صورة قطر في القرضاوي
|
الدَّوحة… تزاحم اللحى والثياب القصير
زيد بن رفاعة
الدوحة - مطار الدوحة مكتظ بالزوار السياسيين، ويكاد المشهد يكون واحداً، وهو لحى وثياب قصيرة، مع أفندية تتعرف على إسلاميتهم ظاهرياً من إطلاق اللحى وحف الشَّوارب وعدم وضع ربطة العنق، على اعتبار أنها أوروبية وعلامة على العلمانية. فالإيرانيون بعد الثورة منعوها لسبب أن الشاه السابق رضا بهلوي كان قد فرضها على موظفي الدولة، في منتصف الثلاثينات، عندما أراد تطبيق ما حصل بتركيا على يد أتاتورك. لكن هناك من الإسلاميين مَن جمع بين ربطة العنق والعقال والبذلة الأوروبية "السترة والبنطلون" مثل مراقب الإخوان المسلمين الأردني. الوفود تتقاطر على قطر، ومن نوع واحد هو أصحاب اللحى، والكثير منهم ذو ثياب قصيرة، مع غطاء الرأس واللحية النازلة إلى سرة البطن والحمراء من أثر الحناء، تستطيع في هذا المشهد التمييز بين الإخوان المسلمين والسلفيين، فالثوب القصير صار سمة للسلفي، وهو زي واحد للمصري أو الأفغاني أو الباكستاني أو اليمني، لا نعلم إن كانوا متفقين على ذلك في لوائح منظماتهم، أم أنه جاء تقليداً للسلف، على أساس أن عمر بن الخطاب كان يرتدي الثياب القصيرة، وأول ما يشير إلى سلفيتك هو أن تُقزم الثياب. هؤلاء الزوار الغادون والرائحون في سيارات سوداء فخمة، مع الحراس مِن منظمي السير والحمايات أمام الفنادق، لهم صلاتهم القيادية في الربيع العربي، كسلفيين وإخوان وناشطين دينيين آخرين. تجد بوابات الفنادق مزدحمة بهذه الكائنات، منهم من يُحمل لمقابلة ولي العهد، ومنهم من يقابل الأمير نفسه. لكن لا تجد بينهم قطرياً، نقصد لا نشاط للإسلام السياسي داخل قطر، إنما المطبخ مفتوح في الدوحة لكن يحرم الطعام منه على القطريين، فما يطبخ هو للتصدير وليس للاستخدام المحلي. تريد قطر بأهل اللحى والثياب القصيرة تغيير المنطقة، والبداية كانت بتونس ومصر ثم ليبيا، مع أن الأخيرة خرجت عن المتوقع وراح المال القطري هباءً على ما يبدو، لكن الكلَّ يتحدث عن صغر مساحة الجزيرة البلد وكبر مساحة الجزيرة الفضائية، المسؤولة عن التهييج، وإشباع المشاهد العربي برؤية الشيخ يوسف القرضاوي، عبر برنامج "الشريعة والحياة"، وسادن معبد الإخوان الشيخ القرضاوي يقول: إن السياسة عبادة، في كلِّ مكان، إلا في قطر فالصلاة فيها عبادة لا سياسة. صحف فُتحت للشيخ، تنقل أخباره وفتاويه ولقاءاته، وهو يعبئ الدوحة بأهل اللحى والثياب القصيرة، وأسس لهم اتحاد علماء يجري تشييد برجه الآن في وسط الدوحة بارتفاع أربعين طابقاً. لكن ما شأن قطر، التي تتلاحم فيها العمائر وعمائم الإسلام السياسي، وتزدحم لضآلة حجمها بمؤسسة مثل اتحاد علماء المسلمين، ومن سيقوده بعد الشيخ الفاني القرضاوي؟! يأتيك الجواب بأنه خاص بالتنظيم العالمي للإخوان المسلمين، النشطاء في كل مكان وضد أي مكان إلا قطر ذات الأربع مئة ألف نسمة، فضيوفها مِن الإسلام السياسي أكثر عدداً! صار المال القطري قلقاً، فهو يسكب على نار الفتن كي تستمر، هناك شيعة وهناك سُنة، لحظة مع إيران حتى تظهر قطر كأنها تتبنى ولاية الفقيه، وأخرى مع المرشد كأنها تتبى شعار "الإسلام هو الحل"، وأخرى مع السلفية فجعلت المسجد الكبير بالدوحة باسم شيخ السلفية محمد بن عبد الوهاب. السؤال الذي يُطرح في هذا الصدد هو أين هم إخوان قطر وسلفيوها، كيف حذفهم القرضاوي من مؤسسته العالمية، واضمحل وجودهم وبمباركة الشيخ وبخوره، الذي بخر به قطر صباح مساء، ليبعد عنها شر الإخوان وينفذه إلى غيرها من البلدان؟ الكل يسأل: ماذا تريد قطر من تزاحم اللحى والثياب القصيرة، ومن مؤسسة اتحاد علماء المسلمين، ماذا تريد من استضافة أحبار الإسلام السياسي؟ ما مصلحتها بدعم الثورات؟ يظن البعض أنها لحظات استدراج تقوم بها قطر نيابة عن الغرب، والغرب الأميركي على وجه الخصوص، تحت مسمى اظهار الإسلام السياسي المعتدل، وإفشال شعاراته مع الطمأنة من انفعاله! آخرون يظنون أنها تريد التمدد والانتفاخ وحجمها الجغرافي والسكاني لا يسمح لها بذلك؛ لذا لابد من لعب دور دولي، وليس أكبر من دور اللعب بخيوط الربيع العربي، مع ما فيه من تفريغ معنى الاحتجاج وتقويض العقل والعصف به بريح صرصر طائفية. أخيراً، وأنت تقف أمام فندق أو بوابة من بوابات المطار "فيرست وبزنس كلاص"، وتشاهد تزاحم اللحى المخضبة بحنة السياسة والمال والثياب القصيرة تقول أيّ ضجيج هذا الذي يكتسح الدوحة ويزيف العبادة بالسياسة! أتحول الحرم المكي إليها، كي يُحج إليها بهذه المواكب الجرّارة! |