د. أشرف سالم (المصريون) 05-07-2011 سبحانك يا ربي .. مال هذا الكتاب لا يغادر كبيرة ولا صغيرة إلا أحصاها؟! .. يحدثنا القرآن الكريم عن أئمة الكفر {فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ - التوبة12}، لنعلم أنهم رأس الأفعى التي لا بد من قطعها لحماية البشر من سمومها، ويحدثنا في موضع آخر عن أكابر المجرمين {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ - الأنعام 123}، لنعلم أن الإجرام لا يقتصر على هؤلاء الأكابر، وإن كانوا هم رموز الإجرام وقادته وموجهوه ومخططوه.
في مصر الثورة يقبع الآن خلف القضبان عدد من أكابر المجرمين، الذين أصدروا أوامر قتل الثوار وتعذيب الأحرار والتنكيل بالمعارضين وتزوير إرادة الشعب، وهم بلا شك يستحقون أقصى درجات العقاب بما فعلوه في شعبنا من نهب للأموال وسفك للدماء وهتك للأعراض، ولكن لا واحد من هؤلاء أطلقت يده رصاصة على مواطن، أو عذبت ذراعه مواطن، أو صفعت كفه وجه حر كريم، إنما فعل تلك الفظائع الشنيعة أصاغر المجرمين، عندما كان الأكابر يجلسون في مكاتبهم المكيفة ويصدرون الأوامر لأولئك الأصاغر.
لقد أنستنا غمرة فرحتنا بحبس ومحاكمة أكابر المجرمين، أن أصاغرهم لا يزالون أحرارًا يعيثون في بلادنا فسادًا، وأن وجودهم بيننا أحرار مطلقين الحرية واليد هو السبب في استمرار وقوع أحداث تتناقض مع التغيير الذي أحدثته الثورة المبهرة في بلادنا، كحادث قسم الأزبكية وحادث الناشطة سلمى وغيرها، وهذا ما تنبه له أستاذنا الكبير فهمي هويدي في مقاله "أيادٍ خفية في الداخلية"، وهؤلاء الأصاغر ربما يظنون الآن أنهم في منجً من الحساب والعقاب بعد أن زُجَّ بأكابرهم في السجون، وخاصة أنهم مجهولون لا نعرف أسماءهم ويصعب أن نستدل عليهم، وهذه مأساة لأنها بمثابة إطلاق ذئاب مسعورة وموتورة في مجتمع يتطلع للأمن والأمان.
لقد أثلج صدور الشعب الحكم الصادر بإعدام المجرم الفاجر "محمد السني" (أمين) الشرطة الذي قتل ثمانية عشر شهيدا طاهرًا أثناء أحداث الثورة، ولكن ينتقص من فرحتنا أن الحكم غيابي وأن المجرم حر طليق يخرج لنا لسانه في البرامج الفضائية ليصرح بدون أي ندم بأنه كان ينفذ الأوامر، ولدينا ألف سني نرى أفعالهم الشيطانية المشينة فنموت كمدًا على فرارهم من الحساب والعقاب، أين المخبرون الذين رأيناهم يجرجرون رجلا فاضلاً كالأستاذ محمد عبد القدوس في إحدى مظاهرات حركة كفاية؟، أين البلطجية الذين كانوا يتمركزون على أسطح العمارات بميدان التحرير ويلقون الأحجار على الثوار؟، أين الضباط والجنود الذين كانوا يسحلون عمال المحلة في مظاهرات 2008؟، كل هؤلاء مغفول عنهم، ولأنهم يتحسبون لاحتمال المحاسبة يعيثون تخريبًا وإفسادًا مثلما وقع في ليلة مسرح البالون، ومن هنا تكمن أهمية وضرورة تقصي وتعقب وإيقاع الحساب والعقاب بمن مارس هذه الأفعال الحقيرة بصورة مباشرة قبل الثورة أو بعدها، سواء كانوا مخبرين أو بلطجية، ولا يقبل منهم أبدا دعاوى: "أنا عبد المأمور، وأنا أصلا معرفش ده مين، كنت بنفذ أوامر". فالتساهل مع هؤلاء الأذناب معناه رضانا بشريعة الغاب.
وحتى لا نكون أسرى العموميات أريد أن أشير هنا إلى بعض الأصناف من "أصاغر المجرمين"، منبهًا إلى أن التعميم في الأحكام غالبًا ما يجانب الدقة والموضوعية، لذا فإننا إنما نتكلم على الغالب الذي لا يخلو من استثناءات ولو ندرت.
طبقة أمناء (خوناء) الشرطة مجموعة عارية من المواهب متدنية الثقافة متهافتة القيم والأخلاق، قذف بهم إلى تلك الوظيفة تدني تقديراتهم في مؤهلاتهم العلمية المتوسطة، وضعف قدراتهم التي تمكنهم من شغل عمل يفيدهم ويفيد المجتمع، هؤلاء الخوناء استشرى فسادهم بعد أن أوكل إليهم الضباط جل الأعمال في الأقسام كبرًا وكسلاً وتفرغًا لجني المكاسب والأرباح التي وفرتها لهم مواقعهم في عصر الفساد والاستبداد، فعظمت سطوة هؤلاء الخوناء، فمارسوا التخويف والإرهاب والإرعاب وفرضوا على البسطاء الرشاوى والأتاوات، ولم يردعهم رادع عن انتهاك الأعراض والتستر على مافيات الجرائم بشتى أنواعها، ومن منا ينسى نموذج "حاتم" في آخر أفلام الراحل يوسف شاهين (هي فوضى)، الذي شارك في إخراجه خالد يوسف أحد رموز ثورة يناير.
ضباط الشرطة نعلم جميعًا معايير اختيارهم، والطرق التي كانت توصلهم إلى كلية الشرطة في العهد البائد عندما كانت تسعيرة الرشوة للالتحاق بكلية الشرطة هي الثانية في قائمة أسعار الرشاوى بعد تسعيرة الالتحاق بمجالس الشعب المزورة، كلنا يعرف موقف هؤلاء الضباط من حقوق الإنسان التي كانت تدرس لهم في الكلية كمقرر دراسي، ثم يُنصحون بأن يتناسوها بعد الامتحان، كانوا يُحقنون بإكسير العظمة والغطرسة، حتى قال قائلهم عن الشعب: "هؤلاء كلاب وإحنا أسيادهم"، ولم يقتصر هذا المفهوم (الذي يسكنهم) على القول بل كلنا عايشناه أفعالاً في تعاملاتنا مع هؤلاء الأباطرة في شتى المواقع، فغربلة هذه الطبقة وإعادة تأهيل الصالح منها للبقاء من أهم مقومات الحياة الكريمة التي قامت الثورة من أجلها.
أما المخبرون فهم القاعدة التي ليست فيها استثناءات؛ حيث الشواذ هم القاعدة، ثلة اجتمعت فيها مجموعة صفات يندر أن تجتمع في إنسان أو حتى حيوان، ولكن ربما في بعض الحشرات الدنيئة، الغباء والجهل؛ الكذب والنفاق؛ الحقد والغل؛ استحلال الحرام بل التلذذ به؛ دنو الهمة وغياب المروءة وقسوة القلب؛ المسارعة إلى البطش والعزوف عن الرفق، لا رأفة ولا رحمة، لا شرف ولا أمانة؛ لا عفة ولا كرامة؛ لا أخلاق ولا ثقافة؛ لا عقل ولا فهم، فهؤلاء هم أصاغر الأصاغر، لذا فإن أبقينا عليهم فلا تنتظروا إلا أكبر الكبائر. | |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق