14.12.201212:16
الشارع المصري يسبق جبهة الإنقاذ الوطني وجميع القوى الوطنية والثورية
الشارع المصري يسبق جبهة الإنقاذ الوطني وجميع القوى الوطنية والثورية
لم يعد يخفى على أحد حجم التخبط السياسي في مصر داخل كل من الرئاسة والحكومة والجيش وبين كل منهم أيضا. وأصبحت الصحافة الدولية تدعو الرئيس الإخواني في مصر محمد مرسي لتشكيل مجلس رئاسي بديل عن المرشد العام لجماعة الإخوان ورجل الأعمال القيادي البارز في مكتب الإرشاد خيرت الشاطر وصديق العمر عصام العريان. غير أن الرئيس لم يعد يسمع لأحد على الإطلاق مطمئنا إلى الدعم الداخلي من السلفيين والسلفيين الجهاديين بالرغم من إعلاناتهم الاستعراضية بضرورة استتابة الرئيس والإخوان لأن الدستور "شرك بالله" والديمقراطية "إلحاد بين". ولكن السلفيين والجهاديين في كل الأحوال سيصطفون خلف مكتب الإرشاد والرئاسة وجماعة الإخوان وقت اللزوم. كما أن الرئيس مطمئن تماما للدعم الإقليمي والدولي سياسيا ولوجستيا بغض النظر عن التصريحات الاستعراضية التدليلية من جانب واشنطن وبعض العواصم الأوروبية.
هكذا يسير الإخوان المسلمون في طريقهم ضاربين عرض الحائط بمذابح القضاء ومذابح الاعتصامات والمظاهرات، وتصريحات جبهة الإنقاذ الوطني وقوى المعارضة الأخرى من مدنية إلى وطنية إلى ثورية. وعلى الرغم من العوار الواضح في الدستور وإجراءات الاستفتاء، فقد أقدمت عليه الرئاسة وجماعة الإخوان واللجنة العليا للانتخابات ليجد الشارع المصري بمتظاهريه ومعارضيه وقواه السياسية أمام أمر واقع. ما دفع البعض إلى الدعوة للمقاطعة والخروج من دائرة رد الفعل إلى الفعل، بينما انعطفت قوى سياسية إلى ضرورة المشاركة والتصويت بعدم الموافقة.
البعض يرى أن الوقت الراهن تحديدا هو أنسب وقت ليخرج رجال القضاء والنيابة والقانون والمحامون في مصر على رأس مسيرات يليهم زعماء وقادة القوى السياسية الوطنية والثورية وحولهم المصريون في كل مدن وأقاليم مصر لإسقاط شرعية مرسي شعبيا ورسميا وإنهاء حكم مكتب الإرشاد وميليشيات الإخوان. وبرر ذلك بأنه السيناريو المناسب لتفادي العنف أو تأجيله في أحسن الأحوال. ومن ثم الكشف للعالم كله، وللقوى التي تدعم الإخوان عن ما يجري فعليا في مصر. غير أن بعض القوى السياسية يرى أهمية تأجيل مثل هذه الخطوة حتى انضمام تكتلات أخرى قد تكون طلابية أو عمالية أو جحافل الطبقة الوسطى.
لا شك أن رئيس الإخوان في مصر الدكتور محمد مرسي تمكن بذكاء تنظيمي نادر أن يخلط كل الأوراق كأقصر طريق لتثبيت سلطته. وهذا ما نجح فيه ببراعة تنظيمية يقف وراءها مكتب الإرشاد بخبرة ما يقرب من 80 عاما من السرية والتنظيم والقدرة على المراوغة والمناورة والتفاوض والتحالف حتى مع الشيطان. فالمراقب للأوضاع في مصر يدرك أن جميع الطرق تؤدي إلى الرئيس مرسي ومكتب الإرشاد وجماعة الإخوان، بينما الجماعات السلفية تلعب دورا خطيرا في زيادة خلط الأوراق، والجماعات الجهادية تلعب دورا مماثلا بسيناريوهات مغايرة نسبيا.
كل ذلك يؤسس لانقسام حاد في المجتمع المصري يخدِّم في كل الأحول لصالح الإخوان وتدشين سلطتهم، خاصة وأنهم تمكنوا من تحييد القوات المسلحة وضمانها 100% إلى جانبهم، وتوريطها جزئيا في تحمل المسؤولية مقابل منحها صلاحيات دستورية والإبقاء على امتيازاتها الاقتصادية والحفاظ على سرية ميزانيتها ونفقاتها.
من الواضح أن الاستفتاء وإجرائه على مرحلتين بفارق زمني 7 أيام كاملة، وكذلك نتائج هذا الاستفتاء بصرف النظر عن إيجابيتها أو سلبيتها لهذا الطرف أو ذاك، فكل ذلك يمدد في عمر سلطة الإخوان ويمكنهم لفترة من الزمن إلى أن تتخرج دفعات القوات المسلحة الجديدة من طلاب الإخوان والسلفيين، والدفعات الجديدة أيضا من كلية الشرطة والمعاهد الأمنية التي امتلأت مؤخرا بعناصر تيارات الإسلام السياسي. وكذلك تمكين كوادر الإخوان من مفاصل المنظومة الإدارية مع ضرب منظومات القضاء والنيابة العامة والهياكل القانونية والدستورية، بما في ذلك وزارة الخارجية المصرية، وتحويل توجهاتها الوطنية إلى توجهات متماشية مع توجهات مكتب الإرشاد وسياسات الإخوان.
ولا يمكن أن نتجاهل هنا أن كل هذه الإجراءات تتوافق تماما مع طموحات بعض القوى الإقليمية الصغيرة، ومصالح قوى دولية أكبر. الأمر الذي يوضح جوهر التصريحات الأمريكية – الأوروبية الخجولة لسياسات الإخوان والتحذيرات المائعة من العودة إلى الممارسات الأمنية في عهد مبارك. علما بأن نفس هذه القوى كانت تدعم مبارك وتموله وتسلحه وتبارك كل خطواته.
على هذه الخلفية التي تحمل الشيء ونقيضه، نلاحظ أن الشارع المصري بمتظاهريه ومعتصميه وطبقته الوسطى أصبح يتقدم سلطة الإخوان بخطوات كثيرة، بينما يسبق جبهة الإنقاذ الوطني وبقية قوى المعارضة بخطوات أكثر. ما يجعلنا نتوقف قليلا أمام السيناريوهات المقبلة بعد ظهور النتائج النهائية للاستفتاء، ويبدو أن الشارع الذي أصبح متقدما على الجميع يدرك جيدا ماذا سيفعل بصرف النظر عن النتائج. وفي حالة عدم لحاق المؤسسات القضائية الوطنية والمعارضة وجبهة الإنقاذ وبلورة مواقفها العملية على الأرض، أو في حال تأخرها عن حركة الشارع، فمن الممكن أن يلفظها هذا الشارع إلى غير رجعها ما يجعل فرصها ضئيلة في التفاوض مع مكتب الإرشاد والرئاسة في مصر.
هذا السيناريو تشاؤمي للغاية لأنه سيناريو يؤدي إلى المزيد من إراقة الدماء والاغتيالات السياسية والاعتقالات. وقد يحدث انقلاب عسكري من داخل المؤسسة العسكرية نفسها، على الرغم من ثقة قادتها المتحالفين مع الإخوان والرئاسة بأن كل شيء على ما يرام. هنا سيبدأ السيناريو الليبي أو السوري أو حتى العراقي أو الإيراني ولكن سنيا وليس شيعيا، وهي السيناريوهات التي تأخرت طوال عامين. ومن الواضح أن هذا السيناريو بالذات يتم تأجيله ليس من جانب الإخوان ومكتب الإرشاد، بل من جانب القوى الإقليمية والدولية لحين الانتهاء من الملف السوري، وبلورة أدوات التعامل مع الملف الإيراني. وبالتالي قد يكون الملف المصري متزامن مع بلورة ملف إيران الذي ستنشط فيه تركيا بعد موافقة حلف الناتو نشر صواريخ باتريوت على أراضيها.
د. أشرف الصباغ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق