فراج إسماعيل | 01-06-2011 زارني أمس في مكتبي "مارتن داي" المتحدث الرسمي باسم الحكومة البريطانية الذي عمل دبلوماسيا لعدة سنوات في القاهرة.
تقمصت دور "الطيف" السياسي المرعوب من اجراء انتخابات مبكرة قد يسيطر عليها الإسلاميون، والخائف من الانتخابات الرئاسية التي قد لا تقدم الشخص المناسب في حال استعجال انهاء الفترة الانتقالية، والمرتعش من مخاطر الفتنة الطائفية في ظل الانفلات الأمني.
وفوجئت بأن الرجل أكثر وعيا وإدراكا من ذلك "الطيف" الذي يعيش في مصر. بدأني بعبارة رائعة بقوله "سيئات الحرية أفضل من حسنات الاستبداد".
في رأيه أن مصر الآن تصنع تاريخا جديدا في المنطقة. ثورة لم يتجاوز عمرها 4 شهور تنقل بنجاح وانسيابية هائلة، سلطة دولة قديمة بكل مساوئها من الاستبداد والفساد إلى دولة جديدة شعارها العدل والمساواة والحرية.
بدا "داي" مطلعا على كل شيء متحدثا عن المخاوف المثارة من صعود السلفيين والإخوان. الانتخابات النزيهة لا يجب أن تخيف أحدا، هكذا قال. في النهاية سيأتي من اجتمع حوله أغلب الناس ولابد أن يأخذ فرصته فمعايير الديمقراطية لا تقبل اقصاء الآخر.
اختلاطه بالمصريين وبالإخوان جعله مؤمنا بقدرة الشعب المصري على صنع برلمانه الغني بالتنوع والانسجام.
بخبرة هائلة يستبعد الدبلوماسي البريطاني الكبير فتنة طائفية في مصر. يقول "داي": الشعب المصري بمسلميه ومسيحييه يتميز بجينات تجعل مشاكله وشجاراته أشبه بعراك "مصارين البطن". في النهاية هما عبر التاريخ جسد واحد يؤلمه كله ألم أي عضو من أعضائه.
حديث طويل وممتع استمر أكثر من ساعة، جعلني أشعر بأن عواصم الغرب لا تكترث كثيرا بما يثيره الإعلام المصري من مخاوف صعود الإسلاميين، (السلفيون على وجه الخصوص).
عندما سألته مثلا عن "الفلتان الأمني" كمبرر لتأجيل الانتخابات، رد على الفور: لقد شاهدنا استفتاء 19 مارس. أكبر عدد من الناس في الخمسين سنة الأخيرة أدلى بصوته. مر الأمر بهدوء وسلام وابهار للعالم رغم أن الثورة كانت قد تجاوزت الشهرين باعتبار انها بدأت في 25 يناير، وشهر و8 أيام فقط إذا بدأنا من تاريخ تنحي مبارك عن الحكم.
يرى "مارتن داي" أن مبالغات كثيرة يتم تداولها حول الأمن في مصر "علينا أن نقدر أن الثورة عمرها الآن نحو أربعة شهور" وما حدث بعدها ونتائجه بمثابة زلزال كبير أثر على المنطقة بأثرها، فمن الطبيعي أن تنتج أعراضا جانبية، قد تكون مؤلمة أحيانا، لكن الحصيلة الكبرى في النهاية دولة ديقراطية نموذجية في الشرق الأوسط بحجم هذا البلد الكبير بشعبه الأكبر عددا والغني بتاريخه.
سألت "داي": من تريد أن يكون رئيسا؟.. أجاب: لست أنا الذي يريد. إنه الشعب الذي سيذهب إلى الصناديق.
قلت له: ربما تعرفون في الغرب عمرو موسى والبرادعي أكثر من الأسماء الأخرى التي أعلنت ترشحها. أجاب: في رأيي الشخصي عمرو موسى مناسب للسنوات الأربع القادمة لتحقيق الاستقرار، لكن شعبيته انخفضت كثيرا، كذلك شعبية البرادعي.
سألته: هل ترى أنه ظهر الاسم الذي يستحق رئاسة مصر؟.. أجاب: بمعيار الديمقراطية والصناديق، هذا السؤال غير صحيح. دع الناس تختار، ويمكنها أن تحكم عليه فيما بعد. إذا رأت أن اختيارها لم يكن صحيحا فستعيد النظر فيه في الانتخابات التالية، وهذا ينطبق على البرلمان أيضا وعلى الجهة التي تحوز على أغلبية أو أكثرية مقاعده.
ودعت "داي" وأنا أرى في حديثه نظرة فاحصة أخرى في الغرب لما يجري عندنا. على سبيل المثال أنشر مقالا أسبوعيا كل خميس في الموقع الانجليزي لقناة العربية، فتأتيني رسائل من قراء غربيين معظمهم من الولايات المتحدة وبريطانيا مذهولين مما كتبته عن التيار الإسلامي في مصر، وكان قد وصلهم قبل ذلك مغلوطا، خصوصا عن السلفيين والإخوان وما أثير عن حد "قطع الأذن" الذي لا يوجد له أثر في التشريع الإسلامي، وحادث إمبابة.
في الخميس الماضي مثلا كتبت عن الكسل الليبرالي والعلماني الذي يجعلهم يستلهكون الوقت قبل الانتخابات في حديث ممل متواصل عن "السلفيوفوبيا" أي إثارة الخوف من صعود السلفيين إلى الحكم، وتحويله إلى موضوع يومي مقررعلى شاشات الفضائيات التي تفرد مساحاتها لهم وحدهم.
قلت: سيكتشفون في النهاية ومعهم الأقباط أنهم ضيعوا الوقت في الكلام التلفزيوني الذي لا يسمعه معظم الناس ولا يعتدون به في اختياراتهم.
كان هذا الموضوع من ضمن الأكثر قراءة، وشبه اتفاق من التعليقات التي وصلتني، مع قولي: "بدلا من مساهمة القوى المختلفة والمتصادمة مع التيار الإسلامي في صناعة منافسة انتخابية تتسم بالتنوع والثراء الفكري والسياسي، قد تجد نفسها في النهاية مضطرة للتصويت للإخوان، باعتبار أن تلك القوى الليبرالية واليسارية انسحبت مكتفية بالفضائيات، وتركت الساحة الحقيقية لاختيارين، أحدهما الأخوان ذوو الخبرة السياسية الطويلة في التعامل مع الانتخابات، والثاني السلفيون. | |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق