لا أظن أحدا فهم شيئا مما جرى ليلة أمس في القاهرة ، المجلس الأعلى للقوات المسلحة يجتمع بغياب مبارك ويعلن أنه في حال انعقاد دائم لمتابعة الأحداث ودعم المطالب المشروعة للشعب المصري وتصريحات كبار المسؤولين في مصر تتواتر بأن الرئيس قد يتنحى الليلة وعشرات التحليلات التي شدت قنوات العالم إلى الحدث الخطير المتوقع في مصر ، ثم ينتهي الأمر إلى خطاب هزيل من مبارك لا جديد فيه يذكر سوى أنه فوض نائبه عمر سليمان ببعض صلاحياته ، فهل كان هذا القرار يستدعي كل هذا السيناريو الضخم ، أم أن هناك صراع سلطة كما يقولون .
تكلم مبارك عن تعازيه لأسر شهداء الانتفاضة وأنه سيحاسب كل من تسبب في ذلك ، رغم أنه هو صاحب القرار بسحق المظاهرات وهو المتهم الأول في جوهر الأمر بقتل هؤلاء ، لأن وزير داخليته الذي يتم التحقيق معه الآن ينفذ الأوامر ، كما أن مبارك هو الذي كرم حبيب العادلي قبل يومين فقط من الانتفاضة وتحديدا يوم 23 يناير وأسبغ عليه إنعاماته وأشاد به وبرجاله الذين حرقوا البلد بعد يومين فقط ، أي أن مبارك شريك كامل في حرق مصر ، كما أن مبارك بكل تأكيد شريك كامل في تزوير إرادة الأمة ، وليس أحمد عز إلا منفذ لإرادة الرئيس ، وعندما تكلم مبارك عقب الانتخابات في البرلمان دافع عن العملية الانتخابية وعن النتائج واعتبر أن الأخطاء "القليلة" التي شابتها لا تخدش نزاهتها وهو ما يعني دعمه الكامل لأبشع أنواع التزوير التي عرفتها مصر ، فإذا كان هناك من يحقق مع عز لإفساد الحياة السياسية فإن الأولى أن يتم التحقيق مع مبارك نفسه ، لأنه هو الذي طلب من عز فعل ذلك ، ثم بارك أفعاله واستحسنها بعد ذلك وأسبغ عليها الشرعية الكاملة .
والحقيقة أن أحدا في العالم لا يصدق أن هناك رئيسا أو حاكما انعدم إحساسه بالمسؤولية تجاه شعبه إلى هذا الحد ، ويتمسك بالسلطة بهذا الشكل المرضي حتى لو أدى إلى خراب وطنه كله ودخوله إلى شفير حرب أهلية ، مبارك بخطابه أمس كأنه يورط المؤسسة العسكرية بوضعها أمام نيران يتعمد تأجيجها واستثارة الملايين بها ، وبالتالي فالجيش إما أن يتصدى لهذا الطوفان البشري ويحول شوارع مصر إلى حمامات دم ، وإما أن تجتاج الجماهير مؤسسات الدولة بالكامل وتفرض واقعا جديدا ودولة جديدة ، فهل سيقبل الجيش بهذا التوريط العمدي ، أم يسارع باتخاذ قراره المنتظر بإنقاذ مصر من رعونة رئيسها وتعريضه الأمن القومي لخطر لم يسبق له مثيل .
لقد أعلن الجيش انحيازه للشعب ومطالبه المشروعة ، ومجرد إقرار الجيش بأن مطالب الشعب مشروعة فهو إقرار ضمني بإدانة الرئيس ، واعتراف بأن الرئيس لم يكن على قدر المسؤولية خلال الثلاثين عاما التي أدار فيها البلاد وأنه متهم بكل ما طالب الشعب بتصحيحه ، من الفساد والقمع والقتل خارج إطار القانون ونهب المال العام وإهانة الدستور وتزوير إرادة الأمة والتنكر للمبادئ الديمقراطية وغيرها من لائحة الاتهام "المشروعة" التي قدمتها ثورة الشعب المصري .
أتصور أن مصر في مخاض حقيقي هذه الأيام ، وأن الأيام المقبلة وربما الساعات المقبلة ستحمل المزيد من المفاجآت . | |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق