تسود حالة من الجهل بالعلاقات الخارجية والأبعاد الإستراتيجية الخارجية في أوساط التعليقات الصحفية المصرية على أحداث ثورة يناير وانخراطها في معظمها على تفاصيل التفاصيل في الشأن الداخلي فقط.
فما يقوم به البعض من المحسوبين خطئا على طائفة المفكرين والكتاب والصحفيين من انتقادات غير مبررة ومبالغ فيها للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، وهوما انسحب بالتبعية لباقي القوات المسلحة، بعد الإعلان الدستوري الأخير هو أمر لا يجب الاستهانة به لما له من أثر خطير على صورة قوة الردع المصرية ووضعيتها العسكرية في المنطقة.
فنتيجة تحويل المجلس الاعلى للقوات المسلحة، وهو جهة عسكرية بحتة مهمتها حماية البلاد بقوة السلاح بالدرجة الأولى عن طريق التضحية بالنفس، تحويله إلى "علكة" تلوكها ألسنة نجوم الفضائيات والباحثين عن الأضواء بعد الإعلان الدستوري، أو تحويل قرارات المجلس الأعلى إلى شماعة لفشل وإحباطات النشطاء السياسيين في أعقاب انكشافهم قلة شعبيتهم في موضوع الاستفتاء الأخير أمر يحتاج إلى وقفة جدية وصارمة.
فهذا الأسلوب الرخيص في توجيه الطعنات للمجلس الأعلى للقوات المسلحة وكأنه مسئول عن فشلهم السياسي في التواصل الشعبي أمر قد يؤثر في صورة قوة الردع المصرية للعدو خصوصا بعد التلاحم العلني بين الجيش والشعب في ثورة 25 يناير المباركة.
لقد رأيت بعيني فزع المنظمات الصهيونية في أمريكا من هذا التوافق بين الشعب والجيش في الوقت الذي كانت منظمات اليمين الأمريكي ونشطاء الصهيونية يحثون نظام مبارك على استخدام الجيش لقمع الثورة والقضاء على الشباب تماما.
إنني أجزم الآن أن قوة الردع المصرية – ضد الأعداء الخارجيين - لا تعتمد في هذه المرحلة الحساسة على أية معدات عسكرية محضة بقدر ما تعتمد على التلاحم الهائل بين الشعب والجيش وانسجام أفكارهم بشكل عضوي طبيعي.
ولا أفهم كيف لبعض مثقفي مصر و أخفاء الظل في الفضائيات أن يتجاهلوا هذا البعد حينما يتجرأون على القوات المسلحة كلها بهذا الشكل الفج من أجل أهداف شخصية أو إظهارا للفزلكة الفكرية.
لقد أعلن المجلس أنه سيدير البلاد لمدة ستة أشهر فقط لضمان تسلم انسيابي للسلطة. ولم يعلن قط أنه سلطة سياسية أبدية.
وأعلن كذلك أن البلاد سيحكمها مجلسي الشعب والشورى ورئيس منتخب فيما بعد، وحينها يمكن لهؤلاء المحبطين للعزائم أن يحولوا فكرهم السلبي، لا البناء الهادف، إلى القيادة المدنية الآتية التي ستكون هدفا سهلا يريح أعصابهم المنفلتة.
لا يجب أن ننسى – أو نتاسى – أن المجلس العسكري هو عسكري مهمته الحدود الخارجية. وأنه محط مراقبة الأعداء.
فلماذا انتقاد دور المجلس هكذا في هذا التوقيت الذي تواجه فيه مصر مخاطر حقيقة في أثيوبيا وعلى مناطق منابع النيل وفي جنوب السودان علاوة على المخاطر التقلييدية في شرق البلاد؟
لماذا محاولة تحقيق مكاسب آنية سياسية على حساب وضع استراتيجي عسكري هام لمصر؟ لماذا زعزعة ثقة الشعب في الجيش؟
وإذا كنتم لا تدركون المخاطر الخارجية ولا تضعونها في الحسبان عند اتخاذ مواقف علنية في كتباتكم وأرائكم على الفضائيات، فالأولى لكم عدم التصدر في هذه المسائل نتيجة نقص إلمامكم بما حولكم.
أما عن ملاحقة الفساد وغيره من الأولويات فلا ينكر أهميتها إلا معاد للثورة ولكن إذا وضعت في كفة والتهوين من قوتنا الرادعة العسكرية المتمثلة في تلاحم الشعب والحيش في كفة، لرجحت كفة ردع أعدائنا الكبار أولا ولجاءت وملاحقة الفاسدين (وهو الأمر الهام جدا) ثانيا.
أنا لا أنفي كشف الأخطاء ولكن أنادي بوضع أولويات. بل وحتى عند توجيه النقد يجب أن يكون الأمر بمراعاة للظروف الداخلية والخارجية على حد السواء وفي جو من الأخوة وحسن النصح لا التخوين والاتهامات بالتواطؤ.
إن الاستخفاف بالقوات المسلحة والتهكم عليها بعد الإعلان الدستوري ووصف المجلس أنه منتمي للإخوان المسلمين أو السلفين أو غيرهم، هو دعوة للأعداء للاستخفاف بقوة الردع المصرية التي توفر لنا الأمان في بلادنا.
فكيف سيتم احترام الجيش من الأعداء إذا تم التطاول عليه بغير حق في الداخل؟
إن هذا يشير إلى عدم حرص بعض الكتاب والصحفيين على الحفاظ على تلك الوحدة بين الجيش والشعب بل وتقليل قوة ردع الجيش المصري تجاه إسرائيل وتجاه دول أفريقيا المتململة ضدنا عن طريق التقليل من هيبته والتجرؤ عليه.
والرسالة التي تتنظرها إسرائيل وغيرها من الدول التي لا تريد خيرا للبلاد والمنظمات الصهيونية التي تابعتها لسنوات في أمريكا كلها تبحث عن رسالة انشقاق بين درع البلاد وشعبها.
إن هذا الانشقاق هو ما سيفرح الأعداء بعد خيبة أملهم وهم يرون انتصار الشعب والجيش معا كيد واحدة في الثورة.
وأتخيل أنني لوكنت عضوا في المجلس العسكري، لشعرت بالإحباط ولشعرت بعدم العرفان الذي ألاقيه حتى بعد الموقف البطولي في الثورة.
فلقد تمكن المجلس في المساهمة في نجاح الثورة بل وساعد على ضمان استمرار الحياة في مصر بشكل شبه طبيعي إلى حد كبير. نعم هناك تقصير في بعض النواحي لكن هناك إنجازات أيضا. فأي دولة تلك التي تقوم فيها ثورة ولم ينقطع فيها إمداد الطعام ولم تضطرب مؤسسات الدولة الأساسية، باستثناء الشرطة بالطبع، بشكل كبير؟
إن استمرار الخدمات الأساسية لهو نجاح يحسب للشعب ويحسب للقوات المسلحة.
ولا أجد تفسيرا حقيقا للحملة الشرسة على المجلس الأعلى إلا أن الحنق والفشل الذي حاق بمعسكر "لا" في الاستفتاء الدستوري لا يزال يفقدهم رشدهم ويعميهم عن مصلحة البلاد ككل ويشير إلى جهلهم المطبق بوضعية العسكرية المصرية في المنطقة. وعزائي الوحيد أن مرجع هذا الجهل قلة الخبرة. وعزائي كذلك أنها تأتي من النخبة لا من الكل أي من الحفنة لا من الكثرة التي ما زالت مع الجيش.
عماد مكي هو رئيس تحرير وكالة أنباء أمريكا إن أرابيك في واشنطن
نقلا عن جريد ة المصريون
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق