تلقت "المساء" تعليقا وردا من المفكر القبطي بولس رمزي علي الحوار الذي أجرته مع د. سعدالدين إبراهيم مؤسس ومدير مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية.. وإيماناً منا بأهمية الحوار والتفاعل حول القضية الهامة التي أثرناها في الحوار مع د. سعد والتي أثرناها من قبل حول مخططات تقسيم مصر فإننا ننشر هذا الرد من المفكر بولس رمزي ونرحب بأي تعليقات في هذا المجال.. وفيما يلي رد بولس رمزي علي د. سعد:
الآن وبعد أن كشفنا مخططاتهم الرامية إلي تقسيم مصر نواجه بسياسة غريبة تهدف إلي احباط أي محاولة لاستفاقة الشعب المصري من سكرة ونشوة انتصارات الثورة. محاولة تهدف إلي إغراق الشعب المصري في موضوعات تبعده عن مخطط التقسيم لأنهم يعلمون جيدا ان أي استفاقة للشعب المصري نحو عدو خارجي يتآمر ويخطط لوطنه من أجل تقسيم وطنه إلي دويلات ضعيفة هزيلة فإن استفاقته سوف توحده ونري من جديد القبطي والسلفي والإخواني والعلماني والليبرالي ايد واحدة حقيقة في مواجهة هذا المخطط الامبريالي الهادف إلي تقسيم مصر بغرض إضعافها ويدور هذا الحوار حول المخططات الرامية إلي تقسيم مصر وأنا هنا بصدد الرد علي ما جاء في هذا الحوار:
في سؤال وجهه مدير الحوار الأستاذ مختار عبدالعال نائب أول رئيس تحرير جريدة المساء المصرية وكان نص السؤال: هناك ثورة غضب في المجتمع المصري بسبب قرار الكونجرس الأمريكي استحداث منصب مندوب لشئون الأقليات في الشرق الأوسط وآسيا؟! ما تعليقك؟
فكانت اجابة سيادته المضحكة المبكية:
"هناك منصب موجود في الادارة الأمريكية من قبل لشئون الأقليات في العالم كله.. واستحداث منصب لشئون الأقليات في الشرق الأوسط وآسيا أو أي منطقة هو أمر من حق أمريكا كما انه من حق مصر تعيين مبعوث مصري خاص لشئون المسلمين في الولايات المتحدة".
وهنا لا يمكن الصمت علي هذه الاجابة التي أشتم منها رائحة غير ذكية وتعليقي علي رد الدكتور سعدالدير إبراهيم يتمحور فيما يلي:
من الطبيعي أن جناب دكتور سعد من خلال اجابته يعلن قبوله التام بحق أمريكا في أن يكون لها مبعوث في مصر يعبث في داخلها من أجل تعزيز المخططات الأمريكية التي تهدف إلي تقسيم مصر وفقاً لأيدلوجيات دينية لأمريكا النصيب الأكبر في ترسيخها في كل منطقة الشرق الأوسط. وهنا أوجه مجموعة من الأسئلة إلي السيد سعد الدين إبراهيم الذي لم يخرج من السجن بحكم قضائي كما يدعي بل كان حكما سياسيا وبضغط أمريكي من السيدة كونداليزا رايس صاحبة نظرية الفوضي الخلاقة:
السؤال الأول: هل تعلم يا دكتور سعد معني مصطلح الفوضي الخلاقة الذي تتبناه الإدارة الأمريكية؟ طبعاً المعني معروف للجميع وهو احداث فوضي عارمة في الدولة باسقاط مؤسساتها الأمنية والقضائية والإعلامية وأيضاً العسكرية وتصبح الدولة بلا مؤسسات حاكمة وضابطة لها ثم يتم البدء في الشق الثاني من النظرية وهو الخلاق عن طريق خلق كيانات ودول حديثة واختفاء دول كلاسيكية قديمة. ولا ننسي ما فعلته أجهزة المخابرات الأمريكية في يوغوسلافيا القديمة واختفاؤها تماما من علي خارطة العالم وظهور أربعة دول طائفية كانت آخرها دولة كوسوفو الألبانية التي انشطرت من صربيا وكانت الولايات المتحدة أول من حمي قيامها واعترف بها وكان تقسيم يوغوسلافيا ركوبا علي ثورة الايد الواحدة التي اشتعلت في يوغوسلافيا.
السؤال الثاني ــ ما هو الدور الذي سوف يلعبه هذا المبعوث الأمريكي في مصر يا سيد سعد طبعا أنا متأكد أن سيادتك تعرف جيدا هذا الدور ولكنك بالطبع لم تتعرض له لأنك تعمل عن قصد أو غير قصد علي التهدئة من روع المريض وأن تخفي عليه أن هناك عمليات بتر سوف تجري لأطرافه وكلمات التهدئة هي بمثابة حقنة البنج التي يجب اعطاؤها للمريض من أجل أن يفقد وعيه. والغريب في الأمر ان هذا دور لا تلعبه وحدك ولكن تلعبه مجموعة كبيرة من نجوم السياسيين وغالبية القنوات التليفزيونية التي تتجاهل هذا الموضوع بشكل مريب ويدعو إلي الدهشة؟
عزيزي الدكتور سعدالدين إبراهيم لا يجب أن نتجاهل ما يحاك لنا ونقول من حق مصر أن تعين مبعوثاً لها خاصاً لشئون المسلمين!!! وهل إذا أرسلت مصر مبعوثا إلي أمريكا سوف يكون من شأنه احباط مخطط تقسيم مصر؟! وما هو ثقل مصر يا دكتور سعد بالمقارنة بالثقل الأمريكي؟! ولم تعطي هذا الحق لأمريكا في التدخل في الشأن الداخلي المصري ومن أعطاك هذا الحق؟!
السؤال الثالث ــ عزيزي الدكتور سعدالدين إبراهيم انت تعلم أكثر مني ان الادارة الأمريكية التي تتباكي علي أقباط مصر هي المسئول الأول عن ضياع مسيحيي العراق وهجرتهم من وطنهم إلي الشتات ولم يتبق منهم سوي بضعة آلاف ينتظرون دورهم في الرحيل من جحيم العراق التي تعيشه تحت الاحتلال الأمريكي. فهل حمت أمريكا مسيحيي العراق؟ كي تأتي إلي مصر لحماية أقباطها؟!
في سؤال آخر للسيد الدكتور سعدالدين إبراهيم: "ولكن هل توافق علي أن يصل الأمر إلي حد قيام موريس صادق وغيره بتقديم طلب حماية دولية للأقباط"؟!
فكانت اجابة سيادته: "موريس صادق هذا شخص مهووس.. دعه يطلب ما يريد.. يبالغ في كل شيء.. من سيستجيب له".
لقد أضحكتني اجابة سيادته كثيرا لانها أعادت إلي ذاكرتي مقولتين:
المقولة الأولي كانت من قداسة البابا شنوده عند مواجهته بموضوع موريس صادق فكان رد قداسته ان موريس صادق يسعي إلي الشهرة ولن أعلق علي أفعاله اتركوه ولا تهتموا به.. نفس اجابة الدكتور سعدالدين إبراهيم تقريبا وهذا شيء يدعو إلي الدهشة.
أما الثانية فقد كانت من الرئيس مبارك عندما قال "سيبوهم يتسلوا" والتسلية أوصلته إلي قفص الاتهام علي سرير طبي.
يا دكتور سعد تصريحاتك هذه جعلتني لا أستطيع اخفاء الشك في نواياها.. موريس صادق ليس شخصا مهووسا.. فإذا كان موريس صادق مهووسا فهل أيضا القمص مرقص عزيز الذي يعتبر هو المحرك الأساسي في تحريض الشباب القبطي علي جمع تلك التوكيلات الاليكترونية مهووسا مثله.
هل ملايين التوكيلات التي حصلوا عليها بشحن طائفي قام به القمص مرقس عزيز للشباب القبطي بالداخل المصري من خلال فضائياتهم عبر القمر الأوروبي وحصولهم علي ملايين التوكيلات الاليكترونية أعطتهم الحق في تمثيل الأقباط أمام المنظمات الدولية هي توكيلات مهووسة أيضا؟! أم سيادتك تمارس نفس أسلوب التخدير والتهوين إلي أن نري أنفسنا أمام واقعنا المرير.. هل سيادتك تقول هذا من أجل التقليل من خطورة المخطط واستمرار الشعب المصري في غفوته ونعاسه لانه لو أفيق الشعب المصري علي هذا المخطط سوف يتخلي عن كل متناقضاته واختلافاته السياسية والايدلوجية ويتوحد بجميع أطيافه بقوة لن تستطيع أمريكا ولا العالم كله الوقوف في مواجهتها ولذلك تعمد انت ومن يدورون في نفس الفلك حول تنعيس وتنويم وتخدير هذا الشعب وإخراس كل من تسول له نفسه الحديث عن موضوع مخطط التقسيم واتهامه بالسفه والغفلة وعدم درايته بتاريخ وجغرافية وطوبوغرافية مصر التي لا يمكن بأي حال من الأحوال تقسيمها وأن يتم إخراس أي لسان يتحدث عن سايكس بيكو جديدة تنفذ علي أرض الواقع في كل المنطقة العربية وليس مصر فحسب وتغط كل المنطقة في سبات ونوم عميق.
وفي سؤال أخير لسيادته:
"ولكن البعض يعتقد ان تلك الخطوات وغيرها تسير في طريق تقسيم مصر؟!".
"لا يمكن تقسيم مصر.. من يقول ذلك لا يعرف التاريخ أو الجغرافيا.. مصر بلد موحدة منذ آلاف السنين منذ أيام مينا" والله هذا كلام كبير متوقع يا دكتور سعد يجعلنا ننام ونلتحف ونغط في نوم عميق حتي نفيق علي حدث جلل وهو تقسيم الوطن.
يا دكتور سعد نفس هذا الكلام قيل بالحرف الواحد قبل اتفاقية سايكس بيكو انه لا أحد يستطيع تقسيم المنطقة ونحن في رباط إلي يوم الدين وعندما فاقت الأمة من غفلتها وجدت نفسها مقسمة ومحددة وموزعة هدايا للمنتصرين ومن لا يعرف التاريخ ويأخذ العبر منه عليه أن يتحمل تبعات جهله بالتاريخ ولكي أدق ناقوس الخطر أعيد نبذة تاريخية علي عزيزي القارئ في لمحة تاريخية موجزة عن اتفاقية سايكس بيكو التي نجحت في تقسيم الدولة العثمانية الكبري:
"ان الخلافة العثمانية التي كانت رغم ضعفها الشديد تحمي وحدة المنطقة العربية والإسلامية فقد قرر التحالف الصهيوني الغربي اسقاط الخلافة العثمانية عن طريق اسقاط الخليفة القوي "عبدالحميد الثاني" ثم إحداث انقلاب عسكري ثم وعود خادعة وبراقة للشريف حسين أمير الحجاز ليكون هو خليفة عربياً بدلا من الخليفة التركي وهكذا سار المخطط الغربي في طريقه حتي أدي في النهاية إلي سقوط دولة الخلافة العثمانية.
وفي الوقت الذي كانت فيه الحكومة البريطانية تتصل بالشريف حسين وتبذل له الوعود بدولة عربية مستقلة يكون خليفة عليها كان هناك تجهيز وإعداد لعقد مفاوضات ومؤتمرات انجليزية فرنسية روسية في مدينة بطرسبرج أسفرت عن توقيع اتفاقية سايكس بيكو لاقتسام الفريسة "تركة الرجل المريض".
ظلت اتفاقية سايكس بيكو سرية لم تنشر إلا في شهر 11 سنة 1917 ــ 1336 هـ علي اثر قيام الثورة البلشيفية وعندما تسربت بنود هذه الاتفاقية كتبت بريطانيا للشريف حسين مؤكدة ان شيئا من ذلك لم يحدث وان مثل هذه الاتفاقية لا وجود لها وان تلك الصورة المنشورة لم تكن إلا مجرد محادثات قبل قيام الحرب وصدق الشريف الغبي الأكذوبة وانطلت عليه المؤامرة وواصل الغرب تنفيذ مخططاته في غيبة الوعي العربي".
عزيزي الدكتور سعدالدين إبراهيم نفس المخطط يحاك لنا. ونفس غيبة الوعي العربي والمصري نعيشه الآن. وعندما يظهر صوت يحذر من هذا المخطط تظهر أصوات لامعة تحبط وتخرس هذا الصوت. صمت إعلامي رهيب. قنوات تليفزيونية وفضائية مغيبة اراديا أو لا اراديا لا تناقش أي شيء غير الحديث عن محاكمة الرئيس المخلوع. والتعويضات بالملايين التي سوف تسقط علي رءوس أسر الشهداء. والمعتصمين علي باب ماسبيرو في انتظار شقة في مساكن الحكومة. وإلي غير ذلك من الموضوعات التي من شأنها اثارة الفتن وترسيخ الفوضي الخلاقة في المجتمع المصري وتتجاهل بشكل مريب ما يحاك لوطنهم ويغمضون أعينهم عن ذلك كأنهم يعيشون في كوكب آخر!!!
أخيراً:
حوار السيد الدكتور سعدالدين إبراهيم في نفس الجريدة. وعلي نفس الصفحة. ومع نفس الصحفي الجريء الذي "دق ناقوس خطر تقسيم مصر" ليس له إلا مدلول واحد ألا وهو أن هناك بعلم أو بدون علم أدوات مصرية تعبث بالداخل المصري والأمر يستحق منا أن نتحد جميعا كمصريين في وجه سايكس بيكو بنسختها الجديدة قادمة إلينا من جميع الاتجاهات سواء كان من الغرب. أو بعض الأنظمة العربية. أو من إسرائيل وتجاوز هذا كله لتكون له أدوات فاعلة في الداخل المصري.
الأمر يستحق الوقوف أمام هذه المخططات بالمرصاد وكشفها. والأهم من ذلك كله فإن هزيمة كل هؤلاء المتربصين بمصر لم ولن يكون إلا بتوحدنا الذي يعملون جاهدين ليل نهار إلي منع أي توحد بين أطياف الشعب المصري أمام هدف التقسيم وافشاله.. سؤالي الأخير للشعب المصري: هل نحن قادرون علي التوحد؟! إذا نجحنا في التوحد سوف نكسر أي يد تمتد إلي خريطة مصر مهما كانت قوة وطول هذه اليد.
عزيزي القارئ دعنا نفترض انني في حالة من الهذيان ومصاب ببرانويا التقسيم وان مخطط التقسيم لا وجود له إلا في خيالي المريض كما يفترض البعض في كل من يحذر من مثل هذه المخططات. فما يضيرنا من استعدادنا لمواجهة مثل هكذا مخطط؟!. ماذا يضيرنا في اتحادنا علي قلب رجل واحد جاهزين لافشال مخطط يدعون انه لا وجود له إلا في خيال مريض؟ أعتقد أن توحدنا يأتي في صالح الوطن وليس العكس. أليس كذلك؟! ان تحفزنا لمخطط مجهول كما يدعي البعض لن يضيرنا في شيء بل يقوي انتماءنا للوطن ووحدتنا ويخرس أي لسان يفكر في التدخل في الشأن الداخلي المصري. أليس كذلك يا دكتور سعد؟! ان الوضع الذي نعيشه الآن يا دكتور سعد لا يحتمل التهوين والتنويم بل يجب عليك كمفكر سياسي مصري ناضلت وسجنت من أجل وطنك كما تتشدق دائما وتتباهي بسجنك في عصر مبارك أن تنمي روح الوحدة الوطنية والحيطة والحذر استعدادا لمواجهة أي فعل يأتي لنا من الخارج من شأنه أن يساهم في تجزئة وتقسيم الوطن. أليس كذلك يا دكتور سعد؟
اللهم فقد أبلغت. اللهم فاشهد. وقد أعذر من أنذر.
المساء
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق