أحمد النجار يكتب لـ«التحرير»: لماذا نرفض مشروع الدستور المشبوه ؟
الدستور
نشر: 14/12/2012 11:26 م – تحديث 14/12/2012 11:26 م
فيما يلي قراءة مركزة لمشروع دستور مرسي-الغرياني، وتأثيراتها على الفلاحين والعمال والمهنيين والشعب عموما، وهذه القراءة هي مجرد تذكير بالكوارث التي ينطوي عليها مشروع الدستور، ولا تعني أي إقرار بحق الديكتاتور في تمرير استفتاءه على مشروع دستور وضعته لجنة تأسيسية شكلها مجلس شعب تم حله وأصبحت هي نفسها في حكم الباطلة وما صدر عنها باطل وستكون كذلك بحكم المنطق القانوني عندما يتم إنهاء الإرهاب والحصار الإخواني للمحكمة الدستورية العليا. وهذه اللجنة مختلة باعتراف الديكتاتور نفسه عندما ذكر قبل الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة عندما كان يتحايل لخداع القوى الوطنية الديموقراطية من اليسار والليبراليين لكسب أصواتهم، حيث قال أنه سيعيد تشكيلها لتحقيق التوازن فيها ولم يفعل بعد أن اعطوه أصواتهم كعادته في خيانة العهود، التي أكملها بخيانة القسم الذي أقسم عليه باحترام القانون والدستور والقضاء، فإذا به يحصن قراراته غير الشرعية من أي مراجعة قضائية مبنية على القانون والدستور. وحده الله تعالى هو من لا يمكن مراجعته، أما الرسول الكريم نفسه فتمت مراجعته مرات نذكر منها مراجعه حباب بن المنذر له في غزوة بدر، حيث رأى خلافا لرأي الرسول الكريم، ضرورة تمركز قوات المسلمين عند عين الماء حتى يشرب المسلمين ويعطش المشركين، وكان رأيه هو الأصوب وأخذ به الرسول الكريم دون عند أو كبر، وفي غزوة الأحزاب، تم الأخذ برأي سلمان الفارسي بحفر الخندق حول المدينة. وإليكم المواد التي تجعل من هذا المشروع الدستوري كارثة على مستقبل مصر بشعبها عموما وبعمالها وفلاحييها ومهنييها...
أولا: اقتصاد بلا هوية واستمرار فساد نظام الأجور وإهدار الموارد
تنص المادة (14) على أن " الاقتصاد الوطنى يهدف إلى تحقيق التنمية المطردة الشاملة، ورفع مستوى المعيشة وتحقيق الرفاه، والقضاء على الفقر والبطالة، وزيادة فرص العمل، وزيادة الإنتاج والدخل القومي. وتعمل خطة التنمية على إقامة العدالة الاجتماعية والتكافل، وضمان عدالة التوزيع، وحماية حقوق المستهلك، والمحافظة على حقوق العاملين، والمشاركة بين رأس المال والعمل فى تحمل تكاليف التنمية، والاقتسام العادل لعوائدها. ويجب ربط الأجر بالإنتاج، وتقريب الفوارق بين الدخول، وضمان حد أدنى للأجور والمعاشات يكفل حياة كريمة لكل مواطن، وحد أقصى فى أجهزة الدولة لا يستثنى منه إلا بناء على قانون".
1- اقتصاد بلا هوية
هذه المادة (14) لا تحدد طبيعة الاقتصاد المصري ودور الدولة فيه، رغم أن إخراج مصر من مأزقها الاقتصادي الراهن يتوقف على وجود دور فاعل في الدولة في الاستثمار وزيادة الناتج القومي ونصيب الفرد منه وفي خلق الوظائف في نظام اقتصادي مختلط يعمل فيه إلى جانب الدولة، القطاع الخاص الكبير والمتوسط والصغير والتعاوني بكل حرية في ظل إجراءات ميسرة لتأسيس الأعمال ولمنع الفساد المعوق لها، مثل النظام الذي طبقته الدول الأوروبية من ثلاثينات القرن العشرين وحتى نهاية سبعينياته، ومكنها من الخروج من الكساد العظيم ومن تمويل تكاليف الحرب العالمية الثانية، ومن إعادة إعمار ما خربته تلك الحرب، ومن بناء الاقتصادات والشركات العملاقة التي تسيطر على أسواق بلدانها وتمد أذرعها القوية لكل العالم.
2- نظام الأجور... استمرار الاستثناءات والفساد
تطالب المادة (14) بوضع حد أدنى لأجر العاملين عموما، وحد أقصى لأجر العاملين بالدولة، لكنها تضيف أنه يمكن أن تكون هناك استثناءات من الحد الأقصى بقانون... يعني يبقى الحال على ما كان عليه من رواتب بالغة التدني للغالبية الساحقة من العاملين بأجر بالذات في الجهاز الحكومي، ودخول أسطورية لمن سيتم إعطائهم استثناء لاختراق نظام الأجور، طالما تم فتح باب الاستثناءات. وكان من الضروري منع الاستثناءات نهائيا.
كما كان من الضروري النص على تحريك الحد الأدنى للأجر سنويا بنفس نسبة معدل التضخم (معدل ارتفاع أسعار المستهلكين) حتى لا تتآكل قدرته الشرائية وتتدهور الأحوال المعيشية للعاملين.
وبالمناسبة دستور 1971 كان ينص على وضع حد أدنى للأجر يكفي لحياة كريمة، ووضع حد أقصى لتقليل الفوارق في الدخول. لكنه مثل الدستور الحالي لم يضع معايير محددة لهذا الحد الأقصى مثل ألا يزيد عن 15 أو 20 مثل الحد الأدنى. و"الطريف" أن هذه المادة تطالب بربط الأجر بالإنتاج، وهو جهل مطبق، لأن إنتاجية العامل ليست مسئوليته بنسبة 99%، حيث تتحدد الإنتاجية بمدى حداثة الآلات التي يعمل عليها، والنظام الإداري الذي يعمل في ظله والذي توجد به آليات صارمة وعادلة للثواب والعقاب. وببساطة لو كان هناك عامل يعمل في شركة تكرير نفط وهي تستخدم عمالة محدودة للغاية، حيث أنها صناعة كثيفة رأس المال، فإنه عند قسمة الناتج منها على عدد العاملين، تظهر إنتاجية العامل ضخمة جدا ويحق له الحصول على أجر مرتفع جدا، رغم أنها في الحقيقة إنتاجية الآلات. وإذا كان هناك عامل آخر يعمل في شركة غزل ونسيج ويبذل جهدا أكبر من الأول، لكنه يعمل في صناعة كثيفة العمل، وبالتالي عند قسمة الناتج على عدد العاملين تبدو إنتاجية العامل منخفضة رغم أنه هو المسئول الرئيسي عن هذه الإنتاجية، وتبرر للشركة تقديم أجر منخفض له. كذلك فإن العامل الذي يعمل على آلات قديمة منخفضة الإنتاجية، تكون إنتاجيته منخفضة بالمقارنة مع عامل آخر يعمل في نفس الصناعة على آلات حديثة عالية الإنتاجية رغم أن العامل غير مسئول في الحالتين... إن الربط المطلق للأجر بالإنتاجية هو الظلم القائم على الجهل! ولم تتحدث هذه المادة عن أي علاقة بين الأجور والأسعار. يعني أيام نظام مبارك كان فيه مقابل غلاء معيشة... الآن يمكنهم استنادا لمشروع "الدستور" أن يلغوها.
وإليكم نص المادة التي اقترحتها بشأن الأجور في كراسة استراتيجية نشرها لي مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية: (نظام الأجور يجب أن يتسم بالاتساق والتوازن في المصالح بين أرباب العمل والعاملين لديهم لضمان عدالة اقتسام القيمة المضافة التي تم خلقها في العملية الإنتاجية، وأيضا لضمان فعالية ومرونة سوق العمل وحفز العمل والإنتاج والابتكار ونمو ونشاط الأعمال الخاصة والعامة. وينبغي أن يتضمن هذا النظام حدا أدنى للأجر يكفي لمتطلبات الحياة الكريمة للعامل، ويتغير سنويا بالقانون بنفس معدل ارتفاع أسعار المستهلكين (معدل التضخم) المعلن رسميا لضمان عدم تآكل قدرته الشرائية. وينبغي ألا تتجاوز كل الدخول الإضافية للعامل أو الموظف، نسبة 100% من الأجر الأساسي كقيد قانوني مساعد لتحقيق العدالة الاجتماعية ومانع للأبواب الخلفية للفساد في توزيع مخصصات الأجور وما في حكمها. ويُوضع توصيف وظيفي للعاملين لدى كل جهات الدولة (الجهاز الحكومي والهيئات الاقتصادية والقطاع العام) يتم بناء عليه إعطاء أجور موحدة تقريبا مع هامش حركة لا يزيد عن ربع الأجر الأساسي، للذين يقومون بوظيفة واحدة ولديهم نفس سنوات الخبرة والكفاءة. كما ينبغي لنظام الأجور الخاص بالعاملين لدى الدولة أيا كانت الجهة التي يعملون فيها، أن يتضمن حدا أقصى للدخل الشامل لا يتجاوز ما يتراوح بين 15 مثل الحد الأدنى المطلق للأجر الشامل للعاملين لدى الدولة)
3- "هدية" مسمومة
تنص المادة (17) على أن "الصناعة مقوم أساسى للاقتصاد الوطني، وتحمى الدولة الصناعات الاستراتيجية، وتَدْعُم التطور الصناعي، وتضمن توطين التقنيات الحديثة وتطبيقاتها. وترعى الدولة الصناعات الحرفية والصغيرة".
أشار المستشار الغرياني عند تقديمه للمادة 17 إلى أنه يقدم هدية للمجتمع المصري، والهدية في الحقيقة عبارة عن صندوق فارغ، فالمادة عبارة عن كلام عام غير ملزم لمشرعي القوانين، أو هو مجرد ديباجة، حيث لم ينص على مبادئ دعم الصناعة وما سيخصص لدعمها أو لإنشاء استثمارات صناعية عامة جديدة كنسبة من الإنفاق العام للدولة. كما لم ينص على رعاية المشروعات الصغيرة بتكوين مؤسسة وطنية مركزية ولها فروع إقليمية في كل مصر لرعاية تلك المشروعات بشكل كامل كآلية لتشغيل العاطلين وتمكينهم من كسب عيشهم بكرامة وزيادة الناتج والنمو الاقتصادي. كما لم ينص على أن توضع قوانين لتنظيم هذه التنمية وذلك الدعم كما هو الحال في المواد الدستورية الأخرى... إذن الموضوع هنا مجرد كلام.
4- استمرار إهدار وإساءة استغلال الثروات المعدنية والمحجرية
تنص المادة (18) على أن "الثروات الطبيعية للدولة ملك الشعب، وعوائدها حق له، تلتزم الدولة بالحفاظ عليها، وحسن استغلالها، ومراعاة حقوق الأجيال فيها. ولا يجوز التصرف فى أملاك الدولة، أو منح امتياز باستغلالها أو التزام مرفق عام، إلا بناء على قانون. وكل مال لا مالك له فهو ملك الدولة".
التعليق: المادة 18 تنص على التزام الدولة بالحفاظ على الثروة المعدنية وحسن استغلالها ومراعاة حقوق الأجيال القادمة، وهو نص لا يختلف عما كان موجودا من قبل وساهم وما يزال في سوء استغلال ثرواتنا المعدنية والمحجرية التي تم وضع قانون عام 1956 لاستغلالها من قبل الدولة، يضع رسوما رمزية لهذا الاستغلال على أساس أن الدولة وحدها هي التي تستغلها.
ولكن تغير الأمر في سبعينيات القرن العشرين وأصبح القطاع الخاص المحلي والأجنبي يستغل الثروات المعدنية والمحجرية، واستمر القانون القديم والرسوم الرمزية القديمة.. تصوروا أن الرسوم التي تحصل عليها الدولة على طن الحجر الجيري أو طن الطفلة تبلغ قرشان (اللأجيال الجديدة التي لم لا تعرف القرش..الجنيه مائة قرش)، وتبلغ 20 قرشا على طن الجرانيت!!!
وصحيح أن هناك رسوم محدودة أخرى تعطى للمحليات وأحيانا للجيش، لكنها متدنية للغاية أيضا، فضلا عن أنها تذهب في غير محلها. وحسب دراسات الهيئة العامة للثروة المعدنية في مصر فإن مصر يمكن أن تحصل على 25 مليار جنيه سنويا على الأقل كإيرادات من رسوم الثروة المعدنية لو تم تعديلها لمستوى الرسوم الموجود في العالم وفي بلدان الجوار. وإليكم النص الذي اقترحته بشأن الثروة المعدنية في الكراسة الاستراتيجية التي نشرها لي مركز الأهرام للدراست الاستراتيجية بعنوان "صياغة مقترحة للمواد الاقتصادية والاجتماعية في الدستور المصري الجديد"... (الموارد الطبيعية الناضبة مثل النفط والغاز وخامات الأسمنت والجبس والجير والطفلة والفوسفات والمنجنيز وغيرها، هي حق لكل الأجيال، وينبغي استخراجها بشكل معتدل يراعي حقوق الأجيال القادمة، على أن يتم استخدام العائدات التي يدرها هذا الاستخراج بناء على تسعيرها بشكل عادل يرتبط بالأسعار العالمية، في بناء مشروعات إنتاجية عامة مملوكة للدولة تؤدي إلى رفع الناتج القومي ونصيب الفرد منه وإيجاد فرص للعمل، ويتم توريثها كمشروعات عامة متطورة وناجحة للأجيال القادمة، لتعويض الموارد الطبيعية الناضبة التي تم استنزافها بأصول متجددة القدرة على الإنتاج). وتسن القوانين المنظمة لذلك
ثانيا: استمرار سحق مصالح الفلاحين والصيادين
هناك عدة مواد متعلقة بالفلاحين والصيادين في الدستور، هي المواد (15)، (16)، (19)، (20)، (24)، (66)، (236)
تنص المادة (15) على أن "الزراعة مقوم أساسى للاقتصاد الوطنى، وتلتزم الدولة بحماية الرقعة الزراعية وزيادتها، وتعمل على تنمية المحاصيل والأصناف النباتية والسلالات الحيوانية والثروة السمكية وحمايتها، وتحقيق الأمن الغذائى، وتوفير متطلبات الإنتاج الزراعى وحسن إدارته وتسويقه، ودعم الصناعات الزراعية. وينظم القانون استخدام أراضى الدولة؛ بما يحقق العدالة الاجتماعية، ويحمى الفلاح والعامل الزراعى من الاستغلال".
1- غياب الحد الأقصى واستمرار تمليك غير المصريين للأرض المصرية
هذه المادة لم تضع أي حد أقصى للملكية الزراعية لمنع سيطرة الإقطاع وحرمان الفلاحين من الأرض التي هم الأحق بها... إذن "أبشروا" باستمرار حرمان الفلاحين من الأرض واستمرار الملكيات بآلاف الأفدنة وحتى بعشرات الآلاف لكبار الملاك. كما لم تمنع ملكية غير المصريين للأراضي الزراعية، وهي هنا تتراجع عما تضمنه دستور 1971 في هذا الشأن. وللعلم فإن ملكيات الأجانب في مصر بلغت نحو 713.1 ألف فدان في عام 1917. كما كان هناك في مصر في عام 1930 نحو 3.4 مليون فدان، مرهونة للبنوك العقارية والزراعية وبنوك الأراضي، وكان جانبا كبيرا منها مرهونا للأجانب، ولولا أن قانون الخمسة أفدنة الذي صدر عام 1913 كان يحظر الحجز على الملكيات الزراعية التي تقل عن 5 أفدنة، وعلى أراضي الوقف أيضا، لكان جانبا كبيرا من أرض مصر قد خضع للحجز والبيع. لقد كانت نسبة ممتلكات الأجانب للأرض في مصر أعلى من نسبة ممتلكات اليهود للأرض في فلسطين عند اغتصابها عام 1948، وكان ذلك عنوانا لسيطرة الأجانب على اقتصاد مصر، مما شكل تهديدا حقيقيا لمستقبل مصر. ولم تنتهي تلك الدائرة الجهنمية من نهب غير المصريين لمصر في هذا المجال إلا بصدور قانون تحريم بيع الأراضي الزراعية للأجانب عام 1951، ثم استقلال مصر الحقيقي في عام 1952، قبل أن يرتد مبارك عن هذا الأمر ويفتح الباب عام 1995 لعودة ملكية غير المصريين للأراضي الزراعية، وهي الجريمة التي يستمر فيها مشروع "الدستور" الجديد.
وللعلم فإن وضع حد أقصى لملكية الأراضي الزراعية هو إجراء رئيسي ضمن الإصلاحات التي أتت بها الرأسمالية في بداية عهدها لتشجيع الفلاحين بعد تمليكهم الأرض الموزعة عليهم بعد تقليص ملكيات كبار الملاك، على زيادة الإنتاجية في أراضيهم ولتحرير قسم من قوة العمل الريفية الفائضة الموجودة في الإقطاعيات لينضم إلى جيش العمال الصناعيين، قبل أن تتحول الرأسمالية إلى رأسمالية حتكارية أشد استغلالا من الإقطاع. وتفاوت الحد الأقصى لملكية الفرد من الأراضي الزراعية حسب حجم الأراضي الزراعية في كل دولة. وبالتالي فإن الخبراء القانونيين والاقتصاديين يمكن أن يضعوا هذا الحد الأقصى للملكية في الأراضي القديمة، والحد الأقصى للملكية في الأراضي الجديدة بصورة موضوعية تساعد على الاستجابة لحلم وحق الفلاحين المعدمين وخريجي المدارس الزراعية في تملك أراضي زراعية خاصة بهم، وتفتح الباب أيضا أمام التوسع الزراعي للمستثمرين الأفراد والمشروعات التعاونية في الأراضي الجديدة.
وعلى سبيل المثال في عام 1935 نص الإصلاح الزراعي الإيطالي على أن الحد الأقصى للملكية الزراعية يوازي 25 فدان، وذلك نتيجة محدودية الأراضي الزراعية في إيطاليا التي تبلغ مساحتها أقل من ثلث مساحة مصر. وفي اليابان وصل الرقم إلى أقل من 10 أفدنة، وفي بلدان أخرى كان الرقم بمئات الأفدنة، وهكذا الأمر في الغالبية الساحقة من الدول الرأسمالية التي أصبحت متقدمة أو التي ما تزال نامية. وإذا كان لدينا في مصر ملايين من الفلاحين المعدمين وخريجي المدارس الزراعية وكليات الزراعة العاطلين، فإنه من غير الاقتصادي أو الأخلاقي أن تعطي الدولة آلاف وعشرات الآلاف من الأفدنة لبعض المتاجرين بالأراضي أو لرجال أعمال مصريين أو غير مصريين مثل وليد طلال وغيره، وتترك القوة البشرية الزراعية المصرية عاطلة، وبالتالي فإن وضع حد أقصى لملكية الأراضي الزراعية، ومنع غير المصريين نهائيا من ملكية الأراضي الزراعية أو حق الانتفاع بها، هو أمر ضروري لمصلحة مصر وشعبها وفلاحييها، تم تجاهله في مشروع "دستور" مرسي-الغرياني.
2- مادة دعائية للتحايل على الفلاحين وأهل البادية لسرقة اصواتهم
تنص المادة (16) على أن "تلتزم الدولة بتنمية الريف والبادية، وتعمل على رفع مستوى معيشة الفلاحين وأهل البادية".
وقد أشار المستشار الغرياني عند تقديمه لهذه المادة على أنها هدية للمجتمع المصري، وهي في الحقيقة هداية مسمومة، فهي عبارة عن كلام عام غير ملزم لمشرعي القوانين، أو هو مجرد ديباجة، حيث لم ينص فيها على تخصيص نسبة من الإنفاق العام أو الناتج المحلي الإجمالي لتنمية الريف والبادية. وهذه المادة بصيغتها المطروحة في "دستور" مرسي-الغرياني هي مجرد تحايل وخداع لكسب أصوات أهل الريف والبادية بصورة غير نزيهة.
3- غياب العقوبات على تلويث النيل يدمر صحة المصريين ومصالح الصيادين
أما المادة (19) فتنص على أن "نهر النيل وموارد المياه ثروة وطنية، تلتزم الدولة بالحفاظ عليها وتنميتها، ومنع الاعتداء عليها. وينظم القانون وسائل الانتفاع بها".
ولم تتضمن هذه المادة أي نص على تجريم تلويث مياه النيل بالصرف الصناعي والصحي والزراعي وذلك لصالح رجال الأعمال أصحاب الشركات التي تصرف مخلفاتها في النيل، ولتغطية فشل الحكومة في مد شبكة الصرف الصحي في ريف مصر بما يمنع الصرف الصحي في النيل تلقائيا. وللعلم فإن هذا التلويث هو سبب رئيسي في انتشار أمراض الكلى والكبد في مصر، وفي تدهور نوعية الإنتاج الزراعي المصري من زاوية مراعاة الاعتبارات الصحية والبيئية، وهي أيضا سبب رئيسي في تلويث وتدمير الثروة السمكية وتهديد مستقبل شريحة مهمة من المجتمع هي الصيادين.
ووفقا للأساطير المصرية القديمة فإن أول خطوة في حساب المتوفي من قبل "الإله" عوزير الذي ننطقه أوزوريس وهو إله العالم الآخر في أساطيرهم. كان سؤالا عن تلويث مياه النيل أو سد قنواته أو منع جريانه هو أو أفرعه، فإذا كان المتوفي قد فعل أي من هذه الكبائر فإنه يدخل الجحيم، أما إذا كان طاهرا منها ولم يفعلها، فإنه يكمل الحساب حتى يدخل الجنة. وكان ذلك تعبيرا راقيا وإلزاما دينيا عندهم بعدم تلويث النهر، فأين دستور الغرياني من هذا الرقي؟!.
4- من سيدفع تأمينات معاشات الفلاحين وعمال مياومة وما هو حدها الأدنى؟
تنص المادة (66) على أن "تعمل الدولة على توفير معاش مناسب لصغار الفلاحين والعمال الزراعيين والعمالة غير المنتظمة، ولكل من لا يتمتع بنظام التأمين الاجتماعى. وينظم القانون ذلك".
وهذه المادة نصها ضعيف، حيث كان من الأفضل أن تنص على أن "تلتزم الدولة" بدلا من "تعمل الدولة". كما أنها لم تحدد ما هو المعاش المناسب وما هي علاقته بالحد الأدنى للأجر أو المعاش، وما يترتب على الفلاح أو العامل الزراعي من أعباء تأمينية للحصول على هذا المعاش. وكان ينبغي أن يكون كل ذلك متضمنا في المادة.
5- إنهاء نسبة الـ 50% للعمال والفلاحين بالمجالس التشريعية
المادة 236 تنص على أن "يمثل العمال والفلاحين بمجلس النواب بنسبة 50% ويعتبر عاملا كل من يعمل لدى الغير بأجر، ويعتبر فلاحا كل من عمل بالزراعة 10 سنوات على الأقل وذلك لمدة دورة برلمانية واحدة".
هذه المادة (236) تنهي نسبة العمال والفلاحين بمجلس الشورى الذي تعاظمت سلطاته التشريعية في مشروع دستور مرسي-الغرياني. كما انها تجعل هذه النسبة لمدة دورة واحدة فقط ويتم إلغائها بعد ذلك. يعني هي رشوة لهذه الدورة فقط. كما أن تعريف العامل هو نوع من الاحتيال الذي كان يمارسه النظام السابق عمليا، لكنه لم يكن له إطارا قانونيا سيئا مثل هذه المادة، فأي خريج أو أستاذ جامعي يمكنه أن يترشح على أنه عامل. في حين أن الأصل في تخصيص نسبة من مقاعد السلطة التشريعية (مجلسي النواب والشورى) هو تمكين العمال الذين لا تتوفر لديهم الأموال الكافية لتمثيل مصالحهم بالتنافس مع نظرائهم من العمال الذين هم في نفس ظروفهم المالية، وليس مع المهنيين وأساتذة الجامعات والخبراء الذين لديهم قدرات مالية ومصالح وتوجهات مختلفة عن المصالح العمالية... هذه المادة تقضي على حق العمال والفلاحين في التمثيل في السلطة التشريعية.
6- لا جدية في حماية البحيرات والمحميات والشواطئ والآثار
تنص المادة (20) على أن "تلتزم الدولة بحماية شواطئها وبحارها وممراتها المائية وبحيراتها، وصيانة الآثار والمحميات الطبيعية، وإزالة ما يقع عليها من تعديات".
التعليق: كان ينبغي إضافة "وتسن القوانين لمنع وتجريم ومعاقبة من يقترف تلك التعديات الجنائية في داخل مصر"، لأن هذه المادة هي عبارة عن كلام مرسل أو هي أقرب للديباجة، وهي تفتح الباب لاستمرار التساهل المخزي في انتهاك الشواطئ والبحيرات على حساب مصالح المواطنين عموما والصيادين خصوصا، واستمرار التعديات على المحميات من قبل بعض أثرياء الداخل والخارج، واستمرار العقوبات الهزلية على جرائم سرقة الآثار التي تشكل ميراث وشواهد حضارة مصر أول وأعظم الحضارات الإنسانية، بما يعني استمرار الوضع القديم على ما كان عليه من التساهل مع سرقة الآثار.
7- غياب معايير العدالة في تعويض الملكيات المنزوعة للصالح العام؟
تنص المادة (24) على أن "الملكية الخاصة مصونة، تؤدى وظيفتها الاجتماعية فى خدمة الاقتصاد الوطنى دون انحراف أو احتكار، وحق الإرث فيها مكفول. ولا يجوز فرض الحراسة عليها إلا فى الأحوال المبينة فى القانون، وبحكم قضائى؛ ولا تنزع إلا للمنفعة العامة، ومقابل تعويض عادل يُدفع مقدما. وذلك كله وفقا لما ينظمه القانون".
في العادة تكون الملكيات الخاصة التي يتم نزعها للصالح العام، عبارة عن أراضي زراعية أو أرض فضاء أو عقارات، وبالتالي فإن هذه المادة تمس مصالح الفلاحين والمواطنين عموما. وكان ينبغي أن تنص هذه المادة على أن التعويض العادل لأي ملكية خاصة تم نزعها للمنفعة العامة، هو قيمة تلك الملكية وفقا لسعر السوق. لأن الدولة اعتادت على نزع الملكيات للمنفعة العامة لإقامة طرق ومنشآت عامة، بأسعار متدنية لا علاقة لها بأسعار السوق، وتدعي دائما أنها أسعار عادلة، لذا وجب النص على أن السعر العادل هو سعر السوق. ويمكن للدولة أن تمول دفع هذه الأسعار للملكيات المنزوعة من خلال الحصول على نسبة من زيادة أسعار الملكيات المحيطة بالمشروع الذي تم نزع الملكيات الخاصة من أجل إقامته والذي أدت إقامته إلى ارتفاع أسعار الملكيات الخاصة المحيطة به، وهذا الأمر يتم في الغالبية الساحقة من بلدان العالم، وهو مهم للغاية لأن أهل السلطة والقريبين منها يحصلون عادة بصورة فاسدة على المعلومات الخاصة بأي مشروعات عامة جديدة، ويقومون بشراء الأرض الرخيصة حولها، ثم تتضاعف أسعارها بعد ذلك ويحصلون على الغنيمة كلها على حسال الدولة وعلى حساب الملاك الأصليين الذين تم التحايل عليهم في ظل عدم معرفتهم بما تخططه الدولة من مشروعات قريبة من أراضيهم.
ثالثا: سلطات ديكتاتور طاغية للرئيس تسحق مؤسسات الدولة التشريعية والقضائية والرقابية وتمكنه من إعفاء القتلة والإرهابيين من العقوبة وتعيين جماعة الإخوان المسلمين في كل المؤسسات المدنية والعسكرية والشرطية على حساب حقوق أبناء الشعب وليس هناك محاسبة ومحاكمة للرئيس
إذا جمعنا المواد المتعلقة بسلطات الرئيس نجد أنها تصنع منه ديكتاتورا طاغية لم يسبق له مثيل في تغوله على كل السلطات وعلى الشعب. وإذا كانت ثورة 25 يناير قد انفجرت ضد الاستبداد والديكتاتورية، فإن السلطات التي يمنحها مشروع الدستور للرئيس تصنع ديكتاتورا مروعا... إننا إزاء مستوى مفزع من الديكتاتورية، والهزلي فعلا أن الديكتاتور بلا أي إنجاز من أي نوع... هتلر عندما حصل على سلطات الديكتاتور كان قد مكن ألمانيا من تفادي الكساد العظيم الذي ضرب الدول الرأسمالية كلها ورفع مستويات معيشة شعبه، وأنهى البطالة كليا في ألمانيا، ومكنها من بناء صناعة عسكرية هي الأضخم والأكثر تقدما في العالم، وصناعة مدنية جبارة... كان لديه إنجاز مبهر مكنه من تمرير حصوله على سلطات ديكتاتور. أما في مصر فإن كل هذه المواد تصنع ديكتاتورا هزليا لأن د. مرسي ببساطة بلا أي إنجاز!!
وإليكم المواد الخاصة بسلطات الرئيس...
1- الرئيس يشل السلطة التشريعية
تنص المادة (104) على أن "يبلغ مجلس النواب رئيس الجمهورية بكل قانون أقر؛ ليصدره خلال خمسة عشر يوما من تاريخ إرساله؛ فإذا اعترض عليه رده إلى المجلس خلال ثلاثين يوما من ذلك التاريخ. وإذا لم يرد القانون فى هذا الميعاد، أو أقره مجلس النواب ثانية بأغلبية ثلثى عدد الأعضاء، استقر قانونا وأصدر. فإذا لم يقره المجلس لا يجوز تقديمه فى دور الانعقاد نفسه قبل مضى أربعة أشهر من تاريخ صدور القرار".
هذه المادة (104) تعطي الرئيس القدرة على شل السلطة التشريعية، حيث يمكنه أن يرفض أي قانون تصدره، ولا يمكنها تمريره إلا إذا حصل على أغلبية الثلثين بمجلس النواب... تيار "الإسلام" السياسي لا يضمن فوزه في الانتخابات البرلمانية القادمة، وبما أن الرئيس من عشيرتهم فسيكون دوره هو تعطيل السلطة التشريعية وشلها إذا جاءت أغلبيتها من خارجهم، حيث لا يمكنهم تمرير أي قانون إلا بأغلبية الثلثين... هم من يخاف من الهزيمة في أي انتخابات نزيهة وليس نحن، ودستورهم يعطي الرئيس سلطة ديكتاتور لشل أي مؤسسة تشريعية لا يكون لهم فيها الأغلبية.
تنص المادة (145) على أن يمثل رئيس الجمهورية الدولة فى علاقاتها الخارجية، ويبرم المعاهدات، ويصدق عليها بعد موافقة مجلسى النواب والشورى. وتكون لها قوة القانون بعد التصديق عليها ونشرها؛ وفقًا للأوضاع المقررة. وتجب موافقة المجلسين بأغلبية ثلثى أعضائهما على معاهدات الصلح والتحالف والتجارة والملاحة وجميع المعاهدات التى تتعلق بحقوق السيادة أو تحّمل الخزانة العامة للدولة نفقات غير واردة فى موازنتها العامة. (هذا البند طبيعي ومشروع)
2- الرئيس يرأس المجلس الأعلى للقوات المسلحة وللشرطة
تنص المادة (146) على أن رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، ولا يعلن الحرب، ولا يرسل القوات المسلحة إلى خارج الدولة، إلا بعد أخذ رأى مجلس الدفاع الوطنى، وموافقة مجلس النواب بأغلبية عدد الأعضاء. كما تنص المادة (199) على أن الشرطة هيئة مدنية نظامية، رئيسها الأعلى رئيس الجمهورية.
هاتان المادتان استمرار لمنطق الاستبداد والديكتاتورية، فرئاسته للمجلس الأعلى للقوات المسلحة يمكن أن تكون في زمن الحرب فقط، ورئاسته للمجلس الأعلى للشرطة في أوقات الأزمات والكوارث التي تُفرض فيها حالة الطوارئ، وما عدا ذلك، فإن رئاسة المجلسين يجب أن تنعقد لقائد كل مجلس من المجلسين ليعمل هذين الجهازين كجهازين للأمة وليس كأداتين بيد الحاكم الفرد الديكتاتور.
3- الرئيس يعين الموظفين المدنيين والعسكرين...خطة الاستيلاء على كل الوظائف لصالح الإخوان وحلفائهم على حساب أبناء الشعب
تنص المادة (147) على أن "يعين رئيس الجمهورية الموظفين المدنيين والعسكريين ويعزلهم، ويعين الممثلين السياسيين للدولة ويقيلهم، ويعتمد الممثلين السياسيين للدول والهيئات الأجنبية؛ على النحو الذى ينظمه القانون".
هذه المادة (147) تعطي الرئيس هيمنة مطلقة وتحكم كامل في التعيين والترقية في كل مستويات الوظائف المدنية والعسكرية. وليس لدي تعليق إلا أنها مسخرة ونوع من الجنون المطلق، فقواعد التعيين والترقي في الوظائف المدنية والعسكرية تحددها قوانين ولوائح، والمطلوب هو ضمان ألا يتم هذا التعيين بالمحسوبية، وإنما على أسس موضوعية يحددها القانون واللوائح بصورة دقيقة. هذه المادة هي تهديد حقيقي بتدمير المؤسستين العسكرية والشرطية والجهاز الحكومي والهئيات الاقتصادية لصالح تعيين أنصار جماعة الرئيس أي الإخوان المسلمين وتحويل الأجهزة المدنية والعسكرية في الدولة إلى مسوخ قائمة على الأيديولوجيا الدينية بدلا من كونها مؤسسات وطنية. ثم أي رئيس هذا الذي يتفرغ لتقييم وتعيين الموظفين المدنيين والعسكريين، وأي قدرات خارقة لديه ليقوم بما يتطلب القيام به آلاف الموظفين، إلا إذا كانت جماعة الإخوان هي التي ستقوم بذلك لتبذر أعضائها وأنصارها في الوظائف العامة المدنية والعسكرية لتكمل محاولتها للإجهاز على الدولة واغتصاب حقوق أبناء الشعب في العمل في المؤسسات المدنية والعسكرية والشرطة.
تنص المادة (148) على أن "يعلن رئيس الجمهورية، بعد أخذ رأى الحكومة، حالة الطوارئ؛ على النحو الذى ينظمه القانون؛ ويجب عرض هذا الإعلان على مجلس النواب خلال الأيام السبعة التالية. وإذا حدث الإعلان فى غير دور الانعقاد وجبت دعوة المجلس للانعقاد فوراً للعرض عليه، وفى حالة حل المجلس يعرض الأمر على مجلس الشورى؛ وذلك كله بمراعاة المدة المنصوص عليها فى الفقرة السابقة. وتجب موافقة أغلبية عدد أعضاء كل من المجلسين على إعلان حالة الطوارئ، ويكون إعلانها لمدة محددة لا تجاوز ستة أشهر، لا تمد إلا لمدة أخرى مماثلة بعد موافقة الشعب فى استفتاء عام. ولا يجوز حل مجلس النواب أثناء سريان حالة الطوارئ".
4-الرئيس المستبد وحق إعلان الطوارئ
هذه المادة (148) تعطي الرئيس الحق في إعلان حالة الطوارئ بعد استشارة حكومته التي شكلها هو ثم إبلاغ مجلس النواب بعد ذلك بسبعة أيام، وهو أمر غير مقبول، فمجلس النواب هو من ينبغي أن يتخذ القرار بناء على طلب الرئيس ويصدق عليه الرئيس بعد ذلك. وفي بلد مثل مصر، عانى طويلا من حالة الطوارئ الممتدة وما حدث خلالها من انتهاك لحريات وكرامة المواطنين، فإن مثل هذا الأمر يجب أن يكون مقيدا وألا يكون حقا للسلطة التنفيذية ورأسها المتمثل في الرئيس، بل حق للسلطة التشريعية وفق ضوابط صارمة تضمن وجود الضرورة لفرض الطوارئ، واحترام حقوق وحريات وكرامة الإنسان.
5- مشروع "الدستور" يعطي الرئيس الحق في إعفاء القتلة والإرهابيين من العقوبات، وهذا ضد حق القصاص الشرعي
تنص المادة (149) على انه "لرئيس الجمهورية العفو عن العقوبة أو تخفيفها. ولا يكون العفو الشامل إلا بقانون".
هذه المادة (149) كارثة للمواطنين.. وكان ينبغي قصر حق الرئيس في الإعفاء من العقوبة أو تخفيفها وبضوابط محددة وبموافقة مجلس النواب، على الجرائم العامة المتعلقة بالاعتداء على الحقوق العامة، وألا يسري هذا الحق مطلقا على العقوبات المتعلقة بالاعتداء على الحقوق الخاصة، بمعنى أنه يمكن أن يرتكب شخص ما جريمة قتل، فلا يجوز العفو عنه قبل انقضاء عقوبته، لأن العقوبة هي نوع من القصاص لأهل القتيل. وكما أفرج الرئيس عن الإرهابي قاتل الكاتب الكبير فرج فودة لأنه من "أهله وعشيرته"، دون أدنى مراعاة لحقوق ومشاعر أهل القتيل، فإن هذه المادة تتيح للرئيس أن يكرر الفعلة السوداء نفسها مع قتلة آخرين من هذا النمط الإرهابي. وهذه المادة اعتداء على النص القرآني المتعلق بالقصاص.
6- مادة كارثة تتيح للرئيس فعل أي شئ باستفتاءات ابتزازية أو مزورة
تنص المادة (150) على أنه "لرئيس الجمهورية أن يدعو الناخبين للاستفتاء فى المسائل المهمة التى تتصل بمصالح الدولة العليا. ونتيجة الاستفتاء ملزمة لجميع سلطات الدولة وللكافة فى جميع الأحوال".
هذه المادة الكارثة تُمكن الرئيس من دعوة الناخبين لللاستفتاء على أي شأن يعن له حتى لو كان التنازل عن أرض مصر وتعديل حدودها، أو أي قوانين فاشية واستبدادية تحت أي غطاء ديني، ومع استغلال المال في رشوة الناخبين أو الإتجار في الدين واستغلاله بشكل دنئ لابتزاز البسطاء وجرهم للتصويت في أمور لا تحقق مصلحتهم ومصلحة الوطن فإن الرئيس يمكنه تدمير الدولة من خلال هذه المادة الفاسدة المدمرة.
7-التغول والسيطرة على القضاء بإعطاء الرئيس حق تعيين قضاة المحكمة الدستورية وتقليص عددهم وحق تعيين النائب العام
تنص المادة (173) على أن "النيابة العامة جزء لا يتجزأ من القضاء، تتولى التحقيق ورفع ومباشرة الدعوى الجنائية عدا ما يستثنيه القانون، ويحدد القانون اختصاصاتها الأخرى. ويتولى النيابة العامة نائب عام يعين بقرار من رئيس الجمهورية، بناء على اختيار مجلس القضاء الأعلى، من بين نواب رئيس محكمة النقض والرؤساء بالاستئناف والنواب العامين المساعدين، وذلك لمدة أربع سنوات، أو للمدة الباقية حتى بلوغه سن التقاعد أيهما أقرب، ولمرة واحدة طوال مدة عمله".
إعطاء الرئيس سلطة تعيين النائب العام هو استمرار للتغول الاستبدادي للرئيس على السلطة القضائية، ويجب أن يكون مجلس النواب هو من يتخذ قرار التعيين بناء اختيار مجلس القضاء الأعلى للقضاء من بين نواب رئيس محكمة النقض والرؤساء بالاستئناف والنواب العامين المساعدين ويصدق عليه الرئيس بروتوكوليا
تنص المادة (176) على أن "تشكل المحكمة الدستورية العليا من رئيس وعشر أعضاء، ويبين القانون الجهات والهيئات القضائية أو غيرها التى ترشحهم، وطريقة تعيينهم، والشروط الواجب توافرها فيهم ويصدر بتعيينهم قراراً من رئيس الجمهورية".
إعطاء الرئيس سلطة تشكيل المحكمة الدستورية العليا هو هزل مطلق وتغول استبدادي على السلطة القضائية، ويجب أن يكون المجلس الأعلى للقضاء هو من يتخذ قرار ترشيح قضاة المحكمة الدستورية العليا، ومجلس النواب هو من يقر التعيين ويصدق عليه الرئيس دون ان تكون لديه أي سلطة للرفض أو التغيير. كما أن تقليص عدد قضاة المحكمة الدستورية ورئيسها من 21 قاض إلى 11 قاض، هو أمر هزلي غير مقبول وذي طابع شخصي لاستبعاد عدد من القضاة الأجلاء.
8- مجلس للأمن القومي لا يضم رئيس أركان الجيش وهو القائد الفعلي له؟!
تنص المادة (193) على أنه "ينشأ مجلس للأمن القومى يتولى رئيس الجمهورية رئاسته، ويضم فى عضويته رئيس مجلس الوزراء، ورئيسى مجلسى النواب والشورى، ووزراء الدفاع، والداخلية، والخارجية، والمالية، والعدل، والصحة، ورئيس المخابرات العامة، ورئيسى لجنتى الدفاع والأمن القومى بمجلسى الشورى والنواب . وللمجلس أن يدعو من يرى من ذوى الخبرة والاختصاص لحضور اجتماعاته دون أن يكون لهم صوت معدود. ويختص بإقرار استراتيجيات تحقيق الأمن فى البلاد، ومواجهة حالات الكوارث والأزمات بشتى أنواعها، واتخاذ ما يلزم نحو احتوائها، وتحديد مصادر الأخطار على الأمن القومى المصرى سواء فى الداخل أو الخارج والإجراءات اللازمة للتصدى لها على المستوى الرسمى والشعبى. ويحدد القانون اختصاصاته الأخرى وقواعد أداء عمله".
هذه المادة (193) المتعلقة بمجلس الأمن القومي لا تضم رئيس الأركان وهو القائد الفعلي للجيش.. كيف يستقيم ذلك؟!
تنص المادة (202) على أن "يعين رئيس الجمهورية رؤساء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية بعد موافقة مجلس الشورى، وذلك لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد لمرة واحدة. ولا يعزلون إلا بموافقة أغلبية أعضاء المجلس، ويُحظر عليهم ما يحظر على الوزراء".
هذه المادة تعني استمرار أهم قاعدة للفساد في نظام مبارك، وهي تبعية الأجهزة الرقابية للسلطة التنفيذية التي من المفترض أن تلك الأجهزة تأسست لرقابة تصرفاتها في المال العام.وهذا لأمر يخلق تعارضا في المصالح، فاعتبارات ولاء رؤساء تلك الأجهزة لمن جاء بهم بالتعيين وليس بالانتخاب، تجعل من الصعب عليهم رقابة تصرفاته وتصرفات حكومته والقيادات الإدارية من حزبه بشأن المال العام... اعتبارات الملائمة السياسية في هذه الحالة، ستعوق المكافحة الحقيقية للفساد... هذه المادة كارثة حقيقية في بلد يحتاج لاتخاذ أقصى التدابير والإجراءات الاحترزية لمنع ومكافحة الفساد الذي ينخر في عظام الدولة. أما تعيين رؤساء الهيئات المستقلة فالأفضل أن يكون من سلطات مجلس الشعب على أن يصدق عليه الرئيس، حتى لا يتم تكوين عصابة من الموالين لشخص واحد هو الرئيس في الهيئات العملاقة والمؤثرة في الاقتصاد والمجتمع.
يا كل من ثرتم على الاستبداد والنظام الديكتاتوري ها هو مشروع "الدستور" يعطي الرئيس سلطات أكثر تغولا واستبدادية من مبارك، فلنسقط هذا المشروع المشبوه لإنقاذ مصر من ديكتاتورية جديدة تتاجر بالدين وتنزله من عليائه ومكانته السامية إلى الإتجار الرخيص لتحقيق مآربها في السيطرة والاستحواذ على السلطة والدولة والشعب.
رابعا: استمرار أسس النظام الضريبي الفاسد والظالم للفقراء والطبقة الوسطى
تنص المادة (26) على أن "العدالة الاجتماعية أساس الضرائب وغيرها من التكاليف المالية العامة. ولا يكون إنشاء الضرائب العامة ولا تعديلها ولا إلغاؤها إلا بقانون، ولا يُعفى أحد من أدائها فى غير الأحوال المبينة فى القانون. ولا يجوز تكليف أحد بأداء غير ذلك من الضرائب والرسوم إلا فى حدود القانون".
هذه المادة (26) لا تتضمن أي إشارة إلى فكرة تعدد الشرائح الضريبية وتصاعد معدلاتها وشمولها للمكاسب الرأسمالية. كما لم تنص على إعفاء الفقراء ومحدودي الدخل من الضريبة، ولا على تحريك حد الإعفاء الضريبي بنفس نسبة معدل التضخم (معدل ارتفاع أسعار المستهلكين). كما لم تنص على أن تصب كل أنواع الضرائب والرسوم والغرامات والإتاوات المفروضة بحكم سيادة الدولة وسلطتها في وزارة المالية، بما يفتح الباب لأن يستمر الوضع الراهن لتسرب جزء كبير من هذه الإيرادات العامة إلى الصناديق الخاصة وإلى جهات لا يحق لها الحصول مباشرة على الإيرادات العامة.
وإليكم النص الذي اقترحته في هذا الشأن... (تفرض الضرائب بقانون، ولا يجوز فرض أي ضرائب أو رسوم أو غرامات أو إتاوات إلا بقانون، ولا يجوز تعديلها إلا بقانون، وتصب حصيلة الضرائب والرسوم والغرامات والإتاوات وأية متحصلات بحكم السيادة في الخزانة العامة للدولة، تحت ولاية الحكومة ممثلة في وزارة المالية، وليس لأي صناديق خاصة. ويراعى في قانون الضرائب أن يكون هناك إعفاء للفقراء ومحدودي الدخل من أداء الضريبة على الدخل ويتحرك حد الإعفاء سنويا بنسبة مساوية لمعدل التضخم، وإعفاء للمشروعات التعاونية والصغيرة ومتناهية الصغر من الضرائب والرسوم، إلى حد معين من الدخل والأرباح، وبعد أن تخرج من نظاق المشروعات الصغيرة، تفرض عليها ضرائب بالمعدلات التي يحددها القانون. ويكون النظام الضريبي متعدد الشرائح وتصاعديا بالنسبة للأفراد والشركات، بصورة متناسبة مع المقدرة التكليفية للممولين. وينظم القانون طريقة جباية الضرائب، بصورة محكمة وميسرة، وتفرض عقوبات صارمة على المتهربين من أداء الضريبة باعتبار التهرب الضريبي جناية تهرب من أداء حق المجتمع والدولة)
خامسا: أين أموال التأمينات وحقوق أرباب المعاشات في دستور مرسي-الغرياني؟
تنص المادة (28) على أن "الدولة تشجع الادخار، وتحمى المدخرات وأموال التأمينات والمعاشات. وينظم القانون ذلك".
هذه المادة (28) تتجاهل حقوق عدة ملايين من المصريين من أرباب المعاشات ممن أفنوا عمرهم في خدمة الوطن ويحصلون على معاشات تنحدر بهم لمصاف الفقراء، ولم يضع أي قاعدة مبدئية لتوصيف أموال المؤمن عليهم على أنها أموال خاصة لهم وليست مالا عاما، ولا عن المبادئ العامة لإدارتها لصالح أصحابها... وفيما يلي النص الذي اقترحته في هذا الشأن...
أموال التأمينات هي أموال خاصة مملوكة للمؤمن عليهم سواء كانوا ممن عملوا أو يعملون لدى القطاع الخاص، أو ممن عملوا أو يعملون لدى الحكومة والقطاع العام والهيئات الاقتصادية العامة. ولا يجوز للدولة أن تسيطر على أموال التأمينات، أو تستغلها بأسعار فائدة أقل من أسعار فائدة الإقراض أو أسعار فائدة أذون الخزانة. ويدير أموال التأمينات، مجلس أمناء مدته ستة أعوام غير قابلة للتجديد. ويتكون هذا المجلس من المشهود لهم بالكفاءة والنزاهة والذين ترشحهم النقابات المختلفة للعمال والمهنيين، ويتم انتخاب العدد المطلوب منهم من خلال الجمعية العمومية لأرباب المعاشات. ويخضع مجلس الأمناء المذكور لرقابة شركة محاسبة متخصصة، إضافة إلى الجهاز المركزي للمحاسبات. ولا يجوز لمن تم اختيارهم في مجلس الأمناء أن يعملوا هم أو أقاربهم حتى الدرجة الثالثة في أي مؤسسات تم استثمار أموال التأمينات فيها لمدة خمسة أعوام بعد انتهاء مدتهم في مجلس الأمناء. وتتولى الدولة ترتيب رد كل أموال التأمينات وفوائدها المقررة والمستحقة إلى صناديق التأمينات. وينظم القاون كل ذلك.
سادسا: عدم النص على منع إسقاط الجنسية.. إرهاب للمعارضين
تنص المادة (32) على أن "الجنسية المصرية حق، وينظمه القانون".
هذه المادة (32) كان من الضروري أن تنص على أنه لا يجوز إسقاط الجنسية عن أي مصري أو مصرية من غير مزدوجي الجنسية. فحتى من يرتكب جريمة الخيانة العظمى يُعاقب بالقانون حتى لو وصلت العقوبة للإعدام، لكن لا تُسقط الجنسية. وعدم النص على منع إسقاط الجنسية قد يفتح الباب أمام إساءة التفسير القانوني وسوء الاستخدام العملي في مواجهة المعارضين. أما إسقاط الجنسية عن أي مصري من مزدوجي الجنسية فيرتبط بجريمة الخيانة العظمى وينظمه القانون.
سابعا: العودة لتكميم الصحافة وتقييد دروها في كشف الفساد
تنص المادة (48) على أن "حرية الصحافة والطباعة والنشر وسائر وسائل الإعلام مكفولة. وتؤدى رسالتها بحرية واستقلال لخدمة المجتمع والتعبير عن اتجاهات الرأى العام والإسهام فى تكوينه وتوجيهه فى إطار المبادئ الأساسية للدولة والمجتمع والحفاظ على الحقوق والحريات والواجبات العامة، واحترام حرمة الحياة الخاصة للمواطنين ومقتضيات الأمن القومى؛ ويحظر وقفها أو غلقها أو مصادرتها إلا بحكم قضائى. والرقابة على ما تنشره وسائل الإعلام محظورة، ويجوز استثناء أن تفرض عليها رقابة محددة فى زمن الحرب أو التعبئة العامة".
النص في هذه المادة (48) على حظر وقف أو إغلاق أو مصادرة الصحف إلا بحكم قضائي، يعني استمرار الحظر والوقف والإغلاق عمليا، وهو تراجع خطير عن مكسب تحقق لنقابة الصحفيين عام 2006 على ما أذكر عندما تم إلغاء المادة التي تتيح وقف أو تعطيل أو إغلاق الصحف، لأن هذا الوقف أو الإغلاق هو عقوبة جماعية للصحيفة وملاكها والعاملين فيها بسبب خطأ أحد الصحفيين... هذه المادة عودة لتكميم الصحافة. أضف إلى ذلك الإصرار على رفض مطلب نقابة الصحفيين بمنع حبس الصحفيين في قضايا النشر، رغم أن ذلك التحصين للصحفيين في هذا الجانب، ضروري للغاية من أجل تمكينهم من القيام بدورهم الرقابي وكشف الفساد، وهو معمول به في أغلب دول العالم، حيث تتم معاقبة الصحفي الذي يُدان في قضايا النشر بالغرامة وليس بالحبس، مع إلزام الصحيفة بالاعتذار ونشر تصحيح لصالح المجني عليهم في قضايا النشر. وتصل الغرامة عند حدها الأقصى إلى ما يوازي راتب الصحفي في عام كامل في الكثير من الدول. أما في أي جريمة أخرى فالصحفي يعاقب مثل أي مواطن آخر.
ثامنا: الجمعيات والمؤسسات الأهلية والأحزاب: غياب الرقابة وإرهاب الحل
تنص المادة (51) على أنه "للمواطنين حق تكوين الجمعيات والمؤسسات الأهلية، والأحزاب بمجرد الإخطار، وتمارس نشاطها بحرية، وتكون لها الشخصية الاعتبارية. ولا يجوز للسلطات حلها أو حل هيئاتها الإدارية إلا بحكم قضائى؛ وذلك على النحو المبين بالقانون".
هذه المادة (51) تسمح بحل الجمعيات والمؤسسات الأهلية والأحزاب، وتضع أساساً "دستورياً" مسموما لسلوك تسلطي استبدادي، خاصة وأنه لم يشر للكوارث التي يمكن عندها حل هذه الجمعيات أو الأحزاب مثل ممارسة دعاية مسببة لتخريب الوحدة الوطنية ولإهانة الأديان الأخرى مثلا. وكان الأفضل هو الاكتفاء بحل هيئاتها الإدارية فقط حتى في حالات ارتكابها لأي جرم سياسي-اجتماعي. وكان لابد من إضافة: "وتخضع مصادر تمويلها ونفقاتها لمراقبة الأجهزة الرقابية في الدولة، لضمان توافقها مع القانون"
تاسعا: العمال والمهنيين ونقاباتهم تحت سيف مصادرة حرية تشكيل النقابات والاتحادات وإرهابها بسيف المنع والحل
تشكل المواد 52، 53 إرهابا حقيقيا للحركة النقابية سواء بالنسبة للنقابات العمالية أو المهنية وتتناقضان مع بعضهما بشكل خال من الاتساق وغير دستوري أصلا، فالمادة (52) تنص على أن "حرية إنشاء النقابات والاتحادات والتعاونيات مكفولة، وتكون لها الشخصية الاعتبارية، وتقوم على أساس ديمقراطى، وتمارس نشاطها بحرية، وتشارك فى خدمة المجتمع وفى رفع مستوى الكفاية بين أعضائها والدفاع عن حقوقهم". ولا يجوز للسلطات حلها أو حل مجالس إدارتها إلا بحكم قضائى.
ويعطي هذا النص الفاسد للسلطة الحق في حل النقابات أو الاتحادات وليس مجرد حل مجالس إداراتها، وهو نص إرهابي لكل العمال والمهنيين الذين سيشكلون أي نقابة ولا علاقة له بمنطق الحريات النقابية، بل بالتسلط الاستبدادي.
والمادة (53) تنص على أن "ينظم القانون النقابات المهنية، وإدارتها على أساس ديمقراطى، وطريقة مساءلة أعضائها عن سلوكهم فى ممارسة نشاطهم المهنى وفق مواثيق شرف أخلاقية. ولا تنشأ لتنظيم المهنة سوى نقابة مهنية واحدة. ولا يجوز للسلطات حل مجلس إدارتها إلا بحكم قضائى، ولا تفرض عليها الحراسة".
وهذه المادة (53) تنص بشكل واضح على أنه لا تنشأ لتنظيم المهنة سوى نقابة واحدة. وهي تتناقض مع المادة 52 التي تنص على أن "حرية إنشاء النقابات مكفولة". وهي موجهة لتجريم النقابات المستقلة التي تعتبر واحدة من أعظم التطورات في الحياة النقابية المصرية، فبعد "تأميم" العمل النقابي منذ عام 1957 وتحويل النقابات العمالية بالذات إلى ملحق للحكومة وأحيانا لجهازها الأمني، حققت الحركة النقابية انتصارا تاريخيا باستعادة حريتها وحقها في تشكيل نقابات مستقلة، وقام الأستاذ/ كمال أبو عيطة بدور تاريخي في قيادة تأسيس هذه النقابات بدءً من النقابة المستقلة للعاملين بالضرائب العقارية، وذلك بالتعاون مع كل المعنيين بالشأن النقابي مثل دار الخدمات النقابية (أ. كمال عباس، وأ. رحمة رفعت) والعديد من الرموز الثقافية والصحفية بالذات.. هذا الحق تم انتزاعه عمليا في عصر مبارك، وحاول د. أحمد البرعي عندما كان وزيرا للقوى العاملة في حكومة د. عصام شرف أن يمرر قانون الحريات النقابية، لكن الحكومة رفضته، فخرج الرجل من الحكومة بموقف مشرف في مواجهة حكومة تريد استمرار اغتصاب الحريات النقابية. وها هي مسودة الدستور تتضمن مادة تقوم على منطق اغتصاب الحريات النقابية. وليس أمام العمال والفلاحين والصيادين والمهنيين المنضمين إلى اتحاد النقابات المستقلة وعددهم قرابة 3 ملايين، إلا رفض هذا الدستور المشوه الذي يحرمهم من حق التنظيم النقابي المستقل... يا أخوتي من العمال والفلاحين والصيادين والمهنيين (الصحفيين والمهندسين والأطباء والتجاريين والزراعيين والعلميين.. إلخ)... هذه معركتكم من أجل حريتكم النقابية ومصالحكم فخوضوها دفاعا عن أنفسكم وعن مصرنا العظيمة فالمادة 52 تتيح للسلطة حل نقابتكم كلها، والمادة 53 تمنع حريتكم في تشكيل النقابات المستقلة.
عاشرا: لا إصلاح للتعليم ولا استجابة لمطالب المعلمين والعاملين بقطاع التعليم
تنص المادة (58) على انه "لكل مواطن الحق فى التعليم عالى الجودة، وهو مجانى بمراحله المختلفة فى كل مؤسسات الدولة التعليمية، وإلزامى فى مرحلة التعليم الأساسى، وتتخذ الدولة كافة التدابير لمد الإلزام إلى مراحل أخرى. وتعنى الدولة بالتعليم الفنى، وتشجعه، وتشرف على التعليم بكل أنواعه. وتلتزم جميع المؤسسات التعليمية العامة والخاصة والأهلية وغيرها بخطة الدولة التعليمية وأهدافها، وذلك كله بما يحقق الربط بين التعليم وحاجات المجتمع والإنتاج".
هذه المادة (58) هي عبارة عن كلام مرسل أو هي أقرب للديباجة، حيث لم يتم النص كما في مواد أخرى على أن ينظم القانون هذه المبادئ الدستورية. كذلك لم يتم النص على تخصيص النسبة الكافية من الناتج المحلي الإجمالي أو من الإنفاق العام لتحقيق جودة ومجانية التعليم. بل وكان الأمر يتطلب في بلد مثل مصر يعاني من ارتفاع معدل الأمية وتدني مستوى التعليم ويحتاج لمعالجة هذا الوضع الكارثي.. كان يتطلب النص صراحة في الدستور على ألا يقل الإنفاق العام على التعليم عن 5% من الناتج المحلي الإجمالي أو 20% من إجمالي الإنفاق العام أيهما أكبر، وهي النسبة التي يمكن من خلالها بناء المزيد من المدارس لتخفيف كثافة الطلاب في الفصول، وتطوير المعدات والمعامل وتحسين رواتب الجهاز التعليمي والإداري والعمال في قطاع التعليم. ومن ناحية أخرى فإن التعليم يجب أن يكون إلزاميا طوال مرحلة الطفولة حتى لا يتم تشغيل الأطفال بما ينتهك طفولتهم وحقوقهم الإنسانية. وبما أن مرحلة الطفولة تمتد بالقانون حتى 18 عاما، فإن التعليم الإلزامي يجب أن يكون حتى ذلك العمر الذي يوازي تقريبا نهاية المرحلة الثانوية.
حادي عشر: "الدستور" يطلب شهادة فقر للمستفيدين من الرعاية الصحية المجانية ويتجاهل المعايير العالمية وحقوق الأطباء والعاملين بالقطاع الصحي
تنص المادة (62) على أن "الرعاية الصحية حق لكل مواطن، تخصص له الدولة نسبة كافية من الناتج القومى. وتلتزم الدولة بتوفير خدمات الرعاية الصحية، والتأمين الصحى وفق نظام عادل عالى الجودة، ويكون ذلك بالمجان لغير القادرين. وتلتزم جميع المنشآت الصحية بتقديم العلاج الطبى بأشكاله المختلفة لكل مواطن فى حالات الطوارئ أو الخطر على الحياة. وتشرف الدولة على كافة المنشآت الصحية، وتتحقق من جودة خدماتها، وتراقب جميع المواد والمنتجات ووسائل الدعاية المتصلة بالصحة؛ وتصدر التشريعات وتتخذ كافة التدابير التى تحقق هذه الرقابة".
هذه المادة (62) تجعل الخدمات الصحية العامة مجانية لـ "غير القادرين"، بما يعني أن من يريد العلاج مجانا وفقا لهذه المادة عليه أن يقدم شهادة فقر، وهي مسخرة حقيقية، فالأصل في الخدمات الصحية العامة في العالم كله أنها مجانية ولا يذهب للحصول عليها سوى غير القادرين ولا يحتاج الأمر لإذلالهم بإثبات فقرهم أو عدم قدرتهم المالية حتى يحصلوا عليها. وكان ينبغي أن تكون المجانية مطلقة بشكل واضح. كما أنه في بلد يعاني من سحق القطاع الصحي لسنوات طويلة من خلال تخصيص نسبة متدنية من الإنفاق العام (5%) ومن الناتج المحلي الإجمالي (1.6%) للإنفاق العام على الصحة، كان لابد أن تتم الإشارة صراحة إلى ضرورة التوافق مع متطلبات منظمة الصحة العالمية في الإنفاق العام على الصحة بنسبة 15% من إجمالي الإنفاق العام، أو نسبة 5% من الناتج المحلي الإجمالي حتى يتم تقديم رعاية صحية محترمة للفقراء ومحدودي الدخل وبناء مستشفيات وتجهيزات كافية، وتقديم أجور محترمة للجهاز الطبي والتمريضي والإداري والعاملين في هذا القطاع.
ثاني عشر: غياب حقوق العمل والسكن والعاطلين بلا إعانة
1- غياب حق العمل ولا وجود لإعانة البطالة
تنص المادة (63) على أن "العمل حق وواجب وشرف لكل مواطن، تكفله الدولة على أساس مبادئ المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص. ولا يجوز فرض أى عمل جبرا إلا بمقتضى قانون. ويعمل الموظف العام فى خدمة الشعب، وتتيح الدولة الوظائف العامة للمواطنين على أساس الجدارة، دون محاباة أو وساطة، ومخالفة ذلك جريمة يعاقب عليها القانون. وتكفل الدولة حق كل عامل فى الأجر العادل والإجازات، والتقاعد والتأمين الاجتماعى، والرعاية الصحية، والحماية ضد مخاطر العمل، وتوافر شروط السلامة المهنية فى أماكن العمل؛ وفقا للقانون. ولا يجوز فصل العامل إلا فى الحالات المنصوص عليها فى القانون. والإضراب السلمى حق، وينظمه القانون".
هذه المادة (63) لا تلزم الدولة بتوفير فرص العمل للمواطنين، وبالتالي فإن حق العمل كحق أساسي يُمكن البشر من كسب عيشهم بكرامة هو حق غائب. وكان ينبغي النص على أن " الدولة ضامنة لحق العمل لكل المواطنين في سن العمل لتمكينهم من كسب عيشهم بكرامة، من خلال إيجاد فرص العمل الحقيقية بصورة مباشرة لدى القطاع العام والهيئات الاقتصادية والجهاز الحكومي، وبصورة غير مباشرة من خلال تهيئة البيئة الاقتصادية لتنشيط ورعاية الأعمال الخاصة الصغيرة والتعاونية والمتوسطة والكبيرة حتى تنمو وتزدهر وتتمكن من إيجاد فرص العمل الضرورية لتشغيل المؤهلين للعمل". كما كان ينبغي النص على أن الدولة مسئولة عن مساندة العاطلين وتقديم إعانات اجتماعية مؤقتة لهم، إذا لم يجدوا فرصا للعمل لدى الدولة أو القطاعين الخاص والتعاوني، وذلك ضمن المسئوليات الاجتماعية للدولة، فضلا عن أنه نوع من الضغط المشروع على الحكومة لتطوير أدائها وتحسين بيئة الأعمال لمساعدتها على النمو والتطور وتعزيز قدرتها على إيجاد فرص العمل الحقيقية، خاصة وأن المادة المادة (65) التي تنص على أن "تكفل الدولة خدمات التأمين الاجتماعى. ولكل مواطن الحق فى الضمان الاجتماعى؛ إذا لم يكن قادرا على إعالة نفسه أو أسرته، فى حالات العجز عن العمل أو البطالة أو الشيخوخة، وبما يضمن لهم حد الكفاية"... لم تذكر نصا صريحا يفرض تقديم إعانة البطالة للعاطلين.
كما كان ينبغي أن تشمل حقوق الاحتجاج السلمي المدرجة في هذه المادة، حقوق الإضراب والاعتصام والتظاهر بشكل سلمي، وليس الإضراب فقط.
تنص المادة (64) على أن "الدولة تكرم شهداء ومصابى الحرب وثورة الخامس والعشرين من يناير والواجب الوطنى، وترعى أسرهم والمحاربين القدامى والمصابين وأسر المفقودين فى الحرب وما فى حكمها. ويكون لهم ولأبنائهم ولزوجاتهم الأولوية فى فرص العمل. وكل ذلك وفقًا لما ينظمه القانون".
كان من الضروري استخدام صيغة إلزامية وليس صيغة فضفاضة تحتمل عدم الالتزام. فيكون النص" تلتزم الدولة بتكريم شهداء ومصابى الحرب وثورة الخامس والعشرين من يناير والواجب الوطنى، وتلتزم برعاية أسرهم والمحاربين القدامى والمصابين وأسر المفقودين فى الحرب وما فى حكمها. وتلتزم بإعطاء أبنائهم وزوجاتهم الأولوية فى فرص العمل. وكل ذلك وفقًا لما ينظمه القانون.
2- غياب حق السكن في دستور مرسي-الغرياني
تنص المادة (67) على أن "المسكن الملائم والماء النظيف والغذاء الصحى حقوق مكفولة. وتتبنى الدولة خطة وطنية للإسكان؛ تقوم على العدالة الاجتماعية، وتشجيع المبادرات الذاتية والتعاونيات الإسكانية، وتنظيم استخدام أراضى الدولة لأغراض العمران؛ بما يحقق الصالح العام، ويحافظ على حقوق الأجيال".
هذه المادة (67) عبارة عن كلام مرسل ولا توجد حتى إشارة إلى ضرورة تنظيمه بقانون، ولا توجد أي صيغة ملزمة للدولة بتوفير حق السكن للمواطنين، وهو ما يعني استمرار الحال على ما كان عليه.
وكان من الضروري النص على أن "تضمن الدولة حق السكن لمواطنيها كحق اقتصادي-اجتماعي أصيل، وذلك من خلال قيام شركات الدولة ببناء وتوفير المساكن الشعبية والاقتصادية اللائقة والصحية والمتناسبة مع دخول الفئات التي تحتاجها من الفقراء ومحدودي الدخل. وإضافة لذلك تقوم الدولة بمد البنية الأساسية على أسس اقتصادية مدروسة لمناطق جديدة لتوسيع رقعة العمران وتنمية مناطق سكنية وصناعية وزراعية وخدمية جديدة، وتقدم تسهيلات لحفز المواطنين ومبادراتهم الفردية والتعاونية على الخروج من الوادي والدلتا إلى تلك المناطق الجديدة ببناء المساكن للاستخدام الذاتي أو للاتجار بأسعار معتدلة مرتبطة بالتكلفة".
ثالث عشر: الدستور يشرع للأسماء الطائفية ولا يمنع زواج الأطفال
تنص المادة (70) على أن "لكل طفل، فور الولادة، الحق فى اسم مناسب، ورعاية أسرية، وتغذية أساسية، ومأوى، وخدمات صحية، وتنمية دينية ووجدانية ومعرفية. وتلتزم الدولة برعايته وحمايته عند فقدانه أسرته، وتكفل حقوق الطفل المعاق وتأهيله واندماجه فى المجتمع. ويحظر تشغيل الطفل، قبل تجاوزه سن الإلزام التعليمى، فى أعمال لا تناسب عمره، أو تمنع استمراره فى التعليم. ولا يجوز احتجاز الطفل إلا لمدة محددة، وتوفر له المساعدة القانونية، ويكون احتجازه فى مكان مناسب؛ يراعى فيه الفصل بين الجنسين، والمراحل العمرية، ونوع الجريمة، والبعد عن أماكن احتجاز البالغين".
هذه المادة (70 ) تنص على أنه لكل طفل الحق في اسم مناسب...إلخ وأي عاقل سيستغرب من هذا النص فما هو دخل الدولة في تسمية الأبناء؟... هذه المادة الطائفية مخصصة لمنع تسمية أبناء الأديان الأخرى بأسماء معينة يعتبرها البعض حكرا على المسلمين. وهذا أمر عبثي، لأنه من أجمل الأشياء التي حدثت في مصر في عصور الوحدة الوطنية، هو اختيار أسماء مشتركة للبحث عما يوحد الأمة لا عما يفرقها. وفي النهاية تسمية الأبناء شأن عائلي لا علاقة للدولة به ولا يجب أن تحشر أنفها فيه.
كما أن هذه المادة المخصصة لرعاية الأطفال تجاهلت النص على عدم تزويج الأطفال حتى يبلغوا سن الرشد، لأنه يشكل اعتداء على طفولتهم وعلى حقهم، وهذا التجاهل يفتح الباب أمام تزويج الأطفال وهو أمر أقرب للإتجار بهم واغتصاب طفولتهم.
رابع عشر: إهدار حقوق ذوي الإعاقة في العمل وكسب العيش بكرامة
تنص المادة (72) على أن "تلتزم الدولة برعاية ذوى الإعاقة صحيا واقتصاديًا واجتماعيا، وتوفر لهم فرص العمل، وترتقى بالثقافة الاجتماعية نحوهم، وتهيئ المرافق العامة بما يناسب احتياجاتهم".
هذه المادة (72) المتعلقة بذوي الإعاقة لم تشر إلى تنظيم حقوق ذوي الإعاقة بقانون، بما يجعلها كلام مرسل. ولم تحدد لهم نسبة في فرص العمل في المؤسسات العامة والخاصة، ولم تذكر ضرورة وضع آليات إجبارية لتنفيذها وتجريم عدم الالتزام بها.
وكان من الضروري الإشارة إلى إلزام الحكومة وقطاعها العام وهيئاتها الاقتصادية وكذلك شركات القطاع الخاص بنسبة 5% من فرص العمل لديها لذوي الاحتياجات الخاصة لإدماجهم في سوق العمل ليشاركوا حسب قدرتهم في صنع نهضة بلادهم، ولتمكينهم من مساعدة أنفسهم وكسب عيشهم بصورة كريمة، وتوضع عقوبات على الشركات العامة والخاصة التي لا تلتزم بهذه النسبة تتمثل في فرض غرامات تماثل النسبة المذكورة من مخصصات الأجور وما في حكمها في الشركة المخالفة، إذا كانت لا توظف ذوي احتياجات خاصة لديها كليا، أو غرامة تستكمل تلك النسبة إذا كانت تلتزم جزئيا بتوظيف بعض ذوي الاحتياجات الخاصة، وتخصص حصيلة تلك الغرامة في تمويل تقديم إعانة بطالة لذوي الاحتياجات الخاصة). وأنا أعلم أن هذه الصياغة مفصلة، لكنها ضرورية، لأنه لم يتم احترام هذه المادة في الدستور القديم بسبب عدم نصها على الإلزام والعقوبات.
خامس عشر: استمرار حق الرئيس في تعيين عشر أعضاء مجلس الشورى الذي أعطاه سلطات تشريعية
تنص المادة (102) على أنه "لا يجوز لأى من مجلسى النواب والشورى إقرار مشروع قانون إلا بعد أخذ الرأى عليه. ولكل مجلس حق التعديل والتجزئة فى المواد، وفيما يعرض من التعديلات. وكل مشروع قانون يقره أحد المجلسين يبعث به إلى المجلس الآخر، ولا يجوز له أن يؤخره عن ستين يومًا، لا تدخل فيها العطلة التشريعية. ولا يكون قانونًا إلا إذا أقره المجلسان".
هذه المادة تعطي مجلس الشورى سلطة تشريعية على قدم المساواة مع مجلس النواب (الشعب في الدستور القديم). وهذه المادة تعكس مخاوف المتأسلمين من أن أي انتخابات جديدة لمجلس النواب لن يحصلوا فيها على الأغلبية، فتفتقت أذهانهم عن هذه الحيلة لإعطاء مجلس الشورى سلطة التشريع على قدم المساواة مع مجلس النواب... إنهم خائفون من تصويت الجماهير التي كفرت بهم، وعلينا أن نوسع نطاق تواصلنا مع الجماهير لإحراز النصر في أي انتخابات برلمانية قادمة.
سادس عشر: تقييد حق السلطة التشريعية في مراجعة إيرادات الموازنة واقتراح تنميتها
تنص المادة (117) على أنه "يجب أن تشمل الموازنة العامة للدولة كافة إيراداتها ومصروفاتها دون استثناء. ويُعرض مشروعها على مجلس النواب قبل تسعين يوما على الأقل من بدء السنة المالية، ولا تكون نافذة إلا بموافقته عليها؛ ويتم التصويت عليه بابا بابا. ويجوز لمجلس النواب أن يعدل النفقات الواردة فى مشروع الموازنة، عدا التى ترد تنفيذا لالتزام محدد على الدولة. وإذا ترتب على التعديل زيادة فى إجمالى النفقات، وجب أن يتفق المجلس مع الحكومة على تدبير مصادر للإيرادات تحقق إعادة التوازن بينهما؛ وتصدر الموازنة بقانون يجوز أن يتضمن تعديلا فى قانون قائم بالقدر اللازم لتحقيق هذا التوازن. وإذا لم يتم اعتماد الموازنة الجديدة قبل بدء السنة المالية عُمل بالموازنة القديمة لحين اعتمادها. ويحدد القانون السنة المالية، وطريقة إعداد الموازنة العامة، وأحكام موازنات المؤسسات والهيئات العامة وحساباتها".
ويجب أن يضاف لهذه المادة النص التالي: "ويجوز لمجلس النواب تعديل القواعد والقوانين التي يمكنها تعديل الإيرادات العامة للدولة، مثل رسوم المحاجر والضرائب والجمارك وغيرها، وإعادة الموازنة العامة للدولة للحكومة لتغييرها بناء على هذه التعديلات التي يكون هدفها تحقيق التوازن في الموازنة العامة للدولة.
سابع عشر:استمرار عدم محاسبة الوزراء والرئيس عمليا
تنص المادة (166) على أنه "لرئيس الجمهورية، وللنائب العام، ولمجلس النواب بناء على طلب موقع من ثلث أعضائه على الأقل، اتهام رئيس مجلس الوزراء أو أى من أعضاء الحكومة، بما قد يقع منهم من جرائم خلال تأدية أعمال مناصبهم أو بسببها . وفى جميع الأحوال لا يصدر قرار الاتهام إلا بموافقة ثلثى أعضاء مجلس النواب، ويوقف من يتقرر اتهامه عن عمله إلى أن يقُضى فى أمره، ولا يحول انتهاء خدمته دون إقامة الدعوى عليه أو الاستمرار فيها".
هذه المادة (166) تنص على أن توجيه الاتهام للوزراء أو رئيسهم لا يصدر إلا بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب حتى لو كان الرئيس أو النائب العام هو من يوجه الاتهام... يعني لو حزب رئيس الوزراء أو أي وزير لديه أكثر من ثلث أعضاء مجلس النواب واتفق هؤلاء الأعضاء على حمايته باعتباره ممثلا للحزب، فإنه حتى لو كانت هناك أدلة قاطعة على ارتكابه لأي جريمة متعلقة بوظيفته العامة أو فساده، فإنه لا يمكن محاكمته... إذن لا محاسبة حقيقية للوزراء أو رئيسهم... يبقى الحال على ما كان عليه في عصر مبارك. كما أنه لا توجد أي مادة لتوجيه الاتهام للرئيس ومحاسبته، وكأنه فوق القانون والأمة والدولة!!!
ثامن عشر: سحق الأجهزة الرقابية وتبعيتها للرئيس لحماية الفاسدين
تنص المادة (201) على أن "تقدم تقارير الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية إلى كل من رئيس الجمهورية ومجلس النواب ومجلس الشورى، خلال ثلاثين يومًا من تاريخ صدورها. وعلى مجلس النواب أن ينظرها، ويتخذ الإجراء المناسب حيالها فى مدة لا تجاوز ستة أشهر من تاريخ ورودها إليه. وتنشر هذه التقارير على الرأى العام. وتبلغ الأجهزة الرقابية سلطات التحقيق المختصة بما تكتشفه من دلائل على ارتكاب مخالفات أو جرائم. وكل ذلك على النحو الذى ينظمه القانون".
هذه المادة (201) تغفل حق الإعلام والرأي العام في معرفة ما تم كشفه من قضايا الفساد بشأن المال العام، وينبغي أن يكون هناك نص واضح على علنية تقارير الأجهزة الرقابية لأن الشعب صاحب المال العام هو الأحق بمعرفة اي فساد جرى بشأنه ليقوم بدوره في الدفاع عن هذا المال العام إلى جانب أجهزة الدولة
تنص المادة (202) على أن "يعين رئيس الجمهورية رؤساء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية بعد موافقة مجلس الشورى، وذلك لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد لمرة واحدة. ولا يعزلون إلا بموافقة أغلبية أعضاء المجلس، ويُحظر عليهم ما يحظر على الوزراء".
هذه المادة تعني استمرار أهم قاعدة للفساد في نظام مبارك، وهي تبعية الأجهزة الرقابية للسلطة التنفيذية التي من المفترض أن تلك الأجهزة تأسست لرقابة تصرفاتها في المال العام.وهذا لأمر يخلق تعارضا في المصالح، فاعتبارات ولاء رؤساء تلك الأجهزة لمن جاء بهم بالتعيين وليس بالانتخاب، تجعل من الصعب عليهم رقابة تصرفاته وتصرفات حكومته والقيادات الإدارية من حزبه بشأن المال العام... اعتبارات الملائمة السياسية في هذه الحالة، ستعوق المكافحة الحقيقية للفساد... هذه المادة كارثة حقيقية في بلد يحتاج لاتخاذ أقصى التدابير والإجراءات الاحترزية لمنع ومكافحة الفساد الذي ينخر في عظام الدولة. أما تعيين رؤساء الهيئات المستقلة فالأفضل أن يكون من سلطات مجلس الشعب على أن يصدق عليه الرئيس، حتى لا يتم تكوين عصابة من الموالين لشخص واحد هو الرئيس في الهيئات العملاقة والمؤثرة في الاقتصاد والمجتمع.
تنص المادة (205) على أن يتولى الجهاز المركزى للمحاسبات الرقابة على أموال الدولة، والجهات الأخرى التى يحددها القانون.
تجاهلت هذه المادة (205) النص على رقابة الجهاز على الهيئات الاقتصادية للدولة وقطاعها العام وعلى حصص المال العام في الشركات المشتركة. كما لم تنص على حق الجهاز في النفاذ لكل المعلومات المتعلقة بالتصرفات في المال العام بصورة ملزمة لكل الجهات التي من المفترض أن يراقبها... هذه المادة تحجم الجهاز المركزي وتقلم أظافره وهي عامل مساعد على انتشار الفساد بدلا من منعه ومكافحته!
تاسع عشر: تجاهل استقلال البنك المركزي
تنص المادة (206) على أن "يضع البنك المركزى السياسة النقدية والائتمانية والمصرفية، ويشرف على تنفيذها، ويراقب أداء الجهاز المصرفى، ويعمل على تحقيق استقرار الأسعار؛ وله وحده حق إصدار النقد. وذلك كله فى إطار السياسة الاقتصادية العامة للدولة".
هذه المادة لم تعط أي استقلالية للبنك المركزي ويجب أن يكون البنك المركزي المصري مؤسسة مستقلة ذات شخصية اعتبارية عامة، ويصدر بنظامه الأساسي قرار من مجلس الشعب بالأغلبية المطلقة، يلزم لإقراره، تصديق رئيس الجمهورية عليه، فإذا رفض، يُعاد مشروع النظام لمجلس الشعب لإجراء التعديلات المطلوبة لتصديق الرئيس عليه، أو تتم إعادة التصويت عليه في مجلس الشعب، فإذا حصل على أغلبية الثلثين من المجلس، يصبح القانون ساريا ولا يلزم موافقة الرئيس عليه. ويراعى في هذا النظام الأساسي أن يكون نافيا لأي شكل من أشكال تعارض المصالح أو منافذ المحسوبية. والبنك المركزي هو المختص بإدارة السياسة النقدية لمصر بشكل مرن ومستقر وكفء، والإشراف والرقابة على كل البنوك العامة والخاصة المحلية والأجنبية العاملة في مصر، بما يحفز الادخار ويشجع الاستثمار والصادرات ويدعم التنمية الاقتصادية والتوازن في العلاقات الاقتصادية المصرية مع باقي دول العالم. ويُعين محافظ البنك المركزي ونائبيه لمدة أربعة أعوام قابلة للتجديد مرة واحدة فقط، بقرار من مجلس الشعب، من بين المشهود لهم بالكفاءة والخبرة والنزاهة.
عشرون: عبث "دستوري"
تنص المادة (214) على أن "يختص المجلس الوطنى للتعليم والبحث العلمى بوضع استراتيجية وطنية للتعليم بكل أنواعه وجميع مراحله، وتحقيق التكامل فيما بينها، والنهوض بالبحث العلمى، ووضع المعايير الوطنية لجودة التعليم والبحث العلمى، ومتابعة تنفيذ هذه الاستراتيجية".
لم توضح هذه المادة من يقوم بتشكيل هذا المجلس ومعايير اتشكيله، ويبدو أنه قد تمت صياغتها على عجل في إطار سلق الدستور بصورة تنطوي على مستوى مشين من الاستخفاف
تنص المادة (215) على أن "يتولى المجلس الوطنى للإعلام تنظيم شئون البث المسموع والمرئى وتنظيم الصحافة المطبوعة والرقمية وغيرها. ويكون المجلس مسئولا عن ضمان حرية الإعلام بمختلف صوره وأشكاله والمحافظة على تعدديته، وعدم تركزه أو احتكاره، وعن حماية مصالح الجمهور، ووضع الضوابط والمعايير الكفيلة بالتزام وسائل الإعلام المختلفة بأصول المهنة وأخلاقياتها، والحفاظ على اللغة العربية، ومراعاة قيم المجتمع وتقاليده البناءة".
هذه المادة (215) تستحدث "المجلس الوطني للإعلام" دون أن تقول كلمة واحدة عن كيفية ومعايير تشكيله ومدى استقلاله .. هذا عبث دستوري!!
تنص المادة (216) على أن "تقوم الهيئة الوطنية للصحافة والإعلام على إدارة المؤسسات الصحفية والإعلامية المملوكة للدولة، وتطويرها، وتنمية أصولها، وتعظيم الاستثمار الوطنى فيها، وضمان التزامها بأداء مهنى وإدارى واقتصادى رشيد".
هذه المادة (216) تستحدث "الهيئة الوطنية للصحافة والإعلام" دون أن تتعرض لكيفية ومعايير تشكيلها ومدى استقلاليتها.. هذا عبث دستوري!!
تنص المادة (224) على أن "تجرى انتخابات مجلسى النواب والشورى والمجالس المحلية وفقا للنظام الفردى أو نظام القوائم أو الجمع بينهما أو بأى انتخاب يحدده القانون". وتنص المادة (231) على أن "تكون الانتخابات التشريعية التالية لإقرار الدستور بواقع ثلثى المقاعد لنظام القائمة، والثلث للنظام الفردى، ويحق للأحزاب والمستقلين الترشح فى كل منهما".
وواضح تماما أن المادة (231) التي تحدد بشكل قاطع نظام انتخابات مجلسي النواب والشورى، تتناقض مع المادة 224 التي تنص على أن "تجرى انتخابات مجلسى النواب والشورى والمجالس المحلية وفقا للنظام الفردى أو نظام القوائم أو الجمع بينهما أو بأى انتخاب يحدده القانون"، فأين الاتساق يا من وضعتم الدستور؟!
إحدى وعشرون: التأسيس لدولة الإرهاب تحت غطاء الدين
الدولة تحشر أنفها في تدين المواطنين وتؤسس لجماعات الغوغاء المسماة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
ينص مشروع دستور الغرياني ومرسي في المادة 10 على أن "الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق والوطنية. وتحرص الدولة والمجتمع على الالتزام بالطابع الأصيل للأسرة المصرية، وعلى تماسكها واستقرارها، وترسيخ قيمها الأخلاقية وحمايتها؛ وذلك على النحو الذى ينظمه القانون. وتكفل الدولة خدمات الأمومة والطفولة بالمجان، والتوفيق بين واجبات المرأة نحو أسرتها وعملها العام. وتولى الدولة عناية وحماية خاصة للمرأة المُعيلة والمطلقة والأرملة".
هذه المادة (10) تحول الدين من علاقة مباشرة لا وساطة فيها بين الإنسان وربه إلى علاقة تحت رقابة الدولة التي يمكنها وفقا لهذا "الدستور" المشوه أن تسن القوانين لتنظيم إلزام المجتمع بما ترى أنه القيم الأساسية وأولها الدين والأخلاق حسب نص المادة 10... الدولة بهذا ألغت حرية الإنسان في الاعتقاد والشعائر الدينية بعد أن أصبحت وصية على تدين المواطنين، وهي تفتح الباب أمام تكوين جماعات الغوغاء "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، لو حصلت قوى "الإسلام" السياسي على الأغلبية في البرلمان.
وللعلم فإن نص هذه المادة في دستور 1971 كان " الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق والوطنية. وتحرص الدولة والمجتمع على الالتزام بالطابع الأصيل للأسرة المصرية وما يتمثل فيه من قيم وتقاليد، مع تأكيد هذا الطابع وتنميته في العالاقات داخل المجتمع المصري". وهي أقرب للديباجة وللتذكير بطبيعة الأسرة المصرية وقيمها، ولا تتضمن أي إلزام أو حشر الدولة لنفسها في تدين المواطنين. الدين علاقة خالصة بين الإنسان وربه وجماعة الإخوان لن تجبرنا بقوانينها على تغيير ديننا الوسطي المعتدل"
تنص المادة (219) على أن مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة فى مذاهب أهل السنة والجماعة.
هذه المادة 219 كارثة، فرغم أن المادة الثانية تشير إلى أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي للتشريع وهذا كاف لتأكيد أن تلك المبادئ هي مظلة التشريع، فإن هذه المادة تتضمن نص المادة الثانية وتضيف إليها أن مبادئ الشريعة تشمل أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة في مذاهب أهل السنة والجماعة. هنا أصبح الأمر يتعلق بأحكام الشريعة سواء تلك المرتبطة بزمن الدعوة مثل كل ما يتعلق بالرق والجواري ومعاملة غير المسلمين في البلاد التي يحكمها المسلمون (الجزية)، أو العابرة للأزمان المتعلقة بالحق والعدل والقصاص، ولا يقتصر الأمر على ما أنزله القرآن، بل يتعداه إلى اجتهادات أهل السنة والجماعة، حسب مزاج من سيختار من اجتهاداتهم المتباينة والمتناقضة أحيانا.. هذه المادة تعتدي على العقل وحقوق الإنسان والحضارة نفسها وعلى الإسلام الوسطى للمصريين الذي يعد أحد أهم المنجزات الحضارية لمصر، وتفتح الباب أمام أحكام المتطرفين والوهابيين لتخريب النمط الإسلامي الوسطي المعتدل لمصر وشعبها العظيم. إن "مصر العظيمة دولة قانون ولديها جيش وشرطة على أسس وطنية، ويجب ألا نسمح بدستور يؤسس لجماعات الإرهاب المسماة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي تغتصب دور الشرطة" كجهاز وطني، أو الميليشيات الدينية التي تغتصب دور الجيش الوطني.
يا شعبنا العظيم هذا مشروع مشبوه لدستور وضعته لجنة تأسيسية غير شرعية، شكلها مجلس شعب تم حله بالقانون، ومُنعت المحكمة الدستورية من الحكم بشأن مجلس الشورى والجمعية التأسيسية تحت ضغط إرهاب الرئيس وجماعة الإخوان المسلميتن غير الشرعية التي ترفض الدخول تحت مظلة القانون لتغطية مصادر تمويلها المشبوهة، وإنفاقها على أعمال غير مشروعة... هذا المشروع يجعل الرئيس ديكتاتورا طاغية بسلطات إلهية تجعل الأجهزة الرقابية تابعة له لحماية الفاسدين، وتجعله ديكتاتورا طاغية بصورة تسحق مؤسسات الدولة التشريعية والقضائية والرقابية، وتمكنه من إعفاء القتلة والإرهابيين من العقوبة وتعيين جماعة الإخوان المسلمين في كل المؤسسات المدنية والعسكرية والشرطية على حساب حقوق أبناء الشعب وليس هناك محاسبة أو محاكمة للرئيس
هذا المشروع "الدستوري" يكرس استمرار فساد نظام الأجور والاستثناءات التي تعطي أهل الحظوة رواتب أسطورية بينما يعاني الشعب من الفقر، ويكرس استمرار سحق مصالح الفلاحين والصيادين، ولا يضع أساسا لإصلاح نظام التعليم أو الاستجابة لمطالب المعلمين وكل العاملين في قطاع التعليم، بل يعطي كلاما مرسلا، ويكرس استمرار منطق إهدار وإساءة استغلال الثروات المعدنية والمحجرية، ويؤكد عدم الجدية في حماية الآثار والمحميات والشواطئ والبحيرات، ويواصل سياسة النظام السابق في نهب أموال التأمينات وسحق حقوق أرباب المعاشات، وينطوي على التهديد بإسقاط الجنسية عن المعارضين، ويعيد سياسة تكميم الصحافة وتقييد دروها في كشف الفساد، ويضع الجمعيات والمؤسسات الأهلية والأحزاب تحت إرهاب الحل، ويصادر حرية تشكيل النقابات والاتحادات وإرهابها بسيف المنع والحل، ويقدم الأساس لإلغاء مجانية الرعاية الصحية إلا لمن يقدم شهدة فقر مُذلة، ويتجاهل حقوق الأطباء والعاملين بالقطاع الصحي، وحق العمل غائب والعاطلين بلا إعانة، ويشرع للأسماء الطائفية ولا يمنع زواج الأطفال، ويهدر حقوق ذوي الإعاقة في العمل وكسب العيش بكرامة، ويسحق مصالح وحقوق الفلاحين في أرض بلادهم وفي التمثيل في مجالسها التشريعية هم والعمال الذين يصنعون الحياة على أرض مصر.
أولا: اقتصاد بلا هوية واستمرار فساد نظام الأجور وإهدار الموارد
تنص المادة (14) على أن " الاقتصاد الوطنى يهدف إلى تحقيق التنمية المطردة الشاملة، ورفع مستوى المعيشة وتحقيق الرفاه، والقضاء على الفقر والبطالة، وزيادة فرص العمل، وزيادة الإنتاج والدخل القومي. وتعمل خطة التنمية على إقامة العدالة الاجتماعية والتكافل، وضمان عدالة التوزيع، وحماية حقوق المستهلك، والمحافظة على حقوق العاملين، والمشاركة بين رأس المال والعمل فى تحمل تكاليف التنمية، والاقتسام العادل لعوائدها. ويجب ربط الأجر بالإنتاج، وتقريب الفوارق بين الدخول، وضمان حد أدنى للأجور والمعاشات يكفل حياة كريمة لكل مواطن، وحد أقصى فى أجهزة الدولة لا يستثنى منه إلا بناء على قانون".
1- اقتصاد بلا هوية
هذه المادة (14) لا تحدد طبيعة الاقتصاد المصري ودور الدولة فيه، رغم أن إخراج مصر من مأزقها الاقتصادي الراهن يتوقف على وجود دور فاعل في الدولة في الاستثمار وزيادة الناتج القومي ونصيب الفرد منه وفي خلق الوظائف في نظام اقتصادي مختلط يعمل فيه إلى جانب الدولة، القطاع الخاص الكبير والمتوسط والصغير والتعاوني بكل حرية في ظل إجراءات ميسرة لتأسيس الأعمال ولمنع الفساد المعوق لها، مثل النظام الذي طبقته الدول الأوروبية من ثلاثينات القرن العشرين وحتى نهاية سبعينياته، ومكنها من الخروج من الكساد العظيم ومن تمويل تكاليف الحرب العالمية الثانية، ومن إعادة إعمار ما خربته تلك الحرب، ومن بناء الاقتصادات والشركات العملاقة التي تسيطر على أسواق بلدانها وتمد أذرعها القوية لكل العالم.
2- نظام الأجور... استمرار الاستثناءات والفساد
تطالب المادة (14) بوضع حد أدنى لأجر العاملين عموما، وحد أقصى لأجر العاملين بالدولة، لكنها تضيف أنه يمكن أن تكون هناك استثناءات من الحد الأقصى بقانون... يعني يبقى الحال على ما كان عليه من رواتب بالغة التدني للغالبية الساحقة من العاملين بأجر بالذات في الجهاز الحكومي، ودخول أسطورية لمن سيتم إعطائهم استثناء لاختراق نظام الأجور، طالما تم فتح باب الاستثناءات. وكان من الضروري منع الاستثناءات نهائيا.
كما كان من الضروري النص على تحريك الحد الأدنى للأجر سنويا بنفس نسبة معدل التضخم (معدل ارتفاع أسعار المستهلكين) حتى لا تتآكل قدرته الشرائية وتتدهور الأحوال المعيشية للعاملين.
وبالمناسبة دستور 1971 كان ينص على وضع حد أدنى للأجر يكفي لحياة كريمة، ووضع حد أقصى لتقليل الفوارق في الدخول. لكنه مثل الدستور الحالي لم يضع معايير محددة لهذا الحد الأقصى مثل ألا يزيد عن 15 أو 20 مثل الحد الأدنى. و"الطريف" أن هذه المادة تطالب بربط الأجر بالإنتاج، وهو جهل مطبق، لأن إنتاجية العامل ليست مسئوليته بنسبة 99%، حيث تتحدد الإنتاجية بمدى حداثة الآلات التي يعمل عليها، والنظام الإداري الذي يعمل في ظله والذي توجد به آليات صارمة وعادلة للثواب والعقاب. وببساطة لو كان هناك عامل يعمل في شركة تكرير نفط وهي تستخدم عمالة محدودة للغاية، حيث أنها صناعة كثيفة رأس المال، فإنه عند قسمة الناتج منها على عدد العاملين، تظهر إنتاجية العامل ضخمة جدا ويحق له الحصول على أجر مرتفع جدا، رغم أنها في الحقيقة إنتاجية الآلات. وإذا كان هناك عامل آخر يعمل في شركة غزل ونسيج ويبذل جهدا أكبر من الأول، لكنه يعمل في صناعة كثيفة العمل، وبالتالي عند قسمة الناتج على عدد العاملين تبدو إنتاجية العامل منخفضة رغم أنه هو المسئول الرئيسي عن هذه الإنتاجية، وتبرر للشركة تقديم أجر منخفض له. كذلك فإن العامل الذي يعمل على آلات قديمة منخفضة الإنتاجية، تكون إنتاجيته منخفضة بالمقارنة مع عامل آخر يعمل في نفس الصناعة على آلات حديثة عالية الإنتاجية رغم أن العامل غير مسئول في الحالتين... إن الربط المطلق للأجر بالإنتاجية هو الظلم القائم على الجهل! ولم تتحدث هذه المادة عن أي علاقة بين الأجور والأسعار. يعني أيام نظام مبارك كان فيه مقابل غلاء معيشة... الآن يمكنهم استنادا لمشروع "الدستور" أن يلغوها.
وإليكم نص المادة التي اقترحتها بشأن الأجور في كراسة استراتيجية نشرها لي مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية: (نظام الأجور يجب أن يتسم بالاتساق والتوازن في المصالح بين أرباب العمل والعاملين لديهم لضمان عدالة اقتسام القيمة المضافة التي تم خلقها في العملية الإنتاجية، وأيضا لضمان فعالية ومرونة سوق العمل وحفز العمل والإنتاج والابتكار ونمو ونشاط الأعمال الخاصة والعامة. وينبغي أن يتضمن هذا النظام حدا أدنى للأجر يكفي لمتطلبات الحياة الكريمة للعامل، ويتغير سنويا بالقانون بنفس معدل ارتفاع أسعار المستهلكين (معدل التضخم) المعلن رسميا لضمان عدم تآكل قدرته الشرائية. وينبغي ألا تتجاوز كل الدخول الإضافية للعامل أو الموظف، نسبة 100% من الأجر الأساسي كقيد قانوني مساعد لتحقيق العدالة الاجتماعية ومانع للأبواب الخلفية للفساد في توزيع مخصصات الأجور وما في حكمها. ويُوضع توصيف وظيفي للعاملين لدى كل جهات الدولة (الجهاز الحكومي والهيئات الاقتصادية والقطاع العام) يتم بناء عليه إعطاء أجور موحدة تقريبا مع هامش حركة لا يزيد عن ربع الأجر الأساسي، للذين يقومون بوظيفة واحدة ولديهم نفس سنوات الخبرة والكفاءة. كما ينبغي لنظام الأجور الخاص بالعاملين لدى الدولة أيا كانت الجهة التي يعملون فيها، أن يتضمن حدا أقصى للدخل الشامل لا يتجاوز ما يتراوح بين 15 مثل الحد الأدنى المطلق للأجر الشامل للعاملين لدى الدولة)
3- "هدية" مسمومة
تنص المادة (17) على أن "الصناعة مقوم أساسى للاقتصاد الوطني، وتحمى الدولة الصناعات الاستراتيجية، وتَدْعُم التطور الصناعي، وتضمن توطين التقنيات الحديثة وتطبيقاتها. وترعى الدولة الصناعات الحرفية والصغيرة".
أشار المستشار الغرياني عند تقديمه للمادة 17 إلى أنه يقدم هدية للمجتمع المصري، والهدية في الحقيقة عبارة عن صندوق فارغ، فالمادة عبارة عن كلام عام غير ملزم لمشرعي القوانين، أو هو مجرد ديباجة، حيث لم ينص على مبادئ دعم الصناعة وما سيخصص لدعمها أو لإنشاء استثمارات صناعية عامة جديدة كنسبة من الإنفاق العام للدولة. كما لم ينص على رعاية المشروعات الصغيرة بتكوين مؤسسة وطنية مركزية ولها فروع إقليمية في كل مصر لرعاية تلك المشروعات بشكل كامل كآلية لتشغيل العاطلين وتمكينهم من كسب عيشهم بكرامة وزيادة الناتج والنمو الاقتصادي. كما لم ينص على أن توضع قوانين لتنظيم هذه التنمية وذلك الدعم كما هو الحال في المواد الدستورية الأخرى... إذن الموضوع هنا مجرد كلام.
4- استمرار إهدار وإساءة استغلال الثروات المعدنية والمحجرية
تنص المادة (18) على أن "الثروات الطبيعية للدولة ملك الشعب، وعوائدها حق له، تلتزم الدولة بالحفاظ عليها، وحسن استغلالها، ومراعاة حقوق الأجيال فيها. ولا يجوز التصرف فى أملاك الدولة، أو منح امتياز باستغلالها أو التزام مرفق عام، إلا بناء على قانون. وكل مال لا مالك له فهو ملك الدولة".
التعليق: المادة 18 تنص على التزام الدولة بالحفاظ على الثروة المعدنية وحسن استغلالها ومراعاة حقوق الأجيال القادمة، وهو نص لا يختلف عما كان موجودا من قبل وساهم وما يزال في سوء استغلال ثرواتنا المعدنية والمحجرية التي تم وضع قانون عام 1956 لاستغلالها من قبل الدولة، يضع رسوما رمزية لهذا الاستغلال على أساس أن الدولة وحدها هي التي تستغلها.
ولكن تغير الأمر في سبعينيات القرن العشرين وأصبح القطاع الخاص المحلي والأجنبي يستغل الثروات المعدنية والمحجرية، واستمر القانون القديم والرسوم الرمزية القديمة.. تصوروا أن الرسوم التي تحصل عليها الدولة على طن الحجر الجيري أو طن الطفلة تبلغ قرشان (اللأجيال الجديدة التي لم لا تعرف القرش..الجنيه مائة قرش)، وتبلغ 20 قرشا على طن الجرانيت!!!
وصحيح أن هناك رسوم محدودة أخرى تعطى للمحليات وأحيانا للجيش، لكنها متدنية للغاية أيضا، فضلا عن أنها تذهب في غير محلها. وحسب دراسات الهيئة العامة للثروة المعدنية في مصر فإن مصر يمكن أن تحصل على 25 مليار جنيه سنويا على الأقل كإيرادات من رسوم الثروة المعدنية لو تم تعديلها لمستوى الرسوم الموجود في العالم وفي بلدان الجوار. وإليكم النص الذي اقترحته بشأن الثروة المعدنية في الكراسة الاستراتيجية التي نشرها لي مركز الأهرام للدراست الاستراتيجية بعنوان "صياغة مقترحة للمواد الاقتصادية والاجتماعية في الدستور المصري الجديد"... (الموارد الطبيعية الناضبة مثل النفط والغاز وخامات الأسمنت والجبس والجير والطفلة والفوسفات والمنجنيز وغيرها، هي حق لكل الأجيال، وينبغي استخراجها بشكل معتدل يراعي حقوق الأجيال القادمة، على أن يتم استخدام العائدات التي يدرها هذا الاستخراج بناء على تسعيرها بشكل عادل يرتبط بالأسعار العالمية، في بناء مشروعات إنتاجية عامة مملوكة للدولة تؤدي إلى رفع الناتج القومي ونصيب الفرد منه وإيجاد فرص للعمل، ويتم توريثها كمشروعات عامة متطورة وناجحة للأجيال القادمة، لتعويض الموارد الطبيعية الناضبة التي تم استنزافها بأصول متجددة القدرة على الإنتاج). وتسن القوانين المنظمة لذلك
ثانيا: استمرار سحق مصالح الفلاحين والصيادين
هناك عدة مواد متعلقة بالفلاحين والصيادين في الدستور، هي المواد (15)، (16)، (19)، (20)، (24)، (66)، (236)
تنص المادة (15) على أن "الزراعة مقوم أساسى للاقتصاد الوطنى، وتلتزم الدولة بحماية الرقعة الزراعية وزيادتها، وتعمل على تنمية المحاصيل والأصناف النباتية والسلالات الحيوانية والثروة السمكية وحمايتها، وتحقيق الأمن الغذائى، وتوفير متطلبات الإنتاج الزراعى وحسن إدارته وتسويقه، ودعم الصناعات الزراعية. وينظم القانون استخدام أراضى الدولة؛ بما يحقق العدالة الاجتماعية، ويحمى الفلاح والعامل الزراعى من الاستغلال".
1- غياب الحد الأقصى واستمرار تمليك غير المصريين للأرض المصرية
هذه المادة لم تضع أي حد أقصى للملكية الزراعية لمنع سيطرة الإقطاع وحرمان الفلاحين من الأرض التي هم الأحق بها... إذن "أبشروا" باستمرار حرمان الفلاحين من الأرض واستمرار الملكيات بآلاف الأفدنة وحتى بعشرات الآلاف لكبار الملاك. كما لم تمنع ملكية غير المصريين للأراضي الزراعية، وهي هنا تتراجع عما تضمنه دستور 1971 في هذا الشأن. وللعلم فإن ملكيات الأجانب في مصر بلغت نحو 713.1 ألف فدان في عام 1917. كما كان هناك في مصر في عام 1930 نحو 3.4 مليون فدان، مرهونة للبنوك العقارية والزراعية وبنوك الأراضي، وكان جانبا كبيرا منها مرهونا للأجانب، ولولا أن قانون الخمسة أفدنة الذي صدر عام 1913 كان يحظر الحجز على الملكيات الزراعية التي تقل عن 5 أفدنة، وعلى أراضي الوقف أيضا، لكان جانبا كبيرا من أرض مصر قد خضع للحجز والبيع. لقد كانت نسبة ممتلكات الأجانب للأرض في مصر أعلى من نسبة ممتلكات اليهود للأرض في فلسطين عند اغتصابها عام 1948، وكان ذلك عنوانا لسيطرة الأجانب على اقتصاد مصر، مما شكل تهديدا حقيقيا لمستقبل مصر. ولم تنتهي تلك الدائرة الجهنمية من نهب غير المصريين لمصر في هذا المجال إلا بصدور قانون تحريم بيع الأراضي الزراعية للأجانب عام 1951، ثم استقلال مصر الحقيقي في عام 1952، قبل أن يرتد مبارك عن هذا الأمر ويفتح الباب عام 1995 لعودة ملكية غير المصريين للأراضي الزراعية، وهي الجريمة التي يستمر فيها مشروع "الدستور" الجديد.
وللعلم فإن وضع حد أقصى لملكية الأراضي الزراعية هو إجراء رئيسي ضمن الإصلاحات التي أتت بها الرأسمالية في بداية عهدها لتشجيع الفلاحين بعد تمليكهم الأرض الموزعة عليهم بعد تقليص ملكيات كبار الملاك، على زيادة الإنتاجية في أراضيهم ولتحرير قسم من قوة العمل الريفية الفائضة الموجودة في الإقطاعيات لينضم إلى جيش العمال الصناعيين، قبل أن تتحول الرأسمالية إلى رأسمالية حتكارية أشد استغلالا من الإقطاع. وتفاوت الحد الأقصى لملكية الفرد من الأراضي الزراعية حسب حجم الأراضي الزراعية في كل دولة. وبالتالي فإن الخبراء القانونيين والاقتصاديين يمكن أن يضعوا هذا الحد الأقصى للملكية في الأراضي القديمة، والحد الأقصى للملكية في الأراضي الجديدة بصورة موضوعية تساعد على الاستجابة لحلم وحق الفلاحين المعدمين وخريجي المدارس الزراعية في تملك أراضي زراعية خاصة بهم، وتفتح الباب أيضا أمام التوسع الزراعي للمستثمرين الأفراد والمشروعات التعاونية في الأراضي الجديدة.
وعلى سبيل المثال في عام 1935 نص الإصلاح الزراعي الإيطالي على أن الحد الأقصى للملكية الزراعية يوازي 25 فدان، وذلك نتيجة محدودية الأراضي الزراعية في إيطاليا التي تبلغ مساحتها أقل من ثلث مساحة مصر. وفي اليابان وصل الرقم إلى أقل من 10 أفدنة، وفي بلدان أخرى كان الرقم بمئات الأفدنة، وهكذا الأمر في الغالبية الساحقة من الدول الرأسمالية التي أصبحت متقدمة أو التي ما تزال نامية. وإذا كان لدينا في مصر ملايين من الفلاحين المعدمين وخريجي المدارس الزراعية وكليات الزراعة العاطلين، فإنه من غير الاقتصادي أو الأخلاقي أن تعطي الدولة آلاف وعشرات الآلاف من الأفدنة لبعض المتاجرين بالأراضي أو لرجال أعمال مصريين أو غير مصريين مثل وليد طلال وغيره، وتترك القوة البشرية الزراعية المصرية عاطلة، وبالتالي فإن وضع حد أقصى لملكية الأراضي الزراعية، ومنع غير المصريين نهائيا من ملكية الأراضي الزراعية أو حق الانتفاع بها، هو أمر ضروري لمصلحة مصر وشعبها وفلاحييها، تم تجاهله في مشروع "دستور" مرسي-الغرياني.
2- مادة دعائية للتحايل على الفلاحين وأهل البادية لسرقة اصواتهم
تنص المادة (16) على أن "تلتزم الدولة بتنمية الريف والبادية، وتعمل على رفع مستوى معيشة الفلاحين وأهل البادية".
وقد أشار المستشار الغرياني عند تقديمه لهذه المادة على أنها هدية للمجتمع المصري، وهي في الحقيقة هداية مسمومة، فهي عبارة عن كلام عام غير ملزم لمشرعي القوانين، أو هو مجرد ديباجة، حيث لم ينص فيها على تخصيص نسبة من الإنفاق العام أو الناتج المحلي الإجمالي لتنمية الريف والبادية. وهذه المادة بصيغتها المطروحة في "دستور" مرسي-الغرياني هي مجرد تحايل وخداع لكسب أصوات أهل الريف والبادية بصورة غير نزيهة.
3- غياب العقوبات على تلويث النيل يدمر صحة المصريين ومصالح الصيادين
أما المادة (19) فتنص على أن "نهر النيل وموارد المياه ثروة وطنية، تلتزم الدولة بالحفاظ عليها وتنميتها، ومنع الاعتداء عليها. وينظم القانون وسائل الانتفاع بها".
ولم تتضمن هذه المادة أي نص على تجريم تلويث مياه النيل بالصرف الصناعي والصحي والزراعي وذلك لصالح رجال الأعمال أصحاب الشركات التي تصرف مخلفاتها في النيل، ولتغطية فشل الحكومة في مد شبكة الصرف الصحي في ريف مصر بما يمنع الصرف الصحي في النيل تلقائيا. وللعلم فإن هذا التلويث هو سبب رئيسي في انتشار أمراض الكلى والكبد في مصر، وفي تدهور نوعية الإنتاج الزراعي المصري من زاوية مراعاة الاعتبارات الصحية والبيئية، وهي أيضا سبب رئيسي في تلويث وتدمير الثروة السمكية وتهديد مستقبل شريحة مهمة من المجتمع هي الصيادين.
ووفقا للأساطير المصرية القديمة فإن أول خطوة في حساب المتوفي من قبل "الإله" عوزير الذي ننطقه أوزوريس وهو إله العالم الآخر في أساطيرهم. كان سؤالا عن تلويث مياه النيل أو سد قنواته أو منع جريانه هو أو أفرعه، فإذا كان المتوفي قد فعل أي من هذه الكبائر فإنه يدخل الجحيم، أما إذا كان طاهرا منها ولم يفعلها، فإنه يكمل الحساب حتى يدخل الجنة. وكان ذلك تعبيرا راقيا وإلزاما دينيا عندهم بعدم تلويث النهر، فأين دستور الغرياني من هذا الرقي؟!.
4- من سيدفع تأمينات معاشات الفلاحين وعمال مياومة وما هو حدها الأدنى؟
تنص المادة (66) على أن "تعمل الدولة على توفير معاش مناسب لصغار الفلاحين والعمال الزراعيين والعمالة غير المنتظمة، ولكل من لا يتمتع بنظام التأمين الاجتماعى. وينظم القانون ذلك".
وهذه المادة نصها ضعيف، حيث كان من الأفضل أن تنص على أن "تلتزم الدولة" بدلا من "تعمل الدولة". كما أنها لم تحدد ما هو المعاش المناسب وما هي علاقته بالحد الأدنى للأجر أو المعاش، وما يترتب على الفلاح أو العامل الزراعي من أعباء تأمينية للحصول على هذا المعاش. وكان ينبغي أن يكون كل ذلك متضمنا في المادة.
5- إنهاء نسبة الـ 50% للعمال والفلاحين بالمجالس التشريعية
المادة 236 تنص على أن "يمثل العمال والفلاحين بمجلس النواب بنسبة 50% ويعتبر عاملا كل من يعمل لدى الغير بأجر، ويعتبر فلاحا كل من عمل بالزراعة 10 سنوات على الأقل وذلك لمدة دورة برلمانية واحدة".
هذه المادة (236) تنهي نسبة العمال والفلاحين بمجلس الشورى الذي تعاظمت سلطاته التشريعية في مشروع دستور مرسي-الغرياني. كما انها تجعل هذه النسبة لمدة دورة واحدة فقط ويتم إلغائها بعد ذلك. يعني هي رشوة لهذه الدورة فقط. كما أن تعريف العامل هو نوع من الاحتيال الذي كان يمارسه النظام السابق عمليا، لكنه لم يكن له إطارا قانونيا سيئا مثل هذه المادة، فأي خريج أو أستاذ جامعي يمكنه أن يترشح على أنه عامل. في حين أن الأصل في تخصيص نسبة من مقاعد السلطة التشريعية (مجلسي النواب والشورى) هو تمكين العمال الذين لا تتوفر لديهم الأموال الكافية لتمثيل مصالحهم بالتنافس مع نظرائهم من العمال الذين هم في نفس ظروفهم المالية، وليس مع المهنيين وأساتذة الجامعات والخبراء الذين لديهم قدرات مالية ومصالح وتوجهات مختلفة عن المصالح العمالية... هذه المادة تقضي على حق العمال والفلاحين في التمثيل في السلطة التشريعية.
6- لا جدية في حماية البحيرات والمحميات والشواطئ والآثار
تنص المادة (20) على أن "تلتزم الدولة بحماية شواطئها وبحارها وممراتها المائية وبحيراتها، وصيانة الآثار والمحميات الطبيعية، وإزالة ما يقع عليها من تعديات".
التعليق: كان ينبغي إضافة "وتسن القوانين لمنع وتجريم ومعاقبة من يقترف تلك التعديات الجنائية في داخل مصر"، لأن هذه المادة هي عبارة عن كلام مرسل أو هي أقرب للديباجة، وهي تفتح الباب لاستمرار التساهل المخزي في انتهاك الشواطئ والبحيرات على حساب مصالح المواطنين عموما والصيادين خصوصا، واستمرار التعديات على المحميات من قبل بعض أثرياء الداخل والخارج، واستمرار العقوبات الهزلية على جرائم سرقة الآثار التي تشكل ميراث وشواهد حضارة مصر أول وأعظم الحضارات الإنسانية، بما يعني استمرار الوضع القديم على ما كان عليه من التساهل مع سرقة الآثار.
7- غياب معايير العدالة في تعويض الملكيات المنزوعة للصالح العام؟
تنص المادة (24) على أن "الملكية الخاصة مصونة، تؤدى وظيفتها الاجتماعية فى خدمة الاقتصاد الوطنى دون انحراف أو احتكار، وحق الإرث فيها مكفول. ولا يجوز فرض الحراسة عليها إلا فى الأحوال المبينة فى القانون، وبحكم قضائى؛ ولا تنزع إلا للمنفعة العامة، ومقابل تعويض عادل يُدفع مقدما. وذلك كله وفقا لما ينظمه القانون".
في العادة تكون الملكيات الخاصة التي يتم نزعها للصالح العام، عبارة عن أراضي زراعية أو أرض فضاء أو عقارات، وبالتالي فإن هذه المادة تمس مصالح الفلاحين والمواطنين عموما. وكان ينبغي أن تنص هذه المادة على أن التعويض العادل لأي ملكية خاصة تم نزعها للمنفعة العامة، هو قيمة تلك الملكية وفقا لسعر السوق. لأن الدولة اعتادت على نزع الملكيات للمنفعة العامة لإقامة طرق ومنشآت عامة، بأسعار متدنية لا علاقة لها بأسعار السوق، وتدعي دائما أنها أسعار عادلة، لذا وجب النص على أن السعر العادل هو سعر السوق. ويمكن للدولة أن تمول دفع هذه الأسعار للملكيات المنزوعة من خلال الحصول على نسبة من زيادة أسعار الملكيات المحيطة بالمشروع الذي تم نزع الملكيات الخاصة من أجل إقامته والذي أدت إقامته إلى ارتفاع أسعار الملكيات الخاصة المحيطة به، وهذا الأمر يتم في الغالبية الساحقة من بلدان العالم، وهو مهم للغاية لأن أهل السلطة والقريبين منها يحصلون عادة بصورة فاسدة على المعلومات الخاصة بأي مشروعات عامة جديدة، ويقومون بشراء الأرض الرخيصة حولها، ثم تتضاعف أسعارها بعد ذلك ويحصلون على الغنيمة كلها على حسال الدولة وعلى حساب الملاك الأصليين الذين تم التحايل عليهم في ظل عدم معرفتهم بما تخططه الدولة من مشروعات قريبة من أراضيهم.
ثالثا: سلطات ديكتاتور طاغية للرئيس تسحق مؤسسات الدولة التشريعية والقضائية والرقابية وتمكنه من إعفاء القتلة والإرهابيين من العقوبة وتعيين جماعة الإخوان المسلمين في كل المؤسسات المدنية والعسكرية والشرطية على حساب حقوق أبناء الشعب وليس هناك محاسبة ومحاكمة للرئيس
إذا جمعنا المواد المتعلقة بسلطات الرئيس نجد أنها تصنع منه ديكتاتورا طاغية لم يسبق له مثيل في تغوله على كل السلطات وعلى الشعب. وإذا كانت ثورة 25 يناير قد انفجرت ضد الاستبداد والديكتاتورية، فإن السلطات التي يمنحها مشروع الدستور للرئيس تصنع ديكتاتورا مروعا... إننا إزاء مستوى مفزع من الديكتاتورية، والهزلي فعلا أن الديكتاتور بلا أي إنجاز من أي نوع... هتلر عندما حصل على سلطات الديكتاتور كان قد مكن ألمانيا من تفادي الكساد العظيم الذي ضرب الدول الرأسمالية كلها ورفع مستويات معيشة شعبه، وأنهى البطالة كليا في ألمانيا، ومكنها من بناء صناعة عسكرية هي الأضخم والأكثر تقدما في العالم، وصناعة مدنية جبارة... كان لديه إنجاز مبهر مكنه من تمرير حصوله على سلطات ديكتاتور. أما في مصر فإن كل هذه المواد تصنع ديكتاتورا هزليا لأن د. مرسي ببساطة بلا أي إنجاز!!
وإليكم المواد الخاصة بسلطات الرئيس...
1- الرئيس يشل السلطة التشريعية
تنص المادة (104) على أن "يبلغ مجلس النواب رئيس الجمهورية بكل قانون أقر؛ ليصدره خلال خمسة عشر يوما من تاريخ إرساله؛ فإذا اعترض عليه رده إلى المجلس خلال ثلاثين يوما من ذلك التاريخ. وإذا لم يرد القانون فى هذا الميعاد، أو أقره مجلس النواب ثانية بأغلبية ثلثى عدد الأعضاء، استقر قانونا وأصدر. فإذا لم يقره المجلس لا يجوز تقديمه فى دور الانعقاد نفسه قبل مضى أربعة أشهر من تاريخ صدور القرار".
هذه المادة (104) تعطي الرئيس القدرة على شل السلطة التشريعية، حيث يمكنه أن يرفض أي قانون تصدره، ولا يمكنها تمريره إلا إذا حصل على أغلبية الثلثين بمجلس النواب... تيار "الإسلام" السياسي لا يضمن فوزه في الانتخابات البرلمانية القادمة، وبما أن الرئيس من عشيرتهم فسيكون دوره هو تعطيل السلطة التشريعية وشلها إذا جاءت أغلبيتها من خارجهم، حيث لا يمكنهم تمرير أي قانون إلا بأغلبية الثلثين... هم من يخاف من الهزيمة في أي انتخابات نزيهة وليس نحن، ودستورهم يعطي الرئيس سلطة ديكتاتور لشل أي مؤسسة تشريعية لا يكون لهم فيها الأغلبية.
تنص المادة (145) على أن يمثل رئيس الجمهورية الدولة فى علاقاتها الخارجية، ويبرم المعاهدات، ويصدق عليها بعد موافقة مجلسى النواب والشورى. وتكون لها قوة القانون بعد التصديق عليها ونشرها؛ وفقًا للأوضاع المقررة. وتجب موافقة المجلسين بأغلبية ثلثى أعضائهما على معاهدات الصلح والتحالف والتجارة والملاحة وجميع المعاهدات التى تتعلق بحقوق السيادة أو تحّمل الخزانة العامة للدولة نفقات غير واردة فى موازنتها العامة. (هذا البند طبيعي ومشروع)
2- الرئيس يرأس المجلس الأعلى للقوات المسلحة وللشرطة
تنص المادة (146) على أن رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، ولا يعلن الحرب، ولا يرسل القوات المسلحة إلى خارج الدولة، إلا بعد أخذ رأى مجلس الدفاع الوطنى، وموافقة مجلس النواب بأغلبية عدد الأعضاء. كما تنص المادة (199) على أن الشرطة هيئة مدنية نظامية، رئيسها الأعلى رئيس الجمهورية.
هاتان المادتان استمرار لمنطق الاستبداد والديكتاتورية، فرئاسته للمجلس الأعلى للقوات المسلحة يمكن أن تكون في زمن الحرب فقط، ورئاسته للمجلس الأعلى للشرطة في أوقات الأزمات والكوارث التي تُفرض فيها حالة الطوارئ، وما عدا ذلك، فإن رئاسة المجلسين يجب أن تنعقد لقائد كل مجلس من المجلسين ليعمل هذين الجهازين كجهازين للأمة وليس كأداتين بيد الحاكم الفرد الديكتاتور.
3- الرئيس يعين الموظفين المدنيين والعسكرين...خطة الاستيلاء على كل الوظائف لصالح الإخوان وحلفائهم على حساب أبناء الشعب
تنص المادة (147) على أن "يعين رئيس الجمهورية الموظفين المدنيين والعسكريين ويعزلهم، ويعين الممثلين السياسيين للدولة ويقيلهم، ويعتمد الممثلين السياسيين للدول والهيئات الأجنبية؛ على النحو الذى ينظمه القانون".
هذه المادة (147) تعطي الرئيس هيمنة مطلقة وتحكم كامل في التعيين والترقية في كل مستويات الوظائف المدنية والعسكرية. وليس لدي تعليق إلا أنها مسخرة ونوع من الجنون المطلق، فقواعد التعيين والترقي في الوظائف المدنية والعسكرية تحددها قوانين ولوائح، والمطلوب هو ضمان ألا يتم هذا التعيين بالمحسوبية، وإنما على أسس موضوعية يحددها القانون واللوائح بصورة دقيقة. هذه المادة هي تهديد حقيقي بتدمير المؤسستين العسكرية والشرطية والجهاز الحكومي والهئيات الاقتصادية لصالح تعيين أنصار جماعة الرئيس أي الإخوان المسلمين وتحويل الأجهزة المدنية والعسكرية في الدولة إلى مسوخ قائمة على الأيديولوجيا الدينية بدلا من كونها مؤسسات وطنية. ثم أي رئيس هذا الذي يتفرغ لتقييم وتعيين الموظفين المدنيين والعسكريين، وأي قدرات خارقة لديه ليقوم بما يتطلب القيام به آلاف الموظفين، إلا إذا كانت جماعة الإخوان هي التي ستقوم بذلك لتبذر أعضائها وأنصارها في الوظائف العامة المدنية والعسكرية لتكمل محاولتها للإجهاز على الدولة واغتصاب حقوق أبناء الشعب في العمل في المؤسسات المدنية والعسكرية والشرطة.
تنص المادة (148) على أن "يعلن رئيس الجمهورية، بعد أخذ رأى الحكومة، حالة الطوارئ؛ على النحو الذى ينظمه القانون؛ ويجب عرض هذا الإعلان على مجلس النواب خلال الأيام السبعة التالية. وإذا حدث الإعلان فى غير دور الانعقاد وجبت دعوة المجلس للانعقاد فوراً للعرض عليه، وفى حالة حل المجلس يعرض الأمر على مجلس الشورى؛ وذلك كله بمراعاة المدة المنصوص عليها فى الفقرة السابقة. وتجب موافقة أغلبية عدد أعضاء كل من المجلسين على إعلان حالة الطوارئ، ويكون إعلانها لمدة محددة لا تجاوز ستة أشهر، لا تمد إلا لمدة أخرى مماثلة بعد موافقة الشعب فى استفتاء عام. ولا يجوز حل مجلس النواب أثناء سريان حالة الطوارئ".
4-الرئيس المستبد وحق إعلان الطوارئ
هذه المادة (148) تعطي الرئيس الحق في إعلان حالة الطوارئ بعد استشارة حكومته التي شكلها هو ثم إبلاغ مجلس النواب بعد ذلك بسبعة أيام، وهو أمر غير مقبول، فمجلس النواب هو من ينبغي أن يتخذ القرار بناء على طلب الرئيس ويصدق عليه الرئيس بعد ذلك. وفي بلد مثل مصر، عانى طويلا من حالة الطوارئ الممتدة وما حدث خلالها من انتهاك لحريات وكرامة المواطنين، فإن مثل هذا الأمر يجب أن يكون مقيدا وألا يكون حقا للسلطة التنفيذية ورأسها المتمثل في الرئيس، بل حق للسلطة التشريعية وفق ضوابط صارمة تضمن وجود الضرورة لفرض الطوارئ، واحترام حقوق وحريات وكرامة الإنسان.
5- مشروع "الدستور" يعطي الرئيس الحق في إعفاء القتلة والإرهابيين من العقوبات، وهذا ضد حق القصاص الشرعي
تنص المادة (149) على انه "لرئيس الجمهورية العفو عن العقوبة أو تخفيفها. ولا يكون العفو الشامل إلا بقانون".
هذه المادة (149) كارثة للمواطنين.. وكان ينبغي قصر حق الرئيس في الإعفاء من العقوبة أو تخفيفها وبضوابط محددة وبموافقة مجلس النواب، على الجرائم العامة المتعلقة بالاعتداء على الحقوق العامة، وألا يسري هذا الحق مطلقا على العقوبات المتعلقة بالاعتداء على الحقوق الخاصة، بمعنى أنه يمكن أن يرتكب شخص ما جريمة قتل، فلا يجوز العفو عنه قبل انقضاء عقوبته، لأن العقوبة هي نوع من القصاص لأهل القتيل. وكما أفرج الرئيس عن الإرهابي قاتل الكاتب الكبير فرج فودة لأنه من "أهله وعشيرته"، دون أدنى مراعاة لحقوق ومشاعر أهل القتيل، فإن هذه المادة تتيح للرئيس أن يكرر الفعلة السوداء نفسها مع قتلة آخرين من هذا النمط الإرهابي. وهذه المادة اعتداء على النص القرآني المتعلق بالقصاص.
6- مادة كارثة تتيح للرئيس فعل أي شئ باستفتاءات ابتزازية أو مزورة
تنص المادة (150) على أنه "لرئيس الجمهورية أن يدعو الناخبين للاستفتاء فى المسائل المهمة التى تتصل بمصالح الدولة العليا. ونتيجة الاستفتاء ملزمة لجميع سلطات الدولة وللكافة فى جميع الأحوال".
هذه المادة الكارثة تُمكن الرئيس من دعوة الناخبين لللاستفتاء على أي شأن يعن له حتى لو كان التنازل عن أرض مصر وتعديل حدودها، أو أي قوانين فاشية واستبدادية تحت أي غطاء ديني، ومع استغلال المال في رشوة الناخبين أو الإتجار في الدين واستغلاله بشكل دنئ لابتزاز البسطاء وجرهم للتصويت في أمور لا تحقق مصلحتهم ومصلحة الوطن فإن الرئيس يمكنه تدمير الدولة من خلال هذه المادة الفاسدة المدمرة.
7-التغول والسيطرة على القضاء بإعطاء الرئيس حق تعيين قضاة المحكمة الدستورية وتقليص عددهم وحق تعيين النائب العام
تنص المادة (173) على أن "النيابة العامة جزء لا يتجزأ من القضاء، تتولى التحقيق ورفع ومباشرة الدعوى الجنائية عدا ما يستثنيه القانون، ويحدد القانون اختصاصاتها الأخرى. ويتولى النيابة العامة نائب عام يعين بقرار من رئيس الجمهورية، بناء على اختيار مجلس القضاء الأعلى، من بين نواب رئيس محكمة النقض والرؤساء بالاستئناف والنواب العامين المساعدين، وذلك لمدة أربع سنوات، أو للمدة الباقية حتى بلوغه سن التقاعد أيهما أقرب، ولمرة واحدة طوال مدة عمله".
إعطاء الرئيس سلطة تعيين النائب العام هو استمرار للتغول الاستبدادي للرئيس على السلطة القضائية، ويجب أن يكون مجلس النواب هو من يتخذ قرار التعيين بناء اختيار مجلس القضاء الأعلى للقضاء من بين نواب رئيس محكمة النقض والرؤساء بالاستئناف والنواب العامين المساعدين ويصدق عليه الرئيس بروتوكوليا
تنص المادة (176) على أن "تشكل المحكمة الدستورية العليا من رئيس وعشر أعضاء، ويبين القانون الجهات والهيئات القضائية أو غيرها التى ترشحهم، وطريقة تعيينهم، والشروط الواجب توافرها فيهم ويصدر بتعيينهم قراراً من رئيس الجمهورية".
إعطاء الرئيس سلطة تشكيل المحكمة الدستورية العليا هو هزل مطلق وتغول استبدادي على السلطة القضائية، ويجب أن يكون المجلس الأعلى للقضاء هو من يتخذ قرار ترشيح قضاة المحكمة الدستورية العليا، ومجلس النواب هو من يقر التعيين ويصدق عليه الرئيس دون ان تكون لديه أي سلطة للرفض أو التغيير. كما أن تقليص عدد قضاة المحكمة الدستورية ورئيسها من 21 قاض إلى 11 قاض، هو أمر هزلي غير مقبول وذي طابع شخصي لاستبعاد عدد من القضاة الأجلاء.
8- مجلس للأمن القومي لا يضم رئيس أركان الجيش وهو القائد الفعلي له؟!
تنص المادة (193) على أنه "ينشأ مجلس للأمن القومى يتولى رئيس الجمهورية رئاسته، ويضم فى عضويته رئيس مجلس الوزراء، ورئيسى مجلسى النواب والشورى، ووزراء الدفاع، والداخلية، والخارجية، والمالية، والعدل، والصحة، ورئيس المخابرات العامة، ورئيسى لجنتى الدفاع والأمن القومى بمجلسى الشورى والنواب . وللمجلس أن يدعو من يرى من ذوى الخبرة والاختصاص لحضور اجتماعاته دون أن يكون لهم صوت معدود. ويختص بإقرار استراتيجيات تحقيق الأمن فى البلاد، ومواجهة حالات الكوارث والأزمات بشتى أنواعها، واتخاذ ما يلزم نحو احتوائها، وتحديد مصادر الأخطار على الأمن القومى المصرى سواء فى الداخل أو الخارج والإجراءات اللازمة للتصدى لها على المستوى الرسمى والشعبى. ويحدد القانون اختصاصاته الأخرى وقواعد أداء عمله".
هذه المادة (193) المتعلقة بمجلس الأمن القومي لا تضم رئيس الأركان وهو القائد الفعلي للجيش.. كيف يستقيم ذلك؟!
تنص المادة (202) على أن "يعين رئيس الجمهورية رؤساء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية بعد موافقة مجلس الشورى، وذلك لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد لمرة واحدة. ولا يعزلون إلا بموافقة أغلبية أعضاء المجلس، ويُحظر عليهم ما يحظر على الوزراء".
هذه المادة تعني استمرار أهم قاعدة للفساد في نظام مبارك، وهي تبعية الأجهزة الرقابية للسلطة التنفيذية التي من المفترض أن تلك الأجهزة تأسست لرقابة تصرفاتها في المال العام.وهذا لأمر يخلق تعارضا في المصالح، فاعتبارات ولاء رؤساء تلك الأجهزة لمن جاء بهم بالتعيين وليس بالانتخاب، تجعل من الصعب عليهم رقابة تصرفاته وتصرفات حكومته والقيادات الإدارية من حزبه بشأن المال العام... اعتبارات الملائمة السياسية في هذه الحالة، ستعوق المكافحة الحقيقية للفساد... هذه المادة كارثة حقيقية في بلد يحتاج لاتخاذ أقصى التدابير والإجراءات الاحترزية لمنع ومكافحة الفساد الذي ينخر في عظام الدولة. أما تعيين رؤساء الهيئات المستقلة فالأفضل أن يكون من سلطات مجلس الشعب على أن يصدق عليه الرئيس، حتى لا يتم تكوين عصابة من الموالين لشخص واحد هو الرئيس في الهيئات العملاقة والمؤثرة في الاقتصاد والمجتمع.
يا كل من ثرتم على الاستبداد والنظام الديكتاتوري ها هو مشروع "الدستور" يعطي الرئيس سلطات أكثر تغولا واستبدادية من مبارك، فلنسقط هذا المشروع المشبوه لإنقاذ مصر من ديكتاتورية جديدة تتاجر بالدين وتنزله من عليائه ومكانته السامية إلى الإتجار الرخيص لتحقيق مآربها في السيطرة والاستحواذ على السلطة والدولة والشعب.
رابعا: استمرار أسس النظام الضريبي الفاسد والظالم للفقراء والطبقة الوسطى
تنص المادة (26) على أن "العدالة الاجتماعية أساس الضرائب وغيرها من التكاليف المالية العامة. ولا يكون إنشاء الضرائب العامة ولا تعديلها ولا إلغاؤها إلا بقانون، ولا يُعفى أحد من أدائها فى غير الأحوال المبينة فى القانون. ولا يجوز تكليف أحد بأداء غير ذلك من الضرائب والرسوم إلا فى حدود القانون".
هذه المادة (26) لا تتضمن أي إشارة إلى فكرة تعدد الشرائح الضريبية وتصاعد معدلاتها وشمولها للمكاسب الرأسمالية. كما لم تنص على إعفاء الفقراء ومحدودي الدخل من الضريبة، ولا على تحريك حد الإعفاء الضريبي بنفس نسبة معدل التضخم (معدل ارتفاع أسعار المستهلكين). كما لم تنص على أن تصب كل أنواع الضرائب والرسوم والغرامات والإتاوات المفروضة بحكم سيادة الدولة وسلطتها في وزارة المالية، بما يفتح الباب لأن يستمر الوضع الراهن لتسرب جزء كبير من هذه الإيرادات العامة إلى الصناديق الخاصة وإلى جهات لا يحق لها الحصول مباشرة على الإيرادات العامة.
وإليكم النص الذي اقترحته في هذا الشأن... (تفرض الضرائب بقانون، ولا يجوز فرض أي ضرائب أو رسوم أو غرامات أو إتاوات إلا بقانون، ولا يجوز تعديلها إلا بقانون، وتصب حصيلة الضرائب والرسوم والغرامات والإتاوات وأية متحصلات بحكم السيادة في الخزانة العامة للدولة، تحت ولاية الحكومة ممثلة في وزارة المالية، وليس لأي صناديق خاصة. ويراعى في قانون الضرائب أن يكون هناك إعفاء للفقراء ومحدودي الدخل من أداء الضريبة على الدخل ويتحرك حد الإعفاء سنويا بنسبة مساوية لمعدل التضخم، وإعفاء للمشروعات التعاونية والصغيرة ومتناهية الصغر من الضرائب والرسوم، إلى حد معين من الدخل والأرباح، وبعد أن تخرج من نظاق المشروعات الصغيرة، تفرض عليها ضرائب بالمعدلات التي يحددها القانون. ويكون النظام الضريبي متعدد الشرائح وتصاعديا بالنسبة للأفراد والشركات، بصورة متناسبة مع المقدرة التكليفية للممولين. وينظم القانون طريقة جباية الضرائب، بصورة محكمة وميسرة، وتفرض عقوبات صارمة على المتهربين من أداء الضريبة باعتبار التهرب الضريبي جناية تهرب من أداء حق المجتمع والدولة)
خامسا: أين أموال التأمينات وحقوق أرباب المعاشات في دستور مرسي-الغرياني؟
تنص المادة (28) على أن "الدولة تشجع الادخار، وتحمى المدخرات وأموال التأمينات والمعاشات. وينظم القانون ذلك".
هذه المادة (28) تتجاهل حقوق عدة ملايين من المصريين من أرباب المعاشات ممن أفنوا عمرهم في خدمة الوطن ويحصلون على معاشات تنحدر بهم لمصاف الفقراء، ولم يضع أي قاعدة مبدئية لتوصيف أموال المؤمن عليهم على أنها أموال خاصة لهم وليست مالا عاما، ولا عن المبادئ العامة لإدارتها لصالح أصحابها... وفيما يلي النص الذي اقترحته في هذا الشأن...
أموال التأمينات هي أموال خاصة مملوكة للمؤمن عليهم سواء كانوا ممن عملوا أو يعملون لدى القطاع الخاص، أو ممن عملوا أو يعملون لدى الحكومة والقطاع العام والهيئات الاقتصادية العامة. ولا يجوز للدولة أن تسيطر على أموال التأمينات، أو تستغلها بأسعار فائدة أقل من أسعار فائدة الإقراض أو أسعار فائدة أذون الخزانة. ويدير أموال التأمينات، مجلس أمناء مدته ستة أعوام غير قابلة للتجديد. ويتكون هذا المجلس من المشهود لهم بالكفاءة والنزاهة والذين ترشحهم النقابات المختلفة للعمال والمهنيين، ويتم انتخاب العدد المطلوب منهم من خلال الجمعية العمومية لأرباب المعاشات. ويخضع مجلس الأمناء المذكور لرقابة شركة محاسبة متخصصة، إضافة إلى الجهاز المركزي للمحاسبات. ولا يجوز لمن تم اختيارهم في مجلس الأمناء أن يعملوا هم أو أقاربهم حتى الدرجة الثالثة في أي مؤسسات تم استثمار أموال التأمينات فيها لمدة خمسة أعوام بعد انتهاء مدتهم في مجلس الأمناء. وتتولى الدولة ترتيب رد كل أموال التأمينات وفوائدها المقررة والمستحقة إلى صناديق التأمينات. وينظم القاون كل ذلك.
سادسا: عدم النص على منع إسقاط الجنسية.. إرهاب للمعارضين
تنص المادة (32) على أن "الجنسية المصرية حق، وينظمه القانون".
هذه المادة (32) كان من الضروري أن تنص على أنه لا يجوز إسقاط الجنسية عن أي مصري أو مصرية من غير مزدوجي الجنسية. فحتى من يرتكب جريمة الخيانة العظمى يُعاقب بالقانون حتى لو وصلت العقوبة للإعدام، لكن لا تُسقط الجنسية. وعدم النص على منع إسقاط الجنسية قد يفتح الباب أمام إساءة التفسير القانوني وسوء الاستخدام العملي في مواجهة المعارضين. أما إسقاط الجنسية عن أي مصري من مزدوجي الجنسية فيرتبط بجريمة الخيانة العظمى وينظمه القانون.
سابعا: العودة لتكميم الصحافة وتقييد دروها في كشف الفساد
تنص المادة (48) على أن "حرية الصحافة والطباعة والنشر وسائر وسائل الإعلام مكفولة. وتؤدى رسالتها بحرية واستقلال لخدمة المجتمع والتعبير عن اتجاهات الرأى العام والإسهام فى تكوينه وتوجيهه فى إطار المبادئ الأساسية للدولة والمجتمع والحفاظ على الحقوق والحريات والواجبات العامة، واحترام حرمة الحياة الخاصة للمواطنين ومقتضيات الأمن القومى؛ ويحظر وقفها أو غلقها أو مصادرتها إلا بحكم قضائى. والرقابة على ما تنشره وسائل الإعلام محظورة، ويجوز استثناء أن تفرض عليها رقابة محددة فى زمن الحرب أو التعبئة العامة".
النص في هذه المادة (48) على حظر وقف أو إغلاق أو مصادرة الصحف إلا بحكم قضائي، يعني استمرار الحظر والوقف والإغلاق عمليا، وهو تراجع خطير عن مكسب تحقق لنقابة الصحفيين عام 2006 على ما أذكر عندما تم إلغاء المادة التي تتيح وقف أو تعطيل أو إغلاق الصحف، لأن هذا الوقف أو الإغلاق هو عقوبة جماعية للصحيفة وملاكها والعاملين فيها بسبب خطأ أحد الصحفيين... هذه المادة عودة لتكميم الصحافة. أضف إلى ذلك الإصرار على رفض مطلب نقابة الصحفيين بمنع حبس الصحفيين في قضايا النشر، رغم أن ذلك التحصين للصحفيين في هذا الجانب، ضروري للغاية من أجل تمكينهم من القيام بدورهم الرقابي وكشف الفساد، وهو معمول به في أغلب دول العالم، حيث تتم معاقبة الصحفي الذي يُدان في قضايا النشر بالغرامة وليس بالحبس، مع إلزام الصحيفة بالاعتذار ونشر تصحيح لصالح المجني عليهم في قضايا النشر. وتصل الغرامة عند حدها الأقصى إلى ما يوازي راتب الصحفي في عام كامل في الكثير من الدول. أما في أي جريمة أخرى فالصحفي يعاقب مثل أي مواطن آخر.
ثامنا: الجمعيات والمؤسسات الأهلية والأحزاب: غياب الرقابة وإرهاب الحل
تنص المادة (51) على أنه "للمواطنين حق تكوين الجمعيات والمؤسسات الأهلية، والأحزاب بمجرد الإخطار، وتمارس نشاطها بحرية، وتكون لها الشخصية الاعتبارية. ولا يجوز للسلطات حلها أو حل هيئاتها الإدارية إلا بحكم قضائى؛ وذلك على النحو المبين بالقانون".
هذه المادة (51) تسمح بحل الجمعيات والمؤسسات الأهلية والأحزاب، وتضع أساساً "دستورياً" مسموما لسلوك تسلطي استبدادي، خاصة وأنه لم يشر للكوارث التي يمكن عندها حل هذه الجمعيات أو الأحزاب مثل ممارسة دعاية مسببة لتخريب الوحدة الوطنية ولإهانة الأديان الأخرى مثلا. وكان الأفضل هو الاكتفاء بحل هيئاتها الإدارية فقط حتى في حالات ارتكابها لأي جرم سياسي-اجتماعي. وكان لابد من إضافة: "وتخضع مصادر تمويلها ونفقاتها لمراقبة الأجهزة الرقابية في الدولة، لضمان توافقها مع القانون"
تاسعا: العمال والمهنيين ونقاباتهم تحت سيف مصادرة حرية تشكيل النقابات والاتحادات وإرهابها بسيف المنع والحل
تشكل المواد 52، 53 إرهابا حقيقيا للحركة النقابية سواء بالنسبة للنقابات العمالية أو المهنية وتتناقضان مع بعضهما بشكل خال من الاتساق وغير دستوري أصلا، فالمادة (52) تنص على أن "حرية إنشاء النقابات والاتحادات والتعاونيات مكفولة، وتكون لها الشخصية الاعتبارية، وتقوم على أساس ديمقراطى، وتمارس نشاطها بحرية، وتشارك فى خدمة المجتمع وفى رفع مستوى الكفاية بين أعضائها والدفاع عن حقوقهم". ولا يجوز للسلطات حلها أو حل مجالس إدارتها إلا بحكم قضائى.
ويعطي هذا النص الفاسد للسلطة الحق في حل النقابات أو الاتحادات وليس مجرد حل مجالس إداراتها، وهو نص إرهابي لكل العمال والمهنيين الذين سيشكلون أي نقابة ولا علاقة له بمنطق الحريات النقابية، بل بالتسلط الاستبدادي.
والمادة (53) تنص على أن "ينظم القانون النقابات المهنية، وإدارتها على أساس ديمقراطى، وطريقة مساءلة أعضائها عن سلوكهم فى ممارسة نشاطهم المهنى وفق مواثيق شرف أخلاقية. ولا تنشأ لتنظيم المهنة سوى نقابة مهنية واحدة. ولا يجوز للسلطات حل مجلس إدارتها إلا بحكم قضائى، ولا تفرض عليها الحراسة".
وهذه المادة (53) تنص بشكل واضح على أنه لا تنشأ لتنظيم المهنة سوى نقابة واحدة. وهي تتناقض مع المادة 52 التي تنص على أن "حرية إنشاء النقابات مكفولة". وهي موجهة لتجريم النقابات المستقلة التي تعتبر واحدة من أعظم التطورات في الحياة النقابية المصرية، فبعد "تأميم" العمل النقابي منذ عام 1957 وتحويل النقابات العمالية بالذات إلى ملحق للحكومة وأحيانا لجهازها الأمني، حققت الحركة النقابية انتصارا تاريخيا باستعادة حريتها وحقها في تشكيل نقابات مستقلة، وقام الأستاذ/ كمال أبو عيطة بدور تاريخي في قيادة تأسيس هذه النقابات بدءً من النقابة المستقلة للعاملين بالضرائب العقارية، وذلك بالتعاون مع كل المعنيين بالشأن النقابي مثل دار الخدمات النقابية (أ. كمال عباس، وأ. رحمة رفعت) والعديد من الرموز الثقافية والصحفية بالذات.. هذا الحق تم انتزاعه عمليا في عصر مبارك، وحاول د. أحمد البرعي عندما كان وزيرا للقوى العاملة في حكومة د. عصام شرف أن يمرر قانون الحريات النقابية، لكن الحكومة رفضته، فخرج الرجل من الحكومة بموقف مشرف في مواجهة حكومة تريد استمرار اغتصاب الحريات النقابية. وها هي مسودة الدستور تتضمن مادة تقوم على منطق اغتصاب الحريات النقابية. وليس أمام العمال والفلاحين والصيادين والمهنيين المنضمين إلى اتحاد النقابات المستقلة وعددهم قرابة 3 ملايين، إلا رفض هذا الدستور المشوه الذي يحرمهم من حق التنظيم النقابي المستقل... يا أخوتي من العمال والفلاحين والصيادين والمهنيين (الصحفيين والمهندسين والأطباء والتجاريين والزراعيين والعلميين.. إلخ)... هذه معركتكم من أجل حريتكم النقابية ومصالحكم فخوضوها دفاعا عن أنفسكم وعن مصرنا العظيمة فالمادة 52 تتيح للسلطة حل نقابتكم كلها، والمادة 53 تمنع حريتكم في تشكيل النقابات المستقلة.
عاشرا: لا إصلاح للتعليم ولا استجابة لمطالب المعلمين والعاملين بقطاع التعليم
تنص المادة (58) على انه "لكل مواطن الحق فى التعليم عالى الجودة، وهو مجانى بمراحله المختلفة فى كل مؤسسات الدولة التعليمية، وإلزامى فى مرحلة التعليم الأساسى، وتتخذ الدولة كافة التدابير لمد الإلزام إلى مراحل أخرى. وتعنى الدولة بالتعليم الفنى، وتشجعه، وتشرف على التعليم بكل أنواعه. وتلتزم جميع المؤسسات التعليمية العامة والخاصة والأهلية وغيرها بخطة الدولة التعليمية وأهدافها، وذلك كله بما يحقق الربط بين التعليم وحاجات المجتمع والإنتاج".
هذه المادة (58) هي عبارة عن كلام مرسل أو هي أقرب للديباجة، حيث لم يتم النص كما في مواد أخرى على أن ينظم القانون هذه المبادئ الدستورية. كذلك لم يتم النص على تخصيص النسبة الكافية من الناتج المحلي الإجمالي أو من الإنفاق العام لتحقيق جودة ومجانية التعليم. بل وكان الأمر يتطلب في بلد مثل مصر يعاني من ارتفاع معدل الأمية وتدني مستوى التعليم ويحتاج لمعالجة هذا الوضع الكارثي.. كان يتطلب النص صراحة في الدستور على ألا يقل الإنفاق العام على التعليم عن 5% من الناتج المحلي الإجمالي أو 20% من إجمالي الإنفاق العام أيهما أكبر، وهي النسبة التي يمكن من خلالها بناء المزيد من المدارس لتخفيف كثافة الطلاب في الفصول، وتطوير المعدات والمعامل وتحسين رواتب الجهاز التعليمي والإداري والعمال في قطاع التعليم. ومن ناحية أخرى فإن التعليم يجب أن يكون إلزاميا طوال مرحلة الطفولة حتى لا يتم تشغيل الأطفال بما ينتهك طفولتهم وحقوقهم الإنسانية. وبما أن مرحلة الطفولة تمتد بالقانون حتى 18 عاما، فإن التعليم الإلزامي يجب أن يكون حتى ذلك العمر الذي يوازي تقريبا نهاية المرحلة الثانوية.
حادي عشر: "الدستور" يطلب شهادة فقر للمستفيدين من الرعاية الصحية المجانية ويتجاهل المعايير العالمية وحقوق الأطباء والعاملين بالقطاع الصحي
تنص المادة (62) على أن "الرعاية الصحية حق لكل مواطن، تخصص له الدولة نسبة كافية من الناتج القومى. وتلتزم الدولة بتوفير خدمات الرعاية الصحية، والتأمين الصحى وفق نظام عادل عالى الجودة، ويكون ذلك بالمجان لغير القادرين. وتلتزم جميع المنشآت الصحية بتقديم العلاج الطبى بأشكاله المختلفة لكل مواطن فى حالات الطوارئ أو الخطر على الحياة. وتشرف الدولة على كافة المنشآت الصحية، وتتحقق من جودة خدماتها، وتراقب جميع المواد والمنتجات ووسائل الدعاية المتصلة بالصحة؛ وتصدر التشريعات وتتخذ كافة التدابير التى تحقق هذه الرقابة".
هذه المادة (62) تجعل الخدمات الصحية العامة مجانية لـ "غير القادرين"، بما يعني أن من يريد العلاج مجانا وفقا لهذه المادة عليه أن يقدم شهادة فقر، وهي مسخرة حقيقية، فالأصل في الخدمات الصحية العامة في العالم كله أنها مجانية ولا يذهب للحصول عليها سوى غير القادرين ولا يحتاج الأمر لإذلالهم بإثبات فقرهم أو عدم قدرتهم المالية حتى يحصلوا عليها. وكان ينبغي أن تكون المجانية مطلقة بشكل واضح. كما أنه في بلد يعاني من سحق القطاع الصحي لسنوات طويلة من خلال تخصيص نسبة متدنية من الإنفاق العام (5%) ومن الناتج المحلي الإجمالي (1.6%) للإنفاق العام على الصحة، كان لابد أن تتم الإشارة صراحة إلى ضرورة التوافق مع متطلبات منظمة الصحة العالمية في الإنفاق العام على الصحة بنسبة 15% من إجمالي الإنفاق العام، أو نسبة 5% من الناتج المحلي الإجمالي حتى يتم تقديم رعاية صحية محترمة للفقراء ومحدودي الدخل وبناء مستشفيات وتجهيزات كافية، وتقديم أجور محترمة للجهاز الطبي والتمريضي والإداري والعاملين في هذا القطاع.
ثاني عشر: غياب حقوق العمل والسكن والعاطلين بلا إعانة
1- غياب حق العمل ولا وجود لإعانة البطالة
تنص المادة (63) على أن "العمل حق وواجب وشرف لكل مواطن، تكفله الدولة على أساس مبادئ المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص. ولا يجوز فرض أى عمل جبرا إلا بمقتضى قانون. ويعمل الموظف العام فى خدمة الشعب، وتتيح الدولة الوظائف العامة للمواطنين على أساس الجدارة، دون محاباة أو وساطة، ومخالفة ذلك جريمة يعاقب عليها القانون. وتكفل الدولة حق كل عامل فى الأجر العادل والإجازات، والتقاعد والتأمين الاجتماعى، والرعاية الصحية، والحماية ضد مخاطر العمل، وتوافر شروط السلامة المهنية فى أماكن العمل؛ وفقا للقانون. ولا يجوز فصل العامل إلا فى الحالات المنصوص عليها فى القانون. والإضراب السلمى حق، وينظمه القانون".
هذه المادة (63) لا تلزم الدولة بتوفير فرص العمل للمواطنين، وبالتالي فإن حق العمل كحق أساسي يُمكن البشر من كسب عيشهم بكرامة هو حق غائب. وكان ينبغي النص على أن " الدولة ضامنة لحق العمل لكل المواطنين في سن العمل لتمكينهم من كسب عيشهم بكرامة، من خلال إيجاد فرص العمل الحقيقية بصورة مباشرة لدى القطاع العام والهيئات الاقتصادية والجهاز الحكومي، وبصورة غير مباشرة من خلال تهيئة البيئة الاقتصادية لتنشيط ورعاية الأعمال الخاصة الصغيرة والتعاونية والمتوسطة والكبيرة حتى تنمو وتزدهر وتتمكن من إيجاد فرص العمل الضرورية لتشغيل المؤهلين للعمل". كما كان ينبغي النص على أن الدولة مسئولة عن مساندة العاطلين وتقديم إعانات اجتماعية مؤقتة لهم، إذا لم يجدوا فرصا للعمل لدى الدولة أو القطاعين الخاص والتعاوني، وذلك ضمن المسئوليات الاجتماعية للدولة، فضلا عن أنه نوع من الضغط المشروع على الحكومة لتطوير أدائها وتحسين بيئة الأعمال لمساعدتها على النمو والتطور وتعزيز قدرتها على إيجاد فرص العمل الحقيقية، خاصة وأن المادة المادة (65) التي تنص على أن "تكفل الدولة خدمات التأمين الاجتماعى. ولكل مواطن الحق فى الضمان الاجتماعى؛ إذا لم يكن قادرا على إعالة نفسه أو أسرته، فى حالات العجز عن العمل أو البطالة أو الشيخوخة، وبما يضمن لهم حد الكفاية"... لم تذكر نصا صريحا يفرض تقديم إعانة البطالة للعاطلين.
كما كان ينبغي أن تشمل حقوق الاحتجاج السلمي المدرجة في هذه المادة، حقوق الإضراب والاعتصام والتظاهر بشكل سلمي، وليس الإضراب فقط.
تنص المادة (64) على أن "الدولة تكرم شهداء ومصابى الحرب وثورة الخامس والعشرين من يناير والواجب الوطنى، وترعى أسرهم والمحاربين القدامى والمصابين وأسر المفقودين فى الحرب وما فى حكمها. ويكون لهم ولأبنائهم ولزوجاتهم الأولوية فى فرص العمل. وكل ذلك وفقًا لما ينظمه القانون".
كان من الضروري استخدام صيغة إلزامية وليس صيغة فضفاضة تحتمل عدم الالتزام. فيكون النص" تلتزم الدولة بتكريم شهداء ومصابى الحرب وثورة الخامس والعشرين من يناير والواجب الوطنى، وتلتزم برعاية أسرهم والمحاربين القدامى والمصابين وأسر المفقودين فى الحرب وما فى حكمها. وتلتزم بإعطاء أبنائهم وزوجاتهم الأولوية فى فرص العمل. وكل ذلك وفقًا لما ينظمه القانون.
2- غياب حق السكن في دستور مرسي-الغرياني
تنص المادة (67) على أن "المسكن الملائم والماء النظيف والغذاء الصحى حقوق مكفولة. وتتبنى الدولة خطة وطنية للإسكان؛ تقوم على العدالة الاجتماعية، وتشجيع المبادرات الذاتية والتعاونيات الإسكانية، وتنظيم استخدام أراضى الدولة لأغراض العمران؛ بما يحقق الصالح العام، ويحافظ على حقوق الأجيال".
هذه المادة (67) عبارة عن كلام مرسل ولا توجد حتى إشارة إلى ضرورة تنظيمه بقانون، ولا توجد أي صيغة ملزمة للدولة بتوفير حق السكن للمواطنين، وهو ما يعني استمرار الحال على ما كان عليه.
وكان من الضروري النص على أن "تضمن الدولة حق السكن لمواطنيها كحق اقتصادي-اجتماعي أصيل، وذلك من خلال قيام شركات الدولة ببناء وتوفير المساكن الشعبية والاقتصادية اللائقة والصحية والمتناسبة مع دخول الفئات التي تحتاجها من الفقراء ومحدودي الدخل. وإضافة لذلك تقوم الدولة بمد البنية الأساسية على أسس اقتصادية مدروسة لمناطق جديدة لتوسيع رقعة العمران وتنمية مناطق سكنية وصناعية وزراعية وخدمية جديدة، وتقدم تسهيلات لحفز المواطنين ومبادراتهم الفردية والتعاونية على الخروج من الوادي والدلتا إلى تلك المناطق الجديدة ببناء المساكن للاستخدام الذاتي أو للاتجار بأسعار معتدلة مرتبطة بالتكلفة".
ثالث عشر: الدستور يشرع للأسماء الطائفية ولا يمنع زواج الأطفال
تنص المادة (70) على أن "لكل طفل، فور الولادة، الحق فى اسم مناسب، ورعاية أسرية، وتغذية أساسية، ومأوى، وخدمات صحية، وتنمية دينية ووجدانية ومعرفية. وتلتزم الدولة برعايته وحمايته عند فقدانه أسرته، وتكفل حقوق الطفل المعاق وتأهيله واندماجه فى المجتمع. ويحظر تشغيل الطفل، قبل تجاوزه سن الإلزام التعليمى، فى أعمال لا تناسب عمره، أو تمنع استمراره فى التعليم. ولا يجوز احتجاز الطفل إلا لمدة محددة، وتوفر له المساعدة القانونية، ويكون احتجازه فى مكان مناسب؛ يراعى فيه الفصل بين الجنسين، والمراحل العمرية، ونوع الجريمة، والبعد عن أماكن احتجاز البالغين".
هذه المادة (70 ) تنص على أنه لكل طفل الحق في اسم مناسب...إلخ وأي عاقل سيستغرب من هذا النص فما هو دخل الدولة في تسمية الأبناء؟... هذه المادة الطائفية مخصصة لمنع تسمية أبناء الأديان الأخرى بأسماء معينة يعتبرها البعض حكرا على المسلمين. وهذا أمر عبثي، لأنه من أجمل الأشياء التي حدثت في مصر في عصور الوحدة الوطنية، هو اختيار أسماء مشتركة للبحث عما يوحد الأمة لا عما يفرقها. وفي النهاية تسمية الأبناء شأن عائلي لا علاقة للدولة به ولا يجب أن تحشر أنفها فيه.
كما أن هذه المادة المخصصة لرعاية الأطفال تجاهلت النص على عدم تزويج الأطفال حتى يبلغوا سن الرشد، لأنه يشكل اعتداء على طفولتهم وعلى حقهم، وهذا التجاهل يفتح الباب أمام تزويج الأطفال وهو أمر أقرب للإتجار بهم واغتصاب طفولتهم.
رابع عشر: إهدار حقوق ذوي الإعاقة في العمل وكسب العيش بكرامة
تنص المادة (72) على أن "تلتزم الدولة برعاية ذوى الإعاقة صحيا واقتصاديًا واجتماعيا، وتوفر لهم فرص العمل، وترتقى بالثقافة الاجتماعية نحوهم، وتهيئ المرافق العامة بما يناسب احتياجاتهم".
هذه المادة (72) المتعلقة بذوي الإعاقة لم تشر إلى تنظيم حقوق ذوي الإعاقة بقانون، بما يجعلها كلام مرسل. ولم تحدد لهم نسبة في فرص العمل في المؤسسات العامة والخاصة، ولم تذكر ضرورة وضع آليات إجبارية لتنفيذها وتجريم عدم الالتزام بها.
وكان من الضروري الإشارة إلى إلزام الحكومة وقطاعها العام وهيئاتها الاقتصادية وكذلك شركات القطاع الخاص بنسبة 5% من فرص العمل لديها لذوي الاحتياجات الخاصة لإدماجهم في سوق العمل ليشاركوا حسب قدرتهم في صنع نهضة بلادهم، ولتمكينهم من مساعدة أنفسهم وكسب عيشهم بصورة كريمة، وتوضع عقوبات على الشركات العامة والخاصة التي لا تلتزم بهذه النسبة تتمثل في فرض غرامات تماثل النسبة المذكورة من مخصصات الأجور وما في حكمها في الشركة المخالفة، إذا كانت لا توظف ذوي احتياجات خاصة لديها كليا، أو غرامة تستكمل تلك النسبة إذا كانت تلتزم جزئيا بتوظيف بعض ذوي الاحتياجات الخاصة، وتخصص حصيلة تلك الغرامة في تمويل تقديم إعانة بطالة لذوي الاحتياجات الخاصة). وأنا أعلم أن هذه الصياغة مفصلة، لكنها ضرورية، لأنه لم يتم احترام هذه المادة في الدستور القديم بسبب عدم نصها على الإلزام والعقوبات.
خامس عشر: استمرار حق الرئيس في تعيين عشر أعضاء مجلس الشورى الذي أعطاه سلطات تشريعية
تنص المادة (102) على أنه "لا يجوز لأى من مجلسى النواب والشورى إقرار مشروع قانون إلا بعد أخذ الرأى عليه. ولكل مجلس حق التعديل والتجزئة فى المواد، وفيما يعرض من التعديلات. وكل مشروع قانون يقره أحد المجلسين يبعث به إلى المجلس الآخر، ولا يجوز له أن يؤخره عن ستين يومًا، لا تدخل فيها العطلة التشريعية. ولا يكون قانونًا إلا إذا أقره المجلسان".
هذه المادة تعطي مجلس الشورى سلطة تشريعية على قدم المساواة مع مجلس النواب (الشعب في الدستور القديم). وهذه المادة تعكس مخاوف المتأسلمين من أن أي انتخابات جديدة لمجلس النواب لن يحصلوا فيها على الأغلبية، فتفتقت أذهانهم عن هذه الحيلة لإعطاء مجلس الشورى سلطة التشريع على قدم المساواة مع مجلس النواب... إنهم خائفون من تصويت الجماهير التي كفرت بهم، وعلينا أن نوسع نطاق تواصلنا مع الجماهير لإحراز النصر في أي انتخابات برلمانية قادمة.
سادس عشر: تقييد حق السلطة التشريعية في مراجعة إيرادات الموازنة واقتراح تنميتها
تنص المادة (117) على أنه "يجب أن تشمل الموازنة العامة للدولة كافة إيراداتها ومصروفاتها دون استثناء. ويُعرض مشروعها على مجلس النواب قبل تسعين يوما على الأقل من بدء السنة المالية، ولا تكون نافذة إلا بموافقته عليها؛ ويتم التصويت عليه بابا بابا. ويجوز لمجلس النواب أن يعدل النفقات الواردة فى مشروع الموازنة، عدا التى ترد تنفيذا لالتزام محدد على الدولة. وإذا ترتب على التعديل زيادة فى إجمالى النفقات، وجب أن يتفق المجلس مع الحكومة على تدبير مصادر للإيرادات تحقق إعادة التوازن بينهما؛ وتصدر الموازنة بقانون يجوز أن يتضمن تعديلا فى قانون قائم بالقدر اللازم لتحقيق هذا التوازن. وإذا لم يتم اعتماد الموازنة الجديدة قبل بدء السنة المالية عُمل بالموازنة القديمة لحين اعتمادها. ويحدد القانون السنة المالية، وطريقة إعداد الموازنة العامة، وأحكام موازنات المؤسسات والهيئات العامة وحساباتها".
ويجب أن يضاف لهذه المادة النص التالي: "ويجوز لمجلس النواب تعديل القواعد والقوانين التي يمكنها تعديل الإيرادات العامة للدولة، مثل رسوم المحاجر والضرائب والجمارك وغيرها، وإعادة الموازنة العامة للدولة للحكومة لتغييرها بناء على هذه التعديلات التي يكون هدفها تحقيق التوازن في الموازنة العامة للدولة.
سابع عشر:استمرار عدم محاسبة الوزراء والرئيس عمليا
تنص المادة (166) على أنه "لرئيس الجمهورية، وللنائب العام، ولمجلس النواب بناء على طلب موقع من ثلث أعضائه على الأقل، اتهام رئيس مجلس الوزراء أو أى من أعضاء الحكومة، بما قد يقع منهم من جرائم خلال تأدية أعمال مناصبهم أو بسببها . وفى جميع الأحوال لا يصدر قرار الاتهام إلا بموافقة ثلثى أعضاء مجلس النواب، ويوقف من يتقرر اتهامه عن عمله إلى أن يقُضى فى أمره، ولا يحول انتهاء خدمته دون إقامة الدعوى عليه أو الاستمرار فيها".
هذه المادة (166) تنص على أن توجيه الاتهام للوزراء أو رئيسهم لا يصدر إلا بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب حتى لو كان الرئيس أو النائب العام هو من يوجه الاتهام... يعني لو حزب رئيس الوزراء أو أي وزير لديه أكثر من ثلث أعضاء مجلس النواب واتفق هؤلاء الأعضاء على حمايته باعتباره ممثلا للحزب، فإنه حتى لو كانت هناك أدلة قاطعة على ارتكابه لأي جريمة متعلقة بوظيفته العامة أو فساده، فإنه لا يمكن محاكمته... إذن لا محاسبة حقيقية للوزراء أو رئيسهم... يبقى الحال على ما كان عليه في عصر مبارك. كما أنه لا توجد أي مادة لتوجيه الاتهام للرئيس ومحاسبته، وكأنه فوق القانون والأمة والدولة!!!
ثامن عشر: سحق الأجهزة الرقابية وتبعيتها للرئيس لحماية الفاسدين
تنص المادة (201) على أن "تقدم تقارير الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية إلى كل من رئيس الجمهورية ومجلس النواب ومجلس الشورى، خلال ثلاثين يومًا من تاريخ صدورها. وعلى مجلس النواب أن ينظرها، ويتخذ الإجراء المناسب حيالها فى مدة لا تجاوز ستة أشهر من تاريخ ورودها إليه. وتنشر هذه التقارير على الرأى العام. وتبلغ الأجهزة الرقابية سلطات التحقيق المختصة بما تكتشفه من دلائل على ارتكاب مخالفات أو جرائم. وكل ذلك على النحو الذى ينظمه القانون".
هذه المادة (201) تغفل حق الإعلام والرأي العام في معرفة ما تم كشفه من قضايا الفساد بشأن المال العام، وينبغي أن يكون هناك نص واضح على علنية تقارير الأجهزة الرقابية لأن الشعب صاحب المال العام هو الأحق بمعرفة اي فساد جرى بشأنه ليقوم بدوره في الدفاع عن هذا المال العام إلى جانب أجهزة الدولة
تنص المادة (202) على أن "يعين رئيس الجمهورية رؤساء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية بعد موافقة مجلس الشورى، وذلك لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد لمرة واحدة. ولا يعزلون إلا بموافقة أغلبية أعضاء المجلس، ويُحظر عليهم ما يحظر على الوزراء".
هذه المادة تعني استمرار أهم قاعدة للفساد في نظام مبارك، وهي تبعية الأجهزة الرقابية للسلطة التنفيذية التي من المفترض أن تلك الأجهزة تأسست لرقابة تصرفاتها في المال العام.وهذا لأمر يخلق تعارضا في المصالح، فاعتبارات ولاء رؤساء تلك الأجهزة لمن جاء بهم بالتعيين وليس بالانتخاب، تجعل من الصعب عليهم رقابة تصرفاته وتصرفات حكومته والقيادات الإدارية من حزبه بشأن المال العام... اعتبارات الملائمة السياسية في هذه الحالة، ستعوق المكافحة الحقيقية للفساد... هذه المادة كارثة حقيقية في بلد يحتاج لاتخاذ أقصى التدابير والإجراءات الاحترزية لمنع ومكافحة الفساد الذي ينخر في عظام الدولة. أما تعيين رؤساء الهيئات المستقلة فالأفضل أن يكون من سلطات مجلس الشعب على أن يصدق عليه الرئيس، حتى لا يتم تكوين عصابة من الموالين لشخص واحد هو الرئيس في الهيئات العملاقة والمؤثرة في الاقتصاد والمجتمع.
تنص المادة (205) على أن يتولى الجهاز المركزى للمحاسبات الرقابة على أموال الدولة، والجهات الأخرى التى يحددها القانون.
تجاهلت هذه المادة (205) النص على رقابة الجهاز على الهيئات الاقتصادية للدولة وقطاعها العام وعلى حصص المال العام في الشركات المشتركة. كما لم تنص على حق الجهاز في النفاذ لكل المعلومات المتعلقة بالتصرفات في المال العام بصورة ملزمة لكل الجهات التي من المفترض أن يراقبها... هذه المادة تحجم الجهاز المركزي وتقلم أظافره وهي عامل مساعد على انتشار الفساد بدلا من منعه ومكافحته!
تاسع عشر: تجاهل استقلال البنك المركزي
تنص المادة (206) على أن "يضع البنك المركزى السياسة النقدية والائتمانية والمصرفية، ويشرف على تنفيذها، ويراقب أداء الجهاز المصرفى، ويعمل على تحقيق استقرار الأسعار؛ وله وحده حق إصدار النقد. وذلك كله فى إطار السياسة الاقتصادية العامة للدولة".
هذه المادة لم تعط أي استقلالية للبنك المركزي ويجب أن يكون البنك المركزي المصري مؤسسة مستقلة ذات شخصية اعتبارية عامة، ويصدر بنظامه الأساسي قرار من مجلس الشعب بالأغلبية المطلقة، يلزم لإقراره، تصديق رئيس الجمهورية عليه، فإذا رفض، يُعاد مشروع النظام لمجلس الشعب لإجراء التعديلات المطلوبة لتصديق الرئيس عليه، أو تتم إعادة التصويت عليه في مجلس الشعب، فإذا حصل على أغلبية الثلثين من المجلس، يصبح القانون ساريا ولا يلزم موافقة الرئيس عليه. ويراعى في هذا النظام الأساسي أن يكون نافيا لأي شكل من أشكال تعارض المصالح أو منافذ المحسوبية. والبنك المركزي هو المختص بإدارة السياسة النقدية لمصر بشكل مرن ومستقر وكفء، والإشراف والرقابة على كل البنوك العامة والخاصة المحلية والأجنبية العاملة في مصر، بما يحفز الادخار ويشجع الاستثمار والصادرات ويدعم التنمية الاقتصادية والتوازن في العلاقات الاقتصادية المصرية مع باقي دول العالم. ويُعين محافظ البنك المركزي ونائبيه لمدة أربعة أعوام قابلة للتجديد مرة واحدة فقط، بقرار من مجلس الشعب، من بين المشهود لهم بالكفاءة والخبرة والنزاهة.
عشرون: عبث "دستوري"
تنص المادة (214) على أن "يختص المجلس الوطنى للتعليم والبحث العلمى بوضع استراتيجية وطنية للتعليم بكل أنواعه وجميع مراحله، وتحقيق التكامل فيما بينها، والنهوض بالبحث العلمى، ووضع المعايير الوطنية لجودة التعليم والبحث العلمى، ومتابعة تنفيذ هذه الاستراتيجية".
لم توضح هذه المادة من يقوم بتشكيل هذا المجلس ومعايير اتشكيله، ويبدو أنه قد تمت صياغتها على عجل في إطار سلق الدستور بصورة تنطوي على مستوى مشين من الاستخفاف
تنص المادة (215) على أن "يتولى المجلس الوطنى للإعلام تنظيم شئون البث المسموع والمرئى وتنظيم الصحافة المطبوعة والرقمية وغيرها. ويكون المجلس مسئولا عن ضمان حرية الإعلام بمختلف صوره وأشكاله والمحافظة على تعدديته، وعدم تركزه أو احتكاره، وعن حماية مصالح الجمهور، ووضع الضوابط والمعايير الكفيلة بالتزام وسائل الإعلام المختلفة بأصول المهنة وأخلاقياتها، والحفاظ على اللغة العربية، ومراعاة قيم المجتمع وتقاليده البناءة".
هذه المادة (215) تستحدث "المجلس الوطني للإعلام" دون أن تقول كلمة واحدة عن كيفية ومعايير تشكيله ومدى استقلاله .. هذا عبث دستوري!!
تنص المادة (216) على أن "تقوم الهيئة الوطنية للصحافة والإعلام على إدارة المؤسسات الصحفية والإعلامية المملوكة للدولة، وتطويرها، وتنمية أصولها، وتعظيم الاستثمار الوطنى فيها، وضمان التزامها بأداء مهنى وإدارى واقتصادى رشيد".
هذه المادة (216) تستحدث "الهيئة الوطنية للصحافة والإعلام" دون أن تتعرض لكيفية ومعايير تشكيلها ومدى استقلاليتها.. هذا عبث دستوري!!
تنص المادة (224) على أن "تجرى انتخابات مجلسى النواب والشورى والمجالس المحلية وفقا للنظام الفردى أو نظام القوائم أو الجمع بينهما أو بأى انتخاب يحدده القانون". وتنص المادة (231) على أن "تكون الانتخابات التشريعية التالية لإقرار الدستور بواقع ثلثى المقاعد لنظام القائمة، والثلث للنظام الفردى، ويحق للأحزاب والمستقلين الترشح فى كل منهما".
وواضح تماما أن المادة (231) التي تحدد بشكل قاطع نظام انتخابات مجلسي النواب والشورى، تتناقض مع المادة 224 التي تنص على أن "تجرى انتخابات مجلسى النواب والشورى والمجالس المحلية وفقا للنظام الفردى أو نظام القوائم أو الجمع بينهما أو بأى انتخاب يحدده القانون"، فأين الاتساق يا من وضعتم الدستور؟!
إحدى وعشرون: التأسيس لدولة الإرهاب تحت غطاء الدين
الدولة تحشر أنفها في تدين المواطنين وتؤسس لجماعات الغوغاء المسماة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
ينص مشروع دستور الغرياني ومرسي في المادة 10 على أن "الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق والوطنية. وتحرص الدولة والمجتمع على الالتزام بالطابع الأصيل للأسرة المصرية، وعلى تماسكها واستقرارها، وترسيخ قيمها الأخلاقية وحمايتها؛ وذلك على النحو الذى ينظمه القانون. وتكفل الدولة خدمات الأمومة والطفولة بالمجان، والتوفيق بين واجبات المرأة نحو أسرتها وعملها العام. وتولى الدولة عناية وحماية خاصة للمرأة المُعيلة والمطلقة والأرملة".
هذه المادة (10) تحول الدين من علاقة مباشرة لا وساطة فيها بين الإنسان وربه إلى علاقة تحت رقابة الدولة التي يمكنها وفقا لهذا "الدستور" المشوه أن تسن القوانين لتنظيم إلزام المجتمع بما ترى أنه القيم الأساسية وأولها الدين والأخلاق حسب نص المادة 10... الدولة بهذا ألغت حرية الإنسان في الاعتقاد والشعائر الدينية بعد أن أصبحت وصية على تدين المواطنين، وهي تفتح الباب أمام تكوين جماعات الغوغاء "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، لو حصلت قوى "الإسلام" السياسي على الأغلبية في البرلمان.
وللعلم فإن نص هذه المادة في دستور 1971 كان " الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق والوطنية. وتحرص الدولة والمجتمع على الالتزام بالطابع الأصيل للأسرة المصرية وما يتمثل فيه من قيم وتقاليد، مع تأكيد هذا الطابع وتنميته في العالاقات داخل المجتمع المصري". وهي أقرب للديباجة وللتذكير بطبيعة الأسرة المصرية وقيمها، ولا تتضمن أي إلزام أو حشر الدولة لنفسها في تدين المواطنين. الدين علاقة خالصة بين الإنسان وربه وجماعة الإخوان لن تجبرنا بقوانينها على تغيير ديننا الوسطي المعتدل"
تنص المادة (219) على أن مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة فى مذاهب أهل السنة والجماعة.
هذه المادة 219 كارثة، فرغم أن المادة الثانية تشير إلى أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي للتشريع وهذا كاف لتأكيد أن تلك المبادئ هي مظلة التشريع، فإن هذه المادة تتضمن نص المادة الثانية وتضيف إليها أن مبادئ الشريعة تشمل أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة في مذاهب أهل السنة والجماعة. هنا أصبح الأمر يتعلق بأحكام الشريعة سواء تلك المرتبطة بزمن الدعوة مثل كل ما يتعلق بالرق والجواري ومعاملة غير المسلمين في البلاد التي يحكمها المسلمون (الجزية)، أو العابرة للأزمان المتعلقة بالحق والعدل والقصاص، ولا يقتصر الأمر على ما أنزله القرآن، بل يتعداه إلى اجتهادات أهل السنة والجماعة، حسب مزاج من سيختار من اجتهاداتهم المتباينة والمتناقضة أحيانا.. هذه المادة تعتدي على العقل وحقوق الإنسان والحضارة نفسها وعلى الإسلام الوسطى للمصريين الذي يعد أحد أهم المنجزات الحضارية لمصر، وتفتح الباب أمام أحكام المتطرفين والوهابيين لتخريب النمط الإسلامي الوسطي المعتدل لمصر وشعبها العظيم. إن "مصر العظيمة دولة قانون ولديها جيش وشرطة على أسس وطنية، ويجب ألا نسمح بدستور يؤسس لجماعات الإرهاب المسماة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي تغتصب دور الشرطة" كجهاز وطني، أو الميليشيات الدينية التي تغتصب دور الجيش الوطني.
يا شعبنا العظيم هذا مشروع مشبوه لدستور وضعته لجنة تأسيسية غير شرعية، شكلها مجلس شعب تم حله بالقانون، ومُنعت المحكمة الدستورية من الحكم بشأن مجلس الشورى والجمعية التأسيسية تحت ضغط إرهاب الرئيس وجماعة الإخوان المسلميتن غير الشرعية التي ترفض الدخول تحت مظلة القانون لتغطية مصادر تمويلها المشبوهة، وإنفاقها على أعمال غير مشروعة... هذا المشروع يجعل الرئيس ديكتاتورا طاغية بسلطات إلهية تجعل الأجهزة الرقابية تابعة له لحماية الفاسدين، وتجعله ديكتاتورا طاغية بصورة تسحق مؤسسات الدولة التشريعية والقضائية والرقابية، وتمكنه من إعفاء القتلة والإرهابيين من العقوبة وتعيين جماعة الإخوان المسلمين في كل المؤسسات المدنية والعسكرية والشرطية على حساب حقوق أبناء الشعب وليس هناك محاسبة أو محاكمة للرئيس
هذا المشروع "الدستوري" يكرس استمرار فساد نظام الأجور والاستثناءات التي تعطي أهل الحظوة رواتب أسطورية بينما يعاني الشعب من الفقر، ويكرس استمرار سحق مصالح الفلاحين والصيادين، ولا يضع أساسا لإصلاح نظام التعليم أو الاستجابة لمطالب المعلمين وكل العاملين في قطاع التعليم، بل يعطي كلاما مرسلا، ويكرس استمرار منطق إهدار وإساءة استغلال الثروات المعدنية والمحجرية، ويؤكد عدم الجدية في حماية الآثار والمحميات والشواطئ والبحيرات، ويواصل سياسة النظام السابق في نهب أموال التأمينات وسحق حقوق أرباب المعاشات، وينطوي على التهديد بإسقاط الجنسية عن المعارضين، ويعيد سياسة تكميم الصحافة وتقييد دروها في كشف الفساد، ويضع الجمعيات والمؤسسات الأهلية والأحزاب تحت إرهاب الحل، ويصادر حرية تشكيل النقابات والاتحادات وإرهابها بسيف المنع والحل، ويقدم الأساس لإلغاء مجانية الرعاية الصحية إلا لمن يقدم شهدة فقر مُذلة، ويتجاهل حقوق الأطباء والعاملين بالقطاع الصحي، وحق العمل غائب والعاطلين بلا إعانة، ويشرع للأسماء الطائفية ولا يمنع زواج الأطفال، ويهدر حقوق ذوي الإعاقة في العمل وكسب العيش بكرامة، ويسحق مصالح وحقوق الفلاحين في أرض بلادهم وفي التمثيل في مجالسها التشريعية هم والعمال الذين يصنعون الحياة على أرض مصر.