مع انتصار الثورة الشعبية فى مصر انبثق فجر جديد لا فى مصر وحدها ولا فى بلاد العرب فحسب بل فى العالم بأسره .. فمن أعجب ما قرأته هذا الأسبوع بعض مقالات لكُتّـاب بريطانيين يعلقون على هذه الثورة قائلين بأن ثورة مصر ستجرف العالم العربي، ثم تنتشر فى أوربا.. إقرأ فى هذا مقالات مارتن أرمسترونج Martin Armstrong ، ثم إقرأ تعليق El-Erian فى أمريكا الذى يقول: إن الثورة المصرية قد كشفت ضعف الولايات المتحدة، وهو لا يقصد الضعف السياسى فحسب ولكنه يقصد الضعف الاقتصادي، ودليله على ذلك أن المستثمرين الأجانب الذين هربوا بأموالهم من مصر لم يلجأوا إلى أمريكا التى كانت تعتبر فى الماضى هى الملجأ الآمن للثروات الهاربة.. والذى يحلل مواقف الحكومات الغربية الآن خصوصا فى فرنسا وبريطانيا وألمانيا، وفى سويسرا أيضا، يلاحظ نغمة تودّد (غير مألوفة) للشعب المصرى وللثورة المصرية .. حيث يبدون استعدادهم لتجميد الأرصدة والأصول المنهوبة من مصر، وأنهم فقط ينتظرون الإشارة من الحكومة المصرية لإعادتها إلى مصر.. وهذا تطوّر جديد فى الخطاب الدبلماسي الغربي تجاه مصر غير مسبوق .. واضح فيه أن الجميع بدأ اليوم يأخذ مصر والمصريين مأخذ الجد.. وينظر إلى مصر وإلى الشعب المصري نظرة احترام وإجلال، وبدأت أجهزة الرصد الفكري تراقب وتدرس أبعاد هذا التغيير المذهل الذى وقع فى مصر الثورة.. ويربطون بين هذه الثورة وبين نهضة العرب التى بزغت فى الأفق.. مع بزوغ الثورة المصرية.. أما بين الشعوب العربية فقد أحدثت الثورة زلزالا فى المشاعر: غمر الأمل قلوب الجماهير بعد أن كانت ترزح تحت وطأة اليأس والقنوط، وحل الممكن فى محل المستحيل.. ولم لا وهم يرون بأعينهم سقوط إمبراطورية الفساد والاستبداد والنفاق فى مصر... وعاد الأمل إلى نفوس المسجونين والمعتقلين السياسيين باقتراب حصولهم على حرياتهم، ولم يعد المستضعفون فى كل بلاد العرب يحلمون فقط بالحرية والانعتاق من نير الدكتاتوريات الجاسمة على صدورهم.. بل يطمحون إلى أن يملكوا زمام أمورهم بأيديهم ويصنعوا مستقبل حياتهم كما يريدون لا كما يريد الطغاة والقوى الأجنبة.. وبقدر ما ترتعد فرائص إسرائيل نرى الأمل يلتمع فى عيون الشعب الفلسطينيي الذي يشعر باقتراب فك الحصار واندحار المحتل المجنون..
أما فى مصر فقد بدأت حياة جديدة تنبض فى عروق الشعب المنتصر.. ولأول مرة عبر ثلاثين عاما تغمر صدور المصريين فرحة حقيقية.. ولكن فى غمرة هذه الفرحة.. والأحداث المتلا حقة .. ولهفة الناس على سماع الجديد من تحقيق مطالبهم التى ثاروا من أجلها، لا يمكن أن ننسى الشهداء الذين سقطوا فى معركة الحرية.. ولا المصابين الذين لا يزالون يُعالجون بالمستشفيات من جراحهم.. فقد كان هؤلاء هم الذين تقدموا الصفوف بجسارة وتلقوا بصدورهم رصاص البرابرة الأوغاد .. وهم الذين ببطولاتهم دفعوا ملايين المصريين للنزول إلى الشارع لاحتضان الطليعة الثورية، وهكذا صنعت الحشود المليونية على مدى ثمانية عشر يوما واحدة من أعظم الثورات الشعبية فى تاريخ العالم..
لقد أمضيت أسبوعا فى البحث عن أسماء الشهداء والجرحى، اطّلعت على مدوّناتهم، ورأيت صورهم وسمعت أصواتهم.. وتحسست نبض الحياة فى كلماتهم.. كنت أود أن أعيش معهم وأمارس مشاعرهم ، وأتحسس آمالاهم وطموحاتهم.. وكيف كانو يعدّون أنفسهم لمخاطر الثورة وللتضحيات التى تنتظرهم على طريق الحرية.. وتقلّبت مشاعرى بين مزيج من الإعجاب والفخر والفرحة .. ودمعت عيناي حزنا على شهدائهم ، وأنا أنظر إلى أجسادهم وقد مزّقتها رصاصات الغدر؛ رأيت آثار خمسة وعشرين رصاصة غادرة رشقت بدن الشهيد مصطفى الصاوى، فمزّقت وجهه ورقبته وسكنت فى صدره .. ولكنى رأيت فيها أوسمة من الجنة استحقها الشهيد الذى خرج لا يريد إلا وجه الله وتحرير وطنه من الظلم والظُّلاّم الهالكين. لقد كانت أمّه نموذجا رائعا للأم المحتسبة الصابرة قوية الإيمان بربها.. خرجت فى اليوم التالى لاستشهاد ابنها تشارك مع الحشود الثائرة وهى تحمل بين ذراعيها لا فتة كبيرة تقول: " ألا إن نصر الله قريب" .. حياة هذه النماذج الرائعة للشباب المصرى الثائر يجب أن يُعنى الكُتّاب ببحثها وتأليف الكتب عنها وتقديمها للشباب.. وتدريسها فى المدارس .. وهذه التضحيات التى فجرت الثورة المصرية لا يمكن أن تذهب هدرا وليس من حق أحد أن يفرط فى مكتسباتها.. ولا أن ينظر إليها نظرة استهانة باردة، نحن نمر الآن فى مرحلة شديدة الحساسية بالغة الأهمية.. لذلك أطرح النقاط التالية التى أرى أنها تمثل أولويات لا بد من اتخاذ قرارات فورية بشأنها، ولا يصح المماطلة فيها أو تأجيلها.. لأن فى ذلك خيانة للثورة لن يغفرها الشعب لأحد:
أولا: وجود حكومة أحمد شفيق فى السلطة حتى الآن ليس له دلالة عندى إلا أن تكون تكريسا واستمرارا للنظام الذى أسقطه الشعب، وليس هناك معنى آخر للإبقاء على حكومة اختار رئيسها مبارك نفسه، وهو صديق شخصى له، وعليه علامات استفهام كثيرة تشير إلى مشاركته بل ضلوعه فى عمليات النهب والفساد.. وفيها نفس الوزراء السابقين مثل أبو الغيط وشهاب وهباب، وكلهم بلا استثناء غير مؤهلين لإدارة اسطبل، ناهيك بوزارة..
هؤلاء جميعا فقدوا صلاحيتهم .. فقد اعتادوا على تعطيل عقولهم حتى كسدت وتكلّست .. كانوا دائما فى حالة انتظار توجيهات السيد الرئيس، لم يكن عندهم دراسات ولا مشروعات ولا برامج لتنفيذها .. إنما ينفذّون توجيهات و أوامر الرئيس.. و لم يكن الرئيس عبقريا ليوجّه فى السياسة والدبلماسية والتجارة والصناعة والصحة والتعليم وغير ذلك.. إنما هى (على بلاطة) توجيهات و أوامر أمريكية إسرائيلية واجبة التنفيذ.. فالرئيس السيكوبات لم يكن سوى خادم أمين للقوى الأجنبية..
وأنا شديد الاندهاش لموقف المجلس الأعلى للقوات المسلحة: لماذا يصر على استمرار هذه الوزارة ضد رغبة الشعب..؟ لماذا لا يتخذ قرارا فوريا بتسريح هؤلاء الناس الذين لا يثق بهم الشعب ولا يريدهم، ويعلم أن الوزارات لن تنهار إذا ذهبوا إلى الجحيم.. فهم لا يفعلون شيئا.. ولا يصلحون لأى عمل إيجابي مفيد .. وجودهم كعدمهم.. ووكلاء الوزارات يمكنهم أن يديروا هذه الوزارات ربما أفضل من هؤلاء العجزة المعوّقين ذهنيّا ووجدانيّا .. المشكوك فى ذمتهم ونواياهم..؟! لماذا لا يتخذ المجلس قرارا بتشكيل وزارة انقاذ مؤقته من الشخصيات المستقلة عن الأحزاب، لحين إجراء انتخابات وتشكيل حكومة يختارها الشعب..؟! إن الشعب على يقين بأن هذه الوزارة لا تنتمى إليه ولا يمكن أن تعمل لمصلحته.. فمصالحهم متناقضة مع مصالح الشعب.. ولذلك طالب بإلغاء هذه الوزارة ولا يستطيع المجلس ولا أي قوة أخرى أن ترفض الآن مطالب الشعب..!
ثانيا: من حق الشعب أن يشك فى نوايا هذه الحكومة عندما يسمع من رئيسها أن هناك ترتيبات لوضع عمر سليمان فى مركز مهم... فمن يريد هذا الرجل فى أى مركز على الإطلاق..؟! وما هى أهميته..؟! .. كأنه قدر محتوم على الشعب المصري.. بالتأكيد ليس الشعب هو الذى يريده، بل يريد محاكمته على جرائم كثيرة ارتكبها فى حقه .. بالتأكيد السيد أحمد شفيق لا يخاطب الشعب المصري بهذا التصريح وإنما يخاطب جهات أجنبية ليطمئنها على مصالحها.. مثل إسرائيل وأمريكا..! وهذا لا يلزمنا بشيئ على الإطلاق... لقد هتف الملايين بسقوط عمر سليمان وطالبوا برحيله مع سيّده السيكوبات الأكبر.. وعلى الجميع أن ينزل على إرادة الشعب.. إن الذين يراهنون على إخماد لهيب الثورة أو الالتفاف حولها واهمون.. والذين يختزلون هذه الثورة الشعبية إلى اتفاضة مجموعة من الشباب .. أو إلى مجرد احتجاجات موظفين وعمال لهم مطالب فئويّة محدودة، ويمكن إعادتهم إلى أماكن عملهم ببعض الوعود والهبات المادية، هم أيضا غارقون فى وهم كبير.. والذين يتربصون بثورة الشعب ويماطلون لاكتساب الوقت، فى محاولة لإعادة تنظيم صفوفهم وجمع فلولهم التى مزقتها ثورة الشعب، يحلمون بالسراب. إنهم أمام طوفان الثورة فقدوا القدرة على التفكير المبدع.. تجرّدوا من الحس السياسي.. وانطمست فطرهم الإنسانية فأصبحوا كما يصفهم القرآن : [ وإذا رأيتهم تعْجبْك أجسامهم، وإن يقولوا تسمعْ لقولهم كأنهم خُشٌبٌ مُسَنّدة، يحسبون كل صيحة عليهم].. وقد نبهنا القرآن ألا نخافهم، وإنما فقط أن نحطاط من غدرهم حيث يقول :[ هم العدوّ فاحذرهم، قاتلهم الله أنى يُؤْفَكون]
ثالثا: ألاحظ أنه حتى هذه اللحظة ورغم وعود المجلس العسكري بالاستجابة لمطالب الشعب لم ينفذ شيئا مذكورا فحكاية إلغاء البرلمان وإلغاء الدستور كلها مجرد تحصيل حاصل.. وأن المجلس لم يقترب قيد أنملة من المطالب الحقيقية والحيوية التى يتطلّع إليها الشعب مثل: إلغاء قانون الطوارئ وإسقاط أحكام المحاكم العسكرية ومحاكم أمن الدولة، والإفراج فورا عن المسجونين والمعتقلين السياسيين.. فهل يحتاج الأمر إلى تفكير أوتأجيل..؟! هل يحتاج الأمر إلى تفكير وتأجيل للإفراج فورا عن أناس أمضوا بالفعل مدة السجن، ومع ذلك لا يزالون محتجزين فى المعتقلات، مثل عبود الزمر وغيره..؟ هل هناك سبب لاحتجاز مئات من المعتقلين أمضوا فى المعتقلات شهورا وسنوات دون أن توجّه إليهم اتهامات رسمية ولم يُقدّموا إلى المحاكمة ..؟! هل يحتاج الأمر إلى تفكيركثير..؟! إن هذه أمور ومطالب يمكن وضعها فى حزمة واحدة ليصدر بها قرارا واحد اليوم قبل غد..! إنه إن لم يفعل فليس من حقه أن يتوقع أن يحظى بثقة الشعب فيه..؟! ومن حق قيادات الشعب عندئذ أن تنشىء حكومة بديلة موازية وتفرض إرادتها بمساندة الشعب كما فعل شعب كوسوفا مع حكومة صربيا فى ثمانينا القرن الماضى ..
رابعا: نسمع بين يوم وآخر أن حكومة أحمد شفيق قد منعت فُلانًا من السفر، وأنها قد أحالت علاّنًا إلى التحقيق، أو أنها طلبت من الحكومات الأجنبية التحفظ على أموال اللصوص الذين نهبوا أموال الشعب وهرّبوها خارج مصر.. وأنها قدّمت قوائم بأسماء هؤلاء اللصوص، ولكن العَجَبُ العُجابُ هنا هو أن هذه القوائم لا تتضمّن إسم اللص الأكبر، الذى لولاه ما كان لهؤلاء اللصوص الصغار أن يظروا أبدا إلى الوحود.. وطبعا أصبح جميع الناس يعرفون من هو هذا اللص الأكبر، ويعرفون أن الثروة التى نهبها مع أفراد عائلته وأودعها فى الخارج قد بلغت سبعين مليارا من الدولارات .. وتتكشف لنا كل يوم حقائق ووثائق جديدة تشير إلى أرقام هائلة سرقها هذا اللص السيكوبات، تبلغ ٢٦٥مليارا من الدولارات، سرقها من هذا الشعب الطيب الكادح وحرمه من قوته وعرق جبينه، ولو أنها أُنفقت فى مصر لقضت على كل مشكلات الشعب الذى عانى منها ثلاثين عاما : مشكلات الفقر والبطالة وشظف العيش والتغريب والعنوسة.. لو أن هذه الأموال المنهوبة بقيت فى مصر وأنفقت فى مجالاتها الصحيحة لأحدثت نهضة زراعية وصناعية واجتماعية ولما بقيت مصر فى أوضاعها المهينة تتسول المعونات من هنا وهناك.. وتشترى القمح المسرطن من أمريكا وروسيا.. ليسقط أبناؤها كل عام بالآلاف فى براثن الأمراض المهلكة..
والسؤال الآن هنا هو: لماذا لم يظهر إسم السيكوبات الأكبر وأسماء عائلته فى قوائم أحمد شفيق.. ولماذا لم يوجه الاتهام إليهم جميعا ويبدأ فى التحقيق الفوري فى هذه القضية الكبري..؟؟! هل يرى سيادته أن ماسرقه مبارك حلال، وما سرقه الآخرون فقط هو الحرام..؟! نريد أن نفهم ... والشعب كله يريد أن يفهم.. ما الذى يجرى فى دهاليز هذه الحكومة وكأنه ليس طرفا فى القضية ..؟! هذه الأموال المسروقة والمهرّبة إلى الدول الأجنبية هي أموال الشعب ومن حقه أن يستردها وينتفع بها.. وليس من حق أحد اليوم أن يتهاون فى حقوق هذا الشعب..
إن نظام الطاغية السيكوبات لم يترك شيئا فى مصر لم يلحق به الفساد، و قد أصبح حجم هذا الفساد والخلل الذى أحدثه فى مصر شيء مهول.. يكاد يكون من المستحيل الإحاطة به فى كل تفاصيله ، فأنت أينما توجّهت بنظرك تُصدم بهول الفساد والخراب الذى أحدثه الطاغية المخلوع ونظامه فى مصر.. كأن جيشا من شياطين الجن قد اجتاح هذا البلد المنكوب، فى غفلة من أهله..! إن تطهير مصر مما أفسده السيكوبات المخلوع وإعادة بنائها يحتاج إلى سنوات من العمل الشاق .. والمماطلة فى تنفيذ مطالب الشعب أوالتراخى فى إعادة حقوقه يزيد من حنق الشعب ومرارته ويفقده الصبر والاحتمال، ويدفعه دفعا لثورة أخرى لن تكون سلمية عقلانية كسابقتها...
ما أراه الآن بوضوح تام بعد مراقبة وتحليل ما يجرى على الساحة فى مصر: أن الشعب المصري حريص على أن يحافظ على الجيش وأن يدّخره لمهامه الأصلية فى الدفاع عن أمن الوطن من العدوان الخارجي.. ولقد حافظت ثورة الشعب عليه فى حين أن ثورات شعبية أخرى قد أدّت إلى انهيار الجيش.. وأقربها إلينا زمنيا الثورة الإيرانية.. لقد كان تآذر الجيش مع الشعب المصري فى هذه الثورة مثار إعجاب العالم.. ولست أرى أن نضيف إلى أعباء الجيش أعباء إضافية، وليس من الحكمة أن نطالبه بالتوغّل فى السياسة أكثر من طاقته وأكثر من استعداده، فالجيش ليس مؤهلا للعمل السياسي.. ومن الخطأ الفادح وقصر النظر، بل من الحماقة السياسية أن نضغط على الجيش لكى يلج فى السياسة أكثر مما ينبغى له ... وإذا كان الرئيس المخلوع قد ورّطه فى مهمة ليست جزءا من طبيعته ولا كان مؤهلا لها، فقد أصبح هذا قدره وقدرنا.. ولكن يمكن تدارك الأمر بتصحيح المفاهيم التالية عند الجيش وعند القيادات الشعبية والقوى السياسية على السواء:
أولا- يجب أن يكون مفهوما أن المرجعية الشرعية الآن سواء بالنسبة للجيش أوللحكومة (أى حكومة) لم يعد الرئيس الذى قام بالتكليف فى وقت ما مضى من الزمن.. فهو نفسه لم يعد شرعيا ، إنما الشرعية الآن هى للشعب المصري .. وشرعية أي مؤسسة أخرى بما فى ذلك الجيش ومجلسه الأعلى تستند فقط إلى الشعب الذى أخذ زمام نفسه بيده بعد انطلاق ثورته وإزاحة رئيس الدولة من منصبه.. ثانيا: يتبع هذا أن ما يراه الشعب ويُجمع عليه ملزم لجميع المؤسسات .. وما على هذه المؤسسات إلا أن تستمع وتنفّذ.. وهذا هو الوضع الطبيعى لكل ثورة شعبية.. ويجب أن تفهم القيادات السياسية التى تتطلّع إلى الجيش أن يصنع لها المعجزات أن تستوعب هذه الحقيقة.. وعلى الجيش أن يتنبه أن إسرائيل كانت ولا تزال تتمنى أن يحدث صدام بين الجيش والشعب ، وأعتقد أنها تحاول أن تفعل هذا الآن بكل ما أوتيت من مكر.. منتهزة فرصة الثورة الشعبية.. أن تدمر الجيش المصري.. فهذه فرصتها الوحيدة للقضاء على الثورة الشعبية.. التى وضعت أقدام مصر على طريق الديمقراطية الصحيحة ، إسرائيل تعلم أن أى حكومة تنتجها هذه اليمقراطية لا يمكن أن تكون مثل حكومات عميلها المخلوع أبدا، فقد كانت تعتبره حليفها الاستراتيجي الضامن لأمنها وسلامتها وتمدّدها فى المنطقة بغير حساب.. لا يمكن مثلا لأى حكومة ديمقراطية فى مصر أن تبيع الغاز لإسرائيل بالملاليم التى اشترت بها غاز مصر.. ولا أن تمدّها بالغاز والبترول أصلا وهى لا تزال تحتل الأراضى الفلسطينية .. وتسوم الفلسطينيين سوء العذاب الخطر الحقيقى الذى تخشاه إسرائيل هو قيام حكم ديمقراطى سليم فى مصر.. وهى تدرك ذلك تمام الإدراك.. دع عنك فزّاعة الإخوان المسلمين .. والإرهاب الإسلامي ، فالفزّاعة والإرهاب محض خيال مريض يعشش فى عقول الأمريكيين والإسرائيليين، إنها أسطورة يسوّقونها لابتزاز العالم، وكان نظام الدكتاتور المخلوع يروج لهذه الخرافة ليواصل نهب مصر ويورّثها إرثا لابنه كما تورّث قُطعان الماشية...! ودور الجيش الحقيقى فى المرحلة القادمة هو أن يحافظ على أمن مصر من المؤامرات وعمليات التخريب الإسرائيلة فى مصر.. وأن يحافظ على أمن المؤسسات الشعبية والحكومة الانتقالية التى سيختارها الشعب بنفسه..
ثالثا: لا يجب على القوى السياسية فى مصر أن تعتمد على الجيش أن يحل لها مشاكلها ويرتب لها أمورها، بل يجب أن تتفق على تشكيل حكومة إنقاذ وطنى مؤقتة من الشخصيات العامة والكفاءات البارزة المشهورة المعروفة للناس، مستندة فى ذلك إلى الشرعية الشعبية .. وتتقدّم بها إلى الجيش لا لتنال موافقته عليها.. ولكن لإعلامه بما اتفق عليه الشعب .. ولتطلب منه أن يتخذ كل ما يلزم للحفاظ على سلامة هذه الحكومة وأمنها من أى عدوان عليها من قبل فلول النظام البائد.. إلى أن يتم تعديل الدستور واجراء انتخابات برلمانية ورئاسية.. وينتخب الشعب حكومته الجديدة..
رابعا: تتركز المهام الأساسية لهذه الحكومة فى الآتى: [١] تسيير أعمال الوزارات. [٢] تفكيك ما تبقي من النظام البائد والسيطرة عليه. [٣]الإشراف على لجان تعديل الدستور والإصلاحات القانونية الضرورية لإجراء انتخابات حرة وشفافة ونزيهة. [٤]إجراء عملية الانتخاب بإشراف القضاء عليها من الألف إلى الياء.. وفور إعلان نتائج الانتخابات تسلم مفاتيح السلطة للحكومة المنتخبة، وتذهب مشكورة إلى حال سبيلها...
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق