يقدم هذا الكتاب صورة واضحة بين ما يشكل تاريخا صحافيا، وما يشكل حراكا يوميا عن قضايا وإشكالات ما زلنا، في عالمنا العربي، ننقل أولى خطواتنا في التأسيس لها، سيما بيئة التشريع والتأسيس القانوني الذي يمهد الأرضية الملائمة لصحافة حرة تعمل في مناخات سليمة بعيدة عن القمع والمبررات المفبركة المتعلقة بالأمن القومي، وحماية المجتمع والأخلاق وغيرها من المبررات التي حولت ميدان الصحافة إلى ساحة للتهريج والنفاق، والصحافي إلى ألعوبة وكراكوز.
يقوم المؤلف بدراسة التراث النظري لتقارير المنظمات الدولية والعربية ومواثيقها ليمدنا بتصور واضح عن المساعي التي تبذل لتوحيد الجهود من أجل جعل الصراع حول الحريات يتخذ طابعا شموليا، مما يسمح للمدافعين المحليين ببناء تصورات عن الطريقة التي يمكن بموجبها أن ينطلقوا إلى آفاق جديدة في كفاحهم من أجل صحافة حرة.
من المؤكد أن الصحافة والعمل الصحافي لا يقتصران على البحث عن الأخبار ونقلها للجمهور دون النظر إلى ماهية تلك الأخبار ووقعها على المتلقي، لأن الخبر ليس مجرد واقعة تصاغ بكلمات بأسلوب لفظي أو كتابي ينشر أو يبث بين الناس، بل هو أكبر بكثير من مفهوم اللغة والصورة: إنه حقيقة تعني أفرادا ومجتمعات ويؤثر فيهم بطريقة أو بأخرى ويرتبط ارتباطا وثيقا بمصداقية الصحافي وبطريقة اتصاله مع الجمهور، لأن إبداء الحقائق والمعلومات يعتمد على البنية القيمية للصحافي القائم بنقلها للجمهور، وعلى طبيعة النظام الاجتماعي والسياسي السائد في البلد الذي تُنشر فيه تلك الحقائق الخبرية، وعلى مدى مهنية الصحافي ومسؤوليته الأخلاقية والاجتماعية تجاه جمهوره، ومدى التزامه بنشر الأخبار التي لا تتعارض مع القيم الأخلاقية والاجتماعية، ولا تحرض على الضغائن والكراهية وتقود المجتمع على التردي فكرا وأداء.
غير أن ما يجري على أرض الواقع يختلف تماما عن أساسيات العمل الصحافي، فقد أثبتت مجريات الأحداث أن وسائل الإعلام تتعرض يوميا لضغوط مباشرة من قبل أشخاص مؤثرين أو مؤسسات ذات سيادة يهمهم عدم نشر أخبار قد تؤثر على وضعهم الاجتماعي أو الاقتصادي فتختلط المعلومة وتتشوش، وضغوط غير مباشرة وذلك بحجب الإعلانات عن وسيلة الإعلام أو قطع المساعدات المالية، وذلك بالتأكيد ما يجعل المؤسسة الإعلامية تضطرب وتهتز ويهدد مستقبلها. لذلك قرر الصحافيون في مختلف البلدان تأسيس النقابات والجمعيات المهنية وسن العهود والمواثيق التي تُعنى بحقوق الصحافة والصحافيين، وتُحدد الأعراف والشروط المنوطة بالمؤسسات والنظم السياسية المسيطرة على مقاليد الأمور في تلك الدول التي تعمل بها المؤسسات.
يرى المؤلف أن الالتزام بأخلاقيات المهنة هو الأمر الوحيد الذي يحتم على المسؤولين احترام هذه المهنة، ويضع ما يسمى بأدلة السلوك أو مواثيق الشرف الصحافية، لأن حرية الصحافة والصحافيين تلعب دورا أساسيا وفاعلا في خلق وإرساء أسس الديمقراطية في أي بلد من البلدان، وبالتأكيد لا وجود لبلد حر من دون صحافة حرة. ورغم أن هنالك الكثير من الأبحاث والدراسات التي تناولت العمل الإعلامي فما زال الميدان الصحافي بحاجة إلى بحوث ودراسات في ميدان حقوق التعبير عن الرأي، وكذلك في تعريف الصحافيين بعضهم ببعض، وبالمؤسسات العاملة في الدفاع عن قضاياهم المشتركة، لأن معظم الدراسات الصحافية الموجودة انصبت على التركيز حول ما يسمى الهيمنة الإعلامية والاحتكار الثقافي، ومحاولة الفصل بين المؤسسات الصحافية، ووضع الفوارق والحواجز التي تعيق العمل المشترك والتضامن، متجاهلة الدور الموضوعي والأخلاقي للصحافي، الذي يستند أساسا إلى معرفة الحقيقة وإيصالها للجمهور.
كما يرى أن الحقيقة أينما كانت هي أكبر من أن تؤطر بحدود أو جنسيات، لذلك فإن ناشديها سوف يقصدونها حيثما حلت، ويُعرفون الناس بها وعنها بسائر الطرق والوسائل المدنية، وبالتأكيد لن يتورع الصحافي عن إيصال حقيقة في بلد ما، كونه لا يحمل جنسية ذلك البلد الذي وقع فيه الحدث، وفي الوقت نفسه لا يمكن أن ينظر إلى الصحافي من خلال النظام السياسي أو الديني السائد في بلده، لأن الحقيقة هي الوطن الحقيقي للصحافي، والمصداقية هي جواز سفره.
ومهما اختلفت لغة الصحافي أو المؤسسة الصحافية الناقلة للأخبار، فستبقى أساسيات العمل الصحافي واحدة، لأن الاختلاف يكمن في المتلقي الذي يتميز بالتنوع والتباين الكبير في الآراء والمفاهيم والمعتقدات، خلافا للصحافي الذي مهما كانت هويته وانتماؤه السياسي والعرقي أو الديني فسيبقى هدفه كشف الحقيقة وإيصالها للجمهور. من هنا أصبح لزاما على الصحافيين الاتصال بنظرائهم في بلدان تختلف عن بلدانهم كليا، من حيث اللغة والدين والتقاليد، والتعامل معهم كشركاء حقيقيين في رحلة البحث عن الحقيقة.
إن عالم اليوم أكبر بكثير من عوالم العزلات الثقافية والسياسية، إنه عالم تجاوز الكثير من الحدود التقليدية: المادية والمعنوية وجاء بمفهوم «القرية الكونية» في متناول وسائل الإعلام العالمي للأحداث والقضايا الاجتماعية والإنسانية، ليقرب المسافات بين البشر ويجعلهم يتعاملون مع بعضهم البعض كأنهم أفراد ينتمون إلى عالم واحد أكبر من حدود اللون والجنس واللغة وباقي الفروقات والحواجز التي كانت تقف حدا لمعرفة وسماع صوت ما يراد له أن يُسمع.
لقد تلاشت إلى حد كبير معظم تلك الحواجز أمام ثورة الاتصالات والمعلومات التي عاشها العالم خلال العقدين الماضيين، والتي تمثلت في حدوث عملية اندماج تكنولوجية بين أقوام كانت في الماضي تشكل كيانات مستقلة، تفصلها عن بعضها البعض حدود سياسية أو عرقية أو دينية واضحة. وبفعل التكنولوجيا الرقمية التي اجتاحت المشهد الإعلامي والاتصالي منذ منتصف الثمانينات من القرن الماضي أضحت وسائل الإعلام أكثر تفاعلية وأكثر تناغما في إطار ما يسمى التزاوج التكنولوجي، الذي اندمجت من خلاله ثلاث صناعات عملاقة هي صناعة الاتصالات والحاسبات والإعلام. وقد يؤخذ على المشهد الإعلامي العربي التباطؤ في دخول عالم الإنترنت، ولكن على الرغم من قصر الفترة الزمنية هنالك علامات مبشرة وواعدة على مستقبل مشرق لصحافة الإنترنت، بناء على ما تم إطلاقه من بوابات إخبارية وصحف إلكترونية، ومدونات إعلامية باللغة العربية باتت تشكل نواة حقيقية لصحافة إنترنت صارت تنافس الصحافة التقليدية وتجذب أعدادا كبيرة من المستخدمين، ممن لهم القدرة على النفاذ للشبكة العنكبوتية.
ولعل من تأثيرات هذا الاتجاه ما برز من جدل حول المخاطر التي تهدد مستقبل الصحافة الورقية، في ضوء ارتفاع التكاليف الإنتاجية وتكاليف التوزيع وتناقص الموارد الإعلانية التي تستمد منها الصحف أسباب بقائها وازدهارها. إن ظهور تقنيات الاتصال الحديثة جعلت من التغطية الإعلامية للشؤون المحلية والدولية شاملة وفورية، واضعة صاحب القرار وجها لوجه أمام تحديات فعلية تتطلب ردودا سريعة. لذلك فإن إنشاء وتقوية الصحافة المستقلة هما شرطان لازمان من أجل تقدم الأفراد والمجتمعات، لأنهما سيكونان بمثابة رسول الحقيقة للجماهير لمساعدتهم في اتخاذ المبادرات والقرارات المثلى لتحسين أوضاعهم الخاصة: التعليم، مكافحة الفقر، التضامن مع أصحاب المصير نفسه، التأثير على سياسة الحكومات، مكافحة الفساد والاستغلال. إن وجود إعلام مستقل وصادق سيسهم بشكل أساسي وفعال في تقدم المجتمعات. ومن أجل تحقيق ذلك، على الخدمات المعلوماتية والصحافة والعملية الديمقراطية أن تعمل معا من أجل الارتقاء بالمجتمع وبنائه بالطرق العلمية والعملية، وتعريف الجمهور بصورة حقيقية وفاعلة بما يدور في مجتمعاتهم والعالم.
يرى المؤلف أن تطور الوسيلة الإعلامية ما هو إلا محاولة جاءت لتضييق الهوة التي أوجدتها الحكومات والأنظمة التقليدية لتحول بين الصحافي والوصول إلى الحقيقة أينما كانت. فالصحافة قديمة قدم العصور والأزمان وكانت مهمتها نشر المعلومات التي تهم الناس ولا تزال.
ففي المجتمعات البشرية الأولى كانت وسائل الإعلام تلبي بعض الحاجات الدينية عند الإنسان. وكان الفراعنة يكتبون مراسيمهم ويرسلونها إلى كل مكان، ويأمرون بحفر هذه المراسيم على جدران المعابد ليقرأها الناس ويكونوا على علم بها. وفي الصين وبلاد الإغريق وروما وعند العرب لم يقتصر الإعلام على نشر المراسيم بل تعداه إلى الأخبار العسكرية والرياضية والمسرحية. وكان شائعا عند الإغريق إذاعة الأخبار في الميادين والساحات العامة.
واستخدم البابليون كاتبا لتسجيل أهم الأحداث اليومية ليتعرف عليها الناس. كذلك كان الصينيون، فقد كانت لهم طوال 1500 سنة جريدة رسمية عرفت باسم «إمبراطورية الشمس».
وفي أوائل القرن السادس عشر، وبعد اختراع الطباعة، بدأت صناعة الأخبار التي كانت تضم معلومات عما يدور في الأوساط الرسمية، وكان هناك مجال للإعلانات. وتشير المصادر إلى أن أول صحيفة مطبوعة في العالم هي صحيفة «ريلايشن» وكانت تنشر من قبل شخص اسمه جوهان كارلوس وكان يحصل على الأخبار من شبكة من المراسلين المأجورين. وفي القرنين السابع عشر والثامن عشر أخذت الصحافة الدورية بالانتشار في أوروبا وأميركا، وأصبح هناك من يمتهن الصحافة كمهنة يرتزق منها. وقد كانت الثورة الفرنسية حافزا لظهور الصحافة الحديثة، كما كانت لندن مهدا لذلك. وأصبحت الصحافة السلطة الرابعة لأنها تسهل «حق المعرفة».
يفرد المؤلف فصلا خاصا يعرض فيه نصوص هيئات ومنظمات الصحافة العالمية والعربية مثل الاتحاد الدولي للصحافيين، وميثاق منظمة مراسلون بلا حدود، والشبكة الدولية لتبادل المعلومات، ورابطة النساء الصحافيات، والاتحاد الأوروبي للصحافيين، والمجلس العالمي للصحافة، ونشطاء الإنترنت العرب، والمنظمة العربية الحرة للصحافة، واتحاد الصحافيين العرب وغيرها من الهيئات المعنية.
يقوم المؤلف بدراسة التراث النظري لتقارير المنظمات الدولية والعربية ومواثيقها ليمدنا بتصور واضح عن المساعي التي تبذل لتوحيد الجهود من أجل جعل الصراع حول الحريات يتخذ طابعا شموليا، مما يسمح للمدافعين المحليين ببناء تصورات عن الطريقة التي يمكن بموجبها أن ينطلقوا إلى آفاق جديدة في كفاحهم من أجل صحافة حرة.
من المؤكد أن الصحافة والعمل الصحافي لا يقتصران على البحث عن الأخبار ونقلها للجمهور دون النظر إلى ماهية تلك الأخبار ووقعها على المتلقي، لأن الخبر ليس مجرد واقعة تصاغ بكلمات بأسلوب لفظي أو كتابي ينشر أو يبث بين الناس، بل هو أكبر بكثير من مفهوم اللغة والصورة: إنه حقيقة تعني أفرادا ومجتمعات ويؤثر فيهم بطريقة أو بأخرى ويرتبط ارتباطا وثيقا بمصداقية الصحافي وبطريقة اتصاله مع الجمهور، لأن إبداء الحقائق والمعلومات يعتمد على البنية القيمية للصحافي القائم بنقلها للجمهور، وعلى طبيعة النظام الاجتماعي والسياسي السائد في البلد الذي تُنشر فيه تلك الحقائق الخبرية، وعلى مدى مهنية الصحافي ومسؤوليته الأخلاقية والاجتماعية تجاه جمهوره، ومدى التزامه بنشر الأخبار التي لا تتعارض مع القيم الأخلاقية والاجتماعية، ولا تحرض على الضغائن والكراهية وتقود المجتمع على التردي فكرا وأداء.
غير أن ما يجري على أرض الواقع يختلف تماما عن أساسيات العمل الصحافي، فقد أثبتت مجريات الأحداث أن وسائل الإعلام تتعرض يوميا لضغوط مباشرة من قبل أشخاص مؤثرين أو مؤسسات ذات سيادة يهمهم عدم نشر أخبار قد تؤثر على وضعهم الاجتماعي أو الاقتصادي فتختلط المعلومة وتتشوش، وضغوط غير مباشرة وذلك بحجب الإعلانات عن وسيلة الإعلام أو قطع المساعدات المالية، وذلك بالتأكيد ما يجعل المؤسسة الإعلامية تضطرب وتهتز ويهدد مستقبلها. لذلك قرر الصحافيون في مختلف البلدان تأسيس النقابات والجمعيات المهنية وسن العهود والمواثيق التي تُعنى بحقوق الصحافة والصحافيين، وتُحدد الأعراف والشروط المنوطة بالمؤسسات والنظم السياسية المسيطرة على مقاليد الأمور في تلك الدول التي تعمل بها المؤسسات.
يرى المؤلف أن الالتزام بأخلاقيات المهنة هو الأمر الوحيد الذي يحتم على المسؤولين احترام هذه المهنة، ويضع ما يسمى بأدلة السلوك أو مواثيق الشرف الصحافية، لأن حرية الصحافة والصحافيين تلعب دورا أساسيا وفاعلا في خلق وإرساء أسس الديمقراطية في أي بلد من البلدان، وبالتأكيد لا وجود لبلد حر من دون صحافة حرة. ورغم أن هنالك الكثير من الأبحاث والدراسات التي تناولت العمل الإعلامي فما زال الميدان الصحافي بحاجة إلى بحوث ودراسات في ميدان حقوق التعبير عن الرأي، وكذلك في تعريف الصحافيين بعضهم ببعض، وبالمؤسسات العاملة في الدفاع عن قضاياهم المشتركة، لأن معظم الدراسات الصحافية الموجودة انصبت على التركيز حول ما يسمى الهيمنة الإعلامية والاحتكار الثقافي، ومحاولة الفصل بين المؤسسات الصحافية، ووضع الفوارق والحواجز التي تعيق العمل المشترك والتضامن، متجاهلة الدور الموضوعي والأخلاقي للصحافي، الذي يستند أساسا إلى معرفة الحقيقة وإيصالها للجمهور.
كما يرى أن الحقيقة أينما كانت هي أكبر من أن تؤطر بحدود أو جنسيات، لذلك فإن ناشديها سوف يقصدونها حيثما حلت، ويُعرفون الناس بها وعنها بسائر الطرق والوسائل المدنية، وبالتأكيد لن يتورع الصحافي عن إيصال حقيقة في بلد ما، كونه لا يحمل جنسية ذلك البلد الذي وقع فيه الحدث، وفي الوقت نفسه لا يمكن أن ينظر إلى الصحافي من خلال النظام السياسي أو الديني السائد في بلده، لأن الحقيقة هي الوطن الحقيقي للصحافي، والمصداقية هي جواز سفره.
ومهما اختلفت لغة الصحافي أو المؤسسة الصحافية الناقلة للأخبار، فستبقى أساسيات العمل الصحافي واحدة، لأن الاختلاف يكمن في المتلقي الذي يتميز بالتنوع والتباين الكبير في الآراء والمفاهيم والمعتقدات، خلافا للصحافي الذي مهما كانت هويته وانتماؤه السياسي والعرقي أو الديني فسيبقى هدفه كشف الحقيقة وإيصالها للجمهور. من هنا أصبح لزاما على الصحافيين الاتصال بنظرائهم في بلدان تختلف عن بلدانهم كليا، من حيث اللغة والدين والتقاليد، والتعامل معهم كشركاء حقيقيين في رحلة البحث عن الحقيقة.
إن عالم اليوم أكبر بكثير من عوالم العزلات الثقافية والسياسية، إنه عالم تجاوز الكثير من الحدود التقليدية: المادية والمعنوية وجاء بمفهوم «القرية الكونية» في متناول وسائل الإعلام العالمي للأحداث والقضايا الاجتماعية والإنسانية، ليقرب المسافات بين البشر ويجعلهم يتعاملون مع بعضهم البعض كأنهم أفراد ينتمون إلى عالم واحد أكبر من حدود اللون والجنس واللغة وباقي الفروقات والحواجز التي كانت تقف حدا لمعرفة وسماع صوت ما يراد له أن يُسمع.
لقد تلاشت إلى حد كبير معظم تلك الحواجز أمام ثورة الاتصالات والمعلومات التي عاشها العالم خلال العقدين الماضيين، والتي تمثلت في حدوث عملية اندماج تكنولوجية بين أقوام كانت في الماضي تشكل كيانات مستقلة، تفصلها عن بعضها البعض حدود سياسية أو عرقية أو دينية واضحة. وبفعل التكنولوجيا الرقمية التي اجتاحت المشهد الإعلامي والاتصالي منذ منتصف الثمانينات من القرن الماضي أضحت وسائل الإعلام أكثر تفاعلية وأكثر تناغما في إطار ما يسمى التزاوج التكنولوجي، الذي اندمجت من خلاله ثلاث صناعات عملاقة هي صناعة الاتصالات والحاسبات والإعلام. وقد يؤخذ على المشهد الإعلامي العربي التباطؤ في دخول عالم الإنترنت، ولكن على الرغم من قصر الفترة الزمنية هنالك علامات مبشرة وواعدة على مستقبل مشرق لصحافة الإنترنت، بناء على ما تم إطلاقه من بوابات إخبارية وصحف إلكترونية، ومدونات إعلامية باللغة العربية باتت تشكل نواة حقيقية لصحافة إنترنت صارت تنافس الصحافة التقليدية وتجذب أعدادا كبيرة من المستخدمين، ممن لهم القدرة على النفاذ للشبكة العنكبوتية.
ولعل من تأثيرات هذا الاتجاه ما برز من جدل حول المخاطر التي تهدد مستقبل الصحافة الورقية، في ضوء ارتفاع التكاليف الإنتاجية وتكاليف التوزيع وتناقص الموارد الإعلانية التي تستمد منها الصحف أسباب بقائها وازدهارها. إن ظهور تقنيات الاتصال الحديثة جعلت من التغطية الإعلامية للشؤون المحلية والدولية شاملة وفورية، واضعة صاحب القرار وجها لوجه أمام تحديات فعلية تتطلب ردودا سريعة. لذلك فإن إنشاء وتقوية الصحافة المستقلة هما شرطان لازمان من أجل تقدم الأفراد والمجتمعات، لأنهما سيكونان بمثابة رسول الحقيقة للجماهير لمساعدتهم في اتخاذ المبادرات والقرارات المثلى لتحسين أوضاعهم الخاصة: التعليم، مكافحة الفقر، التضامن مع أصحاب المصير نفسه، التأثير على سياسة الحكومات، مكافحة الفساد والاستغلال. إن وجود إعلام مستقل وصادق سيسهم بشكل أساسي وفعال في تقدم المجتمعات. ومن أجل تحقيق ذلك، على الخدمات المعلوماتية والصحافة والعملية الديمقراطية أن تعمل معا من أجل الارتقاء بالمجتمع وبنائه بالطرق العلمية والعملية، وتعريف الجمهور بصورة حقيقية وفاعلة بما يدور في مجتمعاتهم والعالم.
يرى المؤلف أن تطور الوسيلة الإعلامية ما هو إلا محاولة جاءت لتضييق الهوة التي أوجدتها الحكومات والأنظمة التقليدية لتحول بين الصحافي والوصول إلى الحقيقة أينما كانت. فالصحافة قديمة قدم العصور والأزمان وكانت مهمتها نشر المعلومات التي تهم الناس ولا تزال.
ففي المجتمعات البشرية الأولى كانت وسائل الإعلام تلبي بعض الحاجات الدينية عند الإنسان. وكان الفراعنة يكتبون مراسيمهم ويرسلونها إلى كل مكان، ويأمرون بحفر هذه المراسيم على جدران المعابد ليقرأها الناس ويكونوا على علم بها. وفي الصين وبلاد الإغريق وروما وعند العرب لم يقتصر الإعلام على نشر المراسيم بل تعداه إلى الأخبار العسكرية والرياضية والمسرحية. وكان شائعا عند الإغريق إذاعة الأخبار في الميادين والساحات العامة.
واستخدم البابليون كاتبا لتسجيل أهم الأحداث اليومية ليتعرف عليها الناس. كذلك كان الصينيون، فقد كانت لهم طوال 1500 سنة جريدة رسمية عرفت باسم «إمبراطورية الشمس».
وفي أوائل القرن السادس عشر، وبعد اختراع الطباعة، بدأت صناعة الأخبار التي كانت تضم معلومات عما يدور في الأوساط الرسمية، وكان هناك مجال للإعلانات. وتشير المصادر إلى أن أول صحيفة مطبوعة في العالم هي صحيفة «ريلايشن» وكانت تنشر من قبل شخص اسمه جوهان كارلوس وكان يحصل على الأخبار من شبكة من المراسلين المأجورين. وفي القرنين السابع عشر والثامن عشر أخذت الصحافة الدورية بالانتشار في أوروبا وأميركا، وأصبح هناك من يمتهن الصحافة كمهنة يرتزق منها. وقد كانت الثورة الفرنسية حافزا لظهور الصحافة الحديثة، كما كانت لندن مهدا لذلك. وأصبحت الصحافة السلطة الرابعة لأنها تسهل «حق المعرفة».
يفرد المؤلف فصلا خاصا يعرض فيه نصوص هيئات ومنظمات الصحافة العالمية والعربية مثل الاتحاد الدولي للصحافيين، وميثاق منظمة مراسلون بلا حدود، والشبكة الدولية لتبادل المعلومات، ورابطة النساء الصحافيات، والاتحاد الأوروبي للصحافيين، والمجلس العالمي للصحافة، ونشطاء الإنترنت العرب، والمنظمة العربية الحرة للصحافة، واتحاد الصحافيين العرب وغيرها من الهيئات المعنية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق