محمود سلطان (المصريون) 04-08-2011
استقرت التقاليد العسكرية المصرية، على أن تتعامل باحترام شديد مع قيادتها السياسية، حتى إذا انقلبت عليها، فإنها تتصرف إزائها بـ"شياكة"، لا تخطئها عين المراقب.
الملك فاروق قرر الجيش، "ترحيله" باحتفالية عسكرية وبروتوكول ملكي احتفظ للرجل منزلته السياسية، وكذلك الأمر حدث مع الرئيس المصري الراحل محمد نجيب حيث تم تحديد اقامته بهدوء.
تصرف الجيش المصري مع هاتين القيادتين وفي هذه المرحلة، كان بطبيعة حال نتاج المحصلة النهائية للأطراف التي شاركت فيها.. حيث لم يوجد ـ في ذلك الوقت ـ إلا طرف واحد وهو الجيش فيما ظل الشعب عند حدود "المشاهدة" والتي تحولت إلى تأييد ومبايعة، وترك الأمر بيد القيادة العسكرية وحدها.
ما حدث يوم أمس "محاكمة مبارك" كان شيئا مختلفا تماما، وذا مغزى بالغ الأهمية، إذ لأول مرة يحيل الجيش القيادة السياسية إلى المحاكمة، ونقلها إلى الملايين ـ وإلى العالم كله ـ على الهواء مباشرة.
المشهد الأخير، جاء محصلة لـ" إرادات" القوى والأطراف التي شاركت في ثورة 25 يناير.. ولئن كان الجيش هو الشريك الوحيد في صنع ثورة يوليو 1952، فإنه لم يكن كذلك في ثورة 25 يناير، بل كان جزءا من القوى التي صنعتها، وعلى رأسها الشعب المصري، ويظل قرار محاكمة مبارك قرار "شراكة" .. وهي تجربة مختلفة تماما عن تجربة خروج فاروق عام 1952، وتحديد اقامة محمد نجيب بعد اقالته عام 1954.
محاكمة مبارك، لم تكن أهميتها ـ وكما بدا يوم أمس ـ في علانيتها غير المسبوقة في التاريخ المصري الحديث، وإنما في فحواها المطمور والذي يعكس توافق الإرادتين "العسكرية والشعبية" تحت شعار الثورة الخالد "الجيش والشعب يد واحدة".. وهو التوافق الذي صنع هذا الحدث السياسي الكبير والفريد في "إبداعه" السياسي، والفريد أيضا على صعيد خبرات التاريخ الإنساني ذاته.
محاكمة مبارك، هي أبرز تجليات الخريطة السياسية الحقيقية على الأرض، والتي لم تجعل من أحد طرفي المشهد "الجيش أوالشعب" مركز الثقل السياسي، وإنما يشكلان معا الكتلة التاريخية التي صنعت الثورة.. وهو النموذج الذي يؤكد وحدة الدولة تحت مظلة وطنية تتسع للجميع لأن الثورة كانت فعلا سياسيا ابدعه الجميع.. وليس فقط مؤسسات القوة كما كان سائدا في خمسينيات وستينيات القرن الماضي.
اليوم مبارك بين يدي القضاء المصري.. وسيقول الأخير يوما كلمته بشأنه، ولم يبق إلا أن نكون عند مستوى الإحساس بدقة الموقف ومسؤليتنا تجاهه.. ولنحذر من الوقوع في شرك التشفي أو الجري وراء "الانتقام" ونتجاهل "العدالة" أو نهدرها على عتبات مشاعر الكراهية تجاه الرئيس السابق وعائلته.
ما يهمنا اليوم هو الانتصار لدولة القانون.. حينئذ سنتأكد وسيستقر في ضمائرنا وفي وعينا بأن الثورة ـ فعلا ـ قد انتصرت.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق