لماذا تُحارب الدولة المصرية المجتمع المدنى؟!سعد الدين ابراهيممنذ 13 ساعة
كتب د. زياد بهاء الدين، منذ أيام (الشروق 14/10/2014)، مُنتقداً القانون رقم 128 لسنة 2014، الخاص بالجمعيات والمؤسسات الأهلية. وقد لاحظ الرجل أن القانون قد صدر فى لحظة، كان المصريون جميعاً مُنشغلين إما بمتابعة زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى للأمم المتحدة فى نيويورك، أو بالاستعداد مع أولادهم وذويهم للعام الدراسى الجديد.
وحينما تنتقد شخصية بقامة زياد أحمد بهاء الدين مثل هذا القانون، فلابد أن ينتبه رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، وكل من يهمه أمر مصر والعمل التطوعى فى مصر المحروسة. فالرجل محام دولى قدير، ونائب برلمانى سابق، ورئيس هيئة الاستثمار السابق. وهو يزن الكلمات بميزان الذهب، امتداداً لتقاليد والده الراحل، الكاتب الكبير أحمد بهاء الدين، أشهر مهندسى المعانى والكلمات، طوال النصف الثانى للقرن العشرين.
ولا بد أن يتذكر الجميع أن المجتمع المدنى هو الذى كان ينهض بمصر والمصريين حينما كانت دولتهم تضعف، أو يتم السيطرة على مقاليدها بواسطة قوى أجنبية، كما حدث، مثلاً بعد مُعاهدة لندن 1840، التى أجبرت محمد على على تفكيك جيشه وصناعاته الحربية، وتصفية إمبراطوريته التى كانت قد امتدت من الصومال والسودان جنوباً، إلى الجزيرة العربية وبلاد الشام شرقاً وشمالاً.
نعم، لقد انبرت الجمعيات الأهلية بالإسكندرية أولاً، ثم فى بقية المُدن المصرية، فى نفس ذلك العام بإنشاء المدارس الأهلية، والصروح الطبية، والجمعيات الخيرية، مثل مستشفى المواساة، والجمعية الجُغرافية، وانتهاءً بالجامعة المصرية، التى سُميت فيما بعد بجامعة فؤاد الأول، ثم جامعة القاهرة، وكذلك أول بنك وطنى حديث، وهو بنك مصر، وأول مسرح (رمسيس)، وأول صناعة للسينما (ستديو مصر).
وللأسف الشديد كان صدور قوانين مثل القانون 128 لسنة 2014، بعد ثورة يوليو 1952، نكبة على العمل الأهلى، بداية بالقانون 242 لسنة 1958، حيث أدى إلى إضعاف، إن لم يكن قتل، الروح التطوعية العفوية عند المصريين.
صحيح أن هناك عُقدة مُستحكمة عند الدولة، بل ربما عند كثير من المصريين فيما يتعلق بالتمويل الأجنبى للجمعيات. وكأن مثل هذا التمويل ينطوى على شُبهة العمالة أو الخيانة. هذا، فى الوقت الذى تُرحب فيه الدولة بالاستثمارات الأجنبية، وتُشجع الشراكة بين رجال الأعمال المصريين، ونُظرائهم من العرب والأجانب. وكأن رجال الأعمال المصريين أو الموظفين العموميين أكثر وطنية وإخلاصاً من قيادات العمل الأهلى التطوعى. فيا له من تناقض، وازدواجية فى المعايير!
كما أن الدولة المصرية هى أكبر من يحصل على هبات ومُساعدات مُباشرة، وصل مجموعها فى الخمسين سنة الأخيرة إلى حوالى مائة مليار دولار، أى ثمانمائة مليار جنيه مصرى. بينما ما حصلت عليه كل الجمعيات الـ (40.000) جمعية خلال نفس الفترة من مصادر خارجية لم يتجاوز مائة مليون دولار، أى أقل من عُشر (10%) مما حصلت عليه الحكومة.
هذا، ولم يثبت، إلى تاريخه، إدانة أى من نُشطاء العمل الأهلى، أى المجتمع المدنى، فى أى من قضايا الجاسوسية أو التخابر لحساب جهات أجنبية. وربما يكون الاستثناء الوحيد فى هذا الصدد، هو جماعة الإخوان المسلمين، التى ما زالت تجاوزاتها، قيد المُحاكمة، أمام القضاء المصرى. هذا، عِلما بأن جماعة الإخوان المسلمين، لم يتم تسجيلها أبداً، كجمعية أهلية منذ ظهرت على مسرح الحياة العامة، عام 1928، وإلى أن وصلت إلى السُلطة عام 2012، فسارعت إلى تسجيل نفسها كجمعية.
وخُلاصة القول، هى أن من يُريدون سوءاً بالدولة المصرية، لا ينخرطون فى أنشطة تطوعية علنية من أجل النفع العام. وليت الذين باغتونا بالقانون 128 لسنة 2014 سألوا أنفسهم، ما هى مُهمة الأجهزة الرقابية، وفى مقدمتها الجهاز المركزى للمحاسبات والقضاء؟ لماذا لا يتم إطلاق حُرية العمل الأهلى التطوعى، ما دامت هناك أجهزة رقابية تُحاسب، وسُلطة قضائية يُحتكم إليها فى حالات التجاوز أو الانحراف.
وهناك تساؤلان مُلحان أضيفهما أنا، إلى ما تطرق إليه د. زياد بهاء الدين فى مقاله:
الأول: هو لماذا لم يتم التشاور بشأن هذا القانون مع أهم نقابة معنية مُباشرة بالعمل الاجتماعى، وهى نقابة المهن الاجتماعية، وقوامها 400.000 إخصائى اجتماعى ونفسى وتربوى؟
الثانى: هو لماذا التعجل فى إصدار مثل هذا القانون، فى غياب مجلس تشريعى مُنتخب، ويُنتظر قيامه خلال شهور معدودات؟
أغلب الظن، أن بقايا «الدولة العميقة» ما زالت تتحكم فى الشأن العام، من وراء ستار. والمقصود بالدولة العميقة هنا، كما علّمنا زُملاؤنا الأتراك، هى أجهزة المباحث والمُخابرات.
نرجو ألا يكون ذلك صحيحاً، وأن يُعاد طرح مشروع أفضل للجمعيات، يتم حوله حوار مُجتمعى واسع، ويُقره البرلمان الجديد، فى أوائل 2015.
أقول قولى هذا، وأستغفر الله لى وليس للمُتآمرين على المجتمع المدنى المصرى.
وعلى الله قصد السبيل.