ثغرة الدستور لتسريب «العدل» والنزاهة
Mon, 30/04/2012 - 21:00
دستور ٢٠١٢ الجديد يجب أن يسد الثغرات فى دستور ١٩٧١ القديم، وإلا فما قيمة الثورة المصرية، والدماء المراقة والعيون المفقوءة؟
المبدأ الأول فى أى دستور عادل يقول: إن المواطنين لدى القانون سواء، وهم متساوون فى جميع الحقوق والواجبات، لا تمييز بينهم، بسبب الجنس أو الأصل أو الطبقة أو الدين أو العقيدة أو اللغة أو غيرها.
لكن الدستور المصرى ١٩٧١ «فى المادة ٤٠» يحاول تغييب العدل للزوجات، بإضافة كلمة «العامة» للحقوق والواجبات، بمعنى أن المساواة فى الحقوق والواجبات تكون فى الحياة العامة فقط، أى أن المرأة تتساوى مع الرجل فى قوانين الدولة فقط، وليس فى قانون الأسرة، يؤكد هذه التفرقة المادة ٢ والمادة ١١ التى تقول إن الدولة تكفل التوفيق بين واجبات المرأة نحو الأسرة وعملها فى المجتمع ومساواتها بالرجل فى ميادين الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية دون إخلال بأحكام الشريعة الإسلامية.
هذه العبارة «دون إخلال بأحكام الشريعة» تفتح الباب واسعا أمام تسريب العدل، التفسيرات المختلفة المتعددة لأحكام الشريعة، تؤدى إلى مظالم خطيرة للزوجات والأمهات والأطفال، وتفتح الباب واسعاً أمام الاستبداد فى الأسرة، وفساد الكثيرين من الرجال.
الأب له سلطة مطلقة طاغية فى قانون الأسرة، القانون لا يعاقب الأب الذى يتاجر ببناته فى سوق الزواج، القانون يبيح للأب أو الزوج «وإن كان عمره مائة عام»، أن يتزوج من يشاء، حين يشاء، دون تحديد لفارق العمر بينه وبين العروس الجديدة، قانون الأسرة يختزل مسؤولية الأبوة فى الإنفاق، لا توجد مسؤولية أخلاقية أو عاطفية على الأب تجاه زوجته أو بناته وأولاده.
كانت الطفلة «شوق» فى الرابعة عشرة من عمرها حين فرض أبوها عليها أن تتزوج رجلا عجوزا مقابل مبلغ من المال، تقول «شوق» لـ«المصرى اليوم ٢٨ إبريل ٢٠١٢ ص ١٩»: «تزوجت ٦٠ مرة، أقل فترة جواز كانت يومين وأكثرها أسبوعين، السبب هو والدى، هو اللى بيتاجر بى»، يمكن للرجل حسب القانون أن يُطلِّق ويتزوج مائة مرة دون تحديد، كل يوم نقرأ ونشهد مآسى الأطفال والبنات القاصرات، قد يكون العريس العجوز عربياً أو مصرياً أو عجمياً، المهم المال الكافى لشراء الطفلة، ثم يطلقها حين يشاء، إن حملت يسعى أبوها لإجهاضها ثم يزوجها مرة أخرى، ستين مرة تزوجت الطفلة «شوق» منذ كانت فى الرابعة عشرة حتى بلغت ١٨ سنة، توافق الأم على ما يفعله الأب، خوفاً من الضرب أو الطلاق، وكم من أمهات يشاركن الآباء فى قتل البنت، إلا نادراً، حين تكون الأم قوية مستقلة شجاعة، قادرة على خلع زوجها لتحمى ابنتها.
لماذا يشتهى العجوز طفلة تصغره بنصف قرن؟ غياب القانون الرادع للرجال؟ عدم ثقة الرجل بنفسه؟ خوفه من المرأة الناضجة؟ التخلف الثقافى فى مفهوم الذكورة؟ ارتباط الرجولة بالعنف والغلبة؟ تشبث العجوز بالحياة على جثة الطفلة المسكينة؟ تعددت الأسباب والفساد واحد شائع.
هل يمكن للدستور الجديد أن يسد الثغرات فى الدستور القديم؟ ويربط بين الحقوق والواجبات العامة والخاصة؟ هل تلغى عبارة «مع عدم الإخلال بأحكام الشريعة»؟
لماذا لا يمنع الدستور الجديد السلطة المطلقة للأب كما يمنع السلطة المطلقة لرئيس الدولة؟ الاستبداد فى الأسرة هو أساس الاستبداد فى الدولة، لأن الأسرة نواة المجتمع؟
يلعب مجلس الشعب الآن دوراً فى سلب الأطفال وأمهاتهم بعض حقوقهم المكتسبة فى القوانين الأخيرة، يعد مجلس الشعب «غير الشعبى» مشروعاً جديداً لإباحة زواج البنت وهى طفلة «قبل بلوغها ١٦ سنة»، وإباحة ختان البنات، رغم تحريمه طبيا وقانونياً، وإلغاء حق المرأة الشرعى فى خلع زوجها أمام القاضى «رغم حق زوجها فى طلاقها دون قيود ودون قاضٍِ» وإعطاء الولاية للأب «وإن كان غير صالح للولاية»، الولاية على الأطفال يجب أن تكون للأصلح وليس للأب، والقاضى هو الذى يحدد «الأصلح»، بصرف النظر عن الجنس، والولاية التعليمية لا تنفصل عن الولاية فى جميع الأمور الأخرى، يجب أخذ رأى الطفل أو الطفلة «بعد انتهاء حضانة الأم» فى اختيار مع من يعيش، الأم أو الأب أو غيرهما من أفراد الأسرة، إن تحقيق إرادة الطفل ورغبته ومشاعره أهم من إرضاء السلطة الأبوية، يختار الطفل أو الطفلة الأصلح له والأكثر حباً ورعاية، بصرف النظر عن الجنس، المساواة فى الدستور بين الرجل والمرأة فى جميع الحقوق والواجبات العامة والخاصة ضرورة لبناء مجتمع ديمقراطى، وأسرة أفضل، واجب الإنفاق فى الأسرة يشمل الزوج والزوجة، حسب دخل كل منهما، وأى خلاف بين الزوجين يكون أمام القاضى، لا تمييز بين الزوج وزوجته فى أى من الحقوق والواجبات، لا بد من احترام رأى الأطفال، وعدم الاستهانة بعقلهم وذكائهم الفطرى، وتغليب مصالح الأطفال على سلطة الآباء والأمهات ومصالحهم.
لم أقرأ لأى مرشح لانتخابات الرئاسة شيئاً عن هذه المبادئ الإنسانية الأساسية، هل لأن الأطفال ليس لهم حزب سياسى؟ ولا تشملهم القوى السياسية المتنازعة على الحكم؟ مثل ملايين الأمهات، ليس لهن حزب يدافع عن حقوقهن، رغم التضحيات وثقل الواجبات، الملقاة عليهن داخل البيت وخارجه؟
لا تزال السياسة والانتخابات «خدعة»، للاستيلاء على السلطة والثروة، ولا علاقة لهما بحياة الأغلبية الساحقة، الأطفال والنساء.