***
حاشية: الصحاف بالنهار وجوبلز بالليل
يقلم د محمد عباس
mohamadab47@yahoo.com
هذه لحظة فارقة فاصلة يا سيادة المشير ويا رئيس الوزراء..
لحظة ينبغي أن أحدثكما فيها بكل صراحة لا أخفي شيئا.. أحدثكم بِصِدْقٍ كامل.. صِدْقَ من يعلم أن الله يسمع ويرى.. صدق من يحبكما ولا يخاف منكما.. بل يخاف عليكما!!.. صدق من يثق أنكما مع الأمة في ذات الدائرة التي تستهدفها مؤامرة هائلة تمتد خيوط نسيجها بين الداخل والخارج. مؤامرة لا تتورع عن فعل شيء بما فيه الانقلاب العسكري وإشعال الحرب الأهلية والاستعانة بأمريكا وإسرائيل لتمكينهم من الأمة. وإنني أتوقع وأحذر.. الخطوة التالية هي الاغتيالات.
سوف أحاول قدر جهدي أن أطفئ النار المستعرة بين جوانحي. سوف أحاول أن أكبح براكين الغضب، وعواصف القلق، وسوف أحاول أن أخفي أمواج القلق وهواجس الشك وآلام انعدام اليقين. سوف أحاول أن أمسك الجمر فلا أصرخ، بل أهمس لكم همسا خفيضا رقيقا:
- من فضلكم.. الجمر في يدي وفي قلبي.. أرجوكم .. خففوا أواره!.
سوف أحاول أيضا أن أوجز وأجمل وأختصر.
***
بادي ذي بدء فإنني أقول لكما أن الأحداث الأخيرة كلها، بما فيها أحداث إمبابة، هي أحداث مصطنعة من تدبير الثورة المضادة، وهدفها الرئيسي هو نشر الفوضى العارمة، التي تجعل من إكمال الطريق نحو صندوق انتخابات يحقق الديمقراطية ويجعل الحكم للشعب أمرا مستحيلا.
لا شيء سيقف أمام المخطط الخائن المسعور سوى القوة الحازمة العاقلة العادلة الحكيمة.
هذه الفئة الضالة تحاول استباق الزمن. إنهم يقولون لأنفسهم لو انتظرنا صندوق الانتخاب فسوف يحصل الإسلاميون على الحكم. ولو وصلوا إلى الحكم فإن الديمقراطية الحقيقية ستسود ولن نعود إلى مكانتنا أبدا.
إن الإسلاميين جميعا لا يمكن أن يتورطوا في هذه المحاولات لإثارة الفوضى، لسبب بسيط، هو أن مصلحتهم في أن يسود الهدوء، لأن أملهم في صندوق الانتخاب كبير.. وليس معقولا أن يثير الإسلاميون الفوضى التي ستؤدي إلى عرقلة وصولهم إلى صندوق الانتخاب. هل يعقل أو يتصور أن يقتل أب جنين ابنه الذي ظل ينتظره بعد ستين عاما عقيمة؟!
***
إلا أنني أعتب على المجلس العسكري وعلى رئيس الوزراء: لماذا احتفظتم بكل أعدائكم؟ لماذا تتصرفون كما تصرف عبد الحكيم عامر في سوريا، حيث انقلب عليه وعلى الوحدة ضباط مكتبه؟. لماذا إصراركم على الاحتفاظ بجسد النظام القديم كله بعد أن تخلصتم من بعض رأسه.. وليس من رأسه كلها؟. لماذا لم تحققوا الأمن؟ لماذا كنتم بهذا الضعف أمام الفلول المجرمة من الشرطة بينما خذلتم ائتلاف ضباط الشرطة الشرفاء الذين قدموا حلولا شاملة لعقاب المسيئين من الشرطة وتحقيق الأمن. لماذا لم تحققوا في جريمة اغتيال اللواء محمد البطران؟ لماذا الجمل؟ لماذا إصراركم على استمرار كل قوى الثورة المضادة في أماكنها بكل سلطاتها؟ لماذا اختياراتكم المشوهة لعصفور وغازي والقعيد والغيطاني والمحافظين والوزراء المرفوضين؟ كيف تتركون سكيرا لا يكاد يفيق يرأس جهازا هاما لينكر التعذيب والتزوير ويزعم أن سجون مبارك أكثر فخامة من فنادق الخمسة نجوم؟ لماذا إصراركم على عادل عبد السلام؟ لماذا تبدون بهذا اللين أمام بلطجية الثقافة والإعلام وهم الغرس الشيطاني لجهاز أمن الدولة؟ وهم ثمرة العلاقة الحرام بين سلطة مجرمة وأمن مجرم. ولماذا احتفظتم منذ البداية بهم؟..
أتعلمون: لو رأوا منكم صرامة العدل لوقعوا أمامكم ساجدين من دون الله!. لم يتعودوا على السجود لله لكنهم يركعون ويسجدون لمن دونه. لماذا.. ألف لماذا؟.. ألف ألف لماذا؟؟!!.
***
تقول علوم الجريمة: فتش عن المستفيد..
والمستفيد هنا كل من يهدد صندوق الانتخاب استقراره. فإنه يدخل في معركة حياة أو موت لمنع الوصول إلى صندوق الانتخاب. معركة حياة أو موت، بكل معنى الكلمة.
لا ينبغي أن أذكر مصطلح الثورة المضادة دون تحديد، يجب أن أحدد تماما ما أقصده، دون تردد ودون اعتبار لحساسية ودون ادعاء أيضا أنني أملك ميزان الصواب والخطأ. فالأمر جد لا هزل، والأمة في خطر.
تتكون الثورة المضادة من قوى هائلة، لن اخدع نفسي ولن أخدعكم لأقول أنها فلول، لا، بل هي ما تزال تملك من القوة المادية أكثر مما تملكه ثورة الأمة، ثورة 25 يناير.
تتكون الثورة المضادة من الرئيس السابق وأبنائه وحاشيته، والكثيرين جدا من رجال الأعمال، وجهاز مباحث أمن الدولة كله بقوته الأسطورية واتصالاته المرعبة وأذرعه الأخطبوطية، وتتكون أيضا من جل أعضاء الحزب الوطني ومن أعضاء المجلسين المزورين، ومن جل من عينهم النظام السابق كوزراء ومحافظين ورؤساء جامعات وعمداء كليات بل وحتى العمد وصولا إلى الدكتور السباعي. الثورة المضادة تضم أيضا كل الأحزاب المصنوعة، أحزاب الأنابيب، التي فقدت كل قيمتها بعد ثورة 25 يناير، كعملة مالية تم إلغاؤها، وتضم القضاة الفاسدين ومن استمرأ تلفيق التهم من نيابة أمن الدولة وقيادات الأمن. لكن الأخطر من هؤلاء والأشد تأثيرا فئة واسعة تتشكل من الصحافيين والإعلاميين والكتاب، وهي نخبة لم تحصل على نخبويتها بالانتخاب الطبيعي من بين آخرين، ولا بمواهبها، وإنما برضى النظام ومباحث أمن الدولة عنها. عنها جميعا، المعارضون قبل المؤيدين، فقد كان المعارضون يمثلون الديكور الفاخر للنظام، كانوا غطاء يغطي عوراته، ومحللا ديوثا لا يغار على شرف الأمة المغتصبة. وهم ليسوا مثقفين وليسوا نخبة. إنهم بلطجية الثقافة، وعلاقتهم بالثقافة كعلاقة أصحاب موقعة الجمل بالسياسة. مجرد مرتزقة.
***
لم ننته بعد..
فهناك قوة لا تقل عن كل أولئك خطورة بل وتتميز عليهم باتصالاتها الأجنبية الخطيرة وبامتداداتها في الخارج. هذه القوة الكبيرة هي قوة البابا شنودة وعدد كبير من أتباعه الذين يخرجون الآن على الشاشات يصرخون أنهم يندمون على اشتراكهم في ثورة 25 يناير. وهذا كذب. لأنهم لم يشتركوا في ثورة 25 يناير. بل كانوا ضدها. كانوا ضدها قبل قيامها بأربعين عاما، منذ تولى البابا، الذي منع تأبين من مات من النصارى فيها.
***
للبابا شنودة –كرجل دين- كل الاحترام، لكن من حقي أن أنتقده بحرية كزعيم سياسي. لقد هاجمت مبارك دون اعتبار لأي حساسيات. لكنني مع البابا شنودة سأراعي حساسيات كثيرة وسأكبح من جماح قلمي.
لقد راهن البابا شنودة رهانا خاسرا على نظام الرئيس مبارك، ووضع كل أوراقه في سلته، حتى أثار انتقاد الأقباط أنفسهم، الذين قالوا له : إنك تناقض نفسك وتضعف موقفنا وموقفك، إذ كيف تملأ العالم صراخا وضجيجا حول الظلم الذي يتعرض له الأقباط في مصر، في نفس الوقت تؤيد رئيس هذا النظام-المسئول عن تلك المظالم- تأييدا مطلقا وتبالغ في مديحه.. كما تؤيد توريث ابنه من بعده.
ولكم صرخ العديد من النصارى والمسلمين يحذرون البابا شنودة من وجهة نظر براجماتية بحتة، مؤكدين له أن النظام يوشك أن ينهار وأنه بذلك يعرض مصالح النصارى للخطر. وحذره البعض مما هو أسوأ، إذ أنه برهانه ذلك يضع أتباعه من النصارى في صف الفساد ضد الإصلاح،. بل وحذره البعض من أنه يسئ إلى الديانة المسيحية بموقفه ويهدد مستقبل رعاياه بموقفه، ولقد وصل الأمر أن طالب بعض الأقباط بعزله ومحاكمته، وأظنهم كانوا على صواب.
منذ ستين عاما كان الناس يقولون : إنه مسيحي لكنه مخلص جدا وأمين جدا وكفؤ جدا. الآن يقولون: إنه قسيس.. لكنه لص يسرق أراضي الدولة ويقتل الأعراب ويكذب في الفضائيات.
لقد انضم البابا شنودة إلى الاتجاه الخطأ والفئة الخاسرة.. ويبدو أنه كالرئيس السابق: معه دكتوراه في العناد!.. وعلى الرغم من ذلك بلغت السماحة بأهل مصر- بمعظم مسلميها وكثير من مسيحييها- أنهم خجلوا من مواجهته بأن عليه أن يدفع ثمن رهانه الخاسر كما دفع مبارك وأتباعه ثمن رهاناتهم الخاسرة..
خجلوا من أن يقولوا له أن:
البابا أصبح دولة تقوم بفرض إرادتها على الدولة... و أنه هو سبب الفتنة الطائفية. وأن الأقباط الآن يضطهدون المسلمين ويستقوون بأمريكا. وأن هناك مخططا صهيونيا لتهجير المصريين المسلمين إلى الجزيرة العربية وأن سر خضوع الدولة للكنيسة أنها خاضعة أولاً لأمريكا، بالإضافة إلى تنازلها عن حق المواطنة للمسيحيين المصريين واعتبرتهم لا يتبعونها. وبدلاً من أن تعتذر الكنيسة جعل البابا شنودة الدولة تعتذر ومجلس الشعب يعتذر، ومجلس الوزراء يعتذر، وذلك لأنه خرج بمسألة المظاهرات، والكنيسة رسخت لمبدأ أن المظاهرات قوة سياسية لها. إن الاضطهاد أصبح بالعكس، فالمسيحي الآن يضطهد المسلم، وهذا ليس اضطهاد بل تعالي واستعلاء من قبل الأقباط ضد المسلمين، وذلك مدعومًا بالتوجه الأمريكي والاستقواء بالخارج، وكذلك استقواء بالاضطهاد، فالاضطهاد أصبح حالة إرهابية تفرض على الجانب الذي به أغلبية. إن فئات من أقباط المهجر يتبعون أجندة خارجية يثيرون بها مشاكل الأقباط وقد بدأت مجاميع المسيحيين داخل مصر تتعاطف معهم. لأول مرة نجد داخل الكنيسة شخصية دينية تطالب بتدخل أجنبي، ويقوم بالترسيخ لقسمة الوطن بين المسلمين والمسيحيين، ويرسخ لأشياء غير موجودة وغير صحيحة، منها أن مصر ملك للمسيحيين. إن أسقف القوصية توماس يكتب تقارير للمنظمات الصهيونية مقابل آلاف الدولارات. ولم يصدر قرار ضد توماس حتى هذه اللحظة، ولم يصدر تصريح أو بيان من داخل الكنيسة يستنكر أو ينفي أو يعتذر وهذا خطأ، وهذا يجعل الرأي العام يربط بين توماس كخائن للوطن وبين الكنيسة. فتوماس أراد أن ينظر لمسألة الفصل بين المسلمين والمسيحيين، ووصل به الجهل إلى القول عن المصري المسيحي الذي أسلم عن اقتناع أنه لم يعد مصريًا بل صار عربيا تابعا للجنسية العربية، كحضارة أخرى متخلفة بالنسبة لهم، وهو بذلك يطبق النظرية الصهيونية كاملة، بمعنى أنك مسلم الآن، ووقتها لن تصبح مصريًا، ولا هويتك مصرية. وعندما تقوى الكنسية ستقوم بفرض تلك الهوية المسيحية على كل المصريين.
ستؤدي تلك الدعاوى إلى حرب أهلية، وتدخل خارجي أمريكي، والسؤال الآن، أين سيذهب المسلمون المقيمون في مصر منذ 1400 عامًا؟
***
هل تجاوزت؟.. لكنني أحمل لكم مفاجأة!!..
فكل ما قلته في الفقرة السابقة – وتحته خط- كلام كاتب وسياسي مسيحي إرثوزكسي من أتباع البابا شنودة!..
هذا السياسي الصادق الشريف هو جمال أسعد عبد الملاك الذي أبي عليه ضميره إلا أن يصرخ ضد البابا وضد بعض الأقباط في حديث صحفي أجراه معه في 24 سبتمبر 2008 الصحافي أحمد سعد.
ولقد استشهدت بحديث جمال أسعد لأنه من أخف ما وجه إلى البابا من الأقباط لا المسلمين.
لقد اعترف محافظ قنا السابق وهو مسيحي أن المسيحيين كانوا خلف كل الفتن الطائفية في محافظته.
***
لطالما حذر عشرات الأقباط البابا شنودة ومنهم الرائع العظيم المنصف الدكتور رفيق حبيب.
دعنا الآن من رأي رئيس الجمهورية الأسبق أنور السادات في البابا شنودة..
ودعنا من حكم المحكمة وحيثياته في بداية عصر مبارك.
ودعنا من "التقرير الرهيب" الذي نشره الشيخ محمد الغزالي رحمه الله في كتابه "قذائف الحق".
ودعنا من كتابات الدكتور محمد عمارة والمستشار طارق البشري والأستاذ جلال كشك والدكتور عبد الودود شلبي والدكتورة زينب عبد العزيز وعشرات الكتاب المصريين والأجانب ومئات الوثائق التي تتحدث عن محاولات تنصير العالم وفي صدارته مصر.
دعونا من هذا كله ولننتقل إلى واقع قديم ما زال حيا في عنفوانه وجنين مستقبل لم يولد بعد تحاول الثورة المضادة قتله أو إجهاضه.
دعونا من هذا كله ولننتقل إلى واقع حقيقي أليم .. واقع نرجو أن يكون قد أوشك على الانتهاء بقيام ثورة 25 يناير التي تحاول الثورة المضادة اغتيالها.. نرجو.. لكننا غير واثقين..
لقد دفع البابا مصر بمسلميها ومسيحييها إلى طريق وعر. وكما حصل مبارك على ما حصل عليه اختلاسا وكذبا وتزويرا فقد سار البابا على إثره. ابتز كل منهما الآخر ودفعت الأمة الثمن.
***
هناك واقع لم يمت وحلم لم يولد يجعلني أتهم الجميع بدءا من كل أتباع رئيس الجمهورية السابق وعائلته وانتهاء بأصغر مخبر في مباحث أمن الدولة باضطهاد الإسلام والمسلمين وبمحاباة النصارى على حساب المسلمين وبحجب الحقائق عن الأمة لأن إعلانها سيفجر الوضع المأساوي للمسلمين وقدر الاضطهاد الذي يتعرضون له مقارنة بالنصارى.
نعم.. أتهم الدولة في الستين عاما الماضية بمحاباة العلمانيين على المسلمين والكفار على المؤمنين والمرتدين على القابضين على الجمر وغير المتدينين على المتدينين..
ربما تحسن الأمر بعد الثورة.. لكن الثورة المضادة تحاول القضاء على ذلك التحسن.
لقد قامت الدولة طيلة ستين عاما بحماية رواد الحانات وتهديد رواد المساجد، بمحاباة السكارى ووضع المعتكفين على قوائم الاشتباه. وحسمت اختيارها فحالفت أعداءها ضد أمتها وتاريخها ودينها. وطيلة ستين عاما كان بعض النصارى يرتكبون الجرائم فلا تجرؤ الدولة على مواجهتهم وفي الوقت نفسه تنسب تلك الجرائم أو مثلها للمسلمين وتعاقبهم عليها، كالتنظيم الدولي والتمويل الدولي والميليشيات المسلحة وتخزين السلاح. وفي هذا الصدد قامت الدولة بتجنيد آلتها الإعلامية الجبارة للدفاع عن النصارى مهما بلغت جرائم بعضهم وتشويه المسلمين مهما كانت براءتهم. بل لقد وصل الأمر إلى أكثر من هذا، لقد تحالفت مباحث أمن الدولة مع بعض تجار المخدرات في الصعيد وتغاضت عن نشاطهم الإجرامي مقابل قيامهم بقتل الإسلاميين. نعم. ليس هناك خطأ. بقتلهم. ويبدو أن نفس الجهاز المجرم قد ورط وتورط فوظف بعض النصارى لنفس الهدف، وما أحداث إمبابة إلا مجرد مثل. ولا أزيد.
لكن الجدير بالذكر هنا، أن كل المجرمين، تعودوا أن يرتكبوا من الجرائم ما يشاؤون، ثم تنسب جرائمهم للإسلاميين زورا وظلما وعدوانا، فلما جاء نظام حكم شريف أصابتهم الصاعقة، لأن تحقيق العدل بالنسبة لهم كارثة، كما أن صندوق الانتخابات مصيبة.
يذكرني هذا بطرفة عن قاتل مجرم كان في طريقه إلى المحكمة، وكانت أمه لا تكف عن الدعاء بأن يظهر الله الحق، فلم يتمالك الرجل نفسه فصرخ فيها: إن ظهر الحق فيها إعدام.
نعم.. بالنسبة للثورة المضادة: إن ظهر الحق فيها إعدام!. ومن هنا كان هجومهم الكاسح على المجلس العسكري وعصام شرف. إنهم يريدون حكما يواصل الظلم والبطش والتزوير لا حكما يحكم بالعدل ويرسخ الديمقراطية.
في الستين عاما الماضية حاصرت الدولة المسلمين ونكلت بهم وعذبتهم وسجنتهم وصادرت أموالهم وأعدمتهم وجاملت النصارى وتركت لهم الحبل على غاربه حتى أصبحوا يملكون 20% من شركات المقاولات في مصر. و 50% من المكاتب الاستشارية. و 60% من الصيدليات و 45% من العيادات الطبية الخاصة و35% من عضوية غرفة التجارة الأمريكية و 60% من عضوية غرفة التجارة الفرنسية و20% من رجال الأعمال المصريين و20% من وظائف المديرين بقطاعات النشاط الاقتصادي بمصر، وأكثر من 20% من المستثمرين في مدينتي السادات والعاشر من رمضان و 25% من المهن الممتازة والمتميزة- الصيادلة والأطباء والمهندسين والمحامين، والبيطريين. كما أن أغنى ثلاثة في مصر من الأقباط، أي أن 5.5% من سكان مصر- الأقباط- يملكون ما يتراوح بين 40% و60% من ثروة مصر وامتيازاتها؟!.
إن نسبة الكنائس إلى النصارى أعلى من نسبة المساجد للمسلمين، كما أن مساحة دير واحد من أديرة النصارى تفوق مساحات مساجد مصر كلها لكن الكنائس مفتوحة على مدار النهار والليل، والمساجد تغلق عقب الصلاة، ومنبر الكنيسة حر كل الحرية، ومنبر المسجد مؤمم وخطيبه مكمم.
إن نسبة النصارى في مصر أقل من نسبة المسلمين في كثير من الدول الغربية، ولم نسمع أبدا هناك ضجيجا يثيره المسلمون ولا رأينا مسئولا كبيرا أو قائدا في الجيش أو حتى عمدة مدينة من المسلمين. فهل تعرفون لماذا؟ لأن النصارى في بلادنا وجدوا من يشحنهم بالكراهية والأفكار الخاطئة، وجدوا من يشحنهم في الكنائس والصحف والمجلات التي تصدرها الكنائس بأفكار تغذي إحساسهم بالظلم الكاذب ومن هذه الأفكار أنهم أصحاب البلاد وأن المسلمين غزاة. فإذا ما كان الأمر كذلك كان طبيعيا أن يستشهدوا لتحرير بلادهم من الغزاة. وللأسف: هذا ما يفعله بعضهم.
تعال إلى أي واحد في الشارع وسلط عليه من يقنعه أن هذا الشارع ملكه، وواصل إقناعه بذلك أربعين عاما، واملأه بوهم أن هؤلاء السائرين في الشارع غزاة بغاة استولوا على الشارع منه وهو ميراث أجداده وثروة أبنائه. طبيعي جدا أن يشعر هذا المسكين بحقد لا نهائي على كل السائرين في الشارع. يا إلهي.. إنها قصة الشرقاوي الذي اشترى ترام العتبة. في المرة الأولى كانت ملهاة.. وفي الثانية مأساة. شرقاوي اشترى الترام.. ونصراني تملك مصر.. يا للمأساة.. بل يا للمهزلة..
ولنعترف.. أنه وقد تم شحن النصارى بهذه الأفكار المجنونة فإن كل شيء يصبح مبررا وتصبح مشاعر النصارى طبيعية تماما.. وتصبح مشاعرهم ضد المسلمين الغزاة البغاة الذين استولوا على بلدهم وأرضهم هي الفطرة وسواها غريب.
لكن يظل السؤال معلقا في الأفق يبحث عن المسئول عنه كروح هائمة: يظل السؤال صارخا: هذا عن المشحون فماذا عن الشاحن؟!.
من المسئول عن هذا الشحن المسعور المجرم؟..
الموساد أم السي آي إيه..
أم الآباء والقسس والكهنة.
***
المحزن أن البابا قد حول الانتماء الديني إلى نوع من الحصانة يحصل بها على الامتيازات، تماما كأعضاء المجلسين المزورين ومباحث أمن الدولة ونخب الصحافة والإعلام. والمحزن أنه تحالف مع مبارك ضد الأمة، واثقا من اتهام الإسلاميين بما شاء هو وشاء مبارك.
في الستين عاما الماضية كانت الدولة تتنصر فكرا وإن بقيت في الظاهر مسلمة. وليس معنى أن تتنصر الدولة أن تقيم القداس وتؤمن بالثالوث بل أن تكون وجهة نظرها في الإسلام والمسلمين هي بالضبط وجهة نظر اليهود والصليبيين فيه. لقد خلعت الدولة الفكر العروبي والإسلامي وارتدت الفكر الصهيوني الصليبي الأمريكي. وليته كان فكر الكنيسة المصرية التليد.
إن الغالبية العظمى من المذيعين والمذيعات والصحافيين والصحافيات الذين يتصدرون الساحة الملوثة هم أتباع مسيلمة.
بعد أحداث إمبابة، وعندما بدت بوادر عدل حقيقي يمارس لأول مرة منذ ستين عاما، بدا أعضاء الثورة المضادة متلبسين بالكذب متورطين في خداع الأمة وتشويه المسلمين، ذكرني منظرهم بمشاهد الأفلام القديمة، عندما تهاجم الشرطة بيتا سيء السمعة، فتحمل رواده ملفوفين في الملاءات. كان في أعينهم وأعينهن ذات نظرة الذل والعار والانكسار. في اليوم التالي كانوا قد امتصوا الصدمة، تماما كمل يفعل رواد البيت سيء السمعة أمام النيابة بعد أن يتمالكوا أنفسهم ويأتيهم المحامون ويتصلون بذوي النفوذ الذين يحمونهم. فيواجهون النيابة والناس بكل وقاحة.
ثلاث فضائيات أو أربعة تحمل عبء نشر الفتنة وتزييف الوعي وإشعال النار..
إحدى المذيعات فيها كانت تبدو كلبؤة متنمرة تتلمظ لالتهام البشر. قرأت في عينيها أن الحل عندها هو شن حرب إبادة ضد المسلمين واستئصال شأفتهم جميعا.. عرضت في قناتها جنازات النصارى لإشعال الفتنة ولم تعرض جنازة مسلم!. وهكذا فعلت معظم الصحف.
***
في الأعوام الماضية انتشرت أحداث العنف الطائفي وكان موقف الدولة مذهلا، وانفجر التساؤل: هل تغير المسلمون فجأة بعد ألف وخمسمائة عام؟ أم أن طارئا طرأ فحرض النصارى على التحرش بالمسلمين وإشعال الفتنة وكلما أطفأها المسلمون أعادوا إشعالها.
والمذهل أن الدولة بإمكانياتها الأسطورية وأجهزتها الأخطبوطية عجزت أن تفهم ما وراء هذا التحرش من تهديد للأمن القومي بينما فهم البسطاء ذلك فتصدوا بأنفسهم للغزوة الهمجية التي تروم خلعهم من جذورهم، وطردهم إلى الحجاز!.
المواطن البسيط الأمي رأى وفهم، أن هناك مخططا للتحرش بالمسلمين يُدفع بعض النصارى إليه. مخطط واضح محدد لاستفزازهم وإظهارهم بالمظهر العدواني، ورأي وفهم أن في الإنفاق الباذخ على إنشاء كنائس لا يوجد من يصلي فيها ليست إنفاقا سفيها بل هم يشيدون حصان طروادة. إنفاق سفيه يغذيه تمويل لا سقف له، كي يكسو الطابع النصراني وجه مصر، حيث خصص الفاتيكان 24 مليار دولار للتنصير ورشوة المتنصرين وبناء الكنائس. كما رأى المواطن البسيط أن تحدى القانون كسر للدولة، وأن احتجاز أي شخص حتى لو كان كافرا هو تحطيم لمفهوم الدولة.
***
إني أحذر وأتهم، من أن البابا شنودة منذ مجيئه ينفذ مخططا لإشعال حرب أهلية، ومهما خضعت له السلطة وتجنبت التصعيد فإنه سيصر على إشعال النار من جديد. ليس من مصلحة المسلمين إثارة الفتنة. لكن البابا وهو على خطأ يظن أن الظرف العالمي المعادي للإسلام يوفر له فرصة لن تتكرر لتحقيق مكاسب حاسمة لأبناء طائفته لن يحصل عليها إلا بإشعال الفتنة. ولقد بلغ التحرش حد الاعتداء على الشرطة ثم الجيش ثم وصل إلى الخيانة العظمي بالتجمهر حول السفارة الأمريكية كي يستغيثوا بها ضد بلادهم.
لقد اعترف موسى شاريت: " بأن أجهزة المخابرات الصليبية والصهيونية سوف تحرك الأقليات في العالم الإسلامي وفي قلبه مصر لتدمير هذه المجتمعات المستقرة" فمن الذي ينفذ أغراضهم؟.
ولعل هناك من يتساءل: وحتى لو كان ذلك صحيحا فلماذا لا نتركهم؟
والجواب: لا نتركهم لأن المسألة مسألة أمن قومي.
لقد كان البابا شنودة عضوا في "جماعة الأمة القبطية" التي ظهرت في مصر في النصف الأول من الخمسينيات- لتدعو إلى تحرير مصر من الإسلام والمسلمين!.. وهو ما يطالب به الآن أتباعه..
راجع كتابي: "كتاب النصارى":
http://www.saaid.net/book/open.php?cat=83&book=8029
***
الوقوران الشريفان: المشير طنطاوي والدكتور عصام شرف: أعرف أنكما لن تتحيزا أبدا للمسلمين، ونحن نؤيدكم في ذلك، ونذكركم بأن الله سبحانه قد أنزل في كتابه الكريم اثنتي عشرة آية تدافع عن يهودي وتنتصر له من مسلم.
نريد عدالة مطلقة..
ولكنني أذكركم.. أن العدالة المطلقة آخر ما تريده الثورة المضادة..
لا يرضيهم إلا المعادلة الصفرية التي تعودوا عليها ستين عاما.. أن يكون الوزن الفعال للإسلام في المجتمع = صفر%.
إن الحمى المسعورة التي تشعلها الثورة المضادة تعود إلى ثلاثة مستجدات نزلت عليهم كالصاعقة:
1- لقد تعودوا على أن يرتكبوا من الجرائم ما يشاؤون دون عقاب، وتعودوا أن تلفق الاتهامات للإسلاميين دون حساب.
2- ولقد نشأ معظم الأقباط على شحن هائل بأفكار شيطانية صورت لهم أنهم أصحاب البلاد وأن المسلمين غزاة.
3- أن حكما ديمقراطيا عادلا كفيل لا بقذف كل أطياف قيادات الثورة المضادة في مزبلة التاريخ فقط، بل وفي ليمان طرة أيضا.
وثمة سبب رابع أخجل من الاستفاضة فيه.. فلولا أنكم تركتموهم يدنسون الإعلام لما حدث كل هذا.
إنني أحذر..
وأرفض..
وأعترض..
وفقكم الله وجعل مصر في رباط إلى يوم القيامة.
حاشية: إلى شيوخنا السلفيين.. وإلى إخوتنا وأبنائنا.. أنتم تمثلون ظاهرة من أنبل ظواهر الصحوة الإسلامية. لكنكم تفتقدون خبرة العمل السياسي فضلا عن خبرة التعامل مع كلاب جهنم.. أرجوكم: لا مظاهرات على الإطلاق حتى مجيء مجلس شعب جديد ورئيس جديد. اهتموا بالعمل الإعلامي لأن أعداء الله يسيطرون عليه. إن كلاب جهنم من الثورة المضادة تستدرجكم إلى أرض قتل.. فاحذروا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق