كتب خالد عز العرب (بي بي سي) - القاهرة | 29-06-2011 ربما ليس مستغربا أن تتسم الخريطة السياسية لمصر بعد الثورة بالكثير من السيولة والفوضى، فما حدث في يناير/ كانون الثاني 2011 كان مفاجئا للجميع. روابط ذات صلةالأزهر يدعم تأسيس دولة ديمقراطية و"ليست دينية"تصاعد الانتقادات لقرارات المجلس العسكري في مصرهيومان رايتس ووتش: ضرورة احترام حقوق الإنسان في مصراقرأ أيضا موضوعات ذات صلةمصر كما أن أحداث الثورة نفسها والوقت القصير نسبيا الذي استغرقته قبل الإطاحة بالرئيس المصري حسني مبارك، لم يسمحا ببروز قيادة تستطيع أن تزعم أنها الممثل الشرعي والوحيد للثورة. فنشأت بدلا من ذلك عشرات المجموعات التي تعمل على تنفيذ ما تراه مطالب الثورة الحقيقية، من وجهة نظرها.
وإذ تحاول بعض هذه المجموعات أن تتحد مع مجموعات أخرى لتشكيل كيانات أكبر، تشكل عدد لا يسهل حصره من "الائتلافات" و"الجبهات" و"الاتحادات". وفي كثير من الأحيان تكون الاختلافات داخل هذه التحالفات أكبر كثيرا من مساحة التوافق التي تجمعها. فتتحول سريعا إلى تحالفات اسمية فقط.
ورغم أن مرشحي رئاسة الجمهورية الأبرز لا ينتمون إلي أي من الأحزاب والحركات القائمة، فمن المرجح أن تلتف حولهم بعض هذه الحركات، ومن المحتمل أن ينجح بعض هؤلاء المرشحين في خلق كيانات سياسية جديدة من رحم حملاتهم الانتخابية، إلا أن هذا الأمر يبقى مؤجلا على الأقل حتى يتم الإعلان عن موعد انتخابات الرئاسة.
أما في الوقت الحالي فيمكن رسم صورة عامة للحركات السياسية المصرية على النحو التالي:
أهم الأحزاب القديمةبشكل عام لم تلعب الأحزاب التقليدية دورا يذكر أثناء الثمانية عشر يوما التي امتدت من الخامس والعشرين من يناير/ كانون الثاني وحتى تنحي مبارك في الحادي عشر من فبراير/ شباط الماضي. والآن تحاول بعض هذه الأحزاب أن تخلق لنفسها وجودا ما على الساحة السياسية مستفيدة بالميزة النسبية التي تتمتع بها والتي تتمثل في وجود بنية تحتية قائمة (مكاتب، وقوائم أعضاء، وهيكل تنظيمي، وخبرات انتخابية... إلخ).
حزب الوفد هو أحد أهم هذه الأحزاب بتاريخه الممتد إلى قيادة ثورة 1919 ضد الاحتلال البريطاني. وهو حزب ليبرالي التوجه ويحاول حاليا تجديد دمائه بإجراء انتخابات داخلية.
ولعب الحزب في الآونة الأخيرة دورا رئيسيا في الدعوة إلى تكوين تحالف عام يضم الكثير من الأحزاب بما فيها حزب الاخوان المسلمين، حزب الحرية والعدالة، للاتفاق على أجندة موحدة للعمل الوطني.
وهناك أحزاب التجمع والناصري والجبهة الديمقراطية وهي أحزاب تعاني من انشقاقات وانقسامات داخلية، خاصة أن بعض كوادرها خرج من عباءاتها لتأسيس أحزاب جديدة بعد الثورة.
أما حزبا الغد والكرامة، فقد أعلن زعيم كل منهما، أيمن نور وحمدين صباحي على التوالي، نيته الترشح للرئاسة، وسيرتبط مصير الحزبين على الأرجح بمدى نجاح زعيميهما في الحصول على نسبة معقولة من أصوات الناخبين في سباق الرئاسة.
وهناك حزب الوسط الذي بدأت محاولات تأسيسه في منتصف التسعينات بانشقاق مؤسسيه عن حركة الاخوان المسلمين، ورغم أنه لم يكن يتمتع بحضور كبير قبل الثورة، إلا أن حظوظه ربما تكون أفضل من غيره حيث أنه يحتل موقعا وسطا بين القوى الاسلامية والأحزاب الليبرالية.
أهم الأحزاب الجديدة
أهم هذه الأحزاب الحرية والعدالة. فهو الذراع السياسي لجماعة الاخوان المسلمين، والتي تتمتع بقوة تنظيمية وخبرة سياسية تفوقان بقية الحركات السياسية. ولا يزال هناك التباس بشأن تفاصيل العلاقة بين الحزب والجماعة ومدى الاستقلالية التي يتمتع بها الحزب.
ورغم أن بعض الكوادر الشابة في الأخوان أعلن نيته تأسيس أحزاب أخرى بالمخالفة لقرار قيادات الجماعة، إلا أنه حتى الآن لا تبدو ثمة دلائل على وجود انقسام كبير داخل الأخوان، مما يعزز فرصة "الحرية والعدالة" في الاستفادة بكامل إمكانات الجماعة.
ورغم أن التيار السلفي كان بشكل عام ينأى بنفسه عن دخول معترك السياسة قبل الثورة، فإنه ظهر على السطح بشكل قوي في الشهور الأخيرة. وتم مؤخرا تأسيس حزب "النور" الذي يعبر عن إحدى أقوى الاتجاهات السلفية، وهي الدعوة السلفية في الاسكندرية.
ورغم ما يبدو من حضور ثقافي قوي للسلفيين في المجتمع المصري، فإنهم ليسوا جسما واحدا، كما أن قدرتهم ورغبتهم في لعب دور سياسي مؤثر في المرحلة المقبلة تبقى محل تساؤل.
إلغاء لجنة الأحزاب أزال العقبات أمام القوى السياسية
وعلى الجانب الآخر وردا على إنشاء الإخوان حزب " الحرية والعدالة"، أنشأ رجل الأعمال نجيب ساويرس حزب المصريين الأحرار وهو حزب ليبرالي يبدو منشغلا أساسا بالحيلولة دون سيطرة الاسلاميين على مقاليد الأمور في مصر ومنع تحويلها إلى دولة دينية.
وسيستفيد الحزب من الإمكانيات المالية والاعلامية الهائلة لساويرس ومن دعم غالبية المسيحيين له. ولكن المرجح أنه سيكون في موقف ضعيف انتخابيا لو أصبح ينظر إليه باعتباره "حزب الأقباط".
ومن الأحزاب الأخرى في التيار الليبرالي حزب مصر الحرية، الذي أسسه عمرو حمزاوي، وهو كاتب ومعلق سياسي شاب وكبير الباحثين في معهد كارنيغي بالولايات المتحدة ، برز نجمه في السنوات الأخيرة من خلال ظهوره المتكرر في وسائل الاعلام ونشاطه في دوائر سياسية عديدة. ويتمتع حمزاوي بقدر من الشعبية بين الشباب. ولكن لا يوجد حتى الآن ما يشير إلى تمتع حزبه بقاعدة جماهيرية كبيرة.
وفي مكان ما بين الليبرالية واليسار يقف الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، والذي يضم خليطا من قدامى السياسيين والنشطاء الشباب والشخصيات التي تتمتع بسمعة طيبة في مجال العمل العام.
ويقف حزب العدل هو الآخر في موقع وسط بين الليبرالية واليسار وكذلك هو حاله بالنسبة للجدل الدائر بين العلمانيين والاسلاميين. ويتميز "العدل" بكونه حزبا شبابيا إلى حد كبير بالنظر إلى أعمار مؤسسيه وكوادره.
أما حزب العمال فيضم عددا من الرموز اليسارية التقليدية وقيادات عمالية لعبت دورا في الاحتجاجات الاجتماعية العديدة التي شهدتها البلاد في السنوات الأخيرة.
ورغم أن الحزب لم يعبر عن وجوده بشكل قوي حتى الآن، إلا أنه يمكن أن يتحول إلى رقم مهم في المعادلة السياسية إذا نجح في أن يصبح تنظيما لملايين العمال والفلاحين المصريين الذين يحاول مخاطبتهم.
ويضم اليسار أيضا حزب التحالف الشعبي الاشتراكي والحزب الشيوعي المصري وحزبمصر الاشتراكي وحركةالاشتراكيين الثوريين . وقد تجمعت جميعا تحت مظلة واحدة وأطلقت عليها اسم جبهة القوى الاشتراكية لكن دون أن تندمج في حزب واحد، وليس واضحا حتى الآن ما إذا كانت هذه الحركات ستنجح في استقطاب أعداد كبيرة أم أنها ستظل مقصورة على دائرة محدودة من المثقفين اليساريين.
قوى غير حزبيةبرزت حركة شباب 6 ابريل في السنوات الثلاثة الأخيرة كإحدى أنشط المجموعات الاحتجاجية ضد نظام مبارك. ورغم أن الحركة كانت من مؤسسي ائتلاف شباب الثورة الذي دعا لتظاهرات الخامس والعشرين من يناير إلا أنها انسحبت من الائتلاف مؤخرا احتجاجا على تمثيل مجموعة منشقة عنها في الائتلاف.
وترفض الحركة أن تتحول إلى حزب، مفضلة أن تمارس دورها كجماعة ضغط تتبنى قضايا معينة. وفي الوقت الحالي تركز الحركة نشاطها على حملات التوعية السياسية للمواطنين خاصة في الأقاليم وفي الأحياء الشعبية.
أما "ائتلاف شباب الثورة" فقد برز إبان الثورة كأهم مجموعة شبابية وضم آنذاك ممثلين عن تيارات عدة مختلفة (بالإضافة إلى شباب 6 ابريل ضم الائتلاف ممثلين عن شباب جماعة الإخوان المسلمين وحزب الجبهة والحملة الشعبية لدعم البرادعي ومطالب التغيير ومجموعات أخرى).
ولكن دوره يبدو متراجعا في الآونة الأخيرة بعد أن تحققت معظم المطالب التي كانت تحظى بإجماع أثناء الثورة، وبعد أن مضت قياداته في مشاريع سياسية منفصلة.
الأحزاب والقوى السياسية تجمع على مكافحة آفة الفساد في مصر
وبعد تنحي مبارك بفترة وجيزة انضم الائتلاف بدوره إلى مجموعة أخرى من التكتلات التي لعبت دورا في تنظيم اعتصام ميدان التحرير ليشكلوا معا اللجنة التنسيقية لجماهير الثورة، والتي ضمت فضلا عن "الائتلاف" خمس مجموعات أخرى ، هي مجلس أمناء الثورة وتحالف ثوار مصر وائتلاف مصر الثورة وشباب 25 يناير والأكاديميين المستقلين.
وقد لعبت "اللجنة التنسيقية" دورا هاما في الفترة التي تلت تنحي مبارك، وذلك من خلال الدعوة للتظاهرات "المليونية" المختلفة أيام الجمعة وتنظيم تلك الاحتجاجات لوجيستيا، للضغط من أجل تحقيق مطالب مختلفة مثل إقالة حكومة الفريق أحمد شفيق وحل جهاز أمن الدولة ومحاكمة رموز النظام السابق.
إلا أن أعضاء "اللجنة التنسيقية" والذين كان للأخوان المسلمين حضور قوي بينهم، أنقسموا على أنفسهم عندما ظهرت دعوة للخروج في "جمعة الغضب الثانية" في السابع والعشرين من مايو/ أيار، والتي اتهمها الإخوان بأنها "جمعة الوقيعة بين الشعب والجيش".
وفي محاولة لخلق كيان جامع للقوى المختلفة دعا ممدوح حمزة وهو مهندس معماري مشهور وناشط سياسي إلي مؤتمر كبير حضره الكثير من النشطاء السياسيين والفقهاء القانونيين، وتأسس على أثره ما يعرف بـ المجلس الوطني. لكن غياب الاخوان المسلمين عن المؤتمر وعدم وجود هدف واضح "للمجلس الوطني" يضعفان موقفه.
أما الجمعية الوطنية للتغيير فقد تشكلت خلال العام الأخير لحكم مبارك وضمت عددا من السياسيين من مختلف الاتجاهات (حركة كفاية، حزب الجبهة الديمقراطية، الاخوان المسلمين وغيرهم) وتبنت ما عُرف بمطالب التغيير التي اقترحها الدكتور محمد البرادعي المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وأحد أشهر دعاة التغيير في مصر.
وبعد تنحي مبارك حاولت الجمعية الإبقاء على دورها كهيئة تجمع معظم أقطاب المعارضة سابقا، إلا أن بقاءها صار الآن مهددا بعد الانقسام العنيف داخلها حول ما يعرف بمعركة "الدستور أولا أم الانتخابات أولا".
تحالف الأحزابوفي المقابل، تشكل أخيرا ما يعرف بـ التحالف الوطني بدعوة حزب "الوفد" وحزب "الحرية والعدالة" التابع للاخوان المسلمين.
وضم "التحالف الوطني" في اجتماعه الثاني 18 حزبا تحاول تجاوز الخلاف حول ترتيب الانتخابات والدستور بالاتفاق على مجموعة من المبادئ التي ينبغي أن يشملها الدستور الجديد، على أن تتم صياغة الدستور بعد الانتخابات كما هو مقرر.
ويحاول "التحالف" كذلك أن يصل إلي صيغة توافقية لخوض الانتخابات بقائمة موحدة. إلا أن فرص "التحالف الوطني" في التحول إلى إطار جامع بالفعل لمختلف القوى السياسية تبقى رهنا بقدرته على جذب الأحزاب والقوى الجديدة التي برزت بعد الثورة (فهو حتى الآن يكاد يقتصر على القوى التقليدية الموجودة منذ عهد مبارك) ونجاحه في الإبقاء على وحدة الصف عند الانتقال من مناقشة المبادئ العامة إلي التفاصيل (وهو أمر لم يحدث بعد).
الوزن السياسيتبقى قوة هذه المجموعات المختلفة محل تخمين وتأويل. فمنذ الثورة لم تخض أي من القوى السياسية اختبارا انتخابيا يمكن أن نقيس من خلاله مدى شعبيتها أو قدرتها التنظيمية. ويبقى الاستفتاء على التعديلات الدستورية الذي جرى في التاسع عشر من مارس هو العملية الانتخابية الوحيدة التي شهدتها البلاد.
ورغم أن معظم القوى الاسلامية تبنت خيار التصويت بـ "نعم" في مقابل تبني معظم التيارات العلمانية للتصويت بـ "لا"، فإنه من الصعب استخدام نتيجة الاستفتاء (78% نعم، و22% لا) للحديث بثقة عن وزن كل من المعسكرين، حيث أن عوامل أخرى كثيرة غير العامل الديني يمكن أن تكون قد أثرت على اختيار الناخبين.
وفي غياب اختبار انتخابي يصلح لقياس قوة المجموعات السياسية المختلفة، يتم اللجوء إلى مؤشرات أخرى مثل حجم الاستجابة الجماهيرية للدعوات التي تطلقها هذه المجموعات.
ووفقا لهذا المؤشر، فإن التيارات الإسلامية تبدو في موقع قوي إذ أن مؤتمراتها الجماهيرية تشهد حشودا كبيرة (وصلت إلى ما يقرب من 50 ألفا في أحد المؤتمرات) ، وإن كانت القوى الأخرى تشير كذلك إلى المشاركة الشعبية الكبيرة في "جمعة الغضب الثانية" يوم السابع والعشرين من مايو/آيار الماضي رغم دعوة الاسلاميين إلى مقاطعتها.
كذلك فإن الاختلافات السياسية بين المجموعات المختلفة ليست واضحة. فهناك على الأقل خمسة أحزاب تصف نفسها بأنها أحزاب ليبرالية (الوفد، الغد، الجبهة الديمقراطية، المصريون الاحرار، مصر الحرة)، وسبعة أحزاب على الأقل تجنح إلى اليسار (التجمع، الناصري، الكرامة، بالإضافة إلى الحركات الأربعة المنضوية تحت ما يعرف "بجبهة القوى الاشتراكية")، وعدد من الأحزاب التي تقول إن لها مرجعية اسلامية (الحرية والعدالة التابع للاخوان المسلمين، وحزب الوسط، وحزب النهضة، وحزب النور).
ومع ذلك فإن هذه التقسيمات لا تنعكس على شكل التحالفات القائمة بين الحركات المختلفة، فنجد على سبيل المثال أن حزب "الوفد" الليبرالي وحزب "الحرية والعدالة" الاسلامي يدعوان معا إلى تأسيس "التحالف الوطني"، فيقاطع الدعوة حزب ليبرالي هو "المصريين الأحرار" ويلبيها حزب يساري هو "حزب التجمع".
وكثيرا ما يبدو التقارب أو الخلاف بين مجموعة وأخرى معتمدا لا على المعايير السياسية وإنما على الانسجام الشخصي بين القيادات. | |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق