بقلم: جميل مطر
لا أذكر أنه اجتمعت فى العالم فى وقت واحد أزمات ومشكلات كالتى تجتمع هذه الأيام.أنظر إلى بلدى ومازلت فخورا بما حققته، وأنظر حول بلدى، شرقا وغربا وجنوبا وشمالا، أنظر فى كل اتجاه فلا أرى سوى مظاهرات واعتصامات ولا أسمع سوى شكاوى واتهامات.
●●●
قضيت يوما من أيام هذا الأسبوع فى صحبة عدد كبير من الصحف الأجنبية أقارن بين ما اختارته لأولويات ما تنشر، وأقرأ الموضوعات التى أجمعت على إبرازها والتعليق عليها، وأحاول التعرف على المزاج العام. أعرف أنه كما أن للرأى العام العالمى مزاجا متغيرا فلأجهزة الإعلام أيضا مزاجها المتغير. ليس ضروريا أن يتفق المسئولون عن التحرير أن تصدر صحف الغد لتعبر عن مزاج مبتهج أو معتدل أو كئيب. فالمزاج الإعلامى تصنعه الأخبار والآراء، ولا يصنعه توافق مسبق بين الكتاب والمحررين والمراسلين والنخب والشعوب صانعة الأخبار. حدث فى ذلك اليوم الذى قررت أن أقضيه مع الصحف أن اجتمع فى الصحيفة الواحدة، وجميع الصحف الأجنبية التى اطلعت عليها، عدد غير مألوف من موضوعات عن أزمات وتوابع أزمات فى دول عديدة خلفت قراءتها الانطباع بأن المزاج العام بعيد كل البعد عن البهجة وغير قريب من الاعتدال.
●●●
قرأت أن اليابانيين لم يقروا بعد خطة إخراج بلادهم من تداعيات زلزال فوكوشيما الذى أصاب أكثر من ثلث الطاقة الإنتاجية اليابانية، وما زال الناس هناك يناقشون كيفية معاقبة الحكومة على تقصيرها فى مواجهة الزلزال وتداعياته، أما الصينيون، فقد عادت مشكلاتهم تتصدر الأخبار بعد أن بات واضحا أن الطبقة الوسطى تعانى من توترات كانت متوقعة، وأن الرأى العام الصينى يقف على حافة الانتقال من الأساليب التقليدية ككتابة العرائض والشكاوى إلى أساليب أعلى صوتا وأقل انضباطا، كتلك التى مارسها كرد فعل لحادثة الاصطدام المروع للقطارين السريعين، فخر التقدم التكنولوجى الصينى.
●●●
وما دمنا فى الشرق فلا يجوز أن يفوتنا تعرض الهند لمحنة الاتهام بالاستغراق فى الفساد الأخلاقى والمالى. فالغضب الشعبى يتراكم والمعتصمون يهددون بإضراب عن الطعام يوم 18/8، وهو الاعتصام الذى يمكن أن يهز استقرار الهند ويكشف هشاشة أسس التقدم فيها. أما باكستان، فحالها يزداد بؤسا، واحتمالات الانفجار الطائفى تهدد استقرار منطقة جنوب آسيا مع احتمال الامتداد إلى أقاليم فى غرب آسيا مثل إيران والخليج، فالعناصر الأساسية للثورة الاجتماعية تتشابه وتتفاقم ولم يعد يجدى معها العلاجات التزويقية أو المنومة.
●●●
وقفزا فوق الشرق الأوسط المعروف بأوضاعه الملتهبة فى الحال والمستقبل، اكتظت الصحف بأخبار الأزمة الاقتصادية الرأسمالية التى تمر فى أسوأ مراحلها، عابرة من قبرص المهدد استقرارها المالى والسياسى واليونان المأزومة منذ شهور عديدة وإيطاليا التى تقزمت على أيدى برلسكونى وطبقته الحاكمة حتى عاد شعبها ينقب عن هويته الحقيقية ويشكك فى صدقية تاريخه الحديث، إلى إسبانيا التى ثار شبابها حتى أعلنت حكومة ثاباتيرو نيتها الاستقالة فى الخريف لفشلها فى الخروج بإسبانيا من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، وهو أيضا حال البرتغال. ولكن الحالة الأكثر وضوحا عكستها تطورات الاضطرابات الاجتماعية التى عكرت صفو مدينة لندن وهددت بالامتداد إلى أقاليم أخرى فى إنجلترا، حتى أن مجلة نيويوركر اختارت لمقالها عنوان «لندن تحترق». وعلى كل حال لن نعرف على وجه اليقين إن كانت فضيحة ميردوخ واكتشاف أمر هيمنته كأحد أكبر زعماء الصهاينة نفوذا فى بعض البيوت والأحزاب الحاكمة فى أوروبا وأمريكا، أم الظروف الاجتماعية السبب المباشر فى تفاقم كآبة سحابة المزاج العام التى تغطى سماء واشنطن ولندن وروما.
حتى النرويج، البلد المسامح الهادئ الناعم حصل على نصيبه من هذا المزاج البشع حين خرج رجل متدين ومتعصب ومتمرد على سياسات الهجرة ليقتل العشرات من أبناء بلده ويثير فى الأمة النرويجية هواجس عن المستقبل لم تخطر على بالها من قبل.
●●●
كانت لأخبار أمريكا حصة الأسد فى عناوين هذا اليوم الردىء. لم يفت على الصحف حجم الكارثة التى وقعت للقوات الأمريكية عندما أصاب صاروخ طالبانى طائرة تحمل ثلاثين بينهم أفراد شاركوا، كما يقال، فى عملية اغتيال أسامة بن لادن. الكارثة فى هذه الحالة مضاعفة وبعيدة الأثر، لأنها تأتى فى وقت تحتد أمريكا على طبقتها السياسة التى أدخلتها حربين تسببتا فى إصابتها بعجز مؤقت، يخشى أن يتحول إلى عجز دائم. ولم تكن الكارثة العسكرية وحدها التى حازت معظم العناوين بل شاركتها الكارثة الاقتصادية المتوقع وقوعها. ولا يخفى مغزى أن تستخدم فاينانشيال تايمز عبارة تحمل معنى غزو الجراد فى عنوان لمقال لها عن التدهور فى الاقتصاد الأمريكى. وأستطيع أن أفهم اهتمام صحافة أوروبا والهند والصين وصحافتنا، فالأمريكيون لن يكونوا الوحيدين المتأثرين بها وبتداعياتها. لقد اعتاد العالم كما نعرفه منذ يوم 7 /12 /1941 أن يعيش مطمئنا أو مجبرا تحت قيادة دولة أعظم تدير شئونه، كلها أو أغلبها. هذا العالم يسأل الآن: هل حقا دخلت أمريكا سنوات الأفول؟ وماذا عسانا فاعلين بدون قيادتها وتدخلاتها.؟
●●●
ما أشبه حال العالم هذه الأيام بحال بلد فى موسم الجراد. كتب خافير سولانا، المسئول سابقا عن الشئون الخارجية فى الاتحاد الأوروبى مقالا مع دانييل اينيرانى نشر فى عدد من الصحف الأجنبية. يخلص المقال إلى أن البشرية التى استفادت من الجوانب الايجابية للعولمة تدفع الان الثمن غاليا بتعرضها لما يسمى بالجانب الوبائى للعولمة. فالعولمة، حسب رأيهما جعلت كل أزمة محلية تتحول فور نشوبها لتصبح أزمة عالمية، وبفضلها صارت كل أزمة عالمية مصدرا مباشرا وفوريا للأزمات والكوارث المحلية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق