أجرت صحيفة" كوميرسانت" الروسية يوم 6 نوفمبر/تشرين الثاني مقابلة صحفية مع الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز، وذلك عشية الزيارة التي يقوم بها لموسكو. وأجاب بيريز عن اسئلة وجهها إليه مراسل الصحيفة قسطنطين أغيرت تخص الوضع في سورية وإيران والتطورات لأخيرة في الشرق الأوسط. وإليكم بعض ما قاله بيريز مجيبا عن تلك الأسئلة:"
س – كثيرا ما تختلف المواقف السياسية لبلدينا ، وعندما ستلتقون الرئيس بوتين ماذا ستقولون له بشأن السياسة الروسية على الصعيدين الإيراني والسوري مثلا؟
ج – سأزور موسكو ليس لأعطاء الدروس الى أحد ما. والسيد بوتين ليس بحاجة الى دروسي . بل أريد استئناف الحوار. ونظرا لاحترامي الكبير لبوتين يمكنني أن أتحدث معه في جو من الصراحة. وفي هذا اللقاء تتوفر لدي فرصة أخرى لمواصلة الحوار بين شعبينا الذي بدأ منذ ألف سنة. وزيارتي ليس من أجل أن أقول شيئا بل من أجل أن أصغي.
س - سبق لنا أن تحدثنا معكم منذ سنتين، وقلتم آنذاك إنه يجب ألا نتخذ موقفا سياسيا وتقنيا بحتا من إيران بل نتخذ قبل كل شيء موقفا أخلاقيا من النظام في طهران. هل سيتفقون معكم القادة الروس بهذا الشأن؟
ج – اتفاق عام - نعم، أما الاتفاق التكتيكي فأنا غير مقتنع به. ويقول الرئيس الروسي أنه يعارض تحويل إيران إلى دولة نووية. إلا أن هذا الموقف لا يطبق على الصعيد العملي. وأعتقد أنه لو حكمت إيران حكومة كالحكومة السويسرية مثلا لاختلف الموقف منها. لكن إيران تهدد بتدمير بلدان أخرى مما يعتبر أمرا مسحيلا في العالم المعاصر.
ويقطن في إيران 80 مليون نسمة. ولديهم كلهم زعيم واحد يقرر من هو العدو ومن هو الصديق. ويقوم النظام الإيراني بتشكيل وتمويل وإدارة شبكات إرهابية في العالم كله. ويقوم قادتها بإلقاء القبض على الاشخاص بمجرد الشبهة بعدم الموالاة. إنهم يرمون الصحفيين في السجون. ولا يكمن الأمر في السلاح وحتى السلاح النووي لأن السلاح لا يرمي من تلقاء نفسه لكن أشخاصا بعينهم يلجأون إليه.
أنا لا اعتبر الشعب الإيراني عدوا لنا. وشهد تاريخنا المشترك الطويل مراحل للصداقة العظيمة وعصر الملك الأسطوري كير الذي حكم إيران منذ 25 قرنا وأنشأ ابراطورية السلالة الاخمينية على سبيل المثال. وكان هذا الملك في حقيقة الأمر أول صهيوني. وسمح هذا الملك لليهود المطرودين من اليهودية بالعودة إلى وطنهم و إعادة بناء الهيكلفي القدس. ولكن وياللأسف توجد في العالم المعاصر بلاد امبريالية واحدة ، وهي إيران التي تسعى إلى بسط الهيمنة على الشرق الأوسط دون مراعاة رغبات الجيران- اي البلدان العربية. لكن من سيوافق على الطموحات الامبراطورية للنظام الإيراني؟ - لا أحد.
س- ما العمل برأيكم؟
ج- يجب مساعدة إيران في أن تكون حرة.
س- كيف؟
ج – عن طريق الضغط الاقتصادي والسياسي. ويقول بعض الخبراء إن مثل هذا الضغط لن يكون فعالا. لكن معظم الخبراء هم خبراء في شؤون الماضي وليس في شؤون المستقبل. ومن الواضح أن لا أحد يريد مبدئيا التأثير في النظام الإيراني بطريقة عسكرية. لكن عندما تقولون إنكم لن تستخدموا السلاح أبدا فإنكم تطلقون حرية العمل الى العرابدة الدوليين من شتى الأصناف. وعلى سبيل المثال قد يحدث أن الشرطة تطلق النار على مجرمين . إلا إنها تبدأ ليس من إطلاق النار. وهكذا يجب التعامل مع إيران أي حثها على إجراء تغييرات بطرق غير عسكرية. وفي حال وجود اتفاق دولي على هذه المسألة يزداد احتمال تفادي الطرق العسكرية.
س – تريدون القول أن العقوبات الاقتصادية وتدابير الضغط السياسي يمكن ان تغير النظام السياسي في إيران من الداخل؟
ج - أجل. لكنني لا أضمن طبعا ان يحصل ذلك ... لكن أحدا لا يمكن أن يضمن حدوث هذا.
س – الا تعتبرون ان الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي ارتكبا خطأ عام 2009 عندما لم يؤيدا ما يسمى ب " الثورة الخضراء" الموجهة ضد نظام الملالي في إيران.
ج – ربما . من الصعب القول بالتأكيد. وعندما خرج الإيرانيون ليتظاهروا ويحتجوا رد النظام فورا بقسوة، وبدأ إطلاق النار والقتل. على كل حال لا أظن أن الإيرانيين استسلموا. ولكنني على ثقة بأن النزاع الداخلي أخمد لكنه لم ينته .
س – لنتحدث حول موقف إسرائيل من النزاع في سورية. يبدو أن رحيل نظام بشار الأسد باعتباره جهة رئيسية في الشرق الأوسط تقوم بنشر نفوذ إيران يعتبر أمرا جيدا لأسرائيل من جهة . لكن من جهة أخرى إذا حل محله نظام أصولي سني مدعوم من قبل السعودية. هل سيكون ذلك أمرا أفضل؟
ج – هناك فرق بين التمنيات والسياسة الواقعية. ويمكنني أن أقدم لائحة طويلة لما أتمنى أن يتحقق. ولا أظن أنه يجب علينا أن نتدخل فورا في الوضع في سورية. ويتساءل بعض العرب لماذا لا يتدخل أحد و يقوم بإيقاف إراقة الدماء. لكن في حال وقوع تدخل تتعالى الاتهامات بحدوث تدخل أجنبي.
أنا شخصيا أعتقد أنه يجب أن نعمل في سورية ما لم نعمله أبدا في الماضي. ومن المعروف أن سورية هي عضو في جامعة الدول العربية فحان الوقت لمجيء رد عربي على المشكلة العربية. ويجب على هيئة الأمم المتحدة منح الجامعة العربية صلاحيات خاصة لتشكل حكومة سورية انتقالية لمدة سنة واحدة. وعلاوة على ذلك يجب تشكيل القوات المسلحة العربية من أصحاب"القبعات الزرق" العرب ايضا بمساعدة الأمم المتحدة. وستقوم كل الدول بتأييد هذه الفكرة لأن التدخل في سورية لا يمكن أن يكون إلا على شكل تدخل عربي. فما الفائدة من جامعة الدول العربية إذا وجدت نفسها عاجزة عن حل نزاع كهذا؟
س - هل هناك خطر تحول هذا الحل العربي الى أقتتال بين العرب؟
ج – تشهد سورية في الوقت الراهن حربا أهلية، ويجب وضع حد لها. وتنحصر خطورة تلك الحرب في أن سورية قد تكف عن الوجود كبلد عربي لأن في داخلها الآن قوى أكثر تطرفاً من تنظيم "القاعدة". وهذه القوى تحاول إحكام سيطرتها على الوضع عامة. ولو كنتُ عربيا لفكرت في الحيلولة دون ذلك لكي تبقى سورية بلداً عربياً وفكرتُ أيضا في حاجة لتدخل عربي.
س - هل ستؤيد إسرائيل ذلك؟
ج – بالطبع علما أن إسرائيل عضو في هيئة الأمم المتحدة. ونحن نؤيد أيضا إيقاف إراقة الدماء. ويؤلمني جدا مشاهدة مقتل طفل سوري تحت جنزير دبابة سورية. لا يفرقني أين يحدث ذلك - في سورية أو أي بلد آخر - لأن الدبابات لا يجب أن تدهس الأطفال.
س - ما تقييمكم لموقف روسيا من سورية؟
ج- أظن أن روسيا يجب أن تكف عن تحديد موقفها من المسألة السورية انطلاقا من علاقاتها مع الولايات المتحدة. وأنا واثق بأن روسيا ستؤيد القرار الصادر عن الجامعة العربية بتنفيذ عملية في سورية في حال اتخاذه.
س - سبق لي أن سمعت كلمة ألقاها رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل إسحاق رابين في المنتدى الاقتصادي الذي عقد عام 1994 في الدار البيضاء. إنه تحدث حينذاك عن الشرق الأوسط الجديد بصفته منطقة ديمقراطية مزدهرة. وقد مرت 20 سنة تقريبا منذ ذلك الحين. ويبدو أن هذه الأمنية صارت بعيدة الآن البعد نفسه كما هو الحال آنذاك. ألا يخيب هذا الأمر آمالكم بصفتكم حائزا على جائزة نوبل في السلام؟
ج - كلا.. وكيلا نواجه خيبة الأمل يجب أن تتحلى بالصبر. فماذا نراه اليوم؟ هناك ثورة، وتشهد منطقة الشرق الأوسط انتفاضة حيث يثور العرب الشباب ضد تقاليد قديمة. ويقول البعض أن هذه العملية يمكن ان تستغرق فترة من 30 عاما إلى 40 عاما. ربما الأمر كذلك لأن التغيرات من هذا النوع تحتاج إلى وقت.
س – لكن إذا ألقينا نظرة على موقف الغرب وإسرائيل من "الربيع العربي" يمكننا ان نلاحظ فيضانا من خيبة الآمال. فلعل إحلال الديمقراطية في الشرق الأوسط هو أمر مستحيل؟
- يجب أولا تفهم ما هي الديمقراطية. فالديمقراطية هي ليست انتخابات أو بعبارة أدق ليست انتخابات فقط. إنها تبدأ من الانتخابات. واذا حضرتَ لتشارك في الانتخابات وقمت بانتخاب أحد ما يعارض الديمقراطية فيحصل أن العملية الديمقراطية تؤدي إلى حصيلة غير ديمقراطية.
وعلى سبيل المثال إذا جرت الانتخابات في بلد ما وتعرضت النساء للتمييز فهل يصبح هذا التمييز أكثر عدالة في حال تأييد غالبية الناخبين لمثل هذا الموقف من النساء. فلنلق نظرة إلى مصر مثلا. وفي حال استمرار التمييز ضد النساء هناك سيصعب على البلد التخلص من الفقر. لأنه في حال لا تتلقى النساء تعليما يبقى أطفالهن أميين. علما ان نسبة 41% من أهالي مصر لا يجيدون القراءة والكتابة. فكيف يتخلص هؤلاء من الفقر؟
س – هل تعتقدون أن القيادة المصرية الحالية من الإخوان المسلمين مهتمة بذلك؟ أو ربما تريد أن يحفظ هؤلاء القرآن ويكرهوا اليهود؟
ج – أنا واثق بأنهم مهتمون بذلك لأن الناس لا يمكن أن يستمروا في مواجهة هذا الفقر الهائل، ولا يمكن للشباب العرب في ظروف البطالة ان يعقدوا القران لعدم توفر شقق يمكن أن يعيشوا فيها مع عائلاتهم. وفي حال عجز الحكومة المنتخبة عن معالجة تلك المشاكل الاجتماعية والاقتصادية الحادة سينفد صبر الناس. وتعد تلك المشلكة مشكلة عملية وليست نظرية. وفي حال عجز 40% – 50% من خريجي الجامعات عن إيجاد فرص للعمل فإن هؤلاء سوف لا ينتظرون، علما أن لديهم هواتف "سمارتفون" النقالة تمكنهم من التواصل دون رقابة . ولا يمكن للحكومة في مثل هذه الظروف أن تعتمد على الجيش لأن الجنود سيرفضون إطلاق النار على الشباب، علما ان الجيش تم تشكيله لمحاربة أعداء خارجيين وليس الشعب. لذلك وافق العسكريون في مصر بسرعة على وقف إراقة الدماء.
س – لا يمكنني ألا أوجه إليكم سؤال عن العلاقات بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ومن المعلوم أنكم منحتم جائزة نوبل لفضلكم الكبير في العملية السلمية بين إسرائيل والفلسطينيين. أما الآن فلا يدور أي حديث عن عملية سلمية. هل هي ماتت؟
ج - أود القول أنها قد ولدت. لو لم نفعل ما فعلناه آنذاك لما قامت الإدارة الوطنية الفلسطينية ولا سلام مع الأردن ولا ثورة في مصر. وكلما يوجهون إلينا السؤال لماذا لم تنجحوا أقول إن الأمر بحاجة إلى وقت. ولا يفكر أي أحد أن التسعينات كان يمكن ألا تشهد إطلاق أية مفاوضات سرية... لأن إحلال السلام هو أمر صعب جدا ...ولا يكفي أقناع المتفاوضين بذلك بل يجب إقناع الشعب ومواطني إسرائيل الذين كانوا يقولون لنا:" نحن نؤيد فكرة السلام وجاهزون لدفع الثمن، لكن لماذا ندفع ثمنا كبيرا كهذا؟ وأنتم سياسيون لا تجيدون المتاجرة مع العرب وتثقون بهم كثيرا. فكيف يمكن قياس الثقة؟".
ويقال : هناك شيئان في الحياة لا يمكن الحصول عليهما إلا بعد غض العيون عنهما، وهما السلام والمحبة. وإذا نظرتَ دوما إلى كل شيء بعين مفتوحة لما وقعتَ في الحب وما عشت في ظل السلام أبدا.
س – بالمناسبة أريد أن أوجه سؤالا عن العلاقة بين العملية السلمية والديمقراطية. تقول القيادة الروسية إن إسرائيل يجب أن تجري مفاوضات مع الإسلاميين وحركة "حماس" لأنهم ربحوا الانتخابات الديمقراطية في وقته. فما رأيكم بهذا الأمر؟
ج – أنا موافق، لكن بشرط أن توافق "حماس" على وقف قصف الأراضي الإسرائيلية وإطلاق المفاوضات معنا. لكنني غير موافق على إجراء مفاوضات في الوقت الذي ترد فيه "حماس" بإطلاق النار. وفي حال تتمكن القيادة الروسية من إقناع "حماس" بوقف الاعتداءات على إسرائيل فلماذا لا نبدأ مفاوضات؟