إيران والإخوان المسلمون: أصول الطلاق!
محمد قواص "*"
تفاءلت طهران بربيع العرب فأعلنته إسلامياً يأتي امتداداً للثورة الإسلامية في إيران"خامنئي". الاستنتاج الإيراني سبق أي اصطفافات أيديولوجية للثوار في تونس وبعد ذلك في مصر. هناك كانت الشوارع تغلي ضد ديكتاتوريات وديكتاتوريين دون كثير اهتمام بالهوية الفكرية أو الدينية أو الطائفية للمنتفضين. أراد التونسيون إسقاط نظام وإقامة بديل ديمقراطي متعدد. الأمر نفسه أراده المصريون في بلدهم فارتفعت اليافطات وصدحت الحناجر وسارت التظاهرات. كان ذلك قبل أن تقرر طهران بإسلامية المنتفضين وقبل أن يقرر إسلاميو تونس ومصر الالتحاق بقطار وصلوه متأخرين.
ولإيران أسبابها في "اكتشاف" إسلامية الربيع العربي. فذلك التعريف يقي الجمهورية الإسلامية "شرور" ربيع الآخرين. ذلك أن حراك الشارع الإيراني عقب الانتخابات الرئاسية الأخيرة، اعتُبر "محرَّكاً من الخارج وتقف وراءه قوى الاستكبار وأعداء الإسلام"، وبالتالي فإن نقيض ذلك هو ما يجري عند العرب، وهو بالاستنتاج الرسمي الإيراني نعمة أوحت بها الثورة الإسلامية منذ أكثر من ثلاثة عقود: فعساكم يا أهل إيران تتعظون من منافع صناعة إيرانية تُصدّر إلى الجوار، بدل الاستكانة إلى منتجات الخارج وأفكاره المشبوهة حول الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان!
لكن لطهران مسوّغاتها كي تطمح إلى تمدد نفوذها إلى مناطق كانت عصيّة على أحلامها. فعقود من العلاقة المتقدمة مع الإسلام السياسي العربي عامة، ومع جماعات الإخوان المسلمين خاصة، أوحت لنظام ولاية الفقية أن ارتقاء المعارضة الإخوانية إلى تسلّم الحكم في تونس وبعد ذلك في مصر، يشرّع الأبواب أمام الفتح الإيراني العتيد، والذي حال دونه نظامٌ سياسي عربي معادٍ لتوجهات الجمهورية الإسلامية، وعطّل من مفاعيله"أيام الجهد التصديري للثورة الإسلامية" الجانب المذهبي الذي اصطدم آلياً بسنيّة الجمهور العربي في هذه الدولة أو تلك، وتعارض القاعدة العقائدية لثورة الخميني مع تاريخ من الثقافة الدينية – السياسية التي تأسس عليها الإسلام السياسي عند العرب.
بيد أن الأمور لم تكن لتسبب يأساً لدى الحاكم في إيران. فقد توطدت علاقة الإخوان المسلمين مع الثورة الإسلامية منذ عام 1979، وحتى قبل ذلك "مرشد الجمهورية السيد علي خامنئي كان ترجم قبل الثورة كتابين لسيّد قطب". ويروي يوسف ندا مفوّض العلاقات الدولية في تنظيم الإخوان المسلمين بأنهم "أي الإخوان" شكلوا وفداً زار الخميني في باريس قبل انتقاله إلى طهران، ذلك أنه كان بينهم وبين مجموعة الخميني علاقة قبل الثورة الإيرانية، وأن لقاءات جمعت بينهم في الولايات المتحدة وأوروبا. ويروي ندا أن الوفد الإخواني كان في ثالث طائرة تهبط في مطار طهران بعد طائرة الخميني وطائرة أخرى.
والأمر يفخر به الإخوان في ما ذكره عمر التلمساني "المرشد الثالث للإخوان" من أن جماعته"أيدت ثورة الخميني ووقفت بجانبه"، لأنها، كما يفسر القيادي الإخواني عصام العريان، "قامت ضد نظام حكم الشاه رضا بهلوي الذي كان منحازاً للعدو الصهيوني". وذهب راشد الغنوشي "زعيم "إخوان" تونس" إلى اعتبار"أنه بنجاح الثورة في إيران يبدأ الإسلام دورة حضارية جديدة". وراح فتحي يكن ""إخوان" لبنان" في الافتاء بأن مدارس الصحوة الاسلامية "تنحصر في ثلاث : مدرسة حسن البنا، ومدرسة سيد قطب ومدرسة الإمام الخميني".
تناقضت جماعة الإخوان المسلمين مع الحكم في تونس ومصر والأردن وسوريا وبلدان أخرى. وحدها"الجماعة" في سوريا خرجت عن خط التضامن التقليدي ما بين"جماعات" الإخوان المسلمين وحكم الثورة في إيران. كان صعباً على"إخوان" سوريا أن يهضموا التواجد في خندق واحد مع إيران المتحالفة والداعمة لنظام الأسد "الأب والإبن" في سوريا. تحدثت "الجماعة" عن التشيع في سوريا وعن خطر الاختراق الإيراني لسوريا بلداً ونظاما. ومع ذلك، ذهبت، تحت ضغط "الجماعات" الأخرى، إلى الإعلان عن تجميد "المواجهة"مع نظام دمشق عقب الحرب ضد غزة عام 2008، والتي كانت بالمحصلة تستهدف إخوان فلسطين"حماس" في القطاع.
منحت جماعة الإخوان المسلمين إيران دعماً مطلقاً في برنامجها النووي. مهدي عاكف، مرشد الإخوان السابق، اعتبر أن لإيران الحق حتى في امتلاك قنبلة نووية "علماً أن الخطاب الرسمي الإيراني ما فتئ ينفي هذا الخيار". واعتبر في مناسبة أخرى أن لا مانع من مدّ شيعي "في معرض إثارة موضوع التشيع في مصر"، ذلك، على حد قوله، إنه "عندنا56 دولة في منظمة المؤتمر الاسلامي سنيّة، فلماذا التخوف من إيران وهي الدولة الوحيدة في العالم الشيعية؟".
أما الشيخ يوسف القرضاوي الذي كان يُعبّر عن تضامن وتأييد لإيران معتبراً ثورة الخميني"انبعاث أمل في الصحوة الإسلامية ونصرها"، فقد انهمرت عليه، حين حذّر من المدّ الشيعي الإيراني، ردودٌ من شخصيات إخوانية هونت من ذلك أو نفته تماماً "سليم العوا، آمنة نصير، أحمد كمال أبو المجد… إلخ". وكان ذلك مؤشراً إلى مدى الاختراق الذي حققه الإيرانيون داخل المنظومة الفكرية للجماعة، ومدى النفوذ الذي أضحت طهران تمتلكه داخل تلك الجماعة، خصوصا في مصر وتونس والأردن وفلسطين.
في فلسطين تحولت الفصائل الإسلامية "حماس والجهاد" إلى جهات تحظى برعاية لوجيستية ومالية وتسليحية وحتى عقائدية "بالنسبة للجهاد" إيرانية. تطور الأمر إلى درجة تقديم الدعم السياسي والإعلامي للـ "انقلاب" الذي قامت به حماس ضد السلطة الفلسطينية في قطاع غزة، وسحب الورقة الفلسطينية من قواعدها العربية"المصرية أساساً"، والالتفاف على جهود الرياض لرأب الصدع داخل الصفّ الفلسطيني.عُدّ ذلك تتويجاً لعهود من العلاقة بين "الإخوان" وحكام طهران، من حيث أن الدعم الإيراني لحماس، لعبٌ في الفضاء المصري وترجيحٌ لكفة "الإخوان"في صراعها ضد نظام مبارك. حتى أن مرشد الإخوان السابق مهدي عاكف، وفي معرض تعليقه على كشف السلطات الأمنية المصرية لما عرف بـ "خلية حزب الله"، قال: "من حق مصر أن تشكر حزب الله لا أن تحقق معه" معتبراً أن "من حق إيران أن تفعل أي شيء" في معرض رده على مسألة اختراق "سيادة" مصر.
لم ينس الإيرانيون موقف الإخوان في الحرب العراقية – الإيرانية. فقد أصدرت الجماعة"التنظيم الدولي" بياناً هاجم فيه "حزب البعث الملحد الكافر" داعياً العراقيين إلى "قتل جلاديكم.. القوا أسلحتكم وانضموا إلى معسكر الثورة، الثورة الإسلامية ثورتكم". ولم ينس الإيرانيون موقف الإخوان حين أشار الرئيس السابق حسني مبارك إلى "ولاء الشيعة لإيران" أو حين تحدث العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني عن "الهلال الشيعي".
على أن العلاقة الحقيقية بين الإخوان وإيران تتأسس على التصاق مصلحي منفعي أكثر منه على قماشة عقائدية متينة. فصراع النظام المصري مع النظام الإيراني، كما تناقض الأنظمة الملكية العربية "الخليج والأردن والمغرب" مع الجمهورية الإيرانية، كما تناقض المعارضات العربية الإسلامية "بما فيها تنظيم القاعدة" مع النظام السياسي العربي، وفّر أسبابا للتواصل، وحوّل الإخوان المسلمين إلى رأس حربة إيراني يصول ويجول داخل الدائرة السنيّة العصيّىة على ما يرومه نظام الولي الفقيه.
العلاقة ما بين "الإخوان" وإيران شديدة الشبه بما كشفته وثائق ويكيليكس من كلام منسوب لرئيس وزراء قطر "البلد الداعم الأساسي للإخوان" حول طبيعة العلاقة مع إيران: "نحن والإيرانيون نكذب على بعضنا البعض"! وإذا ما صحّ هذا التشبيه فإن التكاذب متبادل، وسرعان ما سيصطدم بشروط الحكم التي أطلت على "الإخوان"هنا وهناك ويطمحون إليه هنالك.
من خريف إلى ربيع استغنى "الإخوان" عن العراب الإيراني المتراجع النفوذ، وراحوا يقتربون من واشنطن "طار إليها عصام العريان في أوج الأزمة الدستورية الأخيرة في مصر". راح "الإخوان" يستوحون أصول الحكم في العصر الحديث من نصائح أميركية لم تُخف مباركة إدارة أوباما لتسلّم الإخوان لمقاليد الحكم هنا وهناك. أدلى راشد الغنوشي "شيخ "الإخوان" في تونس" بأفكار في واشنطن كانت تعتبر محرّمة في عصر "النهضة" المعارضة. تحدث "إخوان"الأردن عن حوار مع الإدارة الاميركية. وقام خالد مشعل زعيم "الإخوان"في فلسطين بزيارة تاريخية إلى غزة تحت بصر الإسرائيليين وحماية غربية أميركية لا غبار عليها.
في مقابل دستور إيراني يتحدث عن سلطة المذهب الجعفري، كان لمصر الإخوانية دستور يتحدث عن فقه أهل السنة. استغنى الإخوان عن خطاب لا مذهبي في العلاقة مع إيران، وراحوا يتنافسون مع الجماعات السلفية المتحالفين معها في انتهاج خطاب يرفض التشيع، وقد يقترب من الغلاة في التعامل مع غير أهل السنّة.
تراجع الإخوان عن تحالفهم مع إيران لصالح التقدم التركي والتمويل القطري وامتحان المراقبة الأميركية لأدائهم. توقف الخطاب الإخواني العدائي ضد إسرائيل، جرى التأكيد على اتفاقية كامب دايفيد وترتيباتها في سيناء، وتمّ طرق باب البنك الدولي، وقُدمت وعود بتأمين مصالح الغرب. أولم تهاجم ناشطة مصرية "د. سلمى أبو المجد" عصام العريان اثناء زيارته الأخيرة اللافتة إلى واشنطن بالقول : "أنت جاي أمريكا تتنازل عن إيه؟
"*"صحافي وكاتب سياسي
تفاءلت طهران بربيع العرب فأعلنته إسلامياً يأتي امتداداً للثورة الإسلامية في إيران"خامنئي". الاستنتاج الإيراني سبق أي اصطفافات أيديولوجية للثوار في تونس وبعد ذلك في مصر. هناك كانت الشوارع تغلي ضد ديكتاتوريات وديكتاتوريين دون كثير اهتمام بالهوية الفكرية أو الدينية أو الطائفية للمنتفضين. أراد التونسيون إسقاط نظام وإقامة بديل ديمقراطي متعدد. الأمر نفسه أراده المصريون في بلدهم فارتفعت اليافطات وصدحت الحناجر وسارت التظاهرات. كان ذلك قبل أن تقرر طهران بإسلامية المنتفضين وقبل أن يقرر إسلاميو تونس ومصر الالتحاق بقطار وصلوه متأخرين.
ولإيران أسبابها في "اكتشاف" إسلامية الربيع العربي. فذلك التعريف يقي الجمهورية الإسلامية "شرور" ربيع الآخرين. ذلك أن حراك الشارع الإيراني عقب الانتخابات الرئاسية الأخيرة، اعتُبر "محرَّكاً من الخارج وتقف وراءه قوى الاستكبار وأعداء الإسلام"، وبالتالي فإن نقيض ذلك هو ما يجري عند العرب، وهو بالاستنتاج الرسمي الإيراني نعمة أوحت بها الثورة الإسلامية منذ أكثر من ثلاثة عقود: فعساكم يا أهل إيران تتعظون من منافع صناعة إيرانية تُصدّر إلى الجوار، بدل الاستكانة إلى منتجات الخارج وأفكاره المشبوهة حول الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان!
لكن لطهران مسوّغاتها كي تطمح إلى تمدد نفوذها إلى مناطق كانت عصيّة على أحلامها. فعقود من العلاقة المتقدمة مع الإسلام السياسي العربي عامة، ومع جماعات الإخوان المسلمين خاصة، أوحت لنظام ولاية الفقية أن ارتقاء المعارضة الإخوانية إلى تسلّم الحكم في تونس وبعد ذلك في مصر، يشرّع الأبواب أمام الفتح الإيراني العتيد، والذي حال دونه نظامٌ سياسي عربي معادٍ لتوجهات الجمهورية الإسلامية، وعطّل من مفاعيله"أيام الجهد التصديري للثورة الإسلامية" الجانب المذهبي الذي اصطدم آلياً بسنيّة الجمهور العربي في هذه الدولة أو تلك، وتعارض القاعدة العقائدية لثورة الخميني مع تاريخ من الثقافة الدينية – السياسية التي تأسس عليها الإسلام السياسي عند العرب.
بيد أن الأمور لم تكن لتسبب يأساً لدى الحاكم في إيران. فقد توطدت علاقة الإخوان المسلمين مع الثورة الإسلامية منذ عام 1979، وحتى قبل ذلك "مرشد الجمهورية السيد علي خامنئي كان ترجم قبل الثورة كتابين لسيّد قطب". ويروي يوسف ندا مفوّض العلاقات الدولية في تنظيم الإخوان المسلمين بأنهم "أي الإخوان" شكلوا وفداً زار الخميني في باريس قبل انتقاله إلى طهران، ذلك أنه كان بينهم وبين مجموعة الخميني علاقة قبل الثورة الإيرانية، وأن لقاءات جمعت بينهم في الولايات المتحدة وأوروبا. ويروي ندا أن الوفد الإخواني كان في ثالث طائرة تهبط في مطار طهران بعد طائرة الخميني وطائرة أخرى.
والأمر يفخر به الإخوان في ما ذكره عمر التلمساني "المرشد الثالث للإخوان" من أن جماعته"أيدت ثورة الخميني ووقفت بجانبه"، لأنها، كما يفسر القيادي الإخواني عصام العريان، "قامت ضد نظام حكم الشاه رضا بهلوي الذي كان منحازاً للعدو الصهيوني". وذهب راشد الغنوشي "زعيم "إخوان" تونس" إلى اعتبار"أنه بنجاح الثورة في إيران يبدأ الإسلام دورة حضارية جديدة". وراح فتحي يكن ""إخوان" لبنان" في الافتاء بأن مدارس الصحوة الاسلامية "تنحصر في ثلاث : مدرسة حسن البنا، ومدرسة سيد قطب ومدرسة الإمام الخميني".
تناقضت جماعة الإخوان المسلمين مع الحكم في تونس ومصر والأردن وسوريا وبلدان أخرى. وحدها"الجماعة" في سوريا خرجت عن خط التضامن التقليدي ما بين"جماعات" الإخوان المسلمين وحكم الثورة في إيران. كان صعباً على"إخوان" سوريا أن يهضموا التواجد في خندق واحد مع إيران المتحالفة والداعمة لنظام الأسد "الأب والإبن" في سوريا. تحدثت "الجماعة" عن التشيع في سوريا وعن خطر الاختراق الإيراني لسوريا بلداً ونظاما. ومع ذلك، ذهبت، تحت ضغط "الجماعات" الأخرى، إلى الإعلان عن تجميد "المواجهة"مع نظام دمشق عقب الحرب ضد غزة عام 2008، والتي كانت بالمحصلة تستهدف إخوان فلسطين"حماس" في القطاع.
منحت جماعة الإخوان المسلمين إيران دعماً مطلقاً في برنامجها النووي. مهدي عاكف، مرشد الإخوان السابق، اعتبر أن لإيران الحق حتى في امتلاك قنبلة نووية "علماً أن الخطاب الرسمي الإيراني ما فتئ ينفي هذا الخيار". واعتبر في مناسبة أخرى أن لا مانع من مدّ شيعي "في معرض إثارة موضوع التشيع في مصر"، ذلك، على حد قوله، إنه "عندنا56 دولة في منظمة المؤتمر الاسلامي سنيّة، فلماذا التخوف من إيران وهي الدولة الوحيدة في العالم الشيعية؟".
أما الشيخ يوسف القرضاوي الذي كان يُعبّر عن تضامن وتأييد لإيران معتبراً ثورة الخميني"انبعاث أمل في الصحوة الإسلامية ونصرها"، فقد انهمرت عليه، حين حذّر من المدّ الشيعي الإيراني، ردودٌ من شخصيات إخوانية هونت من ذلك أو نفته تماماً "سليم العوا، آمنة نصير، أحمد كمال أبو المجد… إلخ". وكان ذلك مؤشراً إلى مدى الاختراق الذي حققه الإيرانيون داخل المنظومة الفكرية للجماعة، ومدى النفوذ الذي أضحت طهران تمتلكه داخل تلك الجماعة، خصوصا في مصر وتونس والأردن وفلسطين.
في فلسطين تحولت الفصائل الإسلامية "حماس والجهاد" إلى جهات تحظى برعاية لوجيستية ومالية وتسليحية وحتى عقائدية "بالنسبة للجهاد" إيرانية. تطور الأمر إلى درجة تقديم الدعم السياسي والإعلامي للـ "انقلاب" الذي قامت به حماس ضد السلطة الفلسطينية في قطاع غزة، وسحب الورقة الفلسطينية من قواعدها العربية"المصرية أساساً"، والالتفاف على جهود الرياض لرأب الصدع داخل الصفّ الفلسطيني.عُدّ ذلك تتويجاً لعهود من العلاقة بين "الإخوان" وحكام طهران، من حيث أن الدعم الإيراني لحماس، لعبٌ في الفضاء المصري وترجيحٌ لكفة "الإخوان"في صراعها ضد نظام مبارك. حتى أن مرشد الإخوان السابق مهدي عاكف، وفي معرض تعليقه على كشف السلطات الأمنية المصرية لما عرف بـ "خلية حزب الله"، قال: "من حق مصر أن تشكر حزب الله لا أن تحقق معه" معتبراً أن "من حق إيران أن تفعل أي شيء" في معرض رده على مسألة اختراق "سيادة" مصر.
لم ينس الإيرانيون موقف الإخوان في الحرب العراقية – الإيرانية. فقد أصدرت الجماعة"التنظيم الدولي" بياناً هاجم فيه "حزب البعث الملحد الكافر" داعياً العراقيين إلى "قتل جلاديكم.. القوا أسلحتكم وانضموا إلى معسكر الثورة، الثورة الإسلامية ثورتكم". ولم ينس الإيرانيون موقف الإخوان حين أشار الرئيس السابق حسني مبارك إلى "ولاء الشيعة لإيران" أو حين تحدث العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني عن "الهلال الشيعي".
على أن العلاقة الحقيقية بين الإخوان وإيران تتأسس على التصاق مصلحي منفعي أكثر منه على قماشة عقائدية متينة. فصراع النظام المصري مع النظام الإيراني، كما تناقض الأنظمة الملكية العربية "الخليج والأردن والمغرب" مع الجمهورية الإيرانية، كما تناقض المعارضات العربية الإسلامية "بما فيها تنظيم القاعدة" مع النظام السياسي العربي، وفّر أسبابا للتواصل، وحوّل الإخوان المسلمين إلى رأس حربة إيراني يصول ويجول داخل الدائرة السنيّة العصيّىة على ما يرومه نظام الولي الفقيه.
العلاقة ما بين "الإخوان" وإيران شديدة الشبه بما كشفته وثائق ويكيليكس من كلام منسوب لرئيس وزراء قطر "البلد الداعم الأساسي للإخوان" حول طبيعة العلاقة مع إيران: "نحن والإيرانيون نكذب على بعضنا البعض"! وإذا ما صحّ هذا التشبيه فإن التكاذب متبادل، وسرعان ما سيصطدم بشروط الحكم التي أطلت على "الإخوان"هنا وهناك ويطمحون إليه هنالك.
من خريف إلى ربيع استغنى "الإخوان" عن العراب الإيراني المتراجع النفوذ، وراحوا يقتربون من واشنطن "طار إليها عصام العريان في أوج الأزمة الدستورية الأخيرة في مصر". راح "الإخوان" يستوحون أصول الحكم في العصر الحديث من نصائح أميركية لم تُخف مباركة إدارة أوباما لتسلّم الإخوان لمقاليد الحكم هنا وهناك. أدلى راشد الغنوشي "شيخ "الإخوان" في تونس" بأفكار في واشنطن كانت تعتبر محرّمة في عصر "النهضة" المعارضة. تحدث "إخوان"الأردن عن حوار مع الإدارة الاميركية. وقام خالد مشعل زعيم "الإخوان"في فلسطين بزيارة تاريخية إلى غزة تحت بصر الإسرائيليين وحماية غربية أميركية لا غبار عليها.
في مقابل دستور إيراني يتحدث عن سلطة المذهب الجعفري، كان لمصر الإخوانية دستور يتحدث عن فقه أهل السنة. استغنى الإخوان عن خطاب لا مذهبي في العلاقة مع إيران، وراحوا يتنافسون مع الجماعات السلفية المتحالفين معها في انتهاج خطاب يرفض التشيع، وقد يقترب من الغلاة في التعامل مع غير أهل السنّة.
تراجع الإخوان عن تحالفهم مع إيران لصالح التقدم التركي والتمويل القطري وامتحان المراقبة الأميركية لأدائهم. توقف الخطاب الإخواني العدائي ضد إسرائيل، جرى التأكيد على اتفاقية كامب دايفيد وترتيباتها في سيناء، وتمّ طرق باب البنك الدولي، وقُدمت وعود بتأمين مصالح الغرب. أولم تهاجم ناشطة مصرية "د. سلمى أبو المجد" عصام العريان اثناء زيارته الأخيرة اللافتة إلى واشنطن بالقول : "أنت جاي أمريكا تتنازل عن إيه؟
"*"صحافي وكاتب سياسي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق