تحدّت فؤادة عتريس ، وفتحت بشجاعة الهويس ، وارتوت الأرض الشراقي ، ووجد الفلاحون أنفسهم من جديد وسط الحقول يروون ويزرعون بعد أن كانت الزراعة لحساب عتريس وحده .
سقط الخوف ، وتشجع الفقراء البسطاء ، ورفضوا زيجة فؤادة من عتريس التي جاءت قسرا وكرها ، وتقدموا من وراء فؤادة ليهتفوا " الجوازة باطلة " ، أو يصفوا الزواج ب " الباطل " ، وليؤكدوا أن عتريس خالف الشرع والعرف والمروءة ، واستطاع بالقوة والذراع والأتباع أن يسيطر على البلد ومن فيها ، وأن يكون هو القانون والعرف والأخلاق ..
بيد أن الفلاحين الفقراء البسطاء استطاعوا أن يحرروا فؤادة ، بل يحرروا القرية كلها من عتريس ، بعد أن أحرقوا قصره ، وتخلى عنه أعوانه ، وهرب أنصاره وخدامه ..
استطاع الشيخ إبراهيم والد فؤادة أن يرفع رأسه وسط أقاربه وأهل القرية ، وعادت الأصول لتكون أساس العلاقات بين الناس ، واستعاد الفلاحون طبيعتهم الإنسانية ، وروحهم الريفية .
رحم الله ثروت أباظة صاحب رواية " شيء من الخوف " ، فقد صاغ حكاية رمزية تتناقلها الأجيال تعبيرا عن الشجاعة التي تسقط الجبروت ، وعن العزة التي تنشق عن الضعف فتقلب الأمور ، بل تعدلها لتستقيم على الطريق الصواب .
لا أعرف الفتاة التي بدأت على الفيس بوك الدعوة إلى الاحتجاج قبل أسابيع ، ولكني سعيد لأنها أعادت فؤادة إلى أرض الواقع ، وحركت الجموع المليونية لتخرج في طول البلاد وعرضها ، لتفتح الهويس ، وتنتزع الحرية وتحاسب العتاريس – وما أكثرهم – على ما اقترفوه من زواج باطل قام على القسر والإكراه ، والكذب والنفاق ، والتدليس والتضليل .
العتارسة اليوم يريدون التفاوض على الهويس ، بعد أن احتقروا الشعب طويلا ، وسخروا منه ومن دعوته إلى الحوار ، وتركوه " يتسلى " و " يخبط رأسه في الحيط ".. إنهم الآن يريدون الاستيلاء على كل شيء ، وإرضاء فؤادة وخداعها بكلام لا يسمن ولا يغني من جوع ، وتحويل القضايا الأساسية إلى هامشيات ليبقى الوضع كما هو ، ولينعم العتارسة بالامتيازات التي اغتصبوها وحازوها دون سند من حق أو مسوغ من جهد أو سبب من جهاد !
إن العتارسة أذكياء ، ولذا يستخدمون " عبده مشتاق " صاحب الحزب الورقي ، أو التاريخ النفاقي ، أو ركوب الموجة ليبيع فؤادة وأهلها وشعبها بثمن بخس دراهم معدودة ، ويجهض الثورة ، ويتيح للعتارسة فرصة الانتقام الخسيس بعد أن تهدأ العاصفة ، وتسكن الثورة !
أظن أن فؤادة لن تقبل بالخديعة ، لأنها تتذكر جيدا أن دماء الشهداء لم تجف ، وأن القتلة مازالوا يدهسون بسياراتهم وجِمَالهم وخيولهم وعصاباتهم وقنابل المولوتوف ؛ الأبرياء الشرفاء دون ذنب أو جريرة إلا إنهم أرادوا فتح الهويس ، وري أراضيهم التي قتلها الجفاف ، وجني الثمار القليلة مثل بقية خلق الله .
التفاوض على الهويس خديعة كبرى يجب أن يترفع عن المشاركة فيها بعض من يرفعون راية النضال المزيف والكفاح الحنجوري ، لأن المسألة ليست بالبساطة التي يتصورها العتارسة ، فهناك دماء غالية أريقت ، وأموال شعب نهبت ، وكرامة وطن تم سحقها بلا رحمة ولا هوادة ، وبقاء العتارسة سيكون دليل إدانة للشعب ، وعلامة على سذاجته وهبله.. وشعبنا ليس ساذجا أو أهبل . هو صبور ومتسامح وحمول ، ولكنه لا يباع في سوق الخديعة مجانا !
إن فؤادة تنتظر شيئا واحدا بسيطا هو رحيل العتارسة بكل ما يمثلونه من غطرسة وقسوة وصلف وطغيان وجور وظلم ونفاق وكذب وتدليس وتضليل ، وبعد ذلك تقوم بترتيب بيتها من الداخل ، فتلغي المجالس المزورة ، والمسئولين اللصوص ، والدستور الذي تم تفصيله على جسم العتارسة ، والقوانين التي صيغت ليسرق اللصوص وينهبون دون محاسبة أو مساءلة ، وتقيد الشرفاء والأبرياء وتضعهم تحت مقصلة القضاء الاستثنائي ، والأجهزة التي تخصصت في قمع الشرفاء الذين يقولون ربنا الله ، وفتح سلخانات التعذيب في الغرف المظلمة البعيدة عن القانون والأخلاق والمروءة.
فؤادة لن تتعب ، ولن تمل ، ولن تشكو قلة الماء والزاد ، ولكنها لن تستسلم تحت أية ذريعة من الذرائع التي يطلقها العتارسه والمنافقون من عينة عبده مشتاق وأمثاله ..لأن " الجوازة باطلة " !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق