الأحد، 13 فبراير 2011

ماذا بعد الحقبة المباركية؟



نشرت مجلة "فورين آفيرز" الأمريكية مقالا بعنوان "المباركية بعد مبارك" حاول الكاتب إيليس جولدبيرج أستاذ العلوم السياسية في جامعة واشنطن والجامعة الأمريكية في القاهرة من خلاله رسم سيناريو مستقبل الأوضاع في البلاد بعد تنحي الرئيس مبارك خاصة في ظل ترك مبارك إرثا سياسيا له يمكن أن يوصف بـ "المباركية".

وتتلخص الفكرة الاساسية للكاتب في أن مصر قد لا تشهد انفراجة ديمقراطية في ضوء توجهات الجيش والذي اعتبر أن قيادته تمثل امتدادا بشكل أو بآخر لتوجهات الرئيس مبارك فضلا عن الخصوصية المصرية المتمثلة في دور الجيش المحوري في البلاد منذ ثورة 1952.

وأشار الكاتب إلى أنه بعد تنحي مبارك ، فإن السلطة على أرض الواقع انتقلت إلى يد الجيش. وأوضح أنه منذ بدء الاحتجاجات في 25 يناير الماضي فإن الجيش عزز سيطرته على المنطقة المحيطة بميدان التحرير المقر الرمزي للاحتجاجات.

وكان ذلك حسب الكاتب بمثابة تنام لوضع الجيش فيما يمكن اعتباره انقلابا بطيئا أو عودة بالجيش من التحكم غير المباشر إلى التحكم المباشر على نحو يماثل الأوضاع في مصر عام 1952.

وأشار إلى أن تحقيق تحول ديمقراطي سريع ومدى القوة التي سيتمتع بها الإخوان المسلمون في مصر الآن ربما تكون هي ما يثير اهتمام الغرب وقلقه، ولكن القلق الحقيقي يجب أن يكون من أن يتم التعامل فقط مع قضايا الفساد المتهم بها عناصر من النظام، مع الإبقاء في الوقت ذاته على العنصر العسكري في النظام باعتباره اللاعب الوحيد في الساحة.

ولفت الكاتب في معرض توضيح فكرته إلى أن النظام السياسي المصري في ظل قيادة مبارك ينحدر بشكل مباشر من النظام الجمهوري الذي تأسس في أعقاب ثورة 1952 والذي أتى بجمال عبد الناصر والضباط الأحرار إلى الحكم. وقد ألغى نظام 1952 النظام الملكي البرلماني المحدود الذي كان قائما آنذاك. وأنشأ الجمهورية التي تقوم على اساس عدد من الرموز التي تشعر بالولاء للنظام. ورغم المساعي لصياغة دستور وتشكيل برلمان قوي ورئاسة مقيدة فإن هذه المحاولة فشلت وتم آنذاك تقديم دستور يضع سلطات هائلة في يد الرئيس. وقال إن مثل هذا الترتيب قد يثبت صلاحيته للتطبيق في مصر في الفترة الراهنة في ظل حقيقة أن مصر منذ عام 1953 يحكمها رجل عسكري. وقال إن الجيش اليوم يقدم نفسه باعتباره قوة محايدة بين الفرقاء غير أن الحقيقة تشير إلى أن له مصالحه الخاصة بما يدحض هذه المقولة. وأشار الكاتب إلى أنه في التسعينيات من القرن الماضي شن مبارك حربا داخلية ضد الإسلاميين ما أدى إلى تراجع دور الجيش، حيث إن الحكومة أصبحت أكثر اعتمادا على قوى الأمن الداخلي. وبمرور الوقت حلت وزارة الداخلية والشرطة محل الجيش في الأهمية. وفي الوقت ذاته فإن نخبة رجال الأعمال المختلفة والتي كانت تعتمد في نمو نفوذها على الدولة مثل أحمد عز تنامت بشكل كبير. وقد منح لهم مبارك الكثير من الامتيازات عبر الحزب الوطني الديمقراطي حيث بدأت عملية انفتاح ضخمة للاقتصاد المصري بالشكل الذي زاد من ثرائهم بشكل أكبر. وأشار الكاتب إلى أنه في ظل هذه الظروف تم استرضاء الجيش بقدر كبير من خلال دخوله في العملية الإنتاجية في البلد بشكل كبير مما زاد من انغماسه في الاقتصاد. وخلال ذلك العقد كانت الصناعات المملوكة من الجيش تقدر بنحو 5 إلى 20 في المائة من الناتج المصري. وتتويجا لذلك زادت المزايا التي يتمتع بها الضباط سواء كانت سلعية أو خدمية.

واشار إيليس جولدبيرج إلى أن بنية الدولة المصرية بشكلها الحالي أفادت العسكريين كثيرا. غير أنه إذا كانت مطالب المتظاهرين والتي تتركز على إنهاء حالة الطورائ وتنظيم انتخابات جديدة وتوفير المزيد من الحرية للأحزاب بدون تدخل الدولة تبدو منطقية، إلا أنها يمكن أن تفتح الباب أمام تغييرات سياسية واجتماعية كبيرة قد تنتهي بالبلاد إلى التحول إلى نظام برلماني وليس رئاسيا وهو النظام الذي يلعب فيه رئيس الوزراء الدور المحوري وليس الرئيس.

على خلفية هذا الطرح يرى الكاتب أن هذه التغيرات ربما تقلص أو تطيح بالمزايا التي كان يحصل عليها الجيش أو تقوض بنية السلطة التي تقوم على دور مهيمن للجيش منذ عام 1952. فالانتخابات الحرة واعادة تشكيل الحكومة انطلاقا من نظام حر سيضعف من دور مؤسسة الرئاسة .. المنصب الذي احتفظ الجيش دوما به لواحد من المنضوين تحت لوائه. الأكثر من ذلك أن انتخابات حرة يمكن لها أن تصل بنخبة أعمال جديدة إلى البرلمان قد تحد من دور الجيش في الاقتصاد، وهذا يمكن أن يضع المقومات الإنتاجية للجيش في وضع حرج. يخلص المؤلف من ذلك إلى أنه بدلا من اتباع تغيير مؤسسي فإن الطبقة العسكرية التي تتولى مقاليد الأمور حاليا ربما تحاول إرضاء الرأي العام ببعض التغييرات الرمزية، وهى بالتأكيد ستعمل على تفعيل التحقيق في العديد من قضايا الفساد المتهم بها رجال أعمال من أركان النظام وعدد من الوزراء وفي الوقت ذاته فإنه ربما يتم التسريع بعملية التحقيق في حالة الفوضى التي انتابت البلاد بفعل قرار وزير الداخلية السابق حبيب العادلي بسحب قوات الأمن من الشارع.

يضيف الكاتب أنه إذا عزز الجيش قبضته فإن لاعبين أساسيين على الساحة سيكون لهما دور حيوي الأول عمر سليمان الذي لديه روابط قوية مع الجيش وقد كان في قلب معركة التفاوض مع قوى المعارضة المختلفة. وقد يكون من غير المثير للدهشة أنه أوضح أنه ليس لديه نوايا لإصلاح النظام الرئاسي، فضلا عن سعيه اللعب على الوقت حيث أصر دوما على أن المفاوضات يجب ألا تؤدي سوى إلى تغيير محدود يتعلق بالمواد الثلاث في الدستور التي تتعلق بالانتخابات.

أما الرجل الثاني فهو وزير الدفاع الفريق حسين طنطاوي والذي رغم ظهوره المحدود إلا أنه لا يقل أهمية، فهو يقف خلف إعلان الجيش، على عكس موقف الشرطة، بأنه لن يطلق النار على المصريين. وأشار الكاتب إلى أنه سمع تقارير عن قيام الجيش بالقبض على بعض المعارضين وممثلي جماعات حقوق الإنسان. وبعض هؤلاء الذين قبض عليهم ثم أطلق سراحهم أشاروا إلى أن بعض ضباط الجيش ما زالوا على حماسهم لنظام مبارك. وتحت قيادة طنطاوي فإن الجيش ربما يحاول على الأقل أن يظهر حياده بالتفاوض مع بقية قوى المعارضة لإدارة الفترة الانتقالية رغم حرص سليمان على العمل على أن تكون الإصلاحات محدودة.

ويخلص الكاتب إلى التأكيد على أن نظام مبارك الذي وجد على الشكل الذي بدا عليه على مدار العقد الماضي كنظام يتزايد فساده وعجز حكومته التي حولت الجزء الأكبر من المزايا الاقتصادية إلى مجموعة من رجال الأعمال المرتبطين بالسياسيين قد تبعثر أو تشتتت أركانه، ويمكن أن يظهر نظام سياسي جديد أكثر انفتاحا وحكومة فعالة تؤكد على دور الجيش. وربما يعترف هذا الأخير من خلال ادارته للفترة الانتقالية بأنه من الصعب عليه أن يعود إلى سيطرته الكاملة، الأمر الذي يعززه أن الجيش المصري أكثر مهنية وتعليما من ذلك الذي كان قائما في الخمسينيات ولذلك فإن الكثير من الضباط ربما يعترفون بمزايا الديمقراطية.

وإذا كانت هذه رؤية كاتب غربي من خلال معايشته لتجربة التحول التي جرت في مصر فإن الواقع يشير إلى عكس ذلك في ضوء تأكيد الجيش من خلال بياناته المختلفة على أنه لا يمثل سوى مرحلة انتقالية لنقل السلطة إلى الشعب من خلال حكومة منتخبة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


Locations of Site Visitors
Powered By Blogger