جمال سلطان(المصريون) 07-08-2011 تعاني حركة 6 أبريل من موجة من الانشقاقات الداخلية في الأسابيع الأخيرة دفعت بعض قياداتها إلى الاستغاثة بالإعلام والأحزاب السياسية لدعمها وحمايتها من التفتت والتلاشي ، بدأت الانقسامات في القاهرة ثم امتدت إلى الاسكندرية ثم بدأت كرة الثلج تجمع في طريقها عدة محافظات من دلتا مصر ، ولم يكن هذا التشظي مفاجئا لي ولا جديدا ، والذين يتابعون هذه الزاوية بانتظام لعلهم يذكرون أني تحدثت عن التفتت والتمزق المنتظر في مثل هذه الحركات بسبب التطرف وتراجع العقل السياسي المستمر أمام المزايدات والابتزاز من قبل نزعات التطرف الثوري والغلو داخل هذه الحركات.
حركة 6 أبريل واحدة من مجموعة حركات شبابية جديدة ، تشكلت في السنوات الأخيرة قبل سقوط مبارك ، ينبغي أن نعترف بأن حركة "كفاية" كانت فاتحة الشهية لتوالد مثل هذه الحركات ، والقيمة الأساسية لها أنها تجاوزت الأطر التقليدية للأحزاب السياسية "الديكورية" التي اصطنعها نظام مبارك ، وهي أحزاب ـ بالكامل ـ كانت تلعب مع النظام ومع أجهزته الأمنية ، ولقياداتها مصالح معقدة ومتشعبة ، سياسية واقتصادية واجتماعية ، مع النظام ، وكانت بعض الاتهامات العلنية من قبل قيادات مغضوب عليها في تلك الأحزاب تكشف المثير من خفايا هذا الترابط ، وكثيرا ما لعب النظام على هشاشة تلك الأحزاب وضعف وجودها الشعبي وقواعدها ، فكان يرتب الانشقاقات والانقلابات داخل بعض الأحزاب التي لا يتمكن من السيطرة التامة عليها لينصب عليها بعض رجاله المخلصين ويغدق عليهم الحماية والتسهيلات من كل نوع ، وكان صفوت الشريف هو رجل هذه اللعبة بلا منازع .
حركة كفاية كانت إعلانا عن "دفن" هذا النظام الديكوري ، ورفضت أن تشكل حزبا أو أن تعمل من خلال أي إطار "شرعي" وقانوني في ظل نظام غير شرعي وغير قانوني ، ولما كانت لا تملك الأطر الشرعية والقانونية والمكاتب والفروع والعلاقات الأمنية ، كان فعلها في الشارع مباشرة ، فكسرت حاجز القلق والتردد أمام القوى السياسية والشباب خصوصا من النزول إلى الشارع ، كان الأمر في البداية ضعيفا ، ولا يتجاوز أي وقفة العشرات ، معظمها أمام سلالم نقابة الصحفيين ، وأذكر أننا دعونا لوقفة احتجاجية أمام مجلس الشورى من جهة شارع قصر العيني فكنا حوالي خمسة عشر رجلا ، وكانت قوات الأمن التي تحاصرنا تتجاوز الثلاثة آلاف ضابط وجندي ، كانت جحافل الشرطة تخدمنا كثيرا بصناعة حشد وضجة ، وكان الناس ينظرون إلينا بحذر واستغراب من خلف نوافذ الحافلات والسيارات ، لكن تلك التحركات كسرت حاجز الخوف والقلق ، وأعطت رسالة بأن الديمقراطية تبدأ من الشارع وليس من الأحزاب التي صنعها صفوت الشريف وأجهزة الأمن ، وكانت هذه هي الإشارة التي فتحت الطريق أمام جيل جديد من الشباب المصري الذي بدأ ينشط في الشوارع وعبر شبكات الانترنت .
هذا التطور الجديد أربك نظام مبارك ، الذي اعتاد أن معارضته إما من الأحزاب الديكورية وهو يعرف كيف يلاعبها بخبرات صفوت الشريف ومؤسسة الفساد وإما مع الجماعات الإسلامية ويعرف كيف يسيطر عليها برعب جهاز مباحث أمن الدولة وجبروته والمحاكم الاستثنائية ، أما هذه الأجيال الجديدة والتي تستخدم أدوات ضغط سياسي جديدة فكانت محيرة ، وكان خطؤه الفادح أنه لم يحملها على محمل الجد الكامل ، الأمر الذي أتاح لها التوالد بكثرة وتنمية مهارات الحركة الشعبية بصيغ مبتكرة ، فظهرت مجموعات نشطاء الفيس بوك ونشطاء متضامنون مع الدكتور محمد البرادعي وغيرهم ، ولا بد من الاعتراف بأن هذا الجيل الجديد من الشباب المصري هو الذي أحدث الفارق النوعي ، وهو الذي وضع مصر على أبواب ثورة شعبية .
هؤلاء الشباب هم ثروة مصرية حقيقية الآن ، ينبغي الحفاظ عليها ، وليس وأدها بسبب أي خلاف سياسي ، هؤلاء هم الجيل الذي يمكن له أن يصنع مستقبلا سياسيا غير مثقل بخبرات الماضي السوداوية وإحباطاتها ، هؤلاء الشباب إذا نجحوا في صياغة مؤسسات سياسية منضبطة وحكيمة ، وشكلوا أحزابا جديدة مستقلة ، بعيدة عن وصاية رجال البيزنس أو المؤسسات الأجنبية ، وراهنوا على التواصل مع الناس والبسطاء والشعب نفسه ، وأحسنوا التواصل مع الأجيال الجديدة من الإسلاميين ، فسيغيرون وجه مصر ، ولذلك أناشد كل القوى المحبة لهذا الوطن ، أن يفرقوا بين تصديهم لنزعات التطرف والغلو داخل هذه الحركات ، وبين رفضهم لوجود تلك الحركات ابتداءا ، هذا خطأ كبير ، وخسارة فادحة للوطن ، ولا ينبغي أن نستعدي أي قوة أمنية أو عسكرية ضدها ، تحت أي ظرف أو مبرر ، ولا نتسامح مع أي اعتداء سلطوي "غير مشروع" عليهم تحت أي ذريعة ، والذي تختلف معه اليوم قد يكون هو سندك غدا في مواجهة المحن والتحديات وحمل الأمانة ، فقط نتكاتف من أجل تطهير هذه الحركات الجديدة من التطرف ، ومن الانتهازية ، ومن طموحات رجال المال وهيمنتهم ، ومن تدخلات بعض المؤسسات الدولية التي لا يخصها كثيرا مصلحة مصر ونهضتها بقدر ما يهمها مصالح أخرى ، وأن ندعم قوى الاستنارة والعقلانية والاعتدال فيها .
لذلك كله ، لست سعيدا بذلك التشظي والانشطار في حركة 6 أبريل ، رغم أني توقعت ذلك كله ، لأن التطرف بوابة التشرذم السهلة دائما ، وأتمنى أن تدرك تلك القوى أن اللحظة الحالية التي تعيشها مصر ليست هي لحظة نهايات عصر مبارك ، بل بدايات عصر جديد ، والأدوات والسلوكيات واللغة التي استخدمت في مواجهة نظام مبارك ، قد تكون مضرة للغاية وخطرة عندما تستخدم جزافيا الآن ، وقد تنتهي بخسارتهم حصاد كل نضالهم السياسي المحمود . | |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق