ففي 16 إبريل ، فوجيء المصريون ليس فقط بقرار حل الحزب الوطني الذي كان يتزعمه مبارك وإنما بقصة جديدة لشهداء ثورة 25 يناير تؤكد وحشية النظام السابق وجهازه الأمني في التعامل مع المتظاهرين السلميين ألا وهي قصة الشهيد محمد راشد درويش.
والشهيد محمد "23 عاما " وهو من أبناء محافظة بورسعيد كان يدرس في كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية وقد تعرفت أسرته على جثته بصعوبة بالغة نظرا لوجود 80 طلقة رصاص في جسده أطلقت عليه من على بعد متر واحد تقريبا كما يؤكد تقرير الطبيب الشرعي.
ولم يقف الأمر عند ما سبق ، فقد كشف تقرير الطبيب الشرعي أيضا أن الشهيد أصيب بثمانين طلق ماسي وغربلي منتشر في جسده منها 50 طلقة في الرأس من خرطوشتين ناريتين من على بعد متر تقريبا من ماسورة طويلة لسلاحين مختلفين .
ومن جانبها ، قالت والدة الشهيد وهي تبكي بشدة :" قتلوا ابني وكأنهم يضربون كتيبة وليس شخصا أعزل من السلاح، لم تكفهم رصاصة واحدة لقتله، بل الرصاص منتشر في أنحاء جسده بوحشية ودون رحمة ، لا توجد آثار لمادة حارقة في يد ابني تفيد بأنه كان يقاومهم ، فلماذا قتلوه؟".
وبعد أن أكدت إيمانها بقضاء الله وقدره واحتسبت ابنها في جنة الخلد ، سردت الأم في تصريحات لقناة "الجزيرة" لحظات استشهاد محمد ، قائلة :" محمد كان حزينا على توصيل الغاز والأسمنت لإسرائيل بأثمان لا تذكر ، كان يتمنى أن تتحرر مصر من العبودية وأن يجد عملا مثل أي شاب وتمنى أن يشارك في مظاهرات التحرير في يوم الغضب ومنعه عدم وجود نقود كافية معه ، فكان يتابع الأخبار في الإذاعات الأجنبية على الإنترنت، وكان سعيدا بانضمام أكبر عدد من الشباب على فيسبوك للمشاركة في جمعة الغضب".
وأضافت " في جمعة الغضب اقترحت عليه أن يطلب من أبيه ثمن السفر إلى القاهرة للمشاركة مع الشباب في ميدان التحرير لكنه لم يستجب للمقترح معتبرا أن السؤال يجرح كرامته ، خاصة أن والديه مطلقان "، مشيرة إلى أن محمد كان هو الذي يساعدها ماليا من خلال عمل يقوم به ، بالإضافة إلى دراسته.
وتمضي الأم في سرد قصة ولدها الشهيد قائلة :"خرج محمد مع إخوته الثلاثة يهتفون بسقوط النظام وشارك في الثورة منذ جمعة الغضب وكان لا يعود إلى المنزل إلا لتناول الطعام ".
وتابعت أنه خلال مشاركة محمد في المظاهرات تلقت اتصالا هاتفيا يعلمها بأن ابنها في مستشفى بور سعيد العام ، فهرعت إلى المستشفى للبحث عنه بين المصابين ولم تجده فتأكدت بعدها أنه استشهد.
وأبدت في هذا الصدد حزنها للتباطؤ في استكمال الإجراءات الخاصة بوفاة ابنها الشهيد محمد خاصة في استخراج النيابة للأوراق التي تثبت أن ابنها قتل في "جمعة الغضب".
واختتمت قائلة :" لم نحصل على المبالغ التي وعدت بها الحكومة والمؤسسات الاجتماعية ، أنا لا تكفيني ملايين العالم مقابل رؤية ابتسامة ابني مرة أخرى ، لن أرتاح ويهدأ قلبي المفطور على ابني إلا عندما نشعر بالعدالة والمساواة وتنال اليد الخسيسة التي طالت ابني وأوقعته شهيدا عقابها".
شهادات معتقلي "القديسين"
أحداث جمعة الغضب |
وكان المشير محمد حسين طنطاوي رئيس المجلس العسكري صادق على قرار بالإفراج عن المتهمين وعددهم أكثر من عشرين معتقلا من بينهم أحمد فريد المتهم الأول في قضية تفجير القديسين الذي وقع في الأول من يناير/كانون الثاني الماضي وأودى بحياة 24 شخصا وإصابة ما يقرب من 95 آخرين.
ونفى المفرج عنهم وجود أي علاقة بين المتهمين وجيش الإسلام الفلسطيني ، مؤكدين أن أجهزة الأمن ألقت القبض عليهم ضمن مئات من المواطنين على خلفية التحقيق في قضية تفجيرات القديسين وقامت بتعذيبهم بعد احتجازهم وحبسهم في أماكن سرية وبشكل غير قانوني.
وقال ممدوح هنداوي وهو أحد المعتقلين على هامش تفجير الكنيسة إنهم تعرضوا لأبشع أنواع التعذيب على يد أفراد جهاز مباحث أمن الدولة، فضلا عن استمرار حبسهم بشكل غير قانوني حتى يوم 10 إبريل/نيسان ، مبديا تخوفه من استمرار لعب من تبقى من ضباط أمن الدولة دورا في عرقلة كشف فسادهم وجرائمهم.
وأشار هنداوي إلى أن أفراد جهاز أمن الدولة السابق ما زالوا يمارسون عملهم حتى الآن ويمارسون الضغوط على أسرة الشاب السلفي سيد بلال لإقناعهم بعدم رفع قضية على الضباط الذين تسببوا فى مقتله تحت وطأة التعذيب.
وأضاف " لا توجد أي علاقة بين المتهمين وعددهم 22 بما يعرف بجيش الإسلام الفلسطيني "، كاشفا عن مفاجأة مفادها أن المتهم الرئيسي أحمد فريد تم اختياره بعناية من بينهم كونه أصم وأبكم وكان يتم التحقيق معه بلغة الإشارة ، قائلا :" لدينا وثائق من داخل مقر جهاز مباحث أمن الدولة بالإسكندرية تثبت تورط قيادات في وزارة الداخلية في تفجير الكنيسة".
ومن جانبه ، قال محمود محمد "بكالوريوس علوم " وأحد المعتقلين في أحداث الكنيسة إنه بالرغم من وجوده في محافظة القاهرة أثناء تفجيرها فإن ضباط الأمن قاموا بتجريد المحتجزين من ملابسهم وطلاء أجسادهم "بالكاز" وتسليط التيار الكهربائي عليهم ، الأمر الذي أجبرهم على الاعتراف بجريمة لا يعلموا عنها شيئا بالرغم من كون عقوبتها الإعدام شنقا.
وأضاف محمد أن الشرطة كانت دائما ما تتباهى بأن النيابة العامة لا تراجع قراراتها وتلتزم بتعليمات قيادات الأمن مما يدفع المتهمين للاعتراف بالجرائم للتخلص من التعذيب.
وفي السياق ذاته ، قال أشرف فهمي وهو أحد المعتقلين إن أجهزة الأمن قامت بتقييد المعتقلين ولف غمامة على أعينهم واحتجازهم في دورات المياه وحرمانهم من الطعام أو الماء لعدة أيام وصعقهم بالكهرباء في أماكن حساسة بعد تجريدهم من جميع ملابسهم.
وأكد أحمد عيد وهو محام كان معتقلا أيضا أن النظام السابق كان يمارس منهج القتل المتعمد في السجون لمدة ثلاثين عاما متتالية ، مطالبا بضرورة توضيح دور جهاز الأمن الوطني البديل لجهاز مباحث أمن الدولة وتحديد المعنى المقصود من كلمة الإرهاب بشكل واضح وتقليص صلاحياته حتى لا يمارس نفس الدور مرة أخرى.
وأضاف أن قوات الأمن قامت باقتياده وعدد من المنتمين إلى الدعوة السلفية بعد دقائق من تفجير الكنيسة إلى مقر أمن الدولة بعد اقتحام منازلهم وتفتيشها وسرقة أموال وأجهزة كمبيوتر وكتب وإرهاب أسرهم بعد حصارها بسيارات الأمن المركزى والقناصة والقوات الخاصة.
وكشف عيد عن اعتماد الأجهزة الأمنية على تدريب أفرادها على أساليب التعذيب المختلفة عن طريق إطلاق يدهم في الاعتداء على المحتجزين بشكل غير قانوني .
وفي ختام جلسة الاستماع ، أعلن مدير مركز الشهاب لحقوق الإنسان خلف بيومى عن نشر قائمة سوادء للضباط الفاسدين الذين تم اتهامهم في قضايا تعذيب المواطنين وعلى رأسهم المتهم الأول فى مقتل الشاب سيد بلال ، إضافة إلى قتل الثوار يومي 25 و28 يناير/كانون الثاني ، مطالبا بالإسراع في تقديمهم جميعا إلى المحاكمة ومعاقبتهم على جرائمهم.
وطالب بيومي جميع المعتقلين السابقين بعدم التهاون فى حقوقهم والتوجه إلى النيابة العامة للمطالبة بمعاقبة الضباط الفاسدين الذين قاموا بتعذيبهم، مشيرا إلى أن التحقيق مع الرئيس السابق حسني مبارك ووزير داخليته حبيب العادلي المتهم الفعلي في أحداث الكنيسة يؤكد أهمية التقدم بمثل تلك البلاغات.
وبصفة عامة وإلى حين فتح كافة ملفات الفساد المالي والسياسي في عهد الرئيس السابق ، فإن ما ظهر حتى الآن يرجح أن الخناق يضيق أكثر وأكثر حول مبارك رغم تطمينات فريد الديب له .
وكانت تسريبات من داخل مستشفى شرم الشيخ الدولي أفادت بأن المحامي فريد الديب المكلف بالدفاع عن مبارك طمأنه بأن موقفه في القضية قوي ولا يوجد أي دليل يثبت إصداره قراراً باستخدام العنف وقتل المتظاهرين في "جمعة الغضب" .
حل "الوطني"
وكانت جلسة نظر قضية حل الحزب التي أقامها عضو مجلس الشعب المصري السابق مصطفى بكري ورئيس حزب السلام أحمد الفضالي وآخرون شهدت حضور المئات من أنصار رئيس الحزب الوطني الجديد طلعت السادات ، كما شهدت مشادات حادة بين المحامين المدافعين عن الحزب الوطني والمطالبين بحله، وشهدها كذلك عدد كبير من شباب ثورة 25 يناير وبعض أنصار بكري والفضالي.
ورغم أن أعضاء الحزب الوطني كانوا اختاروا معارضا للرئيس السابق حسني مبارك هو طلعت السادات ابن شقيق الرئيس الراحل أنور السادات الذي أسس " الوطني " عام 1978 لرئاسة الحزب في محاولة لتحسين صورته والإبقاء عليه في إطار الحياة السياسية بمصر، إلا أن تلك الخطوة لم تكن كافية على ما يبدو لإقناع المطالبين بحل الحزب.
ومع أن حل الحزب الوطني الديمقراطي يمثل أحد مطالب الثورة الشعبية التي أطاحت بمبارك بعد 30 عاما قضاها في السلطة ، إلا أن توقيت اتخاذ القرار يشكل ضربة قاسية لكل المراهنين على الثورة المضادة ، بل ومن شأن تلك الخطوة إعادة الهدوء إلى الشارع والإسراع في جهود بناء مصر .
المصدر: محيط
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق