دولة الإخوان المسلمين
كل التقدير لدولة الإخوان المسلمين، التى أثبتت اقتداراً سياسياً فائقاً لا ينكره إلا جاحد جهول، أو كافر ملحد، أو فل من الفلول، أو كلهم، فإن معارضى الإخوان تنطبق عليهم كل هذه الأوصاف فى آن واحد.
أقول: التقدير لدولة الإخوان، لأن الانتخابات الرئاسية الأخيرة لم تأت لنا برئيس للجمهورية فقط، وإنما جاءت بدولة كاملة ظهر مختلف أجهزتها المدربة ومؤسساتها الفاعلة على مدى الأشهر الأربعة الأخيرة، التى كان آخرها تلك الميليشيات المسلحة التى وصلت إلى الاتحادية، أمس الأول، والتى ظنها المتظاهرون فى البداية «الطرف الثالث» الذى قابلوه قبل ذلك فى مسرح البالون وفى ماسبيرو وفى محمد محمود وأمام مجلس الوزراء، لمجرد أن طريقة أدائهما كانت واحدة.
لكن قدرات دولة الإخوان المسلمين ظهرت بأذرعها المختلفة منذ بداية تنصيب محمد مرسى رئيساً، حيث ثبت أن مرسى ليس مجرد رئيس منتخب له أن يفعل بنا ما يحلو له، أو أن يطبق علينا سياسات من وحى رأسه، وإنما هناك جهاز قادر ومقتدر يقوم على التفكير والتدبير، وما على رئيس الجمهورية إلا التنفيذ، ومن هنا فإن كل من عينهم الرئيس كمساعدين له أو مستشارين لم يكن لهم أى دور أمام التخطيط الأكبر الذى يضعه الجهاز المدبر للإخوان، الذى يقبع فوق جبل المقطم.
وقد أثبتت أحداث اليومين الأخيرين فى «الاتحادية» أننا يمكن أن نستغنى تماما عن قوات الشرطة العادية، التى فشلت تماما فى تأمين المحكمة الدستورية قبل ذلك بيومين، فلم تتمكن المحكمة من أداء عملها، فالميليشيات المسلحة لدولة الإخوان، التى وصلت إلى الاتحادية، كانت تنفذ تكليفا محددا باشرته على الفور بهدم الخيام التى كانت أمام القصر وضرب النساء والتصدى للشباب المتظاهرين، الذين لا لزوم لهم فى دولة ديمقراطية، مثل دولة الإخوان.
لقد كانت ميليشيات الإخوان مسلحة بكل ما ينبغى على أى قوة أمنية فى أى دولة ديمقراطية أن تحمله معها من سلاح، فكان معها السلاح الأبيض والذخيرة الحية من خرطوش وطلقات رصاص وقنابل الغاز، وهكذا أصابت خلال ساعات معدودة 350 متظاهراً - حسب التصريحات الأولى لهيئة الإسعاف - وقبل أن تتزايد الأعداد بعد ذلك إلى أكثر من 500، وقتلت - وفق نفس التصريح - ثلاثة من الشباب وصلوا فى نهاية اليوم إلى خمسة.
كما تملك دولة الإخوان أيضا فريقاً من النقاشين على أعلى مستوى يمكن الاستغناء به عن أجدع بلدية من بلدياتنا الخائبة، حيث وصلوا إلى الموقع بالأدوات المطلوبة من طلاء وفرشات وجرادل، وبينما كان زملاؤهم فى الميليشيات يسيلون دم المتظاهرين الأحمر، كانوا هم يعيدون طلاء جدران الاتحادية باللون الأبيض، ليزيلوا ذلك الجرافيتى الثورى القبيح ذى الألوان الزاهية، التى لا تتماشى إطلاقاً مع الطراز المعمارى للقصر.
وربما كان الجهاز الوحيد - فى حدود علمى - الذى لا تملكه دولة الإخوان هو الجيش النظامى، لكن ذلك لن نكون بحاجة إليه فى ظل الترتيبات التى تمت أخيراً مع إسرائيل والولايات المتحدة فى سيناء، والتى لن تلجئنا لاستخدام الجيش بعد اليوم وتعريض حياة أفراده البواسل للخطر، كما حدث على مدى تاريخنا الحديث والقديم.
إن على كل مصرى أن يفتخر بأن مصر أصبحت الآن فى قبضة دولة الإخوان القادرة والفاعلة، وعلينا أن نطمئن جميعاً، فى ظل دولتنا الجديدة هذه، على مستقبل الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، التى نادت بها الثورة، والتى لم يطبق أى منها حتى الآن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق