جاء "باتريوت" إلى تركيا ليبقي الشرق تحت
"لعنة صراع الكبار"
في ظل التوتر الذي يخيم على الأراضي الفلسطينية مهدداً باشتعال حرب جديدة تزهق أرواح المزيد من الفلسطينيين وتنتهك ما تبقى لهم من حقوق، ومع استمرار العنف في سورية، وبالتزامن مع بقاء أزمة الملف النووي الإيراني معلقة دون أن يسقط خيار الذهاب إلى حلها بالطرق العسكرية مع ما سيحمله هذا الحل من قتل ودمار للعالم العربي.
كتب طه عبد الواحد
ها هي تركيا ومن خلفها الناتو والولايات المتحدة يذهبون نحو مؤشر تصعيدي خطير في المنطقة عبر الإعلان عن طلب تركي بنشر منظومة صواريخ باتريوت على الحدود مع سورية، الأمر الذي ربما شكل أحد الأسباب الحقيقية غير المعلنة لتوجه قطع بحرية روسية من جديد إلى منطقة شرق المتوسط، بموازاة تحذيرات روسية من مغبة إقدام الناتو على تلبية الطلب التركي.
إن نشر صواريخ باتريوت على الحدود التركية مع سورية خطوة لا تدعو للاطمئنان، حتى وإن كانت هذه المنظومة الصاروخية ذات طابع دفاعي فإنها تحمل في طياتها ما يخيف ويدعو للقلق ويتوعد بحرب أو مواجهة جديدة في المنطقة تقلبها رأساً على عقب.
والسؤال الذي يتبادر إلى ذهن المراقبين لتطورات المشهد في سورية ومن حولها، كما في ملفات ساخنة أخرى في المنطقة: ما هي حاجة تركيا بمنظومة صاروخية دفاعية هي في الواقع جزء أولي من أجزاء أو مكونات المرحلة الأولى من الدرع الصاروخية الأميركية، طالما لا يوجد أي تهديد صاروخي، أو غيره من أنواع التهديد، لا من جانب سورية أو أية دولة أخرى مجاورة لتركيا؟ ألا تأتي هذه الخطوة الدفاعية ضمن معادلة امتلاك الدفاعات الضرورية حاجة موضوعية لتأمين القدرة الهجومية؟ وليس بالضرورة أن يكون الهجوم الذي يتطلب قوة دفاعية عسكري ومباشر فقد يكون على شكل مواقف سياسية وتصعيد عسكري في المنطقة بصورة غير مباشرة، تخشى أنقرة من الرد عليه لذلك قررت تحصين نفسها أولاً.
من هنا جاء الموقف الروسي وتحذير الخارجية الروسية لأنقرة من مغبة القيام بهذا العمل، ذلك أن روسيا تدرك أن مثل هذه الخطوة لن تساهم بدفع الأمور نحو الاستقرار بل ستزيد من حدة التوتر في منطقة لا يخلو متر مربع فيها من النيران أساساً.
فبالنسبة لما يجري في سورية قد تقرأ الخطوة التركية على أنها تمهيد لتدخل من نوع جديد في الحدث السوري قد يكون بإعلان مناطق حظر جوي دون العودة إلى مجلس الأمن، أي خارج إطار الشرعية الدولية، وبذريعة أن التوتر في المناطق الحدودية يهدد أمن تركيا أو أي ذريعة أخرى قد يجد فيها الناتو مبرراً لاتخاذ خطوات معينة، أحادية، تجاه الأزمة السورية، وما يعزز مثل هذا الاعتقاد إعلان الإدارة الأميركية على لسان مارك تونر، الناطق الرسمي باسم الخارجية الأميركية، عن دعم بلاده للطلب التركي وتأكيداته بأن بلاده الولايات المتحدة "تتعامل بجدية مع أمن حليفتها في الناتو-تركيا".
من جانب آخر هناك إيران وأزمة ملفها النووي، والتي يتفق أصحاب الراي على أن قوتها العسكري بشكل عام، والصاروخية على وجه الخصوص، تشكل عائقاً حقيقياً أمام أي مغامرة عسكرية غربية لحل أزمة الملف النووي الإيراني. من هنا فإن كثيرين يرون في الطلب التركي بنشر الناتو منظومة باتريوت على الحدود السورية خطوة بأهداف بعيدة وفي مقدمتها تأمين الحد الأقصى الممكن من الحماية لتركيا في حال قرر الغرب توجيه ضربة ضد إيران.
روسيا التي يشكل العالم العربي أوسع مدى جغرافي منفتح على الأجزاء الجنوبية منها، تراقب هذه التطورات بحذر وتحاول إرسال رسائل تحذيرية، قد يكون دخول مجموعة سفن روسية إلى شرق المتوسط واحدة منها، وهي تعمل في آن واحد على الجبهة الدبلوماسية سعياً لإقناع الأتراك بخطورة خطوة تصعيدية عبر نشر منظومة باتريوت في المنطقة، ذلك أن مثل هذا العمل قد يتسبب بإحداث خلل مؤقت في موازين القوى في المنطقة ولن تكون مثل هذه النتيجة لصالح الاستقرار والأمن فيها بل على العكس.
بغض النظر عن الأهداف الحقيقية التي تقف وراء الطلب التركي بنشر صواريخ باتريوت على الحدود مع سورية، فإن هذه الخطوة قد تؤدي إلى إشعال المزيد من النيران في المنطقة، وهو ما يتعارض أساساً مع مصلحة تركيا كدولة مجاورة للعالم العربي وتتأثر بما يجري فيه من مستجدات بصورة مباشرة وليس بسبب التجاور الجغرافي فحسب بل وبالنظر إلى الترابط الديني الثقافي والسياسي وحتى الاجتماعي بينها وبين الدول العربية عبر التاريخ. وإذا ما استدعى نشر الناتو لصواريخ باتريوت تحركاً عسكرياً روسياً وقائياً فإن هذا سيعني عودة الأمور وبصورة نهائية إلى حقبة الحرب الباردة، وإبقاء الشرق الأوسط والعالم العربي ساحة تصفية حسابات بين القوى الكبرى. فإلى متى سيبقى أبناء الشرق الأوسط والعرب أدوات بأيدي لاعبين خارجيين يجسدون بسياساتهم اللعنة – لعنة صراع الكبار-
التي حلت على المنطقة؟؟
(المقالة يعبر عن رأي كاتبه)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق