كل ما يتعلق بالدستور بدءا من التصورات المختلفة بشأنه مرورا بالنقاش حول مواده، ونهاية بإعلان صدوره ينبغى أن يكون بالتوافق، وإلا فإننا نضع قنابل موقوتة ستوالى الانفجار فى الحياة السياسية حتى يتم تعديله.
شخصيا كنت أتمنى أن يتم وضع الدستور أولا ثم الانتخابات، لكن انصياعا للإرادة الشعبية «الملتبسة» والتى ترتبت على استفتاء 19 مارس ثم الإعلام الدستورى فى 30 مارس، فلا مفر أمامنا سوى الخضوع لرأى غالبية الشعب.
الانتخابات أولا تعنى ببساطة أن «الفرع» الذى هو «البرلمان» ينتخب ويختار ويصنع «الأصل» الذى هو الدستور. لكن وبما أن ذلك صار بكاء على «الدستور المسكوب» «فإن أحد الحلول الرئيسية المقترحة لمعالجة هذا التشوه هو وثيقة المبادئ الدستورية أو المبادئ الأساسية أو الحاكمة أو «فوق الدستورية أو تحتها» أو ليسمها كل منا ما يشاء.. المهم أن تكون موجودة فى الدستور.
هذه المبادئ المنشورة يفترض أن الجميع موافق عليها لأنها يصعب تماما أن يرفضها أى صاحب عقل.
بيان المجلس الأعلى الشهير الذى ألقاه اللواء الفنجرى منتصف يوليو الماضى قال إن المجلس سيصدر إعلانا دستوريا بعد توافق القوى السياسية على ذلك.
القوى السياسية ذات التوجه الإسلامى ــ وطبقا لما تم تسريبه من معلومات قد تقبل بوثيقة المبادئ الأساسية كإطار استرشادى لعمل اللجنة التى ستضع الدستور.
تسريبات أخرى تقول إن المجلس الأعلى يتجه إلى وضع هذه الوثيقة فى إعلان دستورى ملزم وهو ما تعتبره التيارات الإسلامية فرضا قسريا يتناقض والحديث عن المشاركة والتشاور والتوافق.
لست منتميا إلى التيار الإسلامى وأتمنى أن يصدر الدستور متضمنا المبادئ الأساسية التى أعلنها الدكتور على السلمى، ورغم ذلك فالمبدأ يحتم علينا رفض صدور هذه المبادئ فى إعلان دستورى من دون توافق كل القوى الرئيسية فى المجتمع.
والمبدأ يحتم أيضا على كل القوى السياسية المحترمة أن ترفض ذلك وتقاتل من أجل إقرار هذه المبادئ ضمن آلية سليمة.
لو فرحت بعض القوى الليبرالية بإصدار المجلس العسكرى للإعلان الدستورى قسرا، فسوف توصم نفسها باعتبارها قوى انتهازية، تهاجم المجلس ليل نهار، بحجة أنه غير ديمقراطى، لكنها تحييه إذا أصدر قرارا فى صالحها حتى لو كان غير ديمقراطى.
يقال كثيرا إن نبل الوسيلة من نبل الغاية وإذن كنا فعلا نبحث عن التأسيس لحياة سياسية سليمة فالمنطق والأخلاق وحتى المصلحة تحتم علينا ألا يصدر قرار أو قانون ــ مهما كان مغريا ــ فرضا وقسرا دون رضاء الجميع خصوصا إذا كان يتعلق بالدستور.
جميعنا كان ينتقد حسنى مبارك ونظامه لأنه كان يدعى زورا أنه يعرف مصلحة الشعب أكثر من الشعب نفسه وبالتالى فهو يفكر بالنيابة عنه.
إذا علينا ألا نقع فى نفس الخطأ.
نطالب المجلس العسكرى بأخذ كل وجهات النظر فى الاعتبار ونطالب التيار الإسلامى بعدم عرقلة تضمين المبادئ الأساسية فى الدستور، ونحذر التيار الليبرالى من الوقوع فى «الفخ».
إذا فرح الليبراليون بقرار يصدره المجلس العسكرى اليوم فلا يلوموا إلا أنفسهم إذا أصدر نفس المجلس عشرات القرارات التى ستبكيهم غدا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق