جمال سلطان (المصريون) 08-08-2011
أصابني الذهول عندما قرأت أنباء تحالف بعض القوى الليبرالية واليسارية مع بعض الطرق الصوفية من أجل تفعيل مظاهرة يوم الجمعة المقبلة ردا على مليونية الإسلاميين الشهيرة في 29 يوليو الماضي ، فالأمر أشبه بمن يفعل في نفسه فعلا غير لائق ويمثل عارا له لمجرد أن "يغيظ" أحد خصومه ، لأن تحالف الشيوعيين مع الطريقة العزمية مثلا هو نكتة حقيقية ، ولكنه يحدث الآن في مصر ، مصر الثورة !!.
ورغم محاولات بعض الكوادر الليبرالية لملمة أطراف الفضيحة ، بالحديث عن أنها مليونية بريئة "في حب مصر" وأنها ليست ردا على أحد ، أو تأكيد آخرين على أنها "مليونية تأكيد مدنية الدولة" !! ، إلا أن ذلك كله يكشف عن حجم الإحساس بالعار دون أن ينفي حقيقة الواقعة ودوافعها ، كما يصعب أن تطلب من هؤلاء شرحا لمدنية الدولة عبر جماعة أبو العزائم مثلا التي تضع في أول شعاراتها "إعادة الخلافة الإسلامية" ، لأن كل هذه التيارات "الحداثية" هي التي امتلأت أدبياتها بالنكير على توظيف الدين في الصراع السياسي ، والحديث عن الدين المقدس والسياسة غير المقدسة ، وأن خلط الاثنين يمثل إساءة للدين وحطا من شأنه كما يمثل تدميرا للسياسة وفشلا ذريعا لها ، هؤلاء هم أنفسهم الذين يبشرون المجتمع المصري بتحالف سياسي مع "دراويش" الصوفية من أجل مواجهة القوى الإسلامية .
بكل تأكيد ، مثل هذا التحالف الانتهازي مصيره الفشل ، لاعتبارات كثيرة لا داعي لشرحها هنا ، ولكن المهم في هذا التطور أنه يعني أن القوى الليبرالية واليسارية أعلنت عجزها النهائي عن الوصول إلى الشارع والمجتمع المصري إلا من خلال بوابة "الدين" ، حتى لو كان من أكثر أبوابه بعدا عن السياسة ، حتى لو كان من باب "الدروشة" ، في المقابل فإن مثل هذا السلوك الجديد يعني إسقاطا تاما لكل تراث النقد السياسي الذي يوجه إلى التيارات الإسلامية بخلط السياسة بالدين ، واعترافا كاملا بأنهم أخطأوا عندما شنعوا على التيار الإسلامي بأنه يستخدم "الدين" لتوظيفه في مكاسب سياسية ، بينما وضح أن الأزمة في جوهرها أنهم لا يجدون طريقا في السلوك أو الفكر يقربهم من "دين" الناس ، وليس خلافا على أصل "التوظيف".
وإذا كانت مجموعات البرادعي و6 أبريل والجبهة وغيرهم يتحدثون عن علاقة بعض السلفيين بالأجهزة الأمنية ونظام مبارك ، فهل هم فعلا يجهلون الهيمنة الكاملة لمباحث أمن الدولة على الطرق الصوفية ، وهل هم في غفلة عن البيعة السنوية التي كانت مشيخة الطرق الصوفية تجددها "لفخامة الرئيس محمد حسني مبارك" ، ثم هل يتجاوز "أنصار الحرية" وثورة الشعوب العربية عن موقف الجماعات الصوفية ، مثل مجموعة ماضي أبو العزائم من النظم العربية القمعية ، وخاصة تحالفهم الوثيق والمتشعب مع نظام العقيد القذافي ودفاعهم المستميت عنه وعن ديكتاتوريته وقمعه لشعبه ، ومجلاتهم التي تسبح بحمد القذافي وأنجاله في كل عدد من أعدادها تقريبا ، ناهيك عن قنواتهم الغامضة مع المراجع الشيعية في الخليج وإيران .
ستعاني القوى السياسية المصرية لفترة من الاضطراب الذي يسببه الانتقال من موقع "المعارض" المهمش إلى موقع "المشارك" في صنع القرار ، فنظرا لانعدام تداول السلطة فكرة أو ممارسة أو حتى خيالا في مصر طوال ستين عاما فقد تحوصلت فكرة العمل السياسي المعارض عند مجرد "إغاظة" النظام السياسي أو تسجيل نقاط اعتراض أو احتجاج ، وكانت المعارضة السياسية تعرف ما ترفضه أو ما لا تريده ولكنها لا تعرف ما تريد بالضبط ، ولا تملك مشروعا حقيقيا لإدارة دولة ولا كوادر تصلح لذلك ، كما أن الخطاب السياسي المعارض ـ من كثرة تجاهله ـ كان يعتمد على "الزعيق" والصوت العالي والضجيج الإعلامي والهجاء الساخن والساخر الذي "يمتع" بعض الجمهور أحيانا ، مما أبعدها عن السلوك "المسؤول" ، وغيب "العقل البناء" في الممارسة السياسية ، وهذا "الإرث" سيظل يطارد العمل السياسي لفترة ، حتى يستوعب كوادره أنهم اليوم "شركاء" في المسؤولية ، وأن المعارضة ، أي معارضة ، يمكنها أن تشكل "حكومة ظل" حقيقية ، لها فرصة إدارة شؤون الدولة في أعقاب أي انتخابات برلمانية جديدة ، بكل ما يحتاجه ذلك التطور من إحساس بالمسؤولية أوالقدرة على اختيار السلوك السياسي المسؤول .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق