الإخوان وتغير المعادلة السياسية في مصر
الإخوان وتغير المعادلة السياسية في مصر
يرى البعض أنه كان على قادة وممثلي القوى السياسية المدنية في مصر أن يتوجهوا إلى الرئيس محمد مرسي بمقترحات وعرائض ومبادرات ومشاريع سعيا لكسبه إلى صفوفهم ومنع تكتل السلفيين والجماعات الإسلامية الجهادية مع الإخوان المسلمين. بل ورأوا أيضا أن تحالف القوى السياسية لمواجهة النظام الإخواني في مصر خطوة تأخرت كثيرا وتأتي الآن في غير محلها أو وقتها بعد أن استفحل ضغط الإخوان وتوحشت مؤسسة الرئاسة ومكتب الإرشاد وحزب الحرية والعدالة التابع لجماعة الإخوان المسلمين.
يمكن الرد ببساطة على كل هذه الرؤى، ولكن لا يوجد مجال هنا. فلكل إجراء ظروفه الموضوعية والذاتية. كل ما في الأمر أن قادة القوى السياسية بدأوا يتحركون الآن من الأسفل بالتحامهم بشباب الثورة وبالمظاهرات والاحتجاجات. وبدأوا يتعاملون كرجال دولة وليس زعماء مجموعات سياسية مراهقة تدمن حوارات ومفاوضات الغرف والاجتماعات المغلقة. إن القوى السياسية المصرية الآن تخلع ثوبها القديم من حيث العقلية التنظيمية الضيقة والصراعات التافهة والمكاسب الرخيصة والتحالفات غير المبدئية وتنفتح على الناس والوطن كقوة قادرة على إدارة الأزمات والمجتمع والدولة.
من الواضح أن الإخوان المسلمين يفقدون الكثير من مواقعهم ليس فقط في المدن الكبرى، بل في المناطق النائية والأطراف، وهي الساحات التي تمكنوا من التحايل على مواطنيها تارة بالدين وتارة أخرى بالأموال والمصالح. هذه المناطق والساحات تتخلخل الآن، الأمر الذي يوضح أن مواطنيها إذا لم ينضموا إلى بقية القوى السياسية، فسوف يبقون على الحياد. وهو في الحقيقة، حياد إيجابي سيدفع بهم عاجلا أو آجلا إلى مسار إسقاط حكم الإخوان. ومن جهة أخرى، يدفع التخبط الواضح في قرارات وإجراءات مكتب الإرشاد والرئاسة وحزب الحرية والعدالة إلى حالة من التذمر الاجتماعي والمعيشي والثقافي، والسياسي أيضا.
هكذا أرغمت الظروف جميع القوى السياسية المدنية على العمل من أسفل لأسباب كثيرة، وهو ما بدأ بالفعل يحدث بقوة وتفاؤل وإصرار. وهذا لا يتعارض إطلاقا مع العمل على عدة جبهات أخرى نضالية وقانونية ودستورية وإعلامية داخلية وخارجية، والتوجه إلى المؤسسات الدولية المانحة، وتقديم صورة موضوعية وواقعية لما تفعله تيارات الإسلام السياسي عموما في مصر، وما تفعله جماعة الإخوان المسلمين ومكتب الإرشاد والرئاسة وحزب الحرية والعدالة التابع للجماعة. ولا شك أن المجتمع المصري وقواه السياسية المدنية تحمل مسؤولية العنف والدم والاستبداد والبطش ليس فقط للإخوان المسلمين والسلفيين والجماعات الجهادية، بل وأيضا للدول والمؤسسات والجمعيات الدولية التي تتعاون معهم وتدعمهم ماليا وسياسيا ولوجستيا. هذا الأمر مرتبط مباشرة بقوائم أعدتها عناصر الإخوان التي تمكنت من اختراق الأجهزة والمؤسسات المصرية وعملت فيها لسنوات طويلة. هذه القوائم ستظهر قريبا في أشكال منها "التطهير" أو "الاعتقالات" أو "الاغتيالات". وسيتم الأمر وكأنه حملة لمواجهة مخططات وأجندات ومحاولات لقلب نظام الحكم. وقد تتفاقم الأمور ليتم تصوير الأمور على أنها مخطط خارجي يستهدف أمن مصر وسلامتها. أي ببساطة، تنفيذ فكرة العدو الداخلي أو الخارجي، أو الاثنين معا.
لقد دفع الإخوان المسلمون بالأمور إلى أبعد من مداها. هذه الفكرة الكلاسيكية التي ينفذها الرئيس الإخواني في مصر لتثبيت السلطة وتعزيز المواقع السياسية والقانونية قديمة وحمقاء، لأن القوى السياسية المدنية وقادتها وشبابها لديهم برامج بديلة وتوجهات لتغييرات جذرية في اتجاه المجتمع المدني والدولة العلمانية الحديثة، والعدالة الاجتماعية بمعناها الواسع والعميق. وبالتالي لا وقت هنا لمفاوضات عرجاء وحمقاء مع مجموعات رجعية وعنصرية وإقصائية، ولا حاجة للتعاون معها نظرا لأن التوجهات مختلفة تماما، والثقة منعدمة كليا.
منذ 19 نوفمبر 2012 يمكننا الحديث الآن عن صراع حقيقي وملموس بين قوتين أساسيتين في المجتمع المصري: تيارات الإسلام السياسي وعلى رأسها الإخوان المسلمون، وتيارات وقوى مدنية واجتماعية. لقد تغيرت المعادلة نسبيا، وتراجعت تيارات الفلول إلى المستوى الثاني. كما أن المنظومة الإدارية العتيقة في مصر لا تزال راسخة وتعرف المنعطفات والمنحنيات الخطرة في الدولة وتلعب دورها الخطير المنوط بها. وهي منظومة متشعبة وضاربة بجذورها في مستنقع آسن على الرغم من انغلاقها. من الواضح أننا لا يمكن أن نتحدث الآن عن اختفاء أو تلاشي الفلول وطواغيت المال الذين يواصلون دعمهم لمجموعات داخل المنظومة الإدارية العتيقة وبعض المؤسسات، وهو ما يعرفه مكتب الإرشاد جيدا عن طريق عناصره داخل هذه المنظومة بمؤسساتها. غير أن تغير المعادلة وصعود القوى السياسية المتحالفة لتحتل المكان اللائق بها في مواجهة الحكم الديني الرجعي، دفع بالإخوان إلى مسعى استخدام المنظومة الإدارية بفلولها كورقة ضغط أو تعطيل. بل ويمكن الحديث الآن عن قيام طواغيت المال من تيارات الإسلام السياسي بتمويل مجموعات وفئات اجتماعية معينة لتقوم بنفس الدور الذي كانت تقوم به مثيلاتها إبان حكم مبارك وبعده. وفي الحقيقة، لا يمكن للقوى المدنية أن تتنازل عن مطالبها أو تتقوقع وتتجه مرة أخرى للتحالف مع الإخوان بسبب أن الفلول يرفعون نفس المطالب. ليرفع الفلول أي مطالب، فالمستقبل لم يعد لهم. وهذا ما يدركه الإخوان جيدا. وبالتالي قد يستخدمهم الإخوان، وقد يفرضون إجراءات أمنية استثنائية على مصر كلها بحجة أن الفلول يسعون للتخريب وقلب نظام الحكم. إن الصراع الآن بين قوتين حقيقيتين ليس بينهما الفلول. هذا الأمر يفرض على القوى السياسية المصرية واقعا جديدا تماما ويجعلها جاهزة لاستلام السلطة وإدارة الدولة.
د. أشرف الصباغ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق