الحصاد المصري المر.. هل فقد مرسي شرعيته؟!
على خلفية الأحداث المتسارعة والمتفاقمة في جميع أنحاء مصر، وبعد الخبرات التي تراكمت على مدى عامين كاملين، ورغم الدعم الأمريكي – القطري والأورو أطلسي للإخوان المسلمين في مصر وكافة تيارات اليمين الديني المتطرف في المنطقة.. بعد كل ذلك بدأ المصريون يطرحون تساؤلات من قبيل: هل فقد الرئيس شرعيته؟ هل يمكن تخليص مصر والمنطقة من قبضة التيارات الرجعية واليمينية الدينية المتطرفة؟ هل يمكن إحباط السيناريو الأمريكي - الأورو أطلسي لتقزيم دول وإعطاء دول صغيرة حجما أكبر منها ومن إمكانياتها؟
بعد قرار الولايات المتحدة وبريطانيا إغلاق سفارتيهما في القاهرة يوم الأحد 27 يناير 2013، انضمت إليهما في اليوم التالي أيضا سفارتا كندا وبلجيكا. فيما أعلنت كاثرين أشتون أنه على جميع الأطراف في مصر الجلوس معا من أجل الحوار. ولم تصدر أي ردود أفعال دولية بشأن الأحداث المتفاقمة في مصر إلا بعض عبارات دبلوماسية عابرة تعطي صورة مزيفة عن حقيقة ما يجري في محافظات مصر الـ 27، وعزل مدن القناة الثلاث (السويس وبور سعيد والاسماعيلية) عن بقية محافظات مصر بفرض قانون الطوارئ وحظر التجول، وهو الأمر الذي فاقم الأمور وساهم في تردي الأوضاع وأطلق يد القوات الأمنية ووزارة الداخلية والجيس لضرب المتظاهرين وإيقاع المزيد من القتلى والجرحى. بينما رفض سكان المحافظات المعزولة قرارات الرئيس وأعلنوا استمرارهم في مواجحهة حكم الإخوان المسلمين.
المثير أن ظهور الرئيس مرسي ورئيس حكومته هشام قنديل في المشهدين السياسي والميداني في مصر تزامن مع تفاقم الأحداث ووصول وفد عسكري - أمني أمريكي إلى القاهرة، يضم في صفوفه خبراء ومسؤوليين رسميين أمريكيين في مجال مكافحة الإرهاب. ما استوجب المخاوف من أن يتم تصوير تصرفات الجهات الأمنية المصرية ضد المتظاهرين على أنه "شكل من أشكال مكافحة الشغب أو الإرهاب". بل ويمكن ربط تصعيد عمليات قمع المتظاهرين بوصول الوفد الأمريكي.
وفي الوقت الذي أعلنت فيه مجموعات "بلاك بلوك" أن رسالة الرئيس مرسي قد وصلت إلى المصريين عبر كلمته مساء الأحد 27 يناير، فعليه أن ينتظر الرد عند قصر الاتحادية حيث مقر عمل الرئيس، رفضت جبهة الإنقاذ الحوار الذي دعا إليه مرسي في كلمته مساء الأحد وأعلنت مسؤولية الرئيس المباشرة عن أحداث العنف في البلاد، وهددت بالدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة. غير أن تيارات وقوى سياسية علمانية ومدنية ويسارية ووطنية رأت أن موقف جبهة الإنقاذ غير كاف، وعليها أن تتخذ مواقف أكثر تشددا وترفع سقف المطالب إلى عزل الرئيس وإنهاء حكم مكتب الإرشاد والإخوان المسلمين في مصر.
وفي الشأن الميداني، وحتى كتابة هذه السطور، تتواصل الاشتباكات بين المتظاهرين وقوات الأمن والجيش في جميع مدن مصر، بما في ذلك في مدن القناة التي عزلها الرئيس مرسي بقرااته المفاجئة، بينما أكدت مصادر عسكرية أنه تم تفعيل قوانين الضبطية القضائية في مدن القناة الثلاث والتي تمنح الجيش صلاحيات أمنية وجنائية وقضئية.
وفيما أعلنت جبهة الإنقاذ أنها ستعتصم يوم 28 يناير 2013 أمام مجلس الشورى فى ذكرى "جمعة الغضب" حتى إسقاط حكم "الإخوان" وأكدت أن الرئيس مرسى فقد شرعيته بالكامل، خرجت في نفس اليوم مسيرات من السيدة زينب وأحياء ومناطق قاهرية أخرى لإحياء هذه الذكرى ودعم أهالي مدن القناة ومواصلة الثورة ضد حكم الإخوان. وتجددت الاشتباكات بالإسكندرية حيث قام المتظاهرون برشق المجلس الشعبي بالحجارة وتعطيل ترام محطة الرمل وتنظيم مسيرة لإسقاط المحافظ. ووقعت اشتباكات بالأسلحة النارية بين ملثمين وقوات الجيش والشرطة أمام سجن السويس المركزي أصيب فيها مجند و3 مساجين.
وفي القاهرة استمرت الاشتباك حتى طلوع نهار 28 يناير وأشعل متظاهرون النار وسط مترو التحرير لتفادى تأثير الغاز المسيل للدموع وأصيب الركاب بحالات اختناق. كما انصرف موظفو مجمع التحرير القائم بالميدان هربا من الغاز المسيل للدموع الذي انتشر بكثافة في المنطقة. وبعد غياب كامل لأربعة أيام عن المشهدين السياسي والميداني، قام رئيس الحكومة المصريةهشام قنديل بتفقد ميدان التحرير فجرً الاثنين 28 يناير وطالب برفع الغطاء السياسي عمن وصفهم بالمخربين.
هذا وما زالت الفوضى الأمنية والاجتماعية والسياسية تتصدر المشهد العام في مصر، وتتواصل حرب الشوارع بين المتظاهرين وقوات الأمن التي تدعمها عناصر بزي مدني، وصفها البعض بأنها تابعة لمليشيات الإخوان المسلمين والسلفيين. وأجمع ساسة ونشطاء مصريون على أن الإخوان المسلمين يقومون عن عمد بتفجير الأوضاع في البلاد ووضعها على أعتاب حرب أهلية اعتماد على دعم بعض الدول مثل قطروالولايات المتحدة.
وكانت جبهة الإنقاذ الوطني في مصر عقدت مؤتمرا صحافيا يوم 26 يناير حملت فيه الرئيس محمد مرسي مسؤولية العنف المفرط الذي تمارسه الأجهزة الأمنية ضد المصريين. ودعت المصريين للالتزام بالسلمية في الاحتجاجات والاعتصامات، مؤكدة أنها ضد العنف والعنف المفرط الذي أدى إلى سقوط الشهداء من أبناء الشعب المصري.
وطالبت الجبهة في مؤتمرها الذي عقد في مقر حزب الوفد تشكيل لجنة لتعديل الدستور والاتفاق على تغيير المواد الخلافية. وتشكيل حكومة إنقاذ وطني. ومراجعة الملفين الأمني والاقتصادي بعد أن اتضح أن سياسات الرئيس الحالي وحكومته وجماعة الإخوان تسببت في إفقار المصريين وتردي الأوضاع الأمنية والاقتصادية في البلاد. وكذلك إزالة آثار الإعلان الدستوري غير الشرعي والباطل وإقالة النائب العام الإخواني والعمل على استقلال القضاء. وإخضاع جماعة الإخوان المسلمين للقانون بعد أن قفزت إلى السلطة وهي منظمة غير قانونية وغير شرعية.
وحذرت جبهة الإنقاذ الوطني الرئيس محمد مرسي وجماعة لإخوان المسلمين بأنه في حال عدم الاستجابة خلال الأيام القليلة المقبلة، فإن الجبهة تدعو المصريين للاحتشاد يوم الجمعة المقبلة 1 فبراير 2013 لإسقاط العمل بالدستور الباطل، وإعادة العمل بدستور عام 1971، وكذلك العمل على إجراء انتخابات رئاسية مبكرة. كما وحذرت الجبهة بأنها لن تخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة إلا في إطار الحل الوطني الشامل. وأكدت الجمعية أنها في حالة انعقاد دائم في إطار الأزمة الحالية.
من الواضح أن جميع الأحداث الجارية في مصر منذ يوم 24 يناير 2013 تستعيد تفاصيل سيناريو أحداث الثورة الأولى في عام 2011 في مصر. فجميع مداخل ومخارج ميدان التحرير وكل الشوارع المتفرعة منه وإليه والمحيطة به تشهد مواجهات ساخنة مع قوات الأمن، بينما يقوم الجيش بحراسة مداخل ومخارج محافظة القاهرة. كما يجري أيضا حرق مقرات الإخوان الملسمين والعديد من المباني التجارية المملوكة لهم. وهو ما جرى لمقرات الحزب الوطني السابق وبعض المباني الأخرى.
المواجهات في القاهرة وصلت فجر 26 يناير إلى كوبري قصرالنيل، ما يذكر بمشهد نفس الكوبري في 27 و28 يناير 2011, غير أن المواجهات والاشتباكات وصلت إلى مبنى الإذاعة والتلفزيون (ماسبيرو) والعديد من الأحياء والمناطق القاهرية الأخرى.
مراقبون يرون أن ما يجري في مصر حاليا هو أوسع نطاقا مما جرى في عام 2011, إذ شهدت مدينتي السويس وبور سعيد حصارا أمنيا غير مسبوق، وقامت بالفعل قوات الجيشين الثالث والثاني على التوالي بالانتشار في المدينتين. وكما كان أول القتلى في 2011 من السويس وبور سعيد، فقد فقدت المدينتين إلى الآن ومعهما الاسماعيلية ما يقرب من 70 شخصا حتى صباح يوم الأحد 27 يناير، وتم تدمير محطة المياة في بور سعيد، وإحراق محطة الكهرباء أيضا. بينما تحتل قوات الجيش والأمن مدينة السويس التي هرب من سجنها 28 سجينا صباح الأحد 27 يناير.
هناك حالات تكرار لاقتحام مراكز الشرطة والسجون، وهو ما جرى أيضا في يناير 2011. ولكن انتشار الأسلحة بشكل مخيف في مصر منذ تولي الإخوان السلطة يزيد من خطورة المشهدين السياسي والميداني. وجزء كبير من هذا السلاح هو الآن في أيدي الناس الذين يقتحمون السجون ومراكز الشرطة. كل ذلك على خلفية انفلات أمني واسع النطاق، بالضبط مثلما كان الأمر عليه بداية من يوم 26 يناير 2011, ولكنه في هذه المرة بدأ مع وصول الإخوان إلى السلطة وتضاعف منذ 25 يناير 2013 ليصل إلى أقصى مداه خلال اليومين الأخيرين.
من الواضح أن سيناريو الأيام الأولى من ثورة يناير 2011 يتكرر بالتفصيل والإخوان والرئاسة تركوا الأوضاع بين الشعب والأجهزة الأمنية والجيش. بل دعت قيادات الإخوان المسلمين إلى زيادة تسليح الشرطة وطالبت ضمنا بنزول الجيش وتوسيع نطاق عمل الأجهزة الأمنية. هذا فيما تواصل قيادات الإخوان المسلمين ووسائل الإعلام التابعة للجماعة استخدام نفس المصطلحات والتوصيفات التي أطلقت على المتظاهرين في بداية الثورة عام 2011، من قبيل "بلطجية" و"مندسون" وعملاء" و"أعداء الوطن". بل ووصف الرئيس مرسي في كلمته مساء يوم 27 يناير ما يجري في مصر بالشغب، ووصف ملايين المتظاهرين بالمجرمين والمشاغبين الذين يجب محاكمتهم، ما اعتبرته القوى السياسية تحريضا مباشرا على العنف ضد المصريين وقتلهم.
تبدو مصر الآن أنها بلا قيادة. إذا غاب الرئيس مرسي ورئيس الحكومة هشام قنديل تماما عن المشهد لمدة 4 أيام كاملة. وكما اختفت قيادات الحزب الوطني في عام 2011، غاب عن المشهد تماما مكتب الإرشاد، الحاكم الفعلي لمصر منذ تولي مرسي السلطة في البلاد. واختفى الإخوان والسلفيون من الشوارع والميادين، ومن المشهد السياسي والميداني بالكامل. البعض يرى أنهم يجهزون لمفاجآت قد تشعل حربا أهلية، والبعض الآخر من المتفائلين يرون أن نهاية الإخوان في مصر قاب قوسين أو أدنى. فيما يرى فريق ثالث أنه إذا استمرت التظاهرات على هذه الوتيرة، فمن الممكن أن يعلن الرئيس مرسي الأحكام العرفية أو حظر التجول في جميع أنحاء البلاد، وليس فقط في مدن القناة، ويطالب الجيش بالنزول إلى الشوارع لدعم الإخوان والإبقاء على سلطتهم في مصر.
لا أحد يتحدث عن السياقين الدولي والإقليمي. فقطر غير ممثلة الآن في مصر إلا بقناة الجزيرة. ولكن لا تصريحات. بينما تتردد أنباء حول تعرض الإدارة الأمريكية لضغوط مكثفة بسبب دعمها الإخوان المسلمين وتجاهلها ما يجري في مصر، وإغماض عينها تماما عن القمع الجسدي والعنف والقتل، وإجهاض القانون والحريات.
يبدو أن الرئيس الإخواني في مصر ومكتب الإرشاد وجماعة الإخوان المسلمين كانوا يعولون جميعا على أن يفرغ المصريون طاقتهم في إحياء الذكرى الثانية للثورة ثم يعودون إلى بيوتهم، خاصة وأن المصريين يعيشون حالة اقتصادية ومعيشية وأمنية متردية منذ مجئ الإخوان إلى السلطة وفرض المزيد من الضرائب والقيود على الحريات وتزايد معدلات البطالة. غير أن كل الشواهد تؤكد على استمرار التظاهرات والاحتجاجات التي يقابلها تعنت واضح من جانب الرئيس وجماعة الإخوان وعنف متزايد من جانب الأجهزة الأمنية وقوات الجيش. ومن ثم وقوع المزيد من القتلى والجرحى والمصابين وتصاعد وتيرة إراقة الدماء في البلاد التي تعيش حالة من الانفلات الأمني وانتشار السلاح.
بعد قرار الولايات المتحدة وبريطانيا إغلاق سفارتيهما في القاهرة يوم الأحد 27 يناير 2013، انضمت إليهما في اليوم التالي أيضا سفارتا كندا وبلجيكا. فيما أعلنت كاثرين أشتون أنه على جميع الأطراف في مصر الجلوس معا من أجل الحوار. ولم تصدر أي ردود أفعال دولية بشأن الأحداث المتفاقمة في مصر إلا بعض عبارات دبلوماسية عابرة تعطي صورة مزيفة عن حقيقة ما يجري في محافظات مصر الـ 27، وعزل مدن القناة الثلاث (السويس وبور سعيد والاسماعيلية) عن بقية محافظات مصر بفرض قانون الطوارئ وحظر التجول، وهو الأمر الذي فاقم الأمور وساهم في تردي الأوضاع وأطلق يد القوات الأمنية ووزارة الداخلية والجيس لضرب المتظاهرين وإيقاع المزيد من القتلى والجرحى. بينما رفض سكان المحافظات المعزولة قرارات الرئيس وأعلنوا استمرارهم في مواجحهة حكم الإخوان المسلمين.
المثير أن ظهور الرئيس مرسي ورئيس حكومته هشام قنديل في المشهدين السياسي والميداني في مصر تزامن مع تفاقم الأحداث ووصول وفد عسكري - أمني أمريكي إلى القاهرة، يضم في صفوفه خبراء ومسؤوليين رسميين أمريكيين في مجال مكافحة الإرهاب. ما استوجب المخاوف من أن يتم تصوير تصرفات الجهات الأمنية المصرية ضد المتظاهرين على أنه "شكل من أشكال مكافحة الشغب أو الإرهاب". بل ويمكن ربط تصعيد عمليات قمع المتظاهرين بوصول الوفد الأمريكي.
وفي الوقت الذي أعلنت فيه مجموعات "بلاك بلوك" أن رسالة الرئيس مرسي قد وصلت إلى المصريين عبر كلمته مساء الأحد 27 يناير، فعليه أن ينتظر الرد عند قصر الاتحادية حيث مقر عمل الرئيس، رفضت جبهة الإنقاذ الحوار الذي دعا إليه مرسي في كلمته مساء الأحد وأعلنت مسؤولية الرئيس المباشرة عن أحداث العنف في البلاد، وهددت بالدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة. غير أن تيارات وقوى سياسية علمانية ومدنية ويسارية ووطنية رأت أن موقف جبهة الإنقاذ غير كاف، وعليها أن تتخذ مواقف أكثر تشددا وترفع سقف المطالب إلى عزل الرئيس وإنهاء حكم مكتب الإرشاد والإخوان المسلمين في مصر.
وفي الشأن الميداني، وحتى كتابة هذه السطور، تتواصل الاشتباكات بين المتظاهرين وقوات الأمن والجيش في جميع مدن مصر، بما في ذلك في مدن القناة التي عزلها الرئيس مرسي بقرااته المفاجئة، بينما أكدت مصادر عسكرية أنه تم تفعيل قوانين الضبطية القضائية في مدن القناة الثلاث والتي تمنح الجيش صلاحيات أمنية وجنائية وقضئية.
وفيما أعلنت جبهة الإنقاذ أنها ستعتصم يوم 28 يناير 2013 أمام مجلس الشورى فى ذكرى "جمعة الغضب" حتى إسقاط حكم "الإخوان" وأكدت أن الرئيس مرسى فقد شرعيته بالكامل، خرجت في نفس اليوم مسيرات من السيدة زينب وأحياء ومناطق قاهرية أخرى لإحياء هذه الذكرى ودعم أهالي مدن القناة ومواصلة الثورة ضد حكم الإخوان. وتجددت الاشتباكات بالإسكندرية حيث قام المتظاهرون برشق المجلس الشعبي بالحجارة وتعطيل ترام محطة الرمل وتنظيم مسيرة لإسقاط المحافظ. ووقعت اشتباكات بالأسلحة النارية بين ملثمين وقوات الجيش والشرطة أمام سجن السويس المركزي أصيب فيها مجند و3 مساجين.
وفي القاهرة استمرت الاشتباك حتى طلوع نهار 28 يناير وأشعل متظاهرون النار وسط مترو التحرير لتفادى تأثير الغاز المسيل للدموع وأصيب الركاب بحالات اختناق. كما انصرف موظفو مجمع التحرير القائم بالميدان هربا من الغاز المسيل للدموع الذي انتشر بكثافة في المنطقة. وبعد غياب كامل لأربعة أيام عن المشهدين السياسي والميداني، قام رئيس الحكومة المصريةهشام قنديل بتفقد ميدان التحرير فجرً الاثنين 28 يناير وطالب برفع الغطاء السياسي عمن وصفهم بالمخربين.
هذا وما زالت الفوضى الأمنية والاجتماعية والسياسية تتصدر المشهد العام في مصر، وتتواصل حرب الشوارع بين المتظاهرين وقوات الأمن التي تدعمها عناصر بزي مدني، وصفها البعض بأنها تابعة لمليشيات الإخوان المسلمين والسلفيين. وأجمع ساسة ونشطاء مصريون على أن الإخوان المسلمين يقومون عن عمد بتفجير الأوضاع في البلاد ووضعها على أعتاب حرب أهلية اعتماد على دعم بعض الدول مثل قطروالولايات المتحدة.
وكانت جبهة الإنقاذ الوطني في مصر عقدت مؤتمرا صحافيا يوم 26 يناير حملت فيه الرئيس محمد مرسي مسؤولية العنف المفرط الذي تمارسه الأجهزة الأمنية ضد المصريين. ودعت المصريين للالتزام بالسلمية في الاحتجاجات والاعتصامات، مؤكدة أنها ضد العنف والعنف المفرط الذي أدى إلى سقوط الشهداء من أبناء الشعب المصري.
وطالبت الجبهة في مؤتمرها الذي عقد في مقر حزب الوفد تشكيل لجنة لتعديل الدستور والاتفاق على تغيير المواد الخلافية. وتشكيل حكومة إنقاذ وطني. ومراجعة الملفين الأمني والاقتصادي بعد أن اتضح أن سياسات الرئيس الحالي وحكومته وجماعة الإخوان تسببت في إفقار المصريين وتردي الأوضاع الأمنية والاقتصادية في البلاد. وكذلك إزالة آثار الإعلان الدستوري غير الشرعي والباطل وإقالة النائب العام الإخواني والعمل على استقلال القضاء. وإخضاع جماعة الإخوان المسلمين للقانون بعد أن قفزت إلى السلطة وهي منظمة غير قانونية وغير شرعية.
وحذرت جبهة الإنقاذ الوطني الرئيس محمد مرسي وجماعة لإخوان المسلمين بأنه في حال عدم الاستجابة خلال الأيام القليلة المقبلة، فإن الجبهة تدعو المصريين للاحتشاد يوم الجمعة المقبلة 1 فبراير 2013 لإسقاط العمل بالدستور الباطل، وإعادة العمل بدستور عام 1971، وكذلك العمل على إجراء انتخابات رئاسية مبكرة. كما وحذرت الجبهة بأنها لن تخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة إلا في إطار الحل الوطني الشامل. وأكدت الجمعية أنها في حالة انعقاد دائم في إطار الأزمة الحالية.
من الواضح أن جميع الأحداث الجارية في مصر منذ يوم 24 يناير 2013 تستعيد تفاصيل سيناريو أحداث الثورة الأولى في عام 2011 في مصر. فجميع مداخل ومخارج ميدان التحرير وكل الشوارع المتفرعة منه وإليه والمحيطة به تشهد مواجهات ساخنة مع قوات الأمن، بينما يقوم الجيش بحراسة مداخل ومخارج محافظة القاهرة. كما يجري أيضا حرق مقرات الإخوان الملسمين والعديد من المباني التجارية المملوكة لهم. وهو ما جرى لمقرات الحزب الوطني السابق وبعض المباني الأخرى.
المواجهات في القاهرة وصلت فجر 26 يناير إلى كوبري قصرالنيل، ما يذكر بمشهد نفس الكوبري في 27 و28 يناير 2011, غير أن المواجهات والاشتباكات وصلت إلى مبنى الإذاعة والتلفزيون (ماسبيرو) والعديد من الأحياء والمناطق القاهرية الأخرى.
مراقبون يرون أن ما يجري في مصر حاليا هو أوسع نطاقا مما جرى في عام 2011, إذ شهدت مدينتي السويس وبور سعيد حصارا أمنيا غير مسبوق، وقامت بالفعل قوات الجيشين الثالث والثاني على التوالي بالانتشار في المدينتين. وكما كان أول القتلى في 2011 من السويس وبور سعيد، فقد فقدت المدينتين إلى الآن ومعهما الاسماعيلية ما يقرب من 70 شخصا حتى صباح يوم الأحد 27 يناير، وتم تدمير محطة المياة في بور سعيد، وإحراق محطة الكهرباء أيضا. بينما تحتل قوات الجيش والأمن مدينة السويس التي هرب من سجنها 28 سجينا صباح الأحد 27 يناير.
هناك حالات تكرار لاقتحام مراكز الشرطة والسجون، وهو ما جرى أيضا في يناير 2011. ولكن انتشار الأسلحة بشكل مخيف في مصر منذ تولي الإخوان السلطة يزيد من خطورة المشهدين السياسي والميداني. وجزء كبير من هذا السلاح هو الآن في أيدي الناس الذين يقتحمون السجون ومراكز الشرطة. كل ذلك على خلفية انفلات أمني واسع النطاق، بالضبط مثلما كان الأمر عليه بداية من يوم 26 يناير 2011, ولكنه في هذه المرة بدأ مع وصول الإخوان إلى السلطة وتضاعف منذ 25 يناير 2013 ليصل إلى أقصى مداه خلال اليومين الأخيرين.
من الواضح أن سيناريو الأيام الأولى من ثورة يناير 2011 يتكرر بالتفصيل والإخوان والرئاسة تركوا الأوضاع بين الشعب والأجهزة الأمنية والجيش. بل دعت قيادات الإخوان المسلمين إلى زيادة تسليح الشرطة وطالبت ضمنا بنزول الجيش وتوسيع نطاق عمل الأجهزة الأمنية. هذا فيما تواصل قيادات الإخوان المسلمين ووسائل الإعلام التابعة للجماعة استخدام نفس المصطلحات والتوصيفات التي أطلقت على المتظاهرين في بداية الثورة عام 2011، من قبيل "بلطجية" و"مندسون" وعملاء" و"أعداء الوطن". بل ووصف الرئيس مرسي في كلمته مساء يوم 27 يناير ما يجري في مصر بالشغب، ووصف ملايين المتظاهرين بالمجرمين والمشاغبين الذين يجب محاكمتهم، ما اعتبرته القوى السياسية تحريضا مباشرا على العنف ضد المصريين وقتلهم.
تبدو مصر الآن أنها بلا قيادة. إذا غاب الرئيس مرسي ورئيس الحكومة هشام قنديل تماما عن المشهد لمدة 4 أيام كاملة. وكما اختفت قيادات الحزب الوطني في عام 2011، غاب عن المشهد تماما مكتب الإرشاد، الحاكم الفعلي لمصر منذ تولي مرسي السلطة في البلاد. واختفى الإخوان والسلفيون من الشوارع والميادين، ومن المشهد السياسي والميداني بالكامل. البعض يرى أنهم يجهزون لمفاجآت قد تشعل حربا أهلية، والبعض الآخر من المتفائلين يرون أن نهاية الإخوان في مصر قاب قوسين أو أدنى. فيما يرى فريق ثالث أنه إذا استمرت التظاهرات على هذه الوتيرة، فمن الممكن أن يعلن الرئيس مرسي الأحكام العرفية أو حظر التجول في جميع أنحاء البلاد، وليس فقط في مدن القناة، ويطالب الجيش بالنزول إلى الشوارع لدعم الإخوان والإبقاء على سلطتهم في مصر.
لا أحد يتحدث عن السياقين الدولي والإقليمي. فقطر غير ممثلة الآن في مصر إلا بقناة الجزيرة. ولكن لا تصريحات. بينما تتردد أنباء حول تعرض الإدارة الأمريكية لضغوط مكثفة بسبب دعمها الإخوان المسلمين وتجاهلها ما يجري في مصر، وإغماض عينها تماما عن القمع الجسدي والعنف والقتل، وإجهاض القانون والحريات.
يبدو أن الرئيس الإخواني في مصر ومكتب الإرشاد وجماعة الإخوان المسلمين كانوا يعولون جميعا على أن يفرغ المصريون طاقتهم في إحياء الذكرى الثانية للثورة ثم يعودون إلى بيوتهم، خاصة وأن المصريين يعيشون حالة اقتصادية ومعيشية وأمنية متردية منذ مجئ الإخوان إلى السلطة وفرض المزيد من الضرائب والقيود على الحريات وتزايد معدلات البطالة. غير أن كل الشواهد تؤكد على استمرار التظاهرات والاحتجاجات التي يقابلها تعنت واضح من جانب الرئيس وجماعة الإخوان وعنف متزايد من جانب الأجهزة الأمنية وقوات الجيش. ومن ثم وقوع المزيد من القتلى والجرحى والمصابين وتصاعد وتيرة إراقة الدماء في البلاد التي تعيش حالة من الانفلات الأمني وانتشار السلاح.
د. أشرف الصباغ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق