"زيدان" فى خمس رسائل لـ"مرسى": لا تعلّق برقبتك دماً لن تف بديّته
السبت، 1 ديسمبر 2012 - 11:49
الدكتور يوسف زيدان
كتب بلال رمضان
وقال "زيدان" فى رسالته الأولى: يا رئيسَ مصرَ المنتخبِ أكتبُ إليك بيدٍ ترتعدُ خوفاً على مصر وأهلها، ولست بواثقٍ من أن رسائلى سوف تصلك أو تصل إليها، وما ذاك بمانعى عن أداء الواجب ومن ثَمّ أقول: أعرف أنك مُتفقّهٌ، وتعلم عن أمور الدين الشىء الكثير. طيب، ألم يتفق علماء الدين الكبار منهم والصغار، على مبدأ أساسى فى "أصول الفقه" يقول ما نصّه: درءُ المفاسد أَولى من جلب المنافع، فلنفترض أن إعلانك الدستورى ومُسوَّدة الدستور المضطرب، فيهما منافع للناس ولو بعد حين، لكنهما جلبا الآن المفاسد المُنذرة بالتفاقم فى أنحاء البلاد، ألا يدعوك ذلك لإعمال المبدأ الشرعى المُشار إليه، وترجّح "الآن" و"فوراً" درءَ المفسدة على جلبِ المنفعة؟.
وأضاف: يا رئيس الجمهورية، لا تفكّر فى الدنيا وأهلها، فسوف نُفارقها جميعاً بعد حينٍ ونقف بين يدىّ الجبارِ، شديدِ المِحال، ونُحاسب وقد ورد فى الحديث الشريف: حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا عليها.
وقال فى رسالته الثانية: يا رئيسَ مصرَ المنتخب، فى لغتنا العربية التى أظنُّ أنك تُحبُّها، لفظةٌ خطيرةٌ هى "التفاقم" ولا يغيب عن فطنتك وأنت أستاذ الهندسة، مفهوم "الكتلة الحرجة" وإنى أرى فى عتمة الليل أموراً تُدبّر، وما أظنُّها خافيةً عليك، فما قعودك عن إدراك الناس وقد بدأ سيلان الدماء على الأسفلت، وتهيّأت الأسبابُ المُوردة إلى هاويةٍ لا قرارَ لقَعرها، وكلمة "التفاقم" خطيرةٌ، لأن ما يجوز قبلها ويحفظ أحوال البلاد والعباد، لن يجدى بعدها. فلندع المكابرة جانباً، فلا عاصم من أمر الله بعد التفاقم. والله تعالى، لا يعرف القبح ولا يفعله (على قول المعتزلة) وهو تعالى لا يأمر إلا بالخير - على قول الجمهور- فلا تعلّق برقبتك دماً لست بقادرٍ على الوفاء بديّته، ودعنا نقول معاً ما قاله القرآن "لن يُجيرنى من الله أحدٌ".
أما عن رسالته الثالثة فقال فيها يا رئيسَ مصرَ المنتخب، تعرف أن النبى الذى لا ينطق عن الهوى، قال "المؤمن كيّسٌ فَطِنٌ" ودعنا الآن من أىّ مُتنطّعٍ قد ينتقد هذا الحديث روايةً أو دِرايةً، فهذا ليس وقت التنطع والحديث على كل حال مشهورٌ متداولٌ، وعليه أقول: إن كان مقصدك هو إعلاء الشرع وحفظ البلاد - وأتمنّى ذلك لك - فقد طاش سهمك هذه المرة ولن يتمّ ما أردته بما فعلته، فعُد عنه فوراً حقناً للدماء، لأن الشرع لا يقوم فى خضم الفوضى التى تدقّ أبوابنا، وإن كان مقصدك ترسيخ الحكم لجماعة الإخوان - ولا أتمنّى ذلك لك - فاعلم أن جماعتك سعت للسلطة طيلة ثمانين عاماً، ولن يضيرها أن تتوسّل السبل لإقرار السلطة بيدها فى أعوام ثمانية، فترفّق فى الأمر مهما كان مقصدك، واعلم أننى ناصحٌ لك لا يبغى منك جزاءً ولا يخاف من عقابك، فقد حرّرنى الله من انتظار الثواب واتّقاء العقاب.
وفى الرابعة قال: يا رئيسَ مصرَ المُنتخب، قد قتلَ المسلم أخاه وقتل المصرىُّ للمصرىَّ، والحال يُنذر بالمزيد. ولا يخفى عليك أن شباب الإخوان الذين هم وقودُ حربك مع مخالفيك، الكثيرين، هم فى نهاية المطاف مصريون. ودماؤهم، والدماء التى قد يسيلونها، كلها مصريةٌ وأغلبها مسلمٌ، ولا مسوِّغ لإهدارها من أجل مزيد من السلطة. وكل سُلطةٍ إلى زوالٍ، لا محالة، وإنك ميّتٌ وهم ميّتون - كما ورد فى آى القرآن الكريم - وعند سيلان دماء المهتاجين، لن يجدى من بعد ذلك كلامٌ، ولن تُقبل حُججٌ. فالدمُ لا يستجلب إلا الدم، والعنفُ لا يولّد إلا عنفاً. ولن يكون بأيدينا بعد وقوع الواقعة ما يدفعها، لن يكون لها دافعٌ بيدى ولا بيدك ولا بيد المرشد العام - على جلال قدركما - ولن يبقى لنا جميعاً إلا الأسى على ما فات، والندم، والحزن الشفيف على ما هو قائم. فأدرك الناس، رحمك الله ورحمنا معك، واعلم أن عواصمك غير عاصمة لك، ولا لنا، والعواقب الوخيمة عليك وعلينا. وما نحنُ بأعداءٍ، بل إخوةٌ دمُ بعضهم على بعض حرام.
وختم رسائله قائلاً: يا رئيس مصر المنتخب، هب أن لك مؤيّدين وشركاءً قادرين على حَشدهم. ماذا بعد؟، مهما كثُر مؤيدوك فإن مُعارضيك أيضاً كثيرون، وما علينا الآن من الزعم بأن أولئك أكثر من هؤلاء، فهذا قياسٌ سقيم. وهذه الخلافات ليست حملةً لجهادٍ مقدّس، وإنما هو اختلافٌ سياسىٌّ. والسياسة أخسُّ من أن يموت الناس من أجلها. ولا يحق لمسلمٍ ولا لأى عاقلٍ أن يغترّ بكثرة الأتباع، فقد أهلك الله مَن كانوا أكثر أتباعاً وأعزّ نفراً. الوقتُ تأخّر، وظلالُ المساء امتدّت…"الويلُ لنا، لأن ظلالَ المساء امتدّت.. وما عاد الإرجاءُ يُجدى. فقد حدّقتُ فى اسوداد السماء، فرأيتُ أنه سيكون قتلٌ، ويكون هتكٌ، ويكون فتكٌ، ويكون سفكٌ.."يستعجلُ بها الذين لا يؤمنون بها، والذين آمنوا مشفقون منها، ويعلمون أنها الحق" فإنا لله وإنا إليه راجعون.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق