جمال سلطان (المصريون) 17-08-2011
بعض الوقائع البسيطة التي تحدث هذه الأيام تكشف عن عدم اتزان كثير من المسؤولين في مصر وهلعهم أمام أي نازلة ولو صغيرة ، ومسارعتهم لاتخاذ مواقف متعجلة وخاطئة تعرضهم لحرج شديد ، عندما يكتشفون بعدها أنهم لم يكلفوا خاطرهم التروي والبحث والتدقيق وانتظار المعلومات الكافية ، وإنما دفعهم "الهلع" والخوف إلى اتخاذ تلك المواقف المشينة وغير المسؤولة .
يدفعني لهذا الكلام ما حدث من مجلس الوزراء المصري قبل أيام عندما أصدر بيانا أو تصريحات لرئيس الوزراء الدكتور عصام شرف ونائبه على السلمي يقدمون فيه شديد اعتذارهم للقمص بولس عويضة ، كاهن كنيسة الزهراء ، وإعلان غضبهم الشديد عن "الإهانات" البشعة التي تعرض لها رجل الدين المسيحي في فندق "جراند حياة" وسط القاهرة ، وتعمد عامل الفندق خلع زيه الكهنوتي أمام بوابة الفندق الالكترونية بما يحط من كرامته ، وأرغى وأزبد رئيس الوزراء ونائبه وأشاعوا جوا من "المندبات" في عموم الصحف المصرية ووسائل الإعلام ، وبطبيعة الحال كان هذا الكلام الصادر من أشخاص رفيعة في السلطة المصرية مسيئا للغاية بالفندق ومضرا ضررا كبيرا بمصالح أصحابه ، لأن ما حدث حملة تشهير سخيفة ، ولكنها مدعومة ـ مع الأسف ـ من الحكومة المصرية نفسها .
الفندق تقدم ببلاغ للنائب العام يتهم فيه القمص "عويضة" بالتشهير ويطالبون بالتحقيق معه والتعويض ، وقدم الفندق الرواية كاملة بشهادة الشهود ، من أول عامل الفندق إلى بعض الرواد إلى مدير أمن الفندق نفسه ، والذي تصادف أن يكون مواطنا مسيحيا يدعى "جورج ألفريد مقار" ، وقال "جورج" في شهادته أن عامل الفندق عامل القمص بكل احترام ، وأن القمص لما مر من بوابة الكشف أطلقت تحذيرا ـ بما يعني أنه يحتمل أن يحمل أدوات صلبه أو ممنوعة ـ فطلب منه بكل أدب أن يمر فيها مرة ثانية ، فصرخ فيه القمص بعصبية واستهزاء قائلا " أخلعلك هدومى يعني.. هو انا لابس حزام ناسف ولا قنبلة" ، ثم قام بحركات استعراضية مثيرة بخلع ملابسه أمام الحاضرين ، الأمر الذي اضطر مدير أمن الفندق إلى التقدم منه قائلا "يا قدس أبونا معاك جورج" فقاطعه على الفور رافضا أن يكمل كلامه معه وقال بكل عجرفة "مش عاوز اتكلم معاك انت بالذات" ، وقام المواطن المسيحي المحترم بالاتصال بالأنبا بسنتي أسقف حلوان والمعصرة وأبلغه بالواقعة بالتفصيل ، فقرر إيقاف القمص على الفور والتحقيق معه .
الدكتور عصام شرف ونائبه ، بلعوا الحكاية بعد ذلك ولزموا الصمت ، رغم أن الأخلاق والمسؤولية تقتضي منهم أن يتقدموا باعتذار علني للفندق وإدارته والعامل المسكين الذي تم التشهير به ، وأوشك أن يفقد عمله ويلقى به في الشارع ، ولكن "الإحساس بالمسؤولية" غاب ـ مع الأسف ـ عن رئيس الوزراء ونائبه ، وكنت أتمنى أن تضم إدارة الفندق في بلاغها اتهام رئيس الوزراء نفسه ـ مع القمص عويضة ـ في الاتهام بالتشهير ، لأن الواقعة أصبح فيها طرفان بالفعل ، القمص الذي افتعل الهوجة بحركات استعراضية مثيرة ، ورئيس الوزراء الذي أدان الفندق وإدارته وعماله الأبرياء وشارك في التشهير بهم ، ثم لم يعتذر .
الواقعة قد تبدو بسيطة وهامشية في سياق الأحداث الجسيمة التي نعيشها في مصر هذه الأيام ، ولكني أعتقد أنها ـ رغم بساطتها ـ تكشف لنا عن جانب مهم من نفسية صاحب القرار في مصر الآن ، ومدى اهتزازها وخفتها ، وهو ما يؤثر ـ بكل تأكيد ـ بصورة أفدح في المواقف الأكثر أهمية على صعيد الاقتصاد أو الأمن أو غيره . | |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق