لماذا خرج اليهود من مصر؟
تصريح القيادي في جماعة الإخوان المسلمين، مستشار رئيس الجمهورية عصام العريان، حول دعوته لليهود المصريين للعودة إلى مصر، وأن الزعيم الراحل جمال عبد الناصر كان وراء طردهم، أثارت حفيظة النخبة والقوى السياسية وشريحة كبيرة من الشعب المصري.
القاهرة ـ أشرف كمال
وتواجه تصريحات مستشار الرئيس محمد مرسي، انتقادات حادة داخل المجتمع المصري الرافض لممارسات إسرائيل داخل الإراضي الفلسطينية المحتلة، وتعنتها امام حق العودة للفلسطينيين، واعتبروا الدعوة رسالة تقارب إلى واشنطن وتل أبيب، وأن الإخوان يسعون لدعم الولايات المتحدة لمواجهة تحديات الداخل من عدم استقرار سياسي وأمني واقتصادي، بمعنى آخر، استقواء بالخارج في مواجهة الانتقادات الحادة التي تواجه الرئيس.
المتابعة الدقيقة والمنصفة والمجردة عن أي توجه سياسي أو أيديولوجي، تؤكد أن اليهود المصريين ومن لحق بهم من يهود أوروبا وأقاموا في مصر، حققوا مكتسبات اقتصادية كبيرة ومؤثرة، في الوقت الذي كانت أوروبا تعاني ركودا اقتصاديا بسبب تداعيات الحرب العالمية الثانية.
ومع اندلاع حرب 1948 فقد تأثر موقف اليهود في مصر تأثرا كبيرا، وبات معقدا عقب ثورة يوليو 1952، رغم أن الثورة وحتى منتصف الخمسينات، لم تتعرض لليهود في مصر، في حين قررت بعض العائلات اليهودية ومن تلقاء نفسها بتصفية أعمالها وممتلكاتها والهجرة إلى أوروبا والولايات المتحدة وإسرائيل.
كما أن القاصي والداني يعلم حقيقة العملية، التي عُرفت في مصر آنذاك بـ"فضيحة لافون" التي قادها جهاز الاستخبارات الإسرائيلي منتصف الخمسينيات عن طريق شبكة "لاجوشين" التي كانت تعمل بسرية لمساعدة اليهود في الهجرة بأموالهم إلى فرنسا، وإيطاليا ثم إلى إسرائيل، فضلا عن محاولات أثبات عجز الحكومة المصرية عن حماية المنشآت خاصة الأجنبية منها.
وقد أكد جميع المعاصرين والمؤرخين المنصفين للأحداث أن كل الأجواء في تلك الحقبة من التاريخ، كانت تقود إلى هجرة يهود مصر عن البلاد، وأن الأغلبية كانت هجرة طواعية، خاصة مع سيطرة فكرة الوطن القومي للبهود وأرض الميعاد والاستقرار، كما كان لقرارات التأميم دور في تقليل فرص اليهود في الاقتصاد المصري، سيما أن أغلبهم كان يعمل في التجارة والصناعة، وكذلك قطاع البنوك.
لقد كانت إسرائيل المستفيد الأكبر من هجرة اليهود المصريين إليها، فقد كانوا إضافة واضحة للاقتصاد في الإراضي المحتلة، كما كانوا سببا في تعزيز الحياة السياسية، إلى جانب نمو قطاعات الاقتصاد المختلفة من تجارة وصناعة.
وعلى الطرف الآخر لا يمكن أن نتجاهل أنه كانت هناك عائلات يهودية رفضت الهجرة من مصر، باعتبار أن اليهودية ديانة ومصر هي الوطن، ولا علاقة لهم بالفكرة التي تقوم عليها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
فيما لا يمكن تجاهل الزحف الألماني إلى شمال أفريقيا في اتجاه مصر، قد دفع بأعداد كبير من اليهود إلى الهجرة، خاصة إلى جنوب أفريقيا خوفا من تكرار مذابح النازية.
كما لا يمكننا تجاهل ما جاء في كتاب نائب الكنيست الإسرائيلي "شلمو كوهين" حول هجرة اليهود من مصر، مؤكدا أن تل أبيب عملت على تهجير اليهود المصريين والجالية اليهودية المقيمة، حتى لا تظهر مصر بمظهر الدولة التي تعيش في إطار من التسامح الديني.
إن دعوة مستشار الرئيس محمد مرسي، تجعلنا نقف وقفة جادة أمام تلك الجهود الدولية الحثيثة، التي تبذلها إسرائيل لخلق "قضية اللاجئين اليهود" الذين خرجوا من الدول العربية خاصة مصر، وذلك بهدف مواجهة أو مقايضة حق عودة اللاجئين الفلسطينيين، وهو بالأساس يهدف إلى تقويض حق العودة وتعويضهم عن ممتلكاتهم التي سُلبت منهم.
من هنا فإن دعوة القيادي في جماعة الإخوان المسلمين، تسير في اتجاه التحركات الإسرائيلية، وتخدم مخططها الذي يقوم على أساس أنه ثمة تهجير قسري واغتصاب حدث لأملاك اليهود في الدول العربية خاصة مصر، كما أنه براءة لساحة اسرائيل في هذا الملف من اللحظات الأولى، في حين أن وقائع التاريخ تقول غير ذلك.
توقيت تصريحات مستشار أول رئيس لمصر ما بعد مبارك، وينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين، وبالتزامن مع حراك دولي لإسرائيل لخلق مصطلح "لاجئ يهودي" يضع الكثير من التساؤلات حول علاقة الجماعة وحزب الحرية والعدالة بإسرائيل، وهل تخلت الجماعة بالفعل عما كانت تطلقه من شعارات ضد إسرائيل، أم أن تغيير المعادلة السياسية دفعهم لتجاهل الأسباب الحقيقية لخروج اليهود من مصر لتحقيق مكاسب سياسية خصما من رصيد الوطن والقضية الفلسطينية؟!.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق