|
عندما تنسى الشعوب خوفها ينهزم الطغيان (الأوروبية-أرشيف) |
بعد ثلاثة أسابيع من مراقبته لأكبر دولة عربية وهي تزيح رئيسها الهرم من السلطة، يقول روبرت فيسك في مقاله بصحيفة إندبندنت:
إنه مندهش من شيء غريب جدا وهو أننا كنا نقول للعالم إن عدوى الثورة التونسية انتشرت في مصر وإن احتجاجات ديمقراطية شبه متطابقة قد اندلعت في اليمن والبحرين والجزائر، لكننا جميعا فاتنا أبرز تلوث على الإطلاق: وهو أن شرطة الأمن الذين يدعمون سلطة الحكام المستبدين في العالم العربي قد استخدموا نفس أساليب الوحشية اليائسة لسحق المتظاهرين في صنعاء والبحرين والجزائر كما حاول دكتاتورا تونس ومصر عبثا توظيفها ضد متظاهريهم المؤيدين للديمقراطية.
وكما استفاد ملايين المصريين المسالمين في القاهرة من قناة الجزيرة ومن نظرائهم في تونس كذلك استخدم بلطجية الأمن في مصر، على فرض أنهم يشاهدون نفس البرامج، نفس أسلوب الوحشية ضد الجماهير كما فعل نظراؤهم في تونس. لكن المثير للدهشة عند التفكير في الأمر هو أن رجال الشرطة في القاهرة رأوا رجال الشرطة في تونس يسحلون معارضي الحكومة -متجاهلين تماما حقيقة أن هذا هو ما أدى إلى سقوط بن علي- لكنهم مضوا في تقليدهم.
" إذا نسي الشعب خوفه مرة واحدة وانتفض لسحق قامعيه فإن نفس منظومة الألم والخوف تصير عدوهم وتصبح ضراوته نفس سبب انهيار هذا الخوف وهذا ما حدث في تونس وما حدث في مصر " روبرت فيسك/ إندبندنت |
وبما أنه كان لي شرف الوقوف قريبا من جنود الأمن في شوارع القاهرة فقد كنت شاهدا على أساليبهم من واقع خبرة شخصية.
أولا واجه رجال الشرطة المتظاهرين ثم غادر الضباط المكان مفسحين المجال للبلطجية، من رجال الشرطة السابقين ومدمني المخدرات والمجرمين، للتقدم للأمام وضرب المتظاهرين بالعصي وهراوات الشرطة والقضبان الحديدية. ثم تقهقر المجرمون إلى خطوط الشرطة بينما ضرب الضباط المتظاهرين بآلاف من قذائف الغاز المسيل للدموع المصنوعة في الولايات المتحدة.
وفي النهاية تغلب المتظاهرون ببساطة على رجال الشرطة ومجرميهم. وعندما عدت لمشاهدة قناة الجزيرة وجدت نفس الأسلوب متبعا في اليمن والجزائر ثم البحرين.
وأشار فيسك إلى أن مخابرات هذه الدول كانوا يحاكون زملاءهم لسبب بسيط: لأن رؤساء مخابراتهم كانوا يتبادلون المعلومات السرية منذ سنوات ومعلومات عن التعذيب أيضا. فقد تعلم المصريون كيفية استخدام الكهرباء في سجونهم الصحراوية بطريقة أشد على الأماكن الحساسة بالجسم بعد زيارة ودية لرجال الأمن الجزائري المتخصصين في ضخ الماء داخل الرجال حتى ينفجروا.
وقال فيسك إنه عندما كان في الجزائر في ديسمبر/ كانون الأول الماضي شاهد رئيس قوات الأمن التونسي أثناء زيارة ودية كما فعل الجزائريون عندما زاروا سوريا عام 1994 ليتعرفوا على طريقة تعامل حافظ الأسد مع الانتفاضة الإسلامية في حماة عام 1982 عندما ذبح الرجال ونسف المدينة وترك جثث الأبرياء في الشوارع ليشاهدها الناجون. وهذا ما فعلته الشرطة الجزائرية بعد ذلك مع الإسلاميين والشعب.
والدرس الذي يشير إليه فيسك هنا هو أن كل هذه الأساليب الشيطانية كان يعيبها شيء هام وهو أنه إذا نسي الشعب خوفه مرة واحدة، مجرد مرة واحدة، وانتفض لسحق قامعيه فإن نفس منظومة الألم والخوف تصير عدوهم وتصبح ضراوته نفس سبب انهيار هذا الخوف. وهذا ما حدث في تونس ومصر.
وما يثبته هذا كله هو أن حكام الشرق الأوسط المستبدين أغبى وأخبث وأتفه وأسخف مما اعتقدت شعوبهم.
نقلا عن الجزيرة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق