جمال سلطان (المصريون) 30-06-2011 عندما يبحث المحققون عن خيوط تؤدي إلى المتهم الرئيسي في أي قضية فإنهم يبدأون الخط بالسؤال التقليدي : فتش عن المستفيد ، وأظن أن هذا السؤال النمطي والبديهي إذا استخدمناه في البحث عن المتهم الرئيسي في الأحداث التي شهدها ميدان التحرير منذ مساء الثلاثاء وحتى مساء الأربعاء من أعمال عنف مقنن واشتباك متعمد مع الشرطة ومحاولة لاقتحام وزارة الداخلية ، أظن أن بحثنا عن المستفيد يمكن أن يوصلنا بقدر من السهولة إلى المسؤولين عن هذه المؤامرة .
أول المستفيدين بطبيعة الحال هم توابع قيادات الحزب الوطني ورجالهم وحوارييهم وبلطجيتهم والدوائر التي كانت تتعيش على وجودهم في السلطة ، وهؤلاء يقدرون بالآلاف ، وخاصة الدوائر المتصلة بالقيادات المسجونة الآن أو التي تخضع للتحقيق ، والذين يقترب حبل الإدانة من رقابهم ليدمر مستقبلهم السياسي والمالي والاجتماعي معا ، يضاف إليهم عشرات الآلاف من أعضاء المجالس المحلية الذين ألقي بهم في الشارع بعد حكم المحكمة الإدارية بحل مجالسهم المزورة والفاسدة ، ومن المحال عقلا تصور أن رجال هؤلاء يمكن أن يتركوا أي فرصة لتفجير الأوضاع الأمنية أو إثارة الارتباك والفوضى في مصر إلا واقتنصوها ، والمؤكد أن أمثال هؤلاء كانوا شركاء مباشرين في معظم الأحداث التي مرت بمصر خاصة في منطقة ماسبيرو وميدان التحرير أكثر من مرة ، ثم ظهرت بشاعتهم بوضوح في أحداث التحرير أمس وأمس الأول ، لأن تحركاتهم والأدوات المستخدمة والأسلحة وغيرها كانت تنم عن ترتيبات معدة سلفا .
ثاني المستفيدين من تفجير الأحداث ، هم أسر وأصدقاء ضباط الشرطة المحالين إلى المحاكمة بتهمة قتل المتظاهرين ، وإذا تذكرنا الإحصائية الرسمية التي تقول أن قرابة ثلاثمائة وثمانين ضابطا ورجل شرطة متهمين بالقتل ، بعضهم متهم بالقتل الجماعي ، فإننا نكون أمام عدة آلاف أخرى من أسر هؤلاء الضباط وأصدقائهم والبلطجية الذين تربوا على أيديهم ويعشمونهم بدوام النفوذ والحماية إذا أفسدوا مسار الأحداث وأشاعوا الفوضى في البلاد ، وأخطر هؤلاء على الإطلاق أولئك الضباط الذين ما زالوا في الخدمة ، لأن أدوات التجنيد والتأثير والتوجيه التي تحت أيديهم أكثر خطورة ، وأنا أستبعد تماما تورط الشرطة كمؤسسة في تلك الأحداث ، ولكن المؤكد أن بعض الضباط المتورطين في قضايا القتل وتوابعهم وأنصارهم وأصدقاءهم في جهاز الشرطة متورطون في تلك الأحداث ، وإذا فقدت الداخلية السيطرة عليهم فسوف يسببون المزيد من المتاعب .
ثالث المستفيدين من تفجير تلك الأحداث الواضحة الافتعال هم بعض المجموعات الشبابية التي تحاول بكل تبجح احتكار شعار "الثورة" والمرتبطة برجال أعمال اقتحموا الحراك السياسي مؤخرا وهددوا علانية بإشعال الحرائق في البلد إذا استجابت الحكومة والمجلس العسكري لمطالب الشعب بإجراء الانتخابات البرلمانية في موعدها ، وإنجاز الدستور الجديد وفق الخريطة السياسية التي اختارها الشعب في استفتائه التاريخي 19 مارس ، وهذه المجموعات هم من المتطرفين سياسيا وأيديولوجيا ومنبوذين من قطاعات واسعة من شباب الثورة ، كما أن بعضهم يتحالف الآن علانية مع رجال أعمال مهيجين ومعادين لإرادة الشعب المصري ، وكثير منهم كانوا يمهدون لاحتجاجات واعتصامات في الأسبوع المقبل في ميدان التحرير ، وحمل خطابهم ملامح عنف واضحة ، بعضهم هدد بحمل السلاح ، وبعضهم أعلن أنهم لن يتركوا الميدان وسيعتصمون ويوقفون الحركة تماما حتى يتم إخضاع الوطن كله بجميع مؤسساته لآرائهم وأصواتهم ، وكان بعض الإعلاميين المرتبطين برجال الأعمال المشار إليهم والعاملين في قنواتهم الفضائية وصحفهم قد تقمصوا أدوار الزعامة أمس وحاولوا النفخ في الأحداث بإطلاق الأكاذيب والأحاديث المثيرة ، كنت ترى في ملامحهم وأصواتهم شهوة عارمة للعنف والإثارة والتحريض .
كان لافتا أمس أن بعض المتزعمين لتلك الأحداث طالب بإقالة وزير الداخلية ، وإقالة عصام شرف رئيس الوزراء ، جميل ، وهل إذا أتى "ممدوح حمزة" مثلا وزيرا للداخلية ، سيأخذ البلطجية بالأحضان عندما يحاولون اقتحام مقر الوزارة أم أنه سيلقي عليهم الزهور والياسمين ، والأهم من ذلك ، إذا كنتم ترون أن وزير الداخلية أو غيره في الوزارة الحالية هم من أذناب النظام السابق أو هم على دربه ، فلماذا تكرهون تفويض الشعب المصري باختيار حكومة وطنية من خلال انتخابات برلمانية حرة تأتي بوزير داخلية مدني وسياسي ووزراء أفرزهم الشعب نفسه واختارهم ، أليس مثيرا للدهشة أن المجلس العسكري يقول أنه سيترك الشعب يختار نوابه وحكومته بينما بعض أدعياء الثورة يقول له : لا ، لا نريد برلمانا ولا حكومة للشعب الآن ، أليس من الطبيعي أن يقول قائل : فلماذا تطالبون بتغيير وزير الداخلية أولا ، لماذا لا تتمسكون بشعار الدجل ، الدستور أولا ، ثم نبحث قضية وزير الداخلية والوزارة كلها بعد ذلك .
أمس كان لافتا للنظر أن المجلس العسكري والدكتور عصام شرف وقوى وطنية وسياسية عديدة تحدثت بلسان واحد عن "مؤامرة" مرتبطة ومعدة سلفا لإثارة الفوضى في مصر ، وهو اتهام جماعي عز حدوثه في الأشهر الأخيرة ، وهو يؤكد على قناعة تامة لدى القطاع الأوسع من المصريين ، شعبا وحكومة ، بأن ما حدث في ميدان التحرير مؤامرة تلاقت فيها مصالح عدة أطراف ، كلهم يهدفون لشيء واحد : قطع الطريق على مسار الديمقراطية بإثارة الفوضى والانفلات الأمني ، ومنع إنجاز برلمان وطني حر بدعوى أن الأمن غير مستقر وغير قادر على السيطرة ، وبالتالي إفشال فرصة تشكيل أول حكومة وطنية شعبية مستقلة ، والمؤكد أن الذين يراهنون على إعادة عجلة مصر إلى الوراء واهمون ، والذين يتصورون أنهم يمكنهم استغفال الشعب المصري بحديث مختلق عن ثورة جديدة واهمون ، مصر ثارت وانتصرت في ثورتها الحقيقية ، والشعب المصري المنتصر اختار طريقه ، والغالبية الساحقة من المصريين مصرة على استكمال انتصار الثورة بإكمال المشروع الديمقراطي وولادة دولة مصرية حرة وحديثة ، وسوف تفشل كل هذه المؤامرات الصغيرة والرخيصة ، ولن تفلح في وقف المسار . | |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق