أنهت تونس أمس جهاز أمن الدولة تماما لتدفن إلى الأبد دولتها البوليسية التي قامت على القواعد نفسها لمثيلتها المصرية.
عمليا أنهت الثورة الشعبية المصرية هذا الجهاز في مصر باقتحام مقراته بطول البلاد وعرضها، ولم يتبق إلا حذفه من قاموسنا تماما، فلا نريد هيكلة ولا إعادة لأوهام اخترعتها العائلة الحاكمة حول دوره في محاربة الإرهاب والقاعدة والجاسوسية.
لا يوجد ضابط واحد في هذا الجهاز سيئ السمعة مؤهلا لتلك العناوين الكبيرة التي تحمي الوطن. كلهم جرى إعدادهم نفسيا على التلصص على الناس ومطاردتهم إلى غرف نومهم والابتزاز والتعذيب وفبركة القضايا واختلاق الفتن.
القضايا الكبرى الخاصة بحماية الوطن من الإرهاب والتجسس والمؤامرات الخارجية والداخلية تتولاها أجهزة أمنية أخرى لا علاقة لها بوزارة الداخلية التي أسست دولة داخل الدولة يقودها حبيب العادلي لتأمين مكاسب مبارك وسوزان ونجليهما وزوجتيهما.
عرضت جريدة الجريدة الكويتية أمس نصا لوثائق مسربة حول دور الجهاز السري بقيادة العادلي في تفجيرات شرم الشيخ في يوليو 2005 للانتقام من حسين سالم لأنه تسبب في تخفيض قيمة عمولة جمال مبارك في صفقة تزويد اسرائيل بالغاز من 10% إلى 2.5% من قيمة العقد البالغة 2.5 مليار دولار.
تسببت تلك التفجيرات في مقتل 88 شخصا أغلبهم من المصريين، وإصابة نحو 200 منهم 11 بريطانياً و6 إيطاليين وألمانيان و4 أتراك وتشيلي وفلسطيني من عرب 48 يحمل الجنسية الاسرائيلية وأمريكي واحد.
الوثيقة موجهة إلى العادلي وتحمل تفاصيل الخطة تنفيذا لرغبة جمال مبارك في الانتقام من حسين سالم، وبمقتضاها تم الاجتماع بمحمد هاشم وأسامة محمود ورأفت مصيلحي وزياد عبدالرحيم، بأن تستهدف ثلاث سيارات ملغومة منطقة خليج نعمة، على أن تنفجر الأولى في مدخل فندق موفنبيك، والثانية في المنتجع القريب من الفندق، والثالثة بقرية موفنبيك، وكلها مملوكة لحسين سالم.
وتحددت ساعة الصفر للعملية الساعة الأولى من فجر 23 يوليو 2005 الذي يوافق عيد الثورة، على أن تكون المعدات جاهزة يوم 20 يوليو في مقر التجمع المجهز لاستقبالهم.
وتقول وثيقة ثانية مرفوعة من المقدم حسين صالح إلى العادلي، إن مهمات العملية جاهزة من حيث العناصر البشرية وأدوات التفجير.
نُفذت العملية بالفعل، لكن الوثيقة الثالثة المقدمة من نفس المقدم لوزير الداخلية تقول إن قائد التنظيم حسين صلاح أخبرهم بأن العناصر المنفذة خانتهم وخدعتهم وبدلت مواقع التفجير مستهدفة مواقع أخرى غير أملاك حسين سالم.
ذلك التقرير رفع في الساعة العاشرة من صباح 23 يوليو بعد ساعات من العملية، ويؤكد أن المواقع التي فجرت وهي فندق غزالة جاردن والسوق القديم في شرم الشيخ وموقف الميكروباص قرب خليج نعمة، مغايرة لم تم الاتفاق عليه في الخطة.
ونرجع لتفاصيل تلك التفجيرات، فنجد أن التفجير الأول في منطقة البازار أو السوق القديم جرى بسيارة مفخخة وأسفر عن مقتل 17 شخصاً. والثاني بقنبلة داخل حقيبة وضعت بجوار فندق موفنبيك وأسفر عن مقتل 6 سياح، والثالث نتيجة انفجار شاحنة مفخخة دخل بها سائقها إلى بهو فندق غزالة جاردن المكون من 176 غرفة في منطقة خليج نعمة، والذي يبعد 6 كيلو مترات من وسط مدينة شرم الشيخ، وأسفر عن مقتل 45 شخصاً.
اعتقلت أجهزة الأمن عددا من المصريين بعد التفجيرات بينهم بعض بدو سيناء، وقام محافظ جنوب سيناء باقامة سور عازل حول حدود المدينة لمنع التسلل داخلها، لكنه قوبل بالرفض فتم ازالته لاحقاً.
وثائق خطيرة لو صحت.. لكن هذا لا يكفي فلابد من التحقيق فيها والقبض على اسم المقدم الذي ورد اسمه في التحقيق للوصول إلى الأسماء المذكورة التي قامت بالتنفيذ. سيفيد ذلك لا ريب في ضبط كثير من الفلول التي أُطلقت لنهب وترويع مصر يوم 28 يناير، وما زالت تحاول حتى هذه اللحظة.
ونكرر نفس سؤال الأمس.. ماذا تفيد إعادة هيكلة هذا الجهاز القذر والفاسد.. وأي إرهاب سيحاربه؟!
السؤال نوجهه لوزير الداخلية الجديد اللواء منصور العيسوي الذي تحدث عن إعادة الهيكلة ليتخصص في محاربة الإرهاب والجاسوسية فقط.
وهنا يجب أن نأخذ بالحيطة والحذر أن تتحول فلول أمن الدولة التي لم تتورع عن إطلاق الرصاص يوم الجمعة الماضي على المتظاهرين أمام مقر شارع الفراعنة بالإسكندرية، إلى ميلشيات مسلحة مع أعوانها من تلك العينة لتنتشر في كل ربوع مصر.
لقد سمعت هذا التحذير أمس من شخصية تحاول تبرير الابقاء على الجهاز مع إعادة هيكلته وتوظيفه وليس حله واطلاق الشحنات الخطيرة بداخله.
الخوف من الخطر ليس مبررا على الإطلاق للابقاء على خطر أكبر نعاني من فظائعه طوال ثلاثين عاما.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق