وإلي نص الحوار:
< في البداية يطالب البعض بالإبقاء علي جهاز أمن الدولة مع تغيير عقيدته، وكذلك الحزب الوطني.. كيف تري ذلك؟
<< الحالتان مختلفان بالنسبة للحزب الوطني، رغم أنني أري أنه سبب رئيسي في الكوارث التي لحقت بمصر، إنما لا أستطيع المناداة بإغلاقه، أنا ـ كرجل ديمقراطي ـ لن أطالب بإغلاق حزب أو حله أو تجميده. فاذا كان من حقي عمل حزب، فمن حق غيري أن يبقي حزبه أيضاً. إنما بالنسبة لجهاز أمن الدولة فالوضع مختلف.
< من أي ناحية؟
<< من كافة النواحي.. لأن أمن الدولة، في الحقيقية ليس أمن الدولة، لكنه أمن للنظام وأمن النظام كان يتحقق بالقمع والتعذيب والاعتقال المنظم علي مدار سنوات طويلة جداً، وهو موثق لكل معارض للنظام، من اجل انتزاع اعترافات في أوقات كثيرة تكون اعترافات وهمية. وحتي لو كانت حقيقية فهذا لا يبرر جريمة التعذيب اطلاقاً وهذا كان لا يقل بشاعة عن المهمة الثانية.
< وهل كان للجهاز مهمة أخري؟
<< طبعاً.. تخريب الحركة الوطنية في مصر.. هذه الحركة قام جهاز أمن الدولة بتخريبها بانتظام علي مدي عقود، والمقر الذي احترق في الفيوم خرجت منه وثائق في صحيفة الدستور الأصلي تكشف عن شخصيات مجندة بالاسم الرباعي في الحركة الوطنية، وهذا يعني تخريبهم نفسياً وتخريب الحركة ذاتها لصالح النظام.
< البعض يفضل وجوده ليحفظ الأمن؟
<< الأمن يحفظه جهاز الأمن العام.. لا يوجد في انجلترا ولا فرنسا جهاز أمن دولة.. لكن فيها المخابرات وأجهزة الأمن العام التي تتعامل في حدود القانون، أنت مثلاً في انجلترا اذا ما فعلت أي جريمة.. فسوف يتعامل معك جهاز الأمن العام بالقانون.. ولن تضرب بالقلم.. يعني مش لازم تتنفخ حتي ينتزع منك الاعتراف، مثلما يحدث عندنا واحنا كنا وصلنا الي اننا ـ في نظامنا القمعي ـ نعذب للآخرين.
< كيف هذا؟
<< منذ سنة 94 ـ وهذا كلام موثق ـ والدول الغربية التي كانت لديها أناس متهمة بالإرهاب، والقانون الغربي الديمقراطي يمنع تعذيبهم، كان النظام المصري، يتطوع ويأخذهم يعذبهم في مباحث أمن الدولة، ويعيدهم باعترافاتهم جاهزين، لذلك هذا الجهاز يجب تغييره، لانه ارتكب جرائم لا يمكن السكوت عنها.
< هل حققت ثورة 25 يناير ما قامت من أجله؟
<< الثورة أنجزت انجازاً عظيماً.. لكن الثورة لم تنته، وباقي مطالب الثورة لم تتحقق، وهناك محاولة واضحة جداً، للالتفاف حول الثورة.
< بمعني؟
<< الحكومة التي تحكم مصر الآن، هي حكومة تنتمي الي نظام مبارك فكرياً وسياسياً وعقائدياً، السيد احمد شفيق رئيس الوزراء هو تلميذ حسن مبارك ورفيق دربه، وبالتالي هو يري أن مبارك كان حاكماً عظيماً وظل يسخر من الثورة حتي اللحظة الأخيرة، وأبو الغيط - مثلاً - اتهم الثوار بأن لديهم اجندة خارجية يعني عملاء تقريباً.
< معني ذلك أن الذي سقط هو مبارك وليس النظام؟
<< بالضبط كدة.. لم يسقط نظام مبارك بعد، والنظام موجود في السلطة، ويحاول الالتفاف وارتكبوا كل الجرائم الممكنة منذ 25 يناير وحتي 11 فبراير هي جرائم حرب وضد الانسانية بتوصيف القانون ولا تسقط بالتقادم، وأي ضابط شرطة بما في ذلك حبيب العادلي سيلاحق في كل مكان جراء ما ارتكب من جرائم ضد الشعب وعندما فشلوا في السيطرة علي الثورة لجأوا إلي شيء اخر، كان احمد شفيق وعمر سليمان وحتي اللحظة الاخيرة يتحدثان بتعالٍ.. ولكن الشعب المصري أرغم رئيس احمد شفيق علي التنحي.
< إذن هم حاولوا إفشال الثورة؟
<< طبعاً.
< وماذا فعلوا بعدما نجحت .. هل استسلموا للنجاح؟
<< لا.. يحاولون اجهاض مكاسبها، وعدم تحقيق طلبات الثورة، وهم يراهنون علي أن الثورة ستجف منابعها مع الأيام، وبالتالي يظل النظام جاثماً، وحتي إن طارت منه الرأس، فلتبق الأزيال وهي كثيرة.
< إذن الثورة - في رأيك - لم تنته؟
<< نعم.. وأنا كنت يوم الجمعة الماضي في ميدان التحرير، وكنت سعيداً، لأنني وجدت الشعب المصري العظيم لديه هذا الوعي الرفيع وكان هناك 2 مليون مصري يطالبون بإسقاط حكومة شفيق، وأظن انه في أي لحظة من اللحظات ستنزل الملايين لأن هذه الحكومة مستفزة للشعب المصري، وحديث وزير الداخلية لبرنامج مصر النهاردة يدل علي ذلك!
< كيف؟
<< الرجل كان يتحدث وكأن مصر قبل 25 يناير الرجل يقول لك بعد ما يقرب من ألف شهيد وألف و 200 مصري فقدوا أعينهم وآلاف المفقودين وآلاف الجرحي، يقول إن الشرطة قامت بواجبها بشرف واحترام ووطنية وكأن الواجب الوطني أن تقتل الناس، وتفقدهم البصر، وقال: رغم وجود بعض الاحتكاكات، والأغرب أنه قام واضطرت الشرطة لاستعمال السلاح لأن المتظاهرين كان بينهم قناصة.
< المتظاهرون بينهم قناصة؟
<< وزير الداخلية قال هذا وفي التليفزيون المصري ثم قال وكان هؤلاء القناصة يتحدثون بلغات اجنبية، هل هذا يعقل؟، وقال أيضا رأيه في جهاز أمن الدولة، وإنه جهاز لن يمس فيه ضابط واحد، وسوف يستأنف دوره الوطني.
< جهاز أمن الدولة كان له دور وطني؟
<< آه.. شفت بقي.. أصل الفكرة إيه.. هو أنك عندما تكون أقسمت اليمين أمام حسني مبارك وخدمت في نظام مبارك ومؤمن بنظام مبارك.. لا يمكن أن أطلب منك بعد أن هزم مبارك وتم خلعه أن تنفذ برنامج الثورة التي خلعت مبارك، هذا لا يتفق مع المنطق، ولا مع المسارات السياسية والانسانية، وأنا لا اتحدث عن شخصيات، لكن اتحدث عن منطق.. كيف لمن قضي عمره يحترم في نظام، أن يتواءم مع نظام ازاحه من نظام اخر.
< طيب .. يا دكتور.. البعض يقول نعطي لوزارة د. أحمد شفيق فرصة؟
<< في الفترات الانتقالية المستقرة في العلوم السياسية والقانون الدستوري.. عندما نقول فترة انتقالية كأنك تتحدث عن نظام برلماني، للكل ملامح معينة ثابتة، فعندما تقول فترة انتقالية للديمقراطية تجد خطوات محددة، ونحن لسنا أول بلد يمر بفترة انتقالية وهي ليست اختراعاً.
< إذن لماذا التأخير عن تلك الخطوات؟
<< محاولة للالتفاف والتمويه.. الحكاية معروفة، وهي إزالة النظام القديم، وكل من ينتمي إليه، والدستور هو الصيغة القانونية للنظام السياسي، وهو يسقط إذا سقط النظام السياسي، واطلاق الحريات العامة، وإلغاء قانون الطوارئ.
< وهذه كانت مطالب الثورة منذ البداية.. أليس كذك؟
<< بالضبط كدة.. لكن هذا لم يحدث.. بالاضافة إلي انتخاب لجنة تأسيسية لعمل دستور جديد ألسنا نريد مصر جديدة؟!
< نعم تريد
<< إذن لا يجوز أن تقيمها بدستور نظام مبارك، حتي ولو غيرت - أو بمعني ادق رقعت - بعض المواد، وبعد ذلك، وبناء علي الدستور الجديد الذي عمله الشعب عن طريق لجنته التأسيسية المنتخبة، تقوم بعمل دعوة للبرلمان، وانتخابات له، وبعد أن تعلن نتائجها، هنا تستطيع القول إنك وضعت قدمك علي أول خطوات في طريق الديمقراطية.
< طيب.. أين هذه الخطوات؟
<< أنا مثلك أسأل.. وإن كنت أعرف أن هناك تشويشاً متعمداً، وهناك لف ودوران حول الخطوات والتي ارجو من السيد احمد شفيق أن يفتح أي كتاب دستوري أو يقرأ العلوم السياسية وسيجد ما نقوله، وهذا رأي د. محمد نور فرحات ود. ثروت بدوي وهما فقيهان دستوريان عظيمان جداً.
< إذن لماذا يحدث ذلك؟
<< كما قلت لك.. هم يريدون الالتفاف حول الثورة، ثم أنك تجد تضارباً في التصريحات غريبة جداً.. مثلاً المجلس العسكري قال إن هذه الحكومة لن تشرف علي الانتخابات، التي من المفترض حدوثها بعد 3 شهور، أما د. احمد شفيق فهو يتحدث عن خطط ستكون لسنوات ود. جودة عبد الخالق يتحدث عن خطة للتضامن المفروض أنها ستكون لخمس سنوات. لذلك لا تعرف. هل هذه حكومة مؤقتة أم دائمة؟
< هل كنت تتوقع من د. أحمد شفيق شيئاً ما بعد سقوط مبارك؟
<< كنت أتوقع منه ان يقدم استقالته وهذا منطق الأشياء. لأنني كنت رئيس وزراء في نظام وخلع، معني ذلك أن الخلفية القانونية والفكرية لهذا النظام مرفوضة من الشعب المصري، لذلك أنا أربأ بنفسي أن أكون مرفوضاً من الشعب المصري. وللأسف لم يقدم استقالته، وما زال يعين ويقيل.. والواقع يقول: ان هذه الحكومة هي العائق الوحيد أمام مصر المستقبل.
< حتي بعد التغييرات الأخيرة في الوزارة؟
<< الوزراء الجدد.. أنا حقيقي عاتب عليهم، لأن د. يحيي الجمل والسيد منير فخري عبد النور وأنا اعرفهم معرفة شخصية وهما صديقان ود. جودة عبد الخالق من الوعي السياسي ويعلمون أنهم بدخولهم الوزارة دعموا حكومة غير شرعية. وفي الوقت الذي وافقوا هم رفض غيرهم.
< مثل من؟
<< د. محمد غنيم عرض عليه وزارة التعليم ورفض ود. محمد أبو الغار عرض عليه وزارة الصحة ورفض وكمال أبو عيطة عرض عليه القوي العاملة ورفض وأبلغوا د. أحمد شفيق بطريقة غير مباشرة أن هذه الحكومة تنتمي إلي نظام مبارك ويجب ان تسقط لتأتي حكومة لا علاقة لها بنظام مبارك.
< ربما عذرهم ـ هكذا أتصور ـ أنهم تعرضوا لضغوط وأنهم يريدون للحياة أن تسير والحياة السياسية تتحرك؟
<< يعني ايه الناس عايزة تعيش والحياة تتحرك. طيب.. كنا قمنا بالثورة ليه أصلاً؟ عيشة إية؟ إذا كنت أنت اصلاً المنهوب منك من أموال عن طريق نظام مبارك لو قدرنا نرجعه، ممكن الـ80 مليون مصري يأخذون اجازة لمدة سنة من عملهم، ونصيف بقي في شرم الشيخ والجونة وإسكندرية ود. يحيي الجمل قال إنه ضغط عليه ضغطاً شديداً من السيد أحمد شفيق لقبول الوزارة.
< علي ضوء هذه المتغيرات.. نحن إلي أين نتجه؟
<< أنا أردي أننا في معركة وحرب مع نظام من أسوأ ـ كما قيل في الصحافة العالمية ـ أنظمة الديكتاتورية في العالم. حيث لديه ميكنة قمع هي أيضاً الأسوأ علي الاطلاق في العالم. مليون ونصف عسكري أمن مركزي وأدوات صعق وكهربة وميزانية الشرطة 4 أضعاف ميزانية الصحة. يعني المواطن يدفع للشرطة ـ من الضرائب ـ أربعة أضعاف ما يدفع للصحة والتعليم. نعم الثورة خلعت مبارك.. لكن فلوله ما زالت موجودة.
< هل بالفعل فيه ثورة مضادة؟
<< طبعاً.. مباحث أمن الدولة موجودة والحزب الوطني وأبو الغيط وأحمد شفيق كل هؤلاء من نظام مبارك وبالتالي النظام لم يسقط.
< ومتي تقول.. سقط النظام؟
<< تقول فقط عندما تجد كل من له علاقة بالنظام القديم لا يجد له مكاناً ونحن هنا علينا أن نفرق ما بين الاداري والسياسي. الاداري يبقي، ولكن السياسي يرحل، أليس نظامه رحل؟ إذن عليه هو أن يلحق به.
< أمريكا.. أين هي من مجريات الأحداث؟
<< تقصد أيام الثورة؟
< أقصد بعدها؟
<< أمريكا عاشت أزمة حقيقية مع مجريات الثورة في مصر، بعدما تبين لها أن صديقها وحليفها الأوحد في حالة أزمة.. وهي ـ أيام الثورة ـ كانت ما بين نارين. هل تؤيد الثورة، فتخسر حليفها؟ وأو تؤيد حليفها، فتقع فيما وقعت فيه في إيران عام 1979 فظلت تتأرجح يميناً ويساراً. وفي لحظة الثورة المصرية ـ وهذه من المرات القليلة ـ فإن مصالح اسرائيل لم تكن متطابقة مع مصالح أمريكا.
< وإلي أين كانت تتجه بوصلة المصلحة الامريكية؟
<< لم تكن مصلحتها في عداء الثورة المصرية.
< ومصلحة إسرائيل؟
<< كانت مصلحتها بقاء مبارك في الحكم، بأي ثمن، مبارك هو الرئيس الوحيد الذي أقام رئيس وزراء اسرائيل اربعة مؤتمرات صحفية في 18 يوماً من أجل دعمه.
< إذن تعارضت مصلحة أمريكا مع مصلحة اسرائيل في هذه اللحظة؟
<< بالظبط.. وكتبت »يديعوت احرونوت« تهاجم أمريكا وتقول: إن الامريكيين القوا بحليفهم وحليفها الأوحد للكلاب.
< ده اللي هو احنا؟
<< أيوة.. وهذا منشور وموثق. من هنا كانت أمريكا أيام الثورة في حالة تخبط.
< وانتصرت الثورة.. ماذا فعلت أمريكا؟
<< قامت أمريكا.. وهذا كان واضحاً في كلمة أوباما وهو كرئيس يمثل الجانب الانساني في السياسية الامريكية كانت كلمته جيدة بعد تنحي مبارك.
< ما هي أدوار أمريكا الآن؟
<< أنا مؤمن بأن التغيير يصنع في الداخل.. ومن دروس هذه الثورة هذا التغيير الجارف الذي حدث. واثبتت أيضاً أن الشعب هو الفعل.. وهم رد الفعل وليس العكس. وأنا لا أعبأ بما يقال بدور الغرب وأمريكا.. نحن بالشهداء وقدرتنا علي التضحية واسقطنا مبارك واجبرنا العالم علي أن يحترم ارادة الشعب المصري. ونحن علينا ان نفرق ما بين الشعوب والحكومات. الشعوب الغربية كانت معنا منذ اليوم الأول.. أما الحكومات فلها حساباتها السياسية والمدهش أنك تجد أن رئيس وزراء النمسا يريد ان يأخذ الشعب المصري جائزة نوبل وبريطانيا ستقرر الثورة المصرية بداية من العام الدراسي القادم.
< متفائل؟
<< نعم.. متفائل. صحيح الحرب ليست قصيرة.. وأنت تنتزع نظاماً فاسداً من جذوره. نعم الرأس طار ببراعة.. ومعجزة.. ومن ينتزع مبارك من مقعده، بهذه الطريقة.. فالمؤكد أنه لن يقف أمامه أحد آخر.نقلا عن الوفد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق