الاثنين، 29 سبتمبر 2014

GMT 0:26:00 2012
الحياة اللندنية

سبت 5 مايو
السعودية ومصر ... والتحول  من علاقات عمودية إلى أفقية
جمال خاشجقى






ثَمة حقيقة مؤلمة في قصة المحامي المصري الشاب الذي اتُّهم بمحاولة تهريب عقاقير طبية للسعودية، هو أنه كاد أن يفرق بين السعودية ومصر، على رغم كل ما نقوله عن العلاقة الإستراتيجية الحتمية بين البلدين والتي يدركها أي طالب مبتدئ في الجيوسياسة.
السبب أننا لم نكمل عملية التحول من النظام العربي القديم الذي انهار العام الماضي إلى النظام الجديد الذي لا يزال يتبلور من حولنا، ولا نزال نستخدم أدوات النظام القديم التي لم تعد صالحة لعلاج مشكلات النظام العربي الجديد، فالإعلام المصري مثلاً، وهو يحتفل بالحصول على حريته، لم يعرف كيف يستخدمها وفق ضوابط المسؤولية، فكان المؤجِّج للأزمة في حفلة مزايدة على الوطنية، وكاد أن ينافسه في ذلك بعض من الإعلام السعودي لولا أن الحكومة السعودية لفتت انتباه «إعلامها» إلى ضرورة ضبط النفس واتباع سياسة الدولة في الحكمة والصبر، حرصاً على علاقة استراتيجية لا يملك قادة البلدين اختيار غير العض عليها بالنواجذ.
أما في مصر، فلقد فقدت الدولة الجديدة -التي لم تكتمل بنيتها بعدُ- السيطرةَ على الإعلام، وليس هذا عيباً وإنما ميزة وتطور طبيعي للمجتمعات وهي تمضي نحو الديموقراطية. في الماضي، كان يكفي اتصال من وزير الإعلام السعودي لنظيره المصري، أو العكس، لعتاب على مقال أو خبر، وخلال 5 دقائق يتم الاتصال بالكاتب أو المذيع ويوضع حد «للتجاوز» الذي سبب عتب الأشقاء. الوزير السعودي لا يزال يستطيع أن يفعل هذا، ولكن المصري لا يستطيع، بل لن يكون في مصر وزير للإعلام يمكن الاتصال به. كيف إذن يمكن التحكم والتأثير في إعلام حر يفقد منطقه أحياناً، وقد يهدد الأمن القومي العربي -ما سبق عبارة مستعارة من زمن النظام العربي القديم- بقدر ما يهدد الأمن الداخلي لمصر، بنشر الإشاعات التي قد تشعل أزمة محلية، وقد حصل هذا مرات عدة منذ الثورة؟
هذه مشكلة مصر، ومشكلة تونس وليبيا وبقية دول الربيع العربي، وحلها لن يكون بإعادة سيطرة الدولة أو الحزب الحاكم على الإعلام، إذ لن يقبل أحد بذلك، وإنما بتشريعات قضائية وميثاق يحكم أخلاقيات العمل الإعلامي. لقد استشعر عدد من زملاء المهنة في مصر هذا الإشكال مبكراً، ولعل قضية الجيزاوي تضغط عليهم للتعجيل بالخروج بميثاقهم أو التشريعات القضائية المقترحة، ولكن مصر متوقفة حالياً حتى تخرج من مأزق نقل السلطة من المجلس العسكري إلى رئيس منتخب، والذي لا نعرف بعدها هل سيكون هو السلطة أم البرلمان؟
حتى ذلك الحين ستمضي مصر قلقة تحت رحمة إشاعة تحرك العامة إلى العباسية فيقتل منهم عشرون، أو أمام السفارة السعودية في الجيزة، فلا يقتل أحد، ومن ألطاف الله أنه لم يقتل أحد هناك على أسوار السفارة فيطوَّب كـ «شهيد السفارة السعودية» من أحد «فلول» الإعلاميين المصريين، ممن يبحث عن «وطنية» يمحو بها موقفه السابق من الثورة.
أما المملكة، فتحتاج إلى أن تطور أدوات جديدة قديمة في علاقاتها الخارجية مع دول الربيع العربي، والحق أن كل الدول العربية باتت دولاً للربيع العربي الذي لم ولن يسلم منه أحد.
ما قبل الربيع، كانت العلاقات بين السعودية ومصر «عمودية»، بين الملك والرئيس مباشرة، وكل شيء كان يتم بينهما، وما على الوزراء إلا تنفيذ التوجيهات، حتى الأفكار والمقترحات التي تتبلور في اجتماعات اللجان المشتركة أو الوزراء تصعد هي الأخرى عمودياً للقيادة ثم تصدر بها التوجيهات.
السعودية لا تزال محتفظة بهيكليتها «العمودية»، لكن مصر تحولت إلى نظام أفقي، وهو ما يتطلب استخدام أدوات جديدة، لعل هذا يفسر زيارة رئيس مجلس الشعب المصري سعد الكتاتني نهاية الأسبوع الماضي للمملكة على رأس وفد من مجلس الشعب والشورى المصريين.
نحن نحتاج أيضاً إلى اعتماد سياسة أفقية في علاقتنا مع مصر. إنها فكرة قديمة ومؤسسة ومجربة، وهي «الديبلوماسية العامة» التي تقوم على الاتصال بكل أطياف المجتمع. يجب أن نتواصل شعبياً أيضاً، والحق أن بعض الفضل في احتواء أزمة الجيزاوي يعود إلى مبادرات شعبية من مواطنين في البلدين رفضوا أن يستسلموا للمؤججين والمتعصبين، مصريين وسعوديين، فتواصلوا عبر الشبكات الاجتماعية للتعبير عن عمق الأخوة بين الشعبيين. حان الوقت كي نرى شباباً سعوديين في ميدان التحرير يتحاورون مع شباب الثورة بمختلف أحزابهم وتجمعاتهم، وعلماء دين يزورون الأزهر، رجال أعمال يلتقون بنظرائهم، مصر تولد من جديد وبحكم العلاقة الخاصة بيننا يجب أن نحضر تلك الولادة. لا يعني هذا أن نكون كالضيف الثقيل الذي يتدخل في أمور البيت الخاصة، فبالطبع هناك لحظات حرجة أثناء أي ولادة يفضل أن نخرج خلالها من غرفة العمليات.
هذه «الديبلوماسية العامة» التي يكون بعضها رسمياً والآخَرُ شعبياً، كفيلة باحتواء أزمات المستقبل. الحرية تعني أن تسمع ما تحب وتكره. هذه هي مصر الجديدة، ليس كل من فيها يحب السعودية ولا كل من في السعودية يحب مصر، ولكن التواصل كفيل بعلاج حال «الكراهية بين العرب» لدى البعض. إنها حال لا تخص السعوديين والمصريين فقط، لقد حصلت كارثة مشابهة بين المصريين والجزائريين بسبب لعبة كرة قدم قبل عامين، بلغت من السوء أنه لو كانت بين البلدين حدود مشتركة لربما وقعت حرب بينهما.
هذه الديبلوماسية الشعبية يمكن أن تجيب المصريين عن أسئلتهم المعلقة أفضل مما سيفعل مذيعو البرامج الحوارية التي تكاثرت على خراش في فضائيات التلفزيون، هل السعودية ضد الثورة؟ هل تتمنى عودة مبارك؟ هل تدعم السلفيين؟ هل تفضل مرشحاً بعينه؟ وهل تنوي سحب استثماراتها من مصر؟ كما ستجيب عن أسئلة السعوديين: هل ينوي «الإخوان» تصدير الثورة والتدخل في الشؤون الداخلية لدول الخليج؟ هل ينوون التحالف مع إيران؟ هل سيتحول هوى مصر نحو تركيا بعيداً عنا؟ هل ستصدر تشريعات تضيق على الاستثمارات السعودية في مصر؟ وأخيراً متى سنبني جسراً فوق خليج العقبة يربط بين البلدين بعدما فرقت بيننا إسرائيل؟
إلى أن نصل إلى السؤال الأهم: ماذا سنفعل بإسرائيل؟
السعودية ومصر ... والتحول من علاقات عمودية إلى أفقية
الحياة اللندنية

GMT 0:26:00 2012 السبت 5 مايو


جمال خاشقجي

ثَمة حقيقة مؤلمة في قصة المحامي المصري الشاب الذي اتُّهم بمحاولة تهريب عقاقير طبية للسعودية، هو أنه كاد أن يفرق بين السعودية ومصر، على رغم كل ما نقوله عن العلاقة الإستراتيجية الحتمية بين البلدين والتي يدركها أي طالب مبتدئ في الجيوسياسة.
السبب أننا لم نكمل عملية التحول من النظام العربي القديم الذي انهار العام الماضي إلى النظام الجديد الذي لا يزال يتبلور من حولنا، ولا نزال نستخدم أدوات النظام القديم التي لم تعد صالحة لعلاج مشكلات النظام العربي الجديد، فالإعلام المصري مثلاً، وهو يحتفل بالحصول على حريته، لم يعرف كيف يستخدمها وفق ضوابط المسؤولية، فكان المؤجِّج للأزمة في حفلة مزايدة على الوطنية، وكاد أن ينافسه في ذلك بعض من الإعلام السعودي لولا أن الحكومة السعودية لفتت انتباه «إعلامها» إلى ضرورة ضبط النفس واتباع سياسة الدولة في الحكمة والصبر، حرصاً على علاقة استراتيجية لا يملك قادة البلدين اختيار غير العض عليها بالنواجذ.
أما في مصر، فلقد فقدت الدولة الجديدة -التي لم تكتمل بنيتها بعدُ- السيطرةَ على الإعلام، وليس هذا عيباً وإنما ميزة وتطور طبيعي للمجتمعات وهي تمضي نحو الديموقراطية. في الماضي، كان يكفي اتصال من وزير الإعلام السعودي لنظيره المصري، أو العكس، لعتاب على مقال أو خبر، وخلال 5 دقائق يتم الاتصال بالكاتب أو المذيع ويوضع حد «للتجاوز» الذي سبب عتب الأشقاء. الوزير السعودي لا يزال يستطيع أن يفعل هذا، ولكن المصري لا يستطيع، بل لن يكون في مصر وزير للإعلام يمكن الاتصال به. كيف إذن يمكن التحكم والتأثير في إعلام حر يفقد منطقه أحياناً، وقد يهدد الأمن القومي العربي -ما سبق عبارة مستعارة من زمن النظام العربي القديم- بقدر ما يهدد الأمن الداخلي لمصر، بنشر الإشاعات التي قد تشعل أزمة محلية، وقد حصل هذا مرات عدة منذ الثورة؟
هذه مشكلة مصر، ومشكلة تونس وليبيا وبقية دول الربيع العربي، وحلها لن يكون بإعادة سيطرة الدولة أو الحزب الحاكم على الإعلام، إذ لن يقبل أحد بذلك، وإنما بتشريعات قضائية وميثاق يحكم أخلاقيات العمل الإعلامي. لقد استشعر عدد من زملاء المهنة في مصر هذا الإشكال مبكراً، ولعل قضية الجيزاوي تضغط عليهم للتعجيل بالخروج بميثاقهم أو التشريعات القضائية المقترحة، ولكن مصر متوقفة حالياً حتى تخرج من مأزق نقل السلطة من المجلس العسكري إلى رئيس منتخب، والذي لا نعرف بعدها هل سيكون هو السلطة أم البرلمان؟
حتى ذلك الحين ستمضي مصر قلقة تحت رحمة إشاعة تحرك العامة إلى العباسية فيقتل منهم عشرون، أو أمام السفارة السعودية في الجيزة، فلا يقتل أحد، ومن ألطاف الله أنه لم يقتل أحد هناك على أسوار السفارة فيطوَّب كـ «شهيد السفارة السعودية» من أحد «فلول» الإعلاميين المصريين، ممن يبحث عن «وطنية» يمحو بها موقفه السابق من الثورة.
أما المملكة، فتحتاج إلى أن تطور أدوات جديدة قديمة في علاقاتها الخارجية مع دول الربيع العربي، والحق أن كل الدول العربية باتت دولاً للربيع العربي الذي لم ولن يسلم منه أحد.
ما قبل الربيع، كانت العلاقات بين السعودية ومصر «عمودية»، بين الملك والرئيس مباشرة، وكل شيء كان يتم بينهما، وما على الوزراء إلا تنفيذ التوجيهات، حتى الأفكار والمقترحات التي تتبلور في اجتماعات اللجان المشتركة أو الوزراء تصعد هي الأخرى عمودياً للقيادة ثم تصدر بها التوجيهات.
السعودية لا تزال محتفظة بهيكليتها «العمودية»، لكن مصر تحولت إلى نظام أفقي، وهو ما يتطلب استخدام أدوات جديدة، لعل هذا يفسر زيارة رئيس مجلس الشعب المصري سعد الكتاتني نهاية الأسبوع الماضي للمملكة على رأس وفد من مجلس الشعب والشورى المصريين.
نحن نحتاج أيضاً إلى اعتماد سياسة أفقية في علاقتنا مع مصر. إنها فكرة قديمة ومؤسسة ومجربة، وهي «الديبلوماسية العامة» التي تقوم على الاتصال بكل أطياف المجتمع. يجب أن نتواصل شعبياً أيضاً، والحق أن بعض الفضل في احتواء أزمة الجيزاوي يعود إلى مبادرات شعبية من مواطنين في البلدين رفضوا أن يستسلموا للمؤججين والمتعصبين، مصريين وسعوديين، فتواصلوا عبر الشبكات الاجتماعية للتعبير عن عمق الأخوة بين الشعبيين. حان الوقت كي نرى شباباً سعوديين في ميدان التحرير يتحاورون مع شباب الثورة بمختلف أحزابهم وتجمعاتهم، وعلماء دين يزورون الأزهر، رجال أعمال يلتقون بنظرائهم، مصر تولد من جديد وبحكم العلاقة الخاصة بيننا يجب أن نحضر تلك الولادة. لا يعني هذا أن نكون كالضيف الثقيل الذي يتدخل في أمور البيت الخاصة، فبالطبع هناك لحظات حرجة أثناء أي ولادة يفضل أن نخرج خلالها من غرفة العمليات.
هذه «الديبلوماسية العامة» التي يكون بعضها رسمياً والآخَرُ شعبياً، كفيلة باحتواء أزمات المستقبل. الحرية تعني أن تسمع ما تحب وتكره. هذه هي مصر الجديدة، ليس كل من فيها يحب السعودية ولا كل من في السعودية يحب مصر، ولكن التواصل كفيل بعلاج حال «الكراهية بين العرب» لدى البعض. إنها حال لا تخص السعوديين والمصريين فقط، لقد حصلت كارثة مشابهة بين المصريين والجزائريين بسبب لعبة كرة قدم قبل عامين، بلغت من السوء أنه لو كانت بين البلدين حدود مشتركة لربما وقعت حرب بينهما.
هذه الديبلوماسية الشعبية يمكن أن تجيب المصريين عن أسئلتهم المعلقة أفضل مما سيفعل مذيعو البرامج الحوارية التي تكاثرت على خراش في فضائيات التلفزيون، هل السعودية ضد الثورة؟ هل تتمنى عودة مبارك؟ هل تدعم السلفيين؟ هل تفضل مرشحاً بعينه؟ وهل تنوي سحب استثماراتها من مصر؟ كما ستجيب عن أسئلة السعوديين: هل ينوي «الإخوان» تصدير الثورة والتدخل في الشؤون الداخلية لدول الخليج؟ هل ينوون التحالف مع إيران؟ هل سيتحول هوى مصر نحو تركيا بعيداً عنا؟ هل ستصدر تشريعات تضيق على الاستثمارات السعودية في مصر؟ وأخيراً متى سنبني جسراً فوق خليج العقبة يربط بين البلدين بعدما فرقت بيننا إسرائيل؟
إلى أن نصل إلى السؤال الأهم: ماذا سنفعل بإسرائيل؟
في ظلم اليمين واليسار للمرأة المصرية   

د.نوال السعداوى 

                            



لعب «المجلس العسكري» المصري، بعد سقوط مبارك دوراً في عرقلة جهود «الاتحاد النسائي المصري» الذي تشكل في ميدان التحرير (وسط القاهرة) في ١٣ شباط (فبراير) ٢٠١١. أمر «المجلس العسكري» بتشكيل «المجلس القومي للمرأة»، الذي لا يختلف كثيراً عن مجلس سوزان مبارك في خضوعه للسلطة الحاكمة، وتقوده الشخصيات ذاتها التي اشتغلت معها، وبعض قيادات المنظمات النسائية التي نشأت وترعرعت في ظل نظام مبارك. بعد قفز التيار الإسلامي إلى الحكم، برزت النساء المنقبات والمحجبات، وعلى رأسهن زوجة رئيس الدولة، لا نسمع صوت إحداهن تدافع عن حقوق النساء والتي تُسلب على نحو متزايد تحت اسم الدين والشريعة، وتردد هؤلاء النساء ما تقوله التيارات السياسية السائدة من أن الختان والحجاب جزء من هوية المرأة المصرية المسلمة، ويهاجمن المناضلات لتحرير المرأة، ويوجهن اليهن تهمة الكفر أو الخيانة الوطنية، أو على الأقل تقليد الغربيات المنحلاّت أخلاقياً.

قضية تحرير النساء لا تنفصل عن قضية تحرير مصر كلها، وقد ربطت رائدات الحركة النسائية المصرية، منذ ستين عاماً، بين تحرير مصر من الاستعمار الخارجي، وتحرير النساء والرجال من النظام الطبقي الأبوي المستبد داخلياً. وكان المفروض أن تكون قضية المرأة المصرية من القضايا السياسية والاجتماعية والثقافية المهمة بعد ثورة يناير 2011، التي نادت بالعدالة الاجتماعية والحرية والكرامة للجميع نساءً ورجالاً، وبعدما شاركت النساء جنباً الى جنب الرجال في الثورة، لكن أهمية القضايا السياسية لا تنبع من مبدأ العدالة للجميع، بل من منطق القوة التي تقفز الى مقاعد السلطة بعد الثورة.

النساء خارج دائرة هذه السلطة. غالبيتهن داخل البيوت محجبات، مقيدات بسلطة الزوج المطلقة بحكم قانون الأسرة الأبوي. وإن خرجت المرأة للعمل وأنفقت على زوجها والأسرة، فإنها تظل تحت حكم زوجها، يُستولى على مالها ويطلقها متى شاء، أو يتزوج عليها.

تصبح المرأة أو الشخص الداعي إلى تحرير النساء داعياً إلى هدم الدين أو إباحة المحرّمات الوطنية والدينية، إضافة الى كونه عميلاً للأجانب، باعتبار أن الأجنبي هو عدو الله والوطن. فشلت النساء المصريات (والرجال من ذوي الضمائر) في تغيير قانون الأحوال الشخصية، على رغم النضال الطويل، بسبب خوف مزمن من «عقاب إلهي». ولم تكن كشوف العذرية للشابات المشاركات في ثورة يناير، إلا محاولة لإشاعة الخوف بين الفتيات وعائلاتهن، وبالتالي يفرض الأهالي على بناتهم عدم الخروج الى التظاهرات، خوفاً على عذريتهن، أو حماية لشرف الأسرة الذي لا يقل المساس به خطورة في نفوس الشعب عن المساس بذات الحاكم. تزيد اشكالية قضية تحرير النساء مع تصاعد قوى اليمين الطبقية الرأسمالية داخلياً وخارجياً، ومعها حلفاؤها من التيارات السياسية الدينية في مصر وخارجها. يزيد من الاشكالية أيضاً أن قوى اليسار (من الاشتراكيين والشيوعيين الذين يحاربون الرأسمالية والقهر الطبقي للعمال) لا يهتمون بقضية نصف المجتمع من النساء، لأنها تخلخل النظام الأبوي داخل الأسرة، مما يهدد المصالح السلطوية للزوج والأب. وقد تتحمس قوى اليسار لقضية النساء (جزئياً) لاستخدامهن في الثورات ضد اليمين الرأسمالي الاستعماري والامبريالية والصهيونية، وضد الدولة المصرية المستبدة داخلياً، بشرط ألا تتجاوز المرأة حدودها وتطالب بتغيير قانون الأسرة، أو المساواة التامة بين الآباء والأمهات والأزواح والزوجات في الدستور.

القوى السياسية بكل أطيافها في مصر (يسار ويمين ووسط) التي استولت على مهمة إعداد الدستور اختلفت على كل شيء، إلا المساس بقانون الاحوال الشخصية القائم على السلطة الأبوية المطلقة. نشر أحد زعماء اليسار المصري الثوري برنامج حزبه لتحقيق مبادئ الثورة، الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة، ولم ترد كلمة قضية المرأة في البرنامج أو مساواة النساء والرجال في قانون الأحوال الشخصية. في الدستور تتوقف العدالة الاجتماعية عندهم عند باب البيت. تظل الأسرة الأبوية من الثوابت المقدسة في نظر اليسار واليمين على حد سواء، يشمل اليمين التيارات الدينية السياسية ويشمل اليسار مختلف أطياف الاشتراكيين والشيوعيين والليبراليين المعادين للاستعمار الخارجي. فشل اليسار المصري في تحرير العمال والفلاحين والطبقات الكادحة من الفقر والأمية، مع ذلك يحمّلون النساء مسؤولية القضاء على الفقر والأمية ويتهمونهن بالنخبوية إن ناضلن من أجل تحرير النساء من العنف الجنسي. «يمط الرجال بوزهم» في وجه النساء إن نطقن كلمة حرية المرأة، باعتبار أن حرية المرأة من الكماليات المستوردة من أميركا، أو مطلب قلة من نساء الطبقة العليا البرجوازية ولا تهتم النساء الفقيرات الكادحات بهذه الحرية. أما حرية الرجل فهي حرية محترمة من حق الرجال الفقراء مثلهم مثل رجال الطبقات الأعلى... تدور الحركة النسائية المصرية داخل هذه الحلقة المفرغة من النقد والاتهامات منذ مئات السنين حتى اليوم.

لن تحل الإشكال إلا أجيال جديدة من النساء الشجاعات اللائي لا يستمعن إلى ما يقوله المبتسرون من الزملاء في الأحزاب، اليسار واليمين والوسط، وذوي اللحى أو من دون اللحى، وحين تحترم المرأة المصرية حريتها وكرامتها بمثل ما يحترم الرجل حريته وكرامته.

Locations of Site Visitors
Powered By Blogger