الدستور المصري الجديد يتفوق علي دستور
الملك الفرعوني "لا يا راجل الثالث"
يقول العرب شر البلية ما يضحك، ولاشك أن حالة الكوميديا السوداء الساخرة التي تعيشها مصر في ظل حكم الرئيس الإخواني محمد مرسي، تكشف عن عبث سياسي لا يمكن إلا أن يثير السخرية!!
21:00 | 2012 / 12 / 04
موسكو – مازن عباس
لم يجد الرئيس المصري مرسي مخرجا من أزمته السياسية التي تسبب فيها هو نفسه بإصدار إعلانه الغير الدستوري الشهير، الذي حصن قراراته منذ توليه الرئاسة باعتبارها أصبحت غير قابلة للطعن بأي شكل وأمام أية جهة، كما لا يجوز التعرض لقراراته بوقف التنفيذ أو الإلغاء، وتنقضي جميع الدعاوى المتعلقة بها والمنظورة أمام أية جهة قضائية... خاصة بعد أن أصبح قرار إلغاء هذا الإعلان الغير دستوري علامة واضحة علي فشله كرئيس وانهيار نفوذه، لأنها ستكون المرة الثالثة التي يصدر فيها قرارا يخترق القوانين والمبادئ الدستورية وينسفها، ويتراجع عنه الرئيس الإخواني.
وكان المخرج من الأزمة الذي حدده مكتب إرشاد جماعة الإخوان سرعة طرح مشروع الدستور الجديد، كخطوة نحو امتصاص غضب الشارع المصري.
وكما يقولون في مصر "جاء يكحلها عماها".. فالمسألة ليست إقرارا لأي دستور ينقذ الرئيس مرسي من الأزمة السياسية التي تهدد نفوذ جماعة الأخوان السياسي.. وإنما هي إعداد لدستور مصري يستجيب لطموحات الشعب وثورة 25 يناير..
ولنحدد في البداية لماذا طالب الشعب تعطيل دستور مبارك، وإقرار دستور جديد؟ لان دستور مبارك تضمن:
- صلاحيات واسعة وأحيانا مطلقة لرئيس الجمهورية.
- تناقض العديد من المواد الدستورية مع قوانين فرض إقرارها مسار التطور المجتمعي.
- تعديلات الدستور عام 2005 وهي المواد 76 و77 السيئة الصيت، ومواد أخري فرضت هيمنة الرئيس المخلوع وحزبه المنحل علي مقاليد السلطة التشريعية والقرارات السيادية.
وكانت مطامح الشعب في دستور يقلص من صلاحيات الرئيس وفترات توليه الرئاسة ويتضمن ضوابط للعقد الاجتماعي الجديد تقوم وتؤسس علي حق المواطنة في ظل دولة مدنية ديمقراطية.
وجاء الدستوري الإخواني الجديد عكس ذلك تماما، بل انه كان مليئا بالتناقضات والضبابية. ونسف دستور الإخوان نظام الدولة الديمقراطي الذي يقوم علي حق المواطنة، ليربط حق المواطنة بالنظام السياسي فقط، وليس كأساس في تأسيس الدولة المصرية. كما تم تعديل المادة الثانية بشكل ملتوي حيث أضيفت المادة 219 لشرح ماهية مبادئ الشريعة في المادة (219)، لنجد أنفسنا أمام أحكام الشريعة المختلف عليها بين الفقهاء والمذاهب والمتغيرة بحسب الظروف والزمان والمكان، ما وضع مؤسسات الدولة الديمقراطية تحت ولاية الفقيه، لأنه جعل رأى الفقيه فوق الدستور والقانون ليهدم مرجعية الدستور والقانون، وليمكن الفقهاء سواء القانونيين أو الإسلاميين من التحكم في السلطة ومصير البلاد.
ثم يكرس في مادته الثالثة انقسام الشعب إلي طوائف دينية. دستور الإخوان لم يلزم الدولة بحماية الأسرة المصرية ومتطلباتها، واكتفي بأعراب عن حرص الدولة، ما شكل تراجعا عن اغلب الدساتير المصرية السابقة. الدستور الجديد لم يحظر إنشاء أحزاب سياسية على أساس ديني أو جغرافي، كما لم يحظر إنشاء أحزاب سياسية أو جمعيات أو مؤسسات أهلية يكون نشاطها سريا أو ذا طابع عسكري تتعارض مع المبادئ الأساسية والحقوق والحريات الواردة فيه.
باختصار الدستور الجديد متخم بالتناقضات، فتارة يضمن الحريات والحقوق وينفي حق أي قانون في تنظيمها، ثم يعود في المادة 81 لينسف هذا معتبرا أن ممارسة الحريات والحقوق يجب أن لا تتعارض مع مقومات الدولة وفق ما جاء في باب الدولة والمجتمع، ويقيد الحريات العامة، لتصبح المرجعية في حماية هذه الحريات ليس الدستور وإنما أراء الفقهاء.
وحتى ختام هذا العبث المسمي بالدستور جاء ليحصن قرارات وقوانين أصدرها الحاكم بأمر الله محمد مرسي، حيث نصت المادة الأخيرة 234 علي إلغاء جميع الإعلانات الدستورية الصادرة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة ورئيس الجمهورية منذ الحادي عشر من شباط/ فبراير عام2011، وحتى تاريخ العمل بالدستور، لكن ما ترتب عليها يبقي صحيحا ونافذا، ولا يجوز الطعن عليها بأي وجه من الوجوه. ومنها تعديل القانون 35 للنقابات العمالية لسنة 1976، الذي يسقط عن أي عامل عضوية النقابة أذا أصبح بلا عمل أو أصيب بعاهة أو بلغ سن التقاعد. وأخيرا وليس آخرا.. زاد هذا الدستور من صلاحيات رئيس الجمهورية بشكل واسع، إذ احتفظ بكل سلطات الرئيس السابق في دستور 1971، وزاد عليها سلطة تعيين رؤساء الهيئات والأجهزة الرقابية، التي تراقب الرئيس، دون أن يتضمن مشروع الدستور شرط موافقة السلطات التشريعية علي تعيين الرئيس لرؤساء الهيئات الرقابة!!!
يعني سمك لبن تمر هندي، والتناقض بين مواد وبنود هذا الدستور يصل أحيانا لحد التضارب ما يطعن في شرعية هذا الدستور حتى لو اقر في الاستفتاء القادم.
إذا افترضنا جدلا أن عدوا شرسا متآمرا من الفلول في الشارع السياسي المصري أراد ضرب جماعة الأخوان والإساءة لها، فلا شك أن أفكاره وخططه التآمرية لما تكن لترتقي لما فعله الرئيس مرسي ومكتب إرشاد الجماعة.. سواء بإصدار إعلان غير دستوري أو طرح هذا المسخ -الذي تسميه قوي الإسلام السياسي- دستورا علي الاستفتاء الشعبي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق