هناك عدة حقائق:
1-الاستفتاء على تعديل الدستور شهد أكبر مشاركة فى تاريخ مصر.
2-المشاركة الشعبية الواسعة خطوة مهمة جدا على طريق الديمقراطية.
3-الاستفتاء لم يشهد تزويرا للإرادة الشعبية (باستثناء حالات متفرقة لا تؤثر فى النتيجة النهائية)، والقوى السياسية المختلفة أتيحت لها الفرصة لعرض رأيها فى وسائل الإعلام المختلفة، (بما فيها تلفزيون الدولة والصحف القومية).
4-مؤيدو "نعم" ليسوا بالضرورة إخوان أو سلفيين أو فلول. وكل منا يعرف مجموعة من أصدقائه وأقاربه ومعارفه أيدوا "نعم" لأسباب أخرى لا تخلو إطلاقا من المنطق. (إنهاء الوجود العسكرى، إنشاء مؤسسات منتخبة بدلا من المعينة، الخروج من مأزق "تعيين" لجنة تأسيس دستور أو "الطرق المعقدة" فى انتخاب هكذا لجنة... إلخ.).
5-الخلاف بين فريق نعم وفريق لا لم يكن خلافا على إنهاء حالة الطوارئ (والوجود العسكرى) ووضع دستور جديد للبلاد، بل خلافا "فنيا" (بحد تعبير ابراهيم عيسى) حول الطريقة المثلى لتحقيق الأهداف السابقة المتفق عليها.
6-الوضع الحالى قد لا يروق لخطط وأفكار فريق "لا"، لكنه ليس وضعا كارثيا.
7-الفرصة متاحة (وإن كان الوقت ضيق) لعقد تحالفات بين القوى السياسية (الأحزاب، الاخوان، ائتلاف الثورة، المستقلين) للتنسيق من أجل مجلس شعب متوازن. (لاحظ أن الإخوان أعلنوا استهداف 30% فقط من المقاعد، وأن المستقلين الذين كان بعضهم ينضم للحزب الوطني كى تتاح لهم مزيد من الإمكانيات وحرية التحرك ليسوا جميعا خونة بالضرورة، بل أن نواب الوطني أنفسهم ليسوا خونة بالضرورة، ولا ننسى أن عصام شرف رئيس الوزراء الذى اختاره الائتلاف كان عضوا في الحزب الوطني ووزيرا فى حكومة من حكوماته).
8-مجلس الشعب الجديد أيا كانت تركيبته لن يصيغ دستورا ضد الإرادة الشعبية، أو ينقلب على مكتسبات الثورة. (لا أحد يتوقع أن يشمل الدستور الجديد فتح مدد الرئاسة مدى الحياة، أو إعادة المدة إلى 6 سنوات، أو مواد تقيد الانتخابات الحرة، أو مواد تبقي على صلاحيات الرئيس، أو تقيد الإعلام، أو تقيد القضاء، أو تطلق اليد لإعلان الطوارئ، أو تقيد إنشاء الأحزاب، أو تعزز الدولة البوليسية)، حتى لو كان الإخوان هم الجماعة الأكثر تنظيما فى البرلمان الذي سينتخب اللجنة التي سوف تصيغ الدستور(لن يأتى الإخوان بدستور ينص على أن نظام الحكم بالخلافة الإسلامية أو أن الخارجين عن الحاكم يعاملون معاملة المفسدين فى الأرض فتقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف)، ومن يعتقد بغير ذلك فهو- أعتذر- لم يفهم الثورة ولا هيكل القوى فى مصر.
9-طريق الديمقراطية (المثالية المنشودة كما كان يطلبها أصحاب "لا") طويل. طريق الديمقراطية طويل. طريق الديمقراطية طويل (كررت العبارة 3 مرات لأن الكثيرين يرددونها لكنهم يمرون عليها مرور الكرام)، لا يتم في يوم وليلة، أو فى شهر أو سنة أو فترة رئاسية، لكنه يحتاج إلى عمل متواصل ودؤوب، يقدر عليه بعض الأفراد فى المجتمع، ويعجز عنه البعض الآخر.
10-استخدام الدين فى السياسة من أمراض المجتمع. لو كانت نتيجة الاستفتاء هى الرفض، والشروع فى انتخاب جمعية تأسيسية، لواجهنا نفس المشكلة فى اختيار الشخصيات بالانتخاب المباشر.
ثم أما بعد:
التشاؤم صفة لا يمكن أن تتماشى مع السياسة. (السياسى، حتى فى أكثر البلاد قمعا وفى أكثر حركات المعارضة ضعفا وهزالا يقول: سوف ننتصر، ولا يمكن أن يقول: لقد انهزمنا، البلد ضاعت خلاص! وإلا فليفسح الطريق لغيره).
وعلى ذلك: أدعو أصدقائى من المتشائمين المحبطين المكسّرين للمجاديف المصدّرين للطاقات السلبية الشكّائين البكّائين المنكسرين الكاسرين محطِّمى العزائم ومثبّطى الهمم ومروّجي اليأس والقنوط ومبتكرى "ستيتاس" و"كومّينت " الهم والغم والنحيب والعويل، إلى إدراك أنهم –مثلى ربما- ليسوا مؤهلين للسياسة، والانسحاب من الساحة، والاكتفاء بدعم الناشطين المتحمسين الواعين الواقعيين المستعدين للعمل والحركة الذين لا تحبطهم خسارة جولة ولا تكسر عزيمتهم ضربة، والوقوف وراءهم، بلا صراخ أو عويل.
والله الموفق والمستعان...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق