أثار قرار الكونغرس الأميركي الاخير بتعيين مبعوث خاص للشرق الأوسط لشؤون الأقليات الدينية ردود فعل غاضبة على كل الأصعدة الرسمية والشعبية في مصر، كما رافقت صدور القرار موجة إستنكار ورفض للسياسة التي تتبعها واشنطن في المنطقة خاصة بعدما حدث في جنوب السودان وإنفصاله عن الشمال.
المصريون يعتبرون قرار تعيين مبعوث اميركي خاص للاقليات الدينية تدخلا في شؤونهم الداخلية |
إعتبرت القوى السياسية المصرية القرار الأميركي بتعيين مبعوث خاص للشرق الأوسط لشؤون الأقليات الدينية تدخلاً سافرًا في الشؤون الداخلية للبلاد، بل اعبترته انه بمثابة بثّ فتنة بين المسلمين والأقباط طبقًا لأجندة الإدارة الأميركية، التي بدأ تنفيذها في العراق، ليأتي دور بقية دول المنطقة.
يذكر ان القرار صدر في الكونغرس بغالبية 402 صوتًا، وقد رفضه 20 نائبًا جمهوريًا اعتبروا انه سيحمّل الخزانة الأميركية نحو مليون دولار سنويًا، لكنه قد لاقى إرتياحًا وترحيبًا في أوساط بعض أقباط المهجر الذين يزعمون إضطهاد الأقباط في مصر.
"إيلاف" إستطلعت في التحقيق الآتي آراء بعض رجال الدين، مسلمين ومسيحيين، وخبراء السياسة والإستراتيجية حول قرار الكونغرس، وتداعياته، ونتائجه التي يمكن أن تتمخض عنه على دول المنطقة وشعوبها، كما ناقشت الاسباب الخفية وراء تعيين المبعوث الأميركي، وبحثت أسباب تبني واشنطن هذه السياسة في المنطقة.
مسلمون ومصريون يدينون القرار الاميركي
|
|
الرد السريع والقوي صدر من الأزهر والكنيسة المصرية القبطية والأرثوذكسية، اذ اعلنا رفضهما التام لما صدر من مشروع قانون يستحدث منصب مبعوث أميركي خاص إلى الشرق الأوسط لشؤون الأقليات الدينية بهدف دعم الأقليات، وتكليف هذا المبعوث مهمة الدفاع عن حقوق الأقليات الدينية في قسم كبير من العالم يشمل الدول العربية وآسيا الوسطى.
وأوضح الدكتور محمود عزب مستشار شيخ الأزهر، في بيان، أن الأزهر الشريف يرى في مثل هذه القرارات والمشروعات صلف وغطرسة ووصاية على شعوب عريقة لها تقاليدها الحضارية التي شهد لها العالم. بدوره، أصدر بيت العائلة المصرية، باعتباره ممثلاً للاقباط والمسلمين، بيانًا مماثلاً يؤكد فيه رفضه الشديد للقرار الاميركي.
من جانبه أعرب د.صفوت البياضي رئيس مجلس كنائس الشرق الأوسط ورئيس الطائفة الإنجيلية في مصر عن رفضه ورفض الشعب الإنجيلي خاصة، والمسيحي كله، بطوائفه كافة هذا القرار الأميركي، وإعتبره تدخلاً في الشأن الداخلي المصري.
وقال البياضي "لسنا بحاجة لأميركا لكي تشرف على الأحوال الداخلية في مصر، كما إنه لا توجد أقليات، فضلاً عن أنه لا توجد معلومة مخفية، بل كل المعلومات متاحة للجميع، خاصة بعد ثورة 25 يناير عبر وسائل الإعلام المختلفة، ولا توجد أسرار تخفى، لكي تعين الحكومة الأميركية مندوبًا لها لنقل الأخبار عنا في مصر".
د.صفوت البياضي |
وحول ترحيب المدعو موريس صادق أحد أقباط المهجر، الذي نزعت عنه الجنسية المصرية أخيرًا، بقرار الكونغرس الأميركي، واعتباره انه يشكل خطوة على طريق فرض الحماية الدولية على مصر، أكد البياضي: "هذه ليست المرة الأولى التي يقوم فيها موريس صادق بأعمال مضادة لمصر وللوحدة الوطنية، وأعتقد أن ترحيبه بالقرار الأميركي هو رد فعل على نزع الجنسية عنه، كما أعتقد أنه لا يوجد عاقل في مصر يقبل بأن تفرض وصاية أو حماية على بلده، وكل هذه فرقعة إعلامية يريد موريس من ورائها صنع "شو إعلامي" له في المهجر.
عن رؤيته للمشهد السياسي في مصر حاليًا بعد بدء محاكمة الرئيس السابق حسني مبارك ونجليه وأعوانه، اكد البياضي اصرار المصريين على إعطاء القانون حقه وأن تأخذ العدالة مجراها، والقيادة المصرية رأت أن تسير على مسار العدالة وتطبيق القانون، وإذا تمت العدالة بحرية، فبذلك أعطينا القانون حقه، والعالم كله سيحترم مصر، لأنها لم تتخذ إجراءات إستثنائية، وأعطت المتهمين فرصة الدفاع عن أنفسهم، وعلينا أن ننتظر ونجدد الثقة في قضائنا المصري، وعلى الجميع العودة إلى العمل والإنتاج لأن الخاسر في البداية والنهاية هو إقتصاد مصر والإنسان المصري الذي يعاني، ودعوتنا إلى كل شعب مصر أن يعود إلى الإنتاج ومضاعفته لتعويض الفترة التي تعطل فيها الإنتاج حتى تأخذ مصر مكانتها الطبيعية.
"تجاوز للخطوط الحمراء"
د.طه أبوكريشه |
من ناحيته إعتبر د.طه أبو كريشه نائب رئيس جامعة الأزهر الشريف سابقًا ان القرار الأميركي، ليس تدخلاً سافرًا في الشؤون الداخلية فحسب، بل انه يتجاوز كل الخطوط الحمراء، لأن العالم كله ليس تابعًا لسيد يصدر الأوام،ر ويأمر وينهي، وإنما الدولة لها إستقلاليتها وهيمنتها على شؤون بلادها، ونحن في بلاد الإسلام أولى من غيرنا بحماية الأقليات التي تعيش بيننا، لأننا نعاملهم كما أمرنا رب العالمين، وليس كما يأمرنا أحد من البشر.
وأضاف "نحن مسؤولون عن ذلك أمام الله عز وجل، وهذه مسؤولية كاملة لا محاباة فيها ولا مجاملة إن قصرنا في أداء شيء من هذه الحقوق المكفولة للجميع، وهؤلاء مثيرو الفتن سيعودون على الاقليات بالضرر قبل المنفعة، وعليهم ان يتعقلوا ويتوبوا إلى رشدهم".
كما رأى د.أبوكريشه ضرورة ألا تلقي المؤسسات الدينية في مصر لهم بالاً وألا تعبأ بهم لأن الإهتمام بمثيري الفتن بين الشعوب يعطيهم مركزًا ليسوا جديرين به.
"قرار سيء وليس من حق أميركا"
د.مصطفى علوي |
من جهته وصف د.مصطفى علوي أستاذ العلوم السياسية في كلية الإقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة قرار الكونغرس الأميركي بالسيء، ووفق تقديره فإن هذا القرار يعطي أميركا شيئًا ليس من حقها، لأن المعنى الضمني إن لم يكن الصريح هو ان أميركا تفرض نفسها رقيبًا على أمور ليست من إختصاصها، واعتبر ذلك تدخلاً في الشؤون الداخلية، لا تتفق وقواعد القانون الدولي، بل تعتبر تعديًا على السيادة الوطنية للدول.
وقال علوي إن حالة مصر على وجه التحديد ليست مثل دول العراق وباكستان وأفغانستان التي شملها القرار، والأقباط في مصر لا يعتبرون أنفسهم اقلية دينية، وقبل سنوات نظم مركز إبن خلدون، والذي يترأسه د.سعدالدين إبراهيم مؤتمرًا عن الأقليات أدرج فيه أقباط مصر ضمنهم، فغضب الأقباط وقاطعوا المؤتمر، بمن في ذلك البابا شنودة بابا الأسكندرية وبطريريك الكرازة المرقسية. إذا حالة مصر في هذا القرار حالة خاصة ومجتمع لا تعرف خريطته سياسية الأقليات، وبالتالي إذا كانت المشكلة قائمة أصلاً فماذا سيفعل المبعوث وماهي وظيفته؟ وماهو دوره؟.
وتابع علوي قائلاً ان ردود الفعل التي صدرت من المؤسسات الدينية المصرية الإسلامية والقبطية مهمة لأنها تضفي عليها أهمية، ليست فقط معنوية، بل أهمية سياسية، لابد من التأكيد عليها، وإضافة إلى رد فعل الأزهر الشريف والكنيسة فيجب على الحكومة المصرية أن تتخذ موقفا واضحا وقويا تجاه هذا القرار توضح فيه ماسبق أن اعلن.
كما شدد علوي على أن هذا القرار هو جزء من إطار عام للسياسة الأميركية تجاه منطقة الشرق الأوسط حاليًا، بمعنى أشمل وأوسع من مطالبات بعض أقباط المهجر، وليس بالضرورة أن ماحدث في السودان وإنفصال جنوبه عن شماله أن يحدث في مصر، لأن مصر غير السودان، لكن هناك تصورًا للسياسة الأميركية وأجندة للمنطقة تفوم على أساس إضعاف دول المنطقة وإستثمار المشكلات القائمة في داخل هذه الدول بسكب مزيد من الزيت على تلك المشاكل من أجل تفتيت بنية هذه البلاد من دون أن يأخذ ذلك شكلاً رسميًا كما حدث في جنوب السودان.
"قرار مرفوض ويستهدف الفتنة"
د.عبد المنعم كاطو |
بدوره، رأى اللواء أركان حرب د.عبد المنعم كاطو أن هذا القرار مرفوض تمامًا، وأن مصر تعتبر تعيين هذا المبعوث تدخلاً اميركيًا في الشأن الداخلي وأن مجرد التفكير من قبل الجانب الأميركي في أمر كهذا هو نوع من عدم الثقة في المجتمع المصري، وهذا مرفوض لأن المجتمع المصري، وما يضمه من أقباط ومسلمين يعيشون في أمان ووئام منذ أربعة عشر قرنا وحتى الآن.
واضاف أن تعيين هذا المبعوث يعني بث فتنة، مشددًا على ضرورة عدم إعطاء أي إهتمام لهذا المبعوث وعدم إجراء مقابلات أو إعطاء أي بيانات له، ثم الإحتجاج الرسمي عبر الطرق الدبلوماسية.
كما حذر كاطو من مغبة محاولات أميركا فرض آرائها على مستقبل مصر في هذه المرحلة المهمة التي تمر فيها البلاد، لأن ثورة 25 يناير قامت من أجل بناء دولة ديمقراطية حرة لها مكانتها على المستويين الإقليمي والدولي، فضلاً عن أن مصر لا تقبل أي نصائح أو تدخلات أجنبية تمسّ بإستقلال الدولة وحريتها.
ايلاف
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق