعون لنظام مبارك أو بلطجية لا يمثلون ثورة يناير. هذا الخطاب الملتبس يضع كل المصريين المعارضين لحكم الإخوان ومكتب الإرشاد وممثلهما في قصر الاتحادية في موضع الشك والضعف ومعاداة الغرب وإسرائيل، وأنهم فلول من أتباع نظام مبارك. 

منذ 19 نوفمبر (الذكرى الأولى لمعارك محمد محمود ضد الحكم العسكري وضد تواطؤ الإخوان وخيانتهم) بدأت تتبلور صورة جديدة تماما تتمثل في تحالف من جانب القوى السياسية وقادتها والالتحام الحقيقي بالشارع، ما دفع الإخوان المسلمين وممثلهم في قصر الاتحادية إلى اتخاذ إجراءات تعتمد على تصعيد حدة الاستقطاب بين المصريين ما يهدد فعليا بحرب أهلية بدأت تلوح بشائرها في الأفق، والتركيز شبه الكلي على الدعم الخارجي من الولايات المتحدة وقطر وبعض الدول الغربية التي تراوح في مكان واحد عبر تصريحات أكثر التباسا. 

المشهد الآن في مصر يتجه بشكل واضح ومباشر إلى صدامات أهلية بعد انسحاب الكثيرين من الجمعية التأسيسية، بمن فيهم ممثلو 20 مليون مواطن مصري، هم المصريون المسيحيون، وكذلك شخصيات عامة وقانونية وقضائية. المظاهرات تعم جميع مدن البلاد تقريبا وتتصاعد حدة المطالب السياسية والاجتماعية والتشريعية الواضحة والمباشرة، كل ذلك أمام تصميم صارم من جانب جماعة الإخوان المسلمين ومكتب الإرشاد والولايات المتحدة وقطر على ضرورة إنجاز المهمة قبل تدهور الأوضاع، وهذا ما فهمه الرئيس الإخواني الدكتور محمد مرسي. فقرر إنجاز الدستور قبل 2 ديسمبر وهو موعد الحكم في بطلان الجمعية التأسيسية التي أصبحت مقتصرة على أعضاء جماعات الإخوان والسلفيين والمجموعات الجهادية والمتعاطفين معهم. 

هكذا يتبلور وضع استثنائي في مصر قبل وبعد مظاهرات يوم الثلاثاء 27 نوفمبر 2012 الضخمة في جميع المدن والمحافظات المصرية، والاشتباكات التي أسفرت عن أعداد هائلة من الجرحى والمصابين وعدد من القتلى، وتنذر بانضمام المدن العمالية وأعداد هائلة من المصريين لم تشارك في السابق في أي تظاهرات أو احتجاجات. غير أن الإخوان ووسائل الإعلام التابعة لهم تعتمد خلط الأوراق مصورة أن كل المعارضين، هم من أنصار النظام الاستبدادي الذي جرف مصر طوال 30 عاما وساقها كالذبيحة مهديا إياها على طبق من ذهب للإخوان والسلفيين وبقية أطراف الإسلام السياسي الأكثر تطرفا. والآن يجري وضع المصريين أمام اختيارات محددة كلها في إطار "إما حكم الإخوان أو الفوضى"، وهو ما يتمثل في وضع مصر وشعبها الذي يزيد تعداده الآن عن 90 مليون نسمة (90 مليون و200 ألف نسمة وفق آخر الإحصائيات الرسمية) على حافة الخطر الطائفي والحرب الأهلية لأول مرة في تاريخه. 

كثير من المصريين الآن يحمِّل الإدارة الأمريكية ودولة قطر مسؤولية الدماء المحتملة للمصريين ودخولهم في حرب أهلية. فبعد النجاح الساحق الذي أثار قلق الإخوان وغضبهم يوم 27 نوفمبر، أعلنت القوى السياسية الخروج في جمعة "الإنذار الأخير" يوم 30 نوفمبر. ولكن جماعة الإخوان تحت غطاء شرعي من جانب الرئاسة المصرية أعلنت أنها ستخرج بمظاهرات تأييد للرئيس الإخواني محمد مرسي يوم السبت 1 ديسمبر 2012. ولا يشك أحد في أن هذه المظاهرات تحديدا سوف تطلق شرارة الحرب الأهلية الحقيقية على أرض الواقع في مصر. وفي يوم 2 ديسمبر ستحكم المحكمة الدستورية ببطلان الجمعية التأسيسية. وهو ما ستعتبره جماعة الإخوان والرئاسة مجرد حكم مقابل إجراءات تشريعية رئاسية – إخوانية بإعلان الاستفتاء على الدستور أو الاستفتاء على دستور عام 1971 مع إضافة بعض البنود إليه. كل هذه الرسائل الموجهة لطمأنة الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية والحلفاء الإقليميين للجماعة تتوالى تباعا وبسرعة مذهلة قبل انفلات الأمور وتدهور الأوضاع، ما قد يدفع بالمواقف الغربية والأمريكية إلى التغيير الجزئي، وبالتالي يضعف مواقع الإخوان داخل مصر ويشجع مواقف القوى السياسية والوطنية المعارضة على الاستمرار في الضغط لإسقاط حكم الإخوان المسلمين. وهو ما قد يفسد خطط واشنطن والدوحة في ليبيا وتونس وسورية. 

إن حديث ممثل الإخوان المسلمين الدكتور محمد مرسي لمجلة (التايم) الأمريكية أثار الكثير من اللغط وعلامات الاستفهام، وبالذات فيما يتعلق بتعليمه في الولايات المتحدة وامتلاك أولاده للجنسية الأمريكية، وأن لن يسمح للمصريين بانتقاد واشنطن والشعب الأمريكي. إن حديث الرئيس الإخواني في مصر للمجلة الأمريكية قوبل بانتقادات حادة من صحيفة (واشنطن بوست) الأمريكية أيضا. أضف إلى ذلك مغازلته لواشنطن بتعاطفه مع الأسرى الأمريكيين في إيران واسترجاعه التاريخ الموجع بين طهران – الملالي وواشنطن الديمقراطية والجمهورية معا. غير أنه من الواضح أن الإدارة الأمريكية لا تزال تعول على حكم الإخوان وتدعوهم ضمنيا إلى إنهاء الأمور أو تركها تتأرجح في المجالات القانونية. وهو بالضبط ما كانت تشجع عليه نظام مبارك الاستبدادي حتى تخليها عنه تماما. 

المصريون الآن وهم على أبواب حرب أهلية حقيقية ودعم أمريكي – قطري غير محدود للقوى الرجعية لا يعولون إطلاقا على دعم مسلح من أي طرف، ولا دعم مالي، ولا تدخل في الشأن الداخلي المصري. كل ما يعولون عليه، هو تفهم الوضع الداخلي بصدق وبعيدا عن خلط الأوراق وهدم مصر لإخراجها تماما من المعادلة الإقليمية، والتخلي عن الخطط اللاإنسانية التي يتم الزج بالمنطقة فيها والدماء التي ستراق والأرواح التي ستزهق. فمنذ متى والولايات المتحدة وقطر مع مستقبل الشعوب والديمقراطية، وهي الدول الصديقة لنظام مبارك؟ أي ديمقراطية وحرية وحقوق الإنسان، وضمن أي نظام تحديدا، نظام مبارك أم نظام مكتب الإرشاد والإخوان المسلمين؟ 

المصريون الآن يحملون الولايات المتحدة وقطر ودولا أوروبية بعينها مسؤولية دماء المصريين وهدم البلاد وإشعالها تماما عن طريق استخدام الإخوان وبقية التيارات الإسلامية لتنفيذ مشروع كبير ليس له علاقة لا بالديمقراطية ولا بحرية شعوب المنطقة. لقد أرسل رئيس الإخوان في مصر رسالة واضحة إلى الولايات المتحدة بأنه يرغب بأن يكون حارس المصالح في المنطقة والجسر بين الشرق والغرب، متجاهلا دور تركيا ومصمما على الدخول في صراع واضح ومباشر مع إيران، وهو ما يروق تماما لواشنطن وقطر والسعودية، ويتعارض في الوقت نفسه مع مصالح المصريين والمصالح الوطنية والقومية للدولة المصرية. إن الإخوان المسلمين يضعون المصريين وقواهم السياسية التي تحالفات أخيرا ضد حكم الاستبداد والرجعية والتخلف في مأزق الموافقة إما على الإعلان الدستوري أو الموافقة السريعة على الدستور الذي أعده عدد قليل من أعضاء تيارات الإسلام السياسي والمتعاطفين معهم، واستبعاد ممثلي كل القطاعات الاجتماعية والدينية والثقافية والفكرية لأكثر من 70% من المصريين. ولكن استمرار المصريين والقوى السياسية الوطنية والثورية في مقاومة أخونة مصر وإدخالها عنوة في تحالفات مشبوهة لتوجيه المنطقة كلها في اتجاهات أخرى تماما سياسية واقتصادية وجيوسياسية ومعاداة واضحة ومباشرة لقوى أخرى إقليمية ودولية، ينذر بخطر الحرب الأهلية التي لن يتورع الإخوان المسلمون في إغماض العين عنها واستخدامها كورقة للضغط على الداخل والخارج. هكذا تدفع الولايات المتحدة وقطر ودول غربية في هذا الاتجاه ليتيسر لها استكمال ملفات عالقة في ليبيا وتونس وسورية وتجهيز السيناريوهات المتحركة للمنطقة ككل.
 
د. أشرف الصباغ

الثلاثاء، 27 نوفمبر 2012

الرئاسة تطلب وساطات للتراجع.. والأحزاب والقوى المدنية ترفض مقابلة الرئيس أو التحاور 
حسنين كروم
2012-11-26

 
القاهرة - 'القدس العربي' عكست الصحف المصرية الصادرة أمس نوفمبر محاولات وقف الكارثة التي توشك أن تقع بسبب الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس، وألغى به وجود القضاء، ومن ورائه الإخوان والسلفيون يؤيدونه ويطالبون بالمزيد من الإجراءات بحجة التطهير، والحقيقة انهم يريدون ديكتاتورية دينية مهما أنكروا، واعتقدوا أن القوى الأخرى سوف ترتعد فرائضها منهم، ونسوا انهم بدأوا من فترة يستعدون لمواجهتهم في الشارع بالعنف، وهو ما حدث في ميدان التحرير في الثاني عشر من أكتوبر الماضي، ولذلك فوجئوا بتوحد كل هذه الأحزاب، وبدء سلسلة من المعارك في أكثر من مدينة وحرق مقارات حزب الإخوان وهو ما لا نوافق عليه، ووقوع اشتباكات بين الفريقين، وأسرع السلفيون بالاختباء شماتة في الإخوان ولعدم رغبة الإخوان في الاقتران بهم في أي معارك شوارع حتى لا يبدون وكأنهم إرهابيون مثلهم، ويظهرون وكأنهم ضعفاء في حاجة لمساندة، وفي نفس الوقت لا يريدون استخدام كامل قوتهم في الرد، لأنهم لا يضمنون نتائج اتساع دائرة الصدام، ولإحساسهم بأن شيئاً ما سيقع ضدهم، ايضاً، فقد وضعت القوى والأحزاب المدنية الرئاسة في موقف صعب عندما أعلنت رفضها أي اجتماع مع الرئيس إلا بعد تراجع عن الإعلان، فإذا فعلها فإنه سيسيء إلى صورته اكثر، وان رفض فعليه تحمل عواقب ما سيحدث داخليا وخارجيا، ولذلك يحاول بعض مستشاريه ووزرائه، وعلى رأسهم وزير العدل أحمد مكي، ايجاد مخرج بإقناع مجلس القضاء الأعلى بالاجتماع مع الرئيس لتلبيه مطلبهم بإلغاء تدخله في القضاء مع احتفاظه بالقرارات السيادية واعتقادا منهم ان ذلك من شأنه وقف الاجراءات التي اتخذها القضاة في ناديهم، بينما كان على الوزير الذي كان أحد قادة تيار الاستقلال ضد مبارك ان يستقيل فورا من منصبه وأن يبدأ الآخرون من هذا الاعتداء على القضاء، ولكنهم للأسف استمروا في مساندة الإعلان الدستوري.
أيضاً وقع حادث مؤسف في دمنهور بمقتل الشاب الإخواني إسلام فتحي وسنه خمسة عشر عاما في الاشتباكات التي حدثت أمام مقر حزبهم، وهو أمر مثير للحزن، مثلما يثيره مقتل الشاب جابر صابر من ثوار التحرير، وكذلك نجح الصحافيون في عقد جمعيتهم العمومية وشهدت محاولة من جانب بعض الزملاء الصحافيين من الإخوان لإفسادها، وانطلقت الهتافات بسقوط دولة المرشد ورفض لجنة الدستور التي تحاول تمرير مواد معادية لحرية الصحافة وغلق الصحف، وعودة الحبس في قضايا النشر، أي إضاعة المكاسب التي حصل عليها الصحافيون بنضالهم أيام مبارك، وكان رسم زميلنا في 'الاسبوع' محمد الصباغ معبرا عن موقف الإخوان، إذ رسم قلماً مكتوبا عليه، حرية التغيير الحقيقية، والقلم الثاني خفاش على سنه ومكتوب عليه، حرية التعبير الإخوانية، ولا أعرف ان كان للإخوان والسلفيين مكتبات يبيعون فيها هذه الأقلام أم لا وكما واصلت البورصة خسائرها بعشرات المليارات. وإلى بعض مما عندنا:

وزارة الداخلية تطلب حزب الحرية 
والعدالة عدم إقامة المليونية

طلبت وزارة الداخلية من حزب الحرية والعدالة عدم إقامة المليونية اليوم - الثلاثاء - في ميدان عابدين الذي يربطه بميدان التحرير حيث مليونية القوى المدنية في شارع التحرير، وعلى مسافة أقل من نصف كيلو، وهو ما سيزيد احتمال حدوث مواجهة دموية بانتقال فريق إلى مكان الآخر، ووافق الحزب على نقل حشده أمام تمثال نهضة مصر عند جامعة القاهرة بالجيزة، وهو ما سيثير حرج السلفيين الذي صرحوا من قبل انه صنم والأدهى انه لامرأة تمثل مصر هي أمي، مكشوفة الوجه، أي لا تستحي، ومن محاسن الصدف، ان اسم الصنم نهضة تماما مثل مشروع الإخوان عن النهضة. وأعلن وزير الداخلية اللواء أحمد جمال الدين انه أجرى محادثات مع ممثلي قوى مدنية لتهدئة الأمور ووقف أي اشتباكات بين المتظاهرين والشرطة، بالإضافة الى ان وزير الدفاع الفريق أول عبدالفتاح السيسي ألقى كلمة في اجتماع مع دارسي وأعضاء هيئة تدريس كلية القادة العسكريين، بحضور الفريق صدقي صبحي رئيس الأركان، وأبرز ما قاله جملة - وهي ان الجيش ولاؤه لشعب مصر، وأرض مصر، وفي الحقيقة، فلا أعرف ان كان الاجتماع محددا له من قبل، أم تم اعداده على عجل بمناسبة الأزمة الراهنة وحتى يرسل السيسي تأكيدات جديدة بأن الجيش ولاؤه للشعب لا للإخوان - الله أعلم، أما جريدة حزب الإخوان 'الحرية والعدلة' فقد تجاهلت نشر أي إشارة حتى لا تساهم في معرفة اسم السيسي وصدقي محمود، وهو ما يثير التساؤلات عن اسباب هذا الموقف وعما إذا كان دلالة على رفض السيسي محاولة الإخوان اختراق الجيش.

الرئيس والإعلان الدستوري 
والاعتماد على الله

والى المعركة الأخطر التي أشعلها الإخوان المسلمين والرئيس، ومن يؤيده بالإعلان الدستوري الجديد، ونبدأ بهذا الفريق، ووجهات نظره، فقد قال الرئيس، نقلا عن زميلنا بـ'الأهرام' محمد فؤاد يوم السبت: 'قدر الله علينا أن خطط وعلى الله أن يوفق ومن كان الله معه فلا يضل أبداً شريطة أن تأخذ بالأسباب، أن قافلة الخير ستمضي في طريقها برعاية الله، لا تقلقوا وتيقنوا أن الله سينصر هذا الوطن وأهله، أرجو أن أكون عند ظن ربي بي وظنكم بي، نحن إن شاء الله ماضون إلى الأمام لا يوقف مسيرتنا أحد فلسنا أمة هشة وأنا أقوم بواجبي إرضاء لله ولوطني واتخذ القرارات بعد أن أتشاور مع الجميع، إن الانتصار لا يكون إلا بوجود خطة واضحة وهذا ما نفعله ونعتمد على الله، فكلمة الله دائماً هي العليا وكلمة الأعداء هي السفلى، أنه لا يقصد بالعدو أن يكون من أهل مصر لأنهم أهلنا جميعاً بل عدونا من الخارج، وضرب لرئيس مثالا بالهجرة النبوية الشريفة عندما دبر الرسول وخطط ونفذ هجرته الشريفة بتوفيق من الله، انه يقتدي بذلك وطالب الرئيس الشعب المصري بإنفاق المال في الخير مشيرا إلى أنه لا يمكن أن تقوم لنا قائمة دون بذل العمل والجد والاجتهاد'.

تشبيه قرار مرسي بالهبوط الاضطراري

ونتحول إلى 'الوطن'، اليومية - الخاصة - وزميلنا الإخواني أحمد عز الدين، الذي كان عنوان عموده اليومي هو - مرسي والهبوط الاضطراري - وينشر صورة له يبدو فيها وكأنه مثل الثعلب المكار، ولذلك لم اندهش من قوله: 'قال الرئيس مرسي بعملية هبوط اضطراري بعد أن واجهت رحلة طائرة الوطن مشكلات كبيرة في الجو، في الحالات الاضطرارية يعتمد الأمر على ثقتنا فيمن يتولى القيادة، فالذين لا يثقون في قيادة مرسي أو لم يرغبوا من الأصل في أن يتولى القيادة سارعوا بإثارة الشكوك حول الإعلان الدستوري الجديد الذي صدر أمس الأول وقالوا: إن مرسي يوشك أن يدمر الوطن، وذرفوا الدموع على الديمقراطية وبشروا بعهد جديد من الديكتاتورية، أما الذين يدركون المخاطر التي نمر بها والمعوقات القاتلة التي لا تزال موجودة فقد رضوا بالهبوط الاضطراري بديلا عن الانفجار في الجو'.
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، لم أكن أعلم من قبل مهارات الكابتن طيار أحمد عز الدين قبل أن يترك عمله في شركة مصر للطيران ويتجه للصحافة، إقلاع وهبوط اضطراري خوفا من الانفجار في الجو، دون أن يسأل نفسه، ولماذا أقلع الرئيس بالطائرة وفيها عيب؟

نكتة السادات 
مع متولي شعراوي والبابا

المهم ان حكاية الطيران والهبوط ذكرتني بنكتة، أيام الرئيس الراحل أنور السادات - عليه رحمة الله - وبمقالات أيام مبارك، النكتة كانت تقول، ان السادات كان في الطائرة ومعه عدد من المسؤولين ومن بينهم الشيخ محمد متولي الشعراوي والبابا شنودة - على الاثنين رحمة ربك - وكان السادات يكره البابا وعزله في سبتمبر 1981، المهم أن قائد الطائرة جاء للسادات، وقال له: ـ يا ريس، اكتشفنا حمولة زائدة تهدد بسقوطها، ولا بد من إلقاء راكب منها لإنقاذ الباقي.
فاستدار السادات للشعراوي والبابا، وقال لهما، سأسأل كل منكما سؤالا، من يفشل في الإجابة عليه سيتم إلقائه من الطائرة، وبدأ بالشعراوي قائلاً:
ـ يا شعراوي، تعرف كام عدد سكان مصر؟
فقال - خمسون مليونا يا ريس.
فرد - صح، يا شنودة، تعرف تقولي أساميهم؟
أما بالنسبة للطائرة ومبارك، فقد كثرت المقالات التي تبرر بطء اتخاذه القرارات بأنه طيار، لابد قبل أن يقلع أن يطمئن على جميع أجهزة الطائرة، وهذا سر تمهله في إصدار أي قرار، وكان أصحاب المقالات يعتبرون ذلك حكمة.

أحمد منصور: اعلان مرسي 
يخرج مصر من المأزق

ونظل في نفس عدد 'الوطن'، لنكون مع زميلنا الشهير ومقدم البرامج بقناة الجزيرة، أحمد منصور الذي يواصل مشكورا الكشف عن حقيقة إيمانه بالديمقراطية، إذ واصل تفحص دور ضابط الأمن ووكيل النيابة، والقاضي أيضاً، وتحس انك لست امام صحافي أو كاتب يعرف ما هي الديمقراطية، صرخ قائلا: 'إن الإعلان الدستوري الذي أعلنه الرئيس محمد مرسي وإن كان يبدو من ظاهره أنه يصنع ديكتاتورا جديدا لكنه في الحقيقة يخرج مصر من هذا المأزق الذي أرادت القلة التي تسيطر على وسائل الإعلام وتجيد تهييج البسطاء من الناس أن تدخل مصر فيه وتصنع فراغاً دستورياً وتشريعياً تغرق البلاد ويؤدي إلى فشل الثورة وهو إعلان دستوري مؤقت مرهون بانجاز الجمعية التأسيسية لعملها حتى تمهد للانتخابات التشريعية التي تعيد لمصر سلطة الشعب وتدفع مصر لتجاوز هذه المرحلة الصعبة في تاريخها.
ان ما يحدث في مصر الآن من تظاهرات يتورط فيها بعض المخلصين ليس سوى حلقة من حلقات التآمر على الثورة المصرية، والتظاهرات والمسيرات لم تتوقف منذ وصول الرئيس مرسي الى مصر الرئاسة وحتى الآن مما يعني أن هناك أيادي تعبث بمصر ولا تريد لها الاستقرار'.
وفي الحقيقة فلا أعرف لماذا لا يستغل خبرته في التحقيق في الإمساك بهذه الأيادي العابثة؟

روح الثورة تعود من جديد لمصر

ونترك منصور إلى حلمي الجزار في 'المصري اليوم' في نفس اليوم: 'مساء الخميس الماضي أحسست بروح الثورة تعود من جديد، وأحسست بأرواح الشهداء وهي ترقب الموقف بعد الإعلان الدستوري الجديد، لقد احتوى الإعلان الدستوري على أمور يكاد الإجماع ينعقد عليها وأولها مطالب الثورة والثوار في القصاص الحق ممن شاركوا أو حرضوا على قتل الشهداء وإصابة الثوار، ولقد استحوذت المادة الثانية على آراء متعارضة فوصفها بعض السياسيين بالمادة الديكتاتورية وغاب عنهم أنها نصت على تحصين قرارات رئيس الجمهورية لحين إعداد الدستور وانتخاب مجلس شعب جديد ويستغرق ذلك على أقصى تقدير نحو خمسة أشهر يعرب الشعب بعدها عن رأيه في مجلس شعب جديد يمسك بالسلطة التشريعية ويكون معبرا عن الشعب الذي اختاره فتعود الروح ايضا إلى جموع الشعب وبذلك تدب الحياة على الأرض بين جنبات الشعب وهي موجودة بلا شك في السماء بين الشهداء 'ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أموتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون 'صدق الله العظيم'.

أسباب انتقال العريان والجزار 
من مدرسة التلمساني الى محمد بديع 

وقد أسفت أشد الأسف لهذا التحول الذي أصاب حلمي الجار، وصديقنا العزيز عصام العريان، من تلاميذ لمدرسة المرشد الثالث المرحوم عمر التلمساني الهادئة والمتسامحة الى المجموعة القطبية الانتقامية والمنغلقة، وحلمي والعريان وعبدالمنعم أبو الفتوح، في القاهرة وإبراهيم الزعفراني في الإسكندرية كانوا أعضاء في الجماعة الإسلامية بالجامعة، ثم نجح التلمساني في استمالة الجماعة الإسلامية في القاهرة والوجه البحري، وانضموا للإخوان بينما ظل غالبية اعضاء الجماعة في الصعيد بعيدا عن الإخوان باستثناء أعداد قليلة مثل صديقنا المهندس أبو العلا أبو ماضي رئيس حزب الوسط الآن، وقد ازداد تحول عصام بعد أن أصبح نائبا لرئيس الحزب وحلمي بعد انتخابه رئيسا للمكتب الإداري لمحافظة الجيزة، صحيح ان تيار التلمساني لا يزال موجودا في الحزب، لكنه يتوارى الآن خوفا من تصفيته على أيدي مجموعة أنصار سيد قطب - عليه رحمة الله - لكن هناك عدد من الإخوان داخل الحزب لديهم جرأة أكبر، منهم زميلنا في الحرية والعدالة، وأحد مديري تحريرها، علاء البحار الذي عبر عن قلقه مما حدث قائلاً للرئيس: 'دعني أحدثك بصراحة، لقد غضب بعض شعبك من بعض مواد الإعلان الدستوري وهؤلاء أنت مسئول عنهم مثل باقي شعبك ومسئول عن إقناعهم وتحقيــــق مطالبهم، وأنا أحدثك هنا عن البعض الوطني الغي2ـــور على ثورته وليس البعض الفوضوي والفاسد الذي - للأسف - نجح في احتواء الكثير من شباب الثورة والقوى السياسية لكي يتلاعبوا بهذا الموقف ويختبئوا وراء حماية الثورة ضدك، أناشدك سيادة الرئيس أن تسعى إلى احتواء هؤلاء بدلا من تركهم فريسة في أيدي من يريدون الدمار والفوضى في كل أرجاء مصر وأنت تابعت بنفسك ما فعلوه من حرق وتخريب، لا تترك هؤلاء العابثين يزيدون من الهوة بينك وبين معارضتك الجادة والثورية، لن أقول لك تراجع ولكــن أقول لك تقدم وبادر من أجل احتواء الجميع، لن أحدد لك الآليات فلديك مستشاروك ومؤسساتك الذين تستعين بهم لاتخاذ القرارات المناسبة، عن طريق آليات محددة واجراءات مقنعة لجميع الأطراف ولكن تواصل ثورتنا نجاحها وتتجاوز عقباتها وتواجه المؤامرة التي تحاك بها وبك، اذكرك يا سيادة الرئيس 'احتم بكل شعبك وليس ببعضهم'.

دور القوى المدنية 
في ما يحدث في مصر

أما رئيس التحرير زميلنا عادل الأنصاري فلم يكن في شجاعة ووضوح علاء فقال وهو يراوغ: 'المشكلة الكبرى أن القوى العلمانية التي يحلو لها أن تطلق على نفسها مسمى القوى المدنية تناوبت خلال المرحلة الانتقالية المواقف ونقيضها والآراء وعكسها وتداولت الأدوار وتناوبتها في الاتجاه المعاكس دون أن تشعر بغضاضة في عمليات التناوب والتداول المحمومة، هذه القوى هي التي طالبت بتمديد المرحلة الانتقالية وبقاء استمرار حكم العسكر لمدة عام أو عامين وهي التي طالبت في المقابل بالتخلص من حكم العسكر والانتقال الى قيادة مدنية، هذه القوى هي التي طالبت بالتعجيل في انجاز الدستور حتى كانت مقولة 'الدستور أولا' شاهداً ومعلماً رئيساً يدل على موقفها الصارم من تأجيل الدستور أو التباطؤ في انجازه ثم تأتي هذه القوى ذاتها بشخوصها ورموزها وكل مكوناتها لتعرقل الدستور وتسعى إلى إرجائه وتسويقه من خلال الطعن على الجمعية تارة ومن خلال الانسحابات المتكررة بحجة عدم 'سلق الدستور'، هذه القوى نفسها هي التي طالبت بمحاكمات ثورية لرموز الحكم السابق ثم هي ذاتها التي تعترض اليوم وتتظاهر ضد قرارات الرئيس التي جاءت استجابة لمطالبهم ومطالب الشعب معهم، هذه القوى هي التي طالبت بعزل النائب العام باعتباره من بقايا النظام السابق، وعندما جاءت الاستجابة الأولى من الرئيس بتقديم عرض للنائب العام بالعمل في السلك الدبلوماسي قامت الدنيا ولم تقعد واعترضوا جميعاً على قرار الرئيس'.

مرسي ومعاونوه لم يقدروا ردة الفعل

وفي 'المصري اليوم' يوم الأحد، واصل صديقنا والنائب الأول السابق للمرشد العام الدكتور محمد حبيب التعبير عن رفضه للإعلان قائلا: 'أحسب أن الدكتور مرسي ومعه معاونوه ومستشاروه وهو يفكر في إصدار قراراته التي فاجأ بها الشعب المصري مساء الخميس الماضي '22 نوفمبر' كان ينظر من خلال ثقب بالباب - وفيما يبدو' والله أعلم - لم تكن هناك محاولة لاستطلاع رأي ممثلي القوى السياسية والرموز الوطنية والشخصيات العامة من أهل الاختصاص وأصحاب الفكر والخبرة والتجربة حول إصدار مثل هذه القرارات، وما يمكن أن تحدثه من ردود أفعال، ناهينا عن مدى دستوريتها وقانونيتها، وكانت النتيجة هذا الانقسام الواضح في المجتمع مضافاً إليه الدخول في خصومة شديدة وحادة مع عموم القضاة، كأننا لا نتعلم من أخطائنا، لقد أدت قرارات مرسي إلى إحداث شروخ عميقة مع قوى ثورية وقفت داعمة له في لحظة حرجة وفارقة، كما أدت الى توحد قوى المعارضة واصطفافها في خندق واحد ضده، لسنا بالقطع مع القرارات الأخرى التي ذهب فيها الدكتور مرسي الى مدى لم يصل إليه رئيس قبله، نحن نرفض بكل وضوح اعتبار كل قرارات رئيس الجمهورية منذ توليه في 30 يونيو الماضي حتى إقرار الدستور الجديد نافذة بذاتها ولا يجوز الطعن عليها '!!'.
هذا معناه أن الرجل أصبح فوق الدستور والقانون، بل اصبح الآمر الناهي عجب أن نجد من يدافع عن الأمر ولله في خلقه شئون، ونرفض بكل وضوح أيضاً تحسين مجلس الشورى، واللجنة التأسيسية لكتابة الدستور '!!' هذا معناه أن الرجل عطل واستلب السلطة القضائية عملها الأصيل وهو إصدار الأحكام القضائية وأنه لا اعتبار لأي هيئة قضائية، هذه وتلك تعتبر قرارات ديكتاتورية كارثية بامتياز، وكان من الطبيعي أن يثور ضدها كل ألوان الطيف السياسي في مصر'.

أين هذا الاستقرار الذي قيل 
إن الإعلان الدستوري سيحققه؟

ويكفي الإخوان هذه المساحة اليوم، ونعطي للمعترضين فرصة مثل زميلنا وصديقنا بـ'الأهرام' صلاح منتصر الذي ضرب كفاً على كف وتساءل يوم السبت: 'أين هذا الاستقرار الذي قيل إن الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس مرسي سوف يحققه؟ ففور صدور الإعلان انقسمت البلاد بصورة واضحة وإلى درجة اعترف فيها الرئيس بهذا الانقسام ووقف خطيباً أمام قصر الاتحادية بين مؤيديه الذين تعودوا على السمع والطاعة بينما معارضوه يملأون الميادين الأخرى، فهل هذا هو الاستقرار المنشود؟ وكيف يمكن أن يتحقق الاستقرار في دولة أعطى دستورها للرئيس حصانة مطلقة لا على ما أصدره فقط من قرارات وإنما أيضا على ما سيصدره، وهي حصانة ليست لفرد أو حاكم على الأرض وإنما هي للخالق وحده، فمن هو الذي يستطيع مهما كان أن ينازع المولى في قدارة ما صدر وما سيصدره، وهي حصانة ليست لفرد أو حاكم على الأرض وإنما هي للخالق وحده، فمن هو الذي يستطيع مهما كان أن ينازع المولى في قداسة ما صدر وما سيصدر عنه، فحسب المادة الثانية من الإعلان الدستوري لا يجوز الطعن بأي طريق وأمام أي جهة لما يصدر عن رئيس الجمهورية من قوانين وقرارات منذ توليه السلطة في 30 يونيو 2012 وإلى أن يتم نفاذ الدستور وانتخاب مجلس شعب جديد، لقد كان أهون إعلان الأحكام العرفية لأنه حتى هذه الأحكام لها قواعد وإجراءات يمكن معها المواطن اللجوء الى القضاء والطعن في بعض ما يصدر عن الحاكم'.

أول مصري يخلع
الرئيس محمد مرسي

ونظل في يوم السبت ولكن في 'اليوم السابع' حيث وضع زميلنا وائل السمري يده على المصحف وتمتم بكلمات لم أستطع تفهمها، ثم قال بواضع:
'أتشرف بأن أكون أول مصري يخلع الرئيس محمد مرسي وليفعل ما يفعل هو وجماعته وليطلقوا ما يطلقون من قذائف الشتائم المعتادة أو ليسلطوا ما يحشدونه من ميليشيات مسلحة عليَّ فأنا أعتبر تلك القرارات الديكتاتورية التي سطرتها بقلمك اليوم ووقعت عليها بأصابعك إعلان وفاة للدولة المصرية وليس للثورة فحسب فمصر التي وقفنا أمام المدرعات لاستعادتها يوما ما أراها اليوم تدهش تحت قدمك وقد أرجعتها آلاف السنين حيث يقبع فرعون في قصره ليقول للناس أنا ربكم الأعلى، إني أخلعك يا من كنت رئيساً لأنك لم تف بوعد واحد مما قطعته على نفسك قبل الانتخابات وبدلا من أن تعيد تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور كما وعدت حصنتا اليوم بإعلانك الديكتاتوري هذا، وبدلا من أن تحترم القانون الذي أتي بك دمرته وبدلا من أن تحترم الاستفتاء الذي حدد صلاحياتك تطاولت عليه وبدلا من أن تحترم الشعب الذي انتخبك أعلنت وصايتك عليه وبدلا من أن تحترم القضاة الذين أشرفوا على الانتخابات الرئاسية التي أتت بك نكلت بهم ولو كانوا فاسدين لكنت فاسداً ولما لحق لك أن ترأسنا، تعلمنا من التجربة أيضاً أنك لم تكن لتخطو تلك الخطوة لولا رضا أمريكا عنك وعن جماعتك كما أعلن أوباما اليوم تماماً كما استأذنتهم سابقا في عزل القاتل طنطاوي وكما تغزلت فيك هيلاري كلينتون اليوم ولو كنت صادقاً حقاً في إعادة محاكمة قتلة المتظاهرين فحاكم نفسك على قتل الشهيد الحي محمد جابر، استؤمنت فخنت الأمانة ووعدت فأخلفت وأقسمت فحنثت ومن لا عهد لنا عليه لا عهد له علينا'.

مرسي ديكتاتور 
ويحتاج لطبيب نفسي

وبعد أن انتهى وائل من كلامه تقدم زميله محمد الدسوقي رشدي سكرتير عام 'التحرير' قائلا: 'لا أتفق مع هؤلاء الذين وصفوا محمد مرسي بالديكتاتور بعد القرارات المريبة والغريبة التي تحتاج الى العرض على طبيب نفسي قبل العرض على خبراء علوم السياسة وأهلها، وصف محمد مرسي بالديكتاتور فيه إهانة كبيرة للقب نفسه، اللقب الذي حمله رجال أقوياء مثل هتلر وموسوليني وغيرهم ممن لم يهزمهم الباعة الجائلون في الشوارع أو تعجزهم أزمة مرور أو تفضحهم أكوام القمامة التي تملأ الشوارع أو تركعهم مجموعات متطرفة مسلحة، الديكتاتور يحمي رجاله ويحافظ على حياتهم ومرسي كان أضعف من أن يحافظ على جنود مصر في سيناء وأقل من أن يقتص لهم رغم مرور أشهر على الوعد الذي أطلقه امام الكاميرات، الديكتاتور لا يفتح صدره ويفاخر الناس بأنه لا يرتدي القميص الواقي ثم نكشف الكاميرات والصور زيف شجاعته حينما فضحت عشرات الجنود الذين يحرسونه في بيت الله، الديكتاتور ذكي يدرس قراراته ويختار مواعيدها وشكل إعلانها ومرسي قليل الحيلة حينما أراد أن يتخذ قراراً لجأ إلى جماعته لتحميه بحشود التأييد في الشوارع ليفضح نفسه ويؤكد دون أن يقصد أنه مجرد واجهة للحاكم الأصلي الذي يجلس في مكتب الإرشاد، مرسي كذب وأخلف وعده لأنه طلب منا - نحن الشعب - أن نقومه ونصححه إذا أخطأ فكيف سنقومك ونصحح أخطائك الآن يا دكتور مرسي وقد حصنت نفسك قضائيا وحصنت نفسك ضد النقد اللفظي وحرية الآراء بأسوار من الأنصار الإخوان الذين ينشرون بين الناس أن صاحب نقد لك كافر وضد الإسلام، للأسف يا معالي رئيس الجمهورية أنت أضعف من أن تكون ديكتاتوراً وأكذب ن أن تكون صورة للحكم الإسلامي الرشيد'.

مرسي مسير وليس مخيرا

وما أن سمع زميلنا في 'الوفد' علاء عريبي حكاية الديكتاتور فأراد أن يساهم بشيء من عنده يوم السبت ايضا هو: 'لست مع الذين وصفوا الرئيس محمد مرسي بالديكتاتور ولا مع الذين تفضلوا عليه ومنحوه لقب الفرعون كما انني لا أتفق مع السادة الذين شبهوه بهتلر وبالنازيين، في رأيي أن الرئيس مرسي أبسط وأصغر بكثير من هذه المصطلحات والألقاب لأن هذه المصطلحات تطلق على شخصيات تمتلك رؤية سياسية أو فكرية، بمعنى آخر تطلق على شخصيات لها مشروعها السياسي والفكري، لكن الرئيس مرسي والحمد لله بعيد عن كل هذا بعد الشمس عن الأرض، والمشكلة الحقيقية التي نواجهها مع الرئيس محمد مرسي أنه غير ملم جيدا أو كما يقال: مش فاهم، وعدم فهمه هذا جعله مسيراً وليس مخيراً فقد أصبح لعدم فهمه وقلة خبرته أداة طيعة لتنفيذ ما يأتيه من جماعة الإخوان أو من مستشاريه الأقل منه خبرة والأكثر منه نفعية وضيق أفق، لا شك أن قرارات مرسي سواء كان مدركاً أم مدفوعاً تعد انقلابا على الديمقراطية وتكريساً لدولة الفرد، ما انها تكرس لمفهوم وسلوك أقل ما يوصف به أنه البلطجة السياسية، لقد حان الوقت لتصحيح مسار الثورة إما برجوع مرسي عن قراراته وإما عزله وإما أن تتنازل جماعة الإخوان المسلمين عن سياسة البلطجة أو تواجه ببلطجة مماثلة ولتقع المصادمات كما يشاءون لكن لا تقع الدولة الديمقراطية المدنية التي خرجنا جميعاً لتحقيقها في 25 يناير.
ونطالب كذلك القوى السياسية أن تضع قوائم سوداء لجميع الشخصيات الانتهازية التي تساير جماعة الإخوان وتبارك سياستهم وقراراتهم، يجب ان نحتل الميادين والشوارع وإن تمسك الريس بقراراته الفاشية نعلن العصيان المدني ونرفع راية إسقاط النظام لقد قمنا بالثورة لكي نطيح بديكتاتور فاسد وليس لكي نأتي بفرعون فاشي، لن نعود مرة أخرى الى عصر المماليك ولن نحكم بقرارات الحاكم بأمر الله مصر ستظل دولة مدنية ديمقراطية ترفع شعار الإخوة في الوطن قبل الإخوة في الدين'.
وكثرت الطلبات للمساهمة بالرأي، ولكن المساحة امتلأت، فإلى غد، إن شاء الله وأرجو ان أجد مساحة لحكاية دين الشيعة، ومحاولة إثارة الانقسام بين السنة والشيعة العرب للقضاء على القومية العربية والوحدة، لحساب إسرائيل وإيران وأمريكا. والله الموفق والمستعان

Locations of Site Visitors
Powered By Blogger