كريس بارانيوك صحفي في تكنولوجيا المعلومات
تُرى كم من الوقت تعيش وأنت تحت المراقبة؟ الخبير الأمني، بروس شناير، يلفت نظرنا إلى أن ذلك أكثر مما نتصور بكثير، وفقا للصحفي كريس بارانيوك.
هل لديك أسرار؟ ينفد صبر بروس شناير من أولئك الذي يجيبون بـ "لا".
عندما يُسأل البعض عن المراقبة التي تقوم بها الحكومات أو الشركات الخاصة، هناك من يهزون أكتافهم بما يدل على أنهم لا يخشون شيئا، وليس هناك ما يخفوه. لكن ماذا عن رد فعل شناير؟
"سل هؤلاء عن رواتبهم فلن يردّوا، وسلهم عن عالمهم الجنسي، فلن يجيبوا. هذا الرد الذي يتلخص في قولهم ’ليس لدي ما أخفيه‘ هو محض غباء، وهو رد المغفلين،" بحسب قوله.
علاوة على ذلك، فإن سلوكك اليومي مُراقب بطرق لن تخطر ببالك. لذا، فإن هذه التفاصيل وغيرها الكثير، قد تكون متاحة ليراها الجميع. وربما يمكنهم استعمالها ضدك. هذا في حد ذاته يمثل معضلة، حتى إن وثقتَ بحكومتك كي تستعمل تلك البيانات للصالح العام أو لأجل أعمال الخير.
كان شناير قد تحدث في مؤتمر "أفكار تغير العالم" الذي نظمه موقع "بي بي سي فيوتشر" في أواخر شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. وقد ساعد شناير الصحفي غلين غرينوالد في تحليل الوثائق التي سرّبها إدوارد سنودن من وكالة الأمن القومي الأمريكية.
تم توثيق هذا الجدل في فيلم "ستزن-فور"، وسواء كان بوعي من شناير أم لا، فإن وجهات نظره تلقى صدى في كلمات سنودن برسالة الكترونية سابقة وجهها إلى مخرجة الفيلم لورا بويتغا، وقال فيها: "كل برج من أبراج الهواتف النقالة التي تمر بجانبها، وكل صديق تضيفه إلى قائمتك، وكل مقالة تكتبها، وكل موقع إلكتروني تزوره، وكل سطر لموضوع تكتبه، وكل درب تسلكه، جميع هذه الأمور هي بيد منظومة لها ذراع طولى لا حدود لها، لكن حماية تلك الأمور ليست كذلك."
في الحقيقة، كل ما تقوم به يمكن أن يُراقب الآن، بحسب شناير: "كل ما نفعله يتطلب جهاز كمبيوترً. تعرف سرعة تصفحك وقراءتك لموقع ’كيندل‘، أليس كذلك؟ كل ما تقوم به على الإنترنت، كل ما تقوم به على هاتفك النقال، وكل ما تقوم به من ضروب دفع القوائم على الإنترنت."
جميع تحركاتك مراقبة
صرح شناير أمام المؤتمر، على سبيل المثال لا الحصر، بأن أموراً بسيطة مثل بيانات راكبي سيارات الأجرة وما يدفعونه –والمفروض أنها مجهولة الهوية- يمكن أن تسجل بسهولة عندما تُربط ببيانات عن مكان تواجدهم، كما أظهرت مؤخراً شركة "نيوستار" (Neustar) لتحليل البيانات.
وعندما تزور موقعاً لعروض خلاعية، مثلاً، فإن الأمر يتوقف عن كونه خاصاً بك. وبشكل عام، عليك أن تعتبر إن تحركاتك مراقبة، وقد اتضح هذا الأمر بشكل مبتذل في لندن، عندما تم الكشف عفوياً عن بيانات الدراجات العمومية من قبل سلطات النقل المحلية، فقد تم التأشير على الرحلات الشخصية للمتنقلين بسهولة على موقع خرائط غوغل.
بإمكان التطبيقات المتطورة للهواتف الذكية أن ترسم تصوراً ليس لأماكن تواجدنا فقط، بل لوضع محيطنا نحن أيضاً.
في بحث جديد، قام الباحثون بعرض نموذج تطبيق يدعى "كار-سيف" (CarSafe) الذي يمكنه أن يتعلم عادات القيادة التي يتبعها مشغلو التطبيق، وذلك بتأويل البيانات المأخوذة من كاميرتين موجودتين على الهواتف الذكية الحديثة.
كما أشار شناير في القمة إلى أنه ربما لم يتم إنشاء العديد من أبراج الهواتف النقالة المجاورة لك في أماكنها من قبل الشركة المعنية بل من قبل الحكومة– سواء كانت محلية أم أجنبية. السبب في ذلك أنها تريد أن تعرف من يسير بالقرب منها، وما ينوون القيام به. إن الصبغة السرية لهذه الأبراج يجعل من الصعب معرفة ماهية استخداماتها، بحسب شناير.
ويضيف: "لا تعترف الحكومة البريطانية حتى بأنها تستعملها. لكننا نعلم أنها تقوم بذلك، لكنهم لا يسلّمون بالأمر. يعترف مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي (إف بي آي) أنه يستعملها، ولكنه يبقي كيفية استعمالها سراً. وقد وجد شخص ما أن هناك ما بين 80-100 منها في العاصمة واشنطن لا تقوم الحكومة الأمريكية بإدارتها، ولا ندري من يديرها."
تثير المراكز العامة لتوفير شبكة الإنترنت اللاسلكية تساؤلات أكثر، بما أن لهذه المراكز أجهزة توجيه باستطاعتها أن تلتقط إشارة هاتفك النقال، فإنها تتمكن الآن من معرفة إحداثيات مكان تواجدك بدقة لتدل مثلاً على الممشى الذي تسير فيه في سوق مركزية.
فلكل هاتف نقال ما يسمى بـ "تعريف ماك"، وهو رمز تعريف مميز لجهازك تراه أية شبكة كانت. فإذا تم التعرف على جهازك عن طريق تلك التقنية، فبإمكان أي شخص ممن يطلعون على البيانات التعرف على تفاصيل دقيقة شخصية تخص الأماكن التي قضيت وقتك فيها.
يلاحظ شناير بأنه "لو قالت الحكومة بأن عليك أن تحمل جهاز تتبع الأثر فبالتأكيد ستنتفض، لكن الحكومة لا تحتاج إلى قول ذلك، لأنك تقوم بذلك طوعاً واختياراً، وما عليهم إلا أن يحصلوا على نسخة من تلك البيانات."
ويمكن لأي شخص آخر أن يقوم بذلك. فبنفس الطريقة، يمكن استغلال نقاط الضعف هذه، التي تستغلها وكالات الاستخبارات، والاستفادة منها من قبل الشركات الكبرى وشركات التأمين ومقدمي الخدمات الصحية وحتى من قبل قراصنة الإنترنت من الماكرين والمجرمين والإرهابيين– بالضبط أولئك الذين يُفترض أن تستهدفهم وكالات الاستخبارات.
من غير الممكن بناء أجهزة إلكترونية تخفي البيانات والمعلومات عن الجميع عدا مسؤولين في الحكومة يحاولون تتبع أثر ارهابيين، مثلاً. وقال شناير أمام جمهور الحاضرين في القمة: "علينا أن نختار ما بين الأمان والمراقبة. إما أن يتجسس الكل على الآخر، أو لا يتجسس أحد على أحد."
حقوق جوهرية
لهذا السبب، يجادل شناير بقوله إن للناس الحق في حماية أنفسهم من مراقبيهم. هذا يعني الحق في اتخاذ تدابير وقائية تقنية، والاتصال عبر منظومات مشفرة أو تصفح مواقع الإنترنت بدون كشف الهوية، مستخدمين خدمات مثل تقنية "تور" (Tor).
لكن ما حصل مؤخراً من ازدياد شعبية مثل هذه الخدمات والأدوات المساعدة قد جعل الذعر يدبّ في جسد مكتب التحقيقات الفيدرالي. فقد قال مدير المكتب، جيمس كومي، إن التشفير الذي توفره شركات مثل أبل وغوغل يحرم سلطات تطبيق القانون من المعلومات اللازمة لكشف الجرائم أو إنقاذ الأرواح.
تقوم شركة الأمن المعلوماتية (إف-سكيور- F-Secure) بتسويق برامج تحمي أمن مستخدميها على الغنترنت. بالنسبة لتوم غافني، المدير التقني في الشركة، تعد تلك التصريحات والتعليقات جوفاء.
ويقول غافني: "تجبر الحكومة الناس، بنحو فعال، على أن يسيروا في هذا الدرب، وهو درب استعمال هذه البرامج، لأن الحكومة تفتقد إلى الشفافية. إنها ترغب باقتفاء أثر جميع المعلومات والبيانات التي تخصنا بدلاً من التركيز على المجرمين."
كما يشير غافني إلى أنه يمكن تخزين المعلومات والبيانات التي تجمعها الشركات الخاصة، سواء كانت مشفرة أم لا، لأجلٍ غير مسمى، وربما إلى الأبد. ولا يمكن أن نعرف بالتأكيد كيف سيتم استخدامها أو بيعها في المستقبل.
إن المعلومات التي تصدر عنا من خلال تنقلنا عبر العالم، سواء كان ذلك بدنياً أم رقمياً (عبر الإنترنت)، والتي تدعى أحياناً "بصمة البيانات"، تبدو لأول وهلة أن فيها من البراءة ما فيها، لذا، فإن المصطلح يعد فقيرا مجازياً.
فبصمة البيانات الحقيقية التي تطبعها خلفك حيثما ذهبت أو فعلت هي أكثر تفصيلاً بكثير من الأثر الذي نتركه على الرمال. إنها تدل عليك أنت وعلى من تكون: بداية من شخصيتك المعروفة بين الناس، وانتهاءً بأكثر لحظاتك الخاصة بك.