الثلاثاء، 29 يناير 2013

مخاض مصر العسير في الانتقال من الاستبداد إلى الديمقراطية

مخاض مصر العسير في الانتقال من الاستبداد إلى الديمقراطية
مخاض مصر العسير في الانتقال من الاستبداد إلى الديمقراطية
تنذر الأجواء في مصر بفوضى عارمة قد تجتاح البلاد في حال عدم التوصل إلى حلول للوضع الأمني والاقتصادي، وإيجاد مخرج لإنسداد أفق الحوار السياسي بين الأحزاب والحركات المعارضة والرئيس محمد مرسي المتهم بأخونة الدولة وتنفيذ برامج جماعة الإخوان المسلمين. وتكشف الأحداث أنه لا يمكن لأي طرف أن يستأثر بحكم مصر، وأن زمن الإستبداد ولى، وأن الحل يكمن في التعاون لتنفيذ أهداف ثورة يناير.
وأحيا المصريون الذكرى الثانية لثورة 25 يناير وسط حالة من الانقسام السياسي والمجتمعي الحاد. ويكشف حجم التجمعات وانتشارها عن ازدياد حدة الاستقطاب بين حركة الإخوان المسلمين، وكثير من الأحزاب والحركات التي لعبت دورا رئيسا في انتصار الثورة منذ عامين. وتشير الشعارات المطروحة إلى أن الثورة لم تحقق بعد أيا من أهدافها في "عيش، حرية، عدالة اجتماعية، كرامة انسانية".
وفي أثناء إحياء الذكرى الثانية لثورة يناير، وماتلاه من أحداث، لم يخطف ميدان التحرير وسط القاهرة وحده انتباه وسائل الإعلام العربية والعالمية، فقد عُمدت مظاهرات السويس بالدم، وتبعتها مدينة بورسعيد التي فقدت العشرات من أبنائها قتلى إضافة إلى مئات الجرحى. وفي مقابل تجمع مئات ألوف المتظاهرين من أنصار المعارضة للتأكيد على رفض سياسات الرئيس محمد مرسي السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والمطالبة بتعديل الدستور الذي أقر أخيرا باستفتاء شعبي، فإن انفلات الأوضاع الأمنية في مناطق عدة، منها العاصمة، مست بهيبة الدولة وقوى الأمن، وسمحت بسيطرة مجموعات لا تحسب على أي طرف سياسي ولا تعرف توجهاتها. ويزداد الحديث عن مجموعات جديدة "بلاك بلوك" و"الألتراس". وفي الأيام الثلاثة الأخيرة أحرق محتجون عددا من المكاتب والمقار التابعة لجماعة الإخوان المسلمين، وقطعوا الشوارع والجسور في أكثر من مكان، وسرقوا محتويات بعض البلديات والدوائر الحكومية.
 ويبدو أن الأمور في أرض الكنانة ليست في أفضل حالاتها، وتزداد الأمور تعقيدا في ظل انسداد الأفق السياسي، وعدم وضوح سكة الحل للخروج من صعوبات الفترة الانتقالية، والانتقال إلى تنفيذ مطالب الشعب المصري بلقمة العيش، والعدالة الاجتماعية. ومع بروز مشكلة بورسعيد برز انقسام مجتمعي حاد حول قرارات القضاء المصري الذي طالما عرف بنزاهته، ولم يكن محط خلاف بين المصريين حتى في عهد الاستبداد أثناء حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك، فقرار القضاء حول "مذبحة بورسعيد" نزلت "بردا وسلاما" على مشجعي النادي الأهلي الذين فرحوا وابتهجوا، ونزلت كوقع الكارثة على قسم من أهالي مدينة بورسعيد(وخاصة اهالي المحكومين) وقابلوها بتنظيم هجوم على السجن تسبب بمجزرة جديدة. وكالعادة استغل الإعلام الواقعة ليصب الزيت على النار، ويعمق من جراح المصريين، ويزيد من حالة الاستقطاب.    
وفي مصر اليوم الكثير من الأسئلة والقليل من الأجوبة. وأهم الأسئلة كيف وصلت الأمور إلى هذا الحد؟ وهل مازالت هناك إمكانية لتلافي الانزلاق إلى كارثة تأتي على ما تبقى من هيبة الدولة، وتضع حدا للتدهور الأمني والاقتصادي؟ وكيف السبيل إلى تحقيق الاستقرار وتنفيذ مطالب الثورة؟.

ثمار التخبط في الفترة الانتقالية...

قبل عامين استطاع المصريون بثباتهم وصمودهم في الساحات اجبار الرئيس مبارك على التنحي، لينتهي به الأمر إلى المحاكم. لكنهم، رغم بلوغ ثورة 25 يناير سن الفطام، لم يستطيعوا الانتقال بمصر إلى برّ الأمان، بل على العكس من ذلك فإن السنتين الأخيرتين ربما تكونان الأسوأ على مصر من عدة جوانب أولها انعدام الأمن، وتراجع الاقتصاد وشل عجلة الانتاج، والإنقسام الحاد. وتقف مصر على حافة الفوضى، وينحصر الحديث عن استمرار الثورة، أو موجة ثانية من الثورة.
ولا بد من الإشارة إلى عدد من المحطات المهمة بعد انتصار ثورة يناير/كانون الثاني 2011 والتي كان لها دور بارز ومؤثر في تطور الأحداث وصولا إلى ما نشهده حاليا.
فقد رحبت القوى الثورية في البداية بالتدخل "المحمود" للجيش ودوره في منع الانفجار قبل عامين، وفي نفس الوقت فإن القوى السياسية والمجتمعية التي اتفقت على إسقاط مبارك لم تكن جاهزة لرسم تصور لطبيعة الفترة الانتقالية وآلية تنفيذ برامج الثورة.
ومع غياب خطة واضحة، برزت مصاعب الانتقال من الإستبداد إلى حكم الشعب، ومازالت مصر تدفع ثمن اجتهادات خاطئة وسياسات تبناها المجلس العسكري في فترة انتقالية زادت من حجم المشكلات الاقتصادية، وفاقمت الاستقطاب الحاد في ظل حكومات ضعيفة.
فعقب انتصار الثورة بيومين أصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي تولي إدارة شؤون البلاد بصورة مؤقتة في أعقاب الإطاحة بمبارك بيانا دستوريا تضمن تعطيل العمل بأحكام دستور عام 1971. وبعدها نظم استفتاء 19 مارس/ آذار 2011 الذي وافقت فيه غالبية المشاركين على تعديلات دستورية من بينها مادة تحدد آلية لانتخاب جمعية تأسيسية لصياغة دستور جديد للبلاد. وبعد الاستفتاء صاغ المجلس العسكري إعلانا دستوريا يتألف من 63 مادة، من بينها المواد التي جرى الاستفتاء عليها. وتنص إحدى مواده على أن "يجتمع الأعضاء غير المعينين لأول مجلسي شعب وشورى في اجتماع مشترك بدعوة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة خلال ستة أشهر من انتخابهم لانتخاب جمعية تأسيسية من مئة عضو تتولى إعداد مشروع دستور جديد للبلاد في موعد غايته ستة أشهر من تاريخ تشكيلها ، ويعرض المشروع خلال خمسة عشر يوما من إعداده على الشعب لاستفتائه في شأنه ويعمل بالدستور من تاريخ إعلان موافقة الشعب عليه في الاستفتاء". 

استفراد الإخوان وتشبثهم بالسلطة...

ولم تشارك حركة الإخوان المسلمين كتنظيم سياسي في المظاهرات التي بدأت في 25 يناير/كانون الثاني 2011. لكن الحركة استطاعت قطف ثمار الثورة لأنها تملك تنظيما قويا متماسكا، زاد رصيده على حساب تشرذم قوى الثورة، وفشل الحكومات بعد مبارك في تثبيت الأمن وتحقيق الإستقرار، وتحسين الظروف الاقتصادية والمعيشية للسكان.
وسمح الفوز الساحق لحركات الإسلام السياسي (الإخوان والسلفيون) بأغلبية مقاعد مجلس الشعب والشورى بفرض تصوراتهم على تشكيلة اللجنة التاسيسة لصياغة الدستور، وسيطرت على معظم مقاعدها حسب تعديلات مارس 2011. وبدأت معركة قضائية بصدور حكم بحل اللجنة التأسيسة في أبريل/نيسان، تلاها انتخاب لجنة في يونيو/حزيران ظلت الهيمنة فيها لـ "الإسلاميين"، وبعدها صدر حكم قضائي بحل مجلس الشعب لعدم دستورية بعض مواد قانون الانتخابات الخاص به. وقبل الانتخابات الرئاسية أصدر المجلس العسكري إعلانا دستوريا مكملا. ولعب تكاتف قوى الثورة دورا مؤثرا في دعم مرشح الإخوان محمد مرسي في الجولة الثانية أمام آخر رئيس وزراء في عهد مبارك أحمد شفيق. وتعهد مرسي بدعم قوى الثورة، وعدم إقرار أي دستور غير توافقي، ومشاركة جميع القوى السياسية لتحقيق أهداف الثورة.
واستغل مرسي هجوم سيناء صيف العام الماضي لينهي هيمنة المجلس العسكري، ويلغي الإعلان الدستوري المكمل، ويصدر إعلانا دستوريا جديدا تضمن نصا يقول: "إذا قام مانع يحول دون استكمال الجمعية التأسيسية لعملها شكل رئيس الجمهورية خلال 15 يوما جمعية تأسيسية جديدة تمثل أطياف المجتمع المصري بعد التشاور مع القوى الوطنية لإعداد مشروع الدستور الجديد خلال ثلاثة أشهر من تاريخ تشكيلها".  
ويذهب فريق واسع إلى أن الأزمة الحالية تصاعدت بعد الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس محمد مرسي يوم 22 نوفمبر/ تشرين الثاني 2012 ومنحه سلطات واسعة، وحصن الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور من أحكام القضاء، ومدد فترة عملها شهرين إضافيين، كما حصن الإعلان الدستوري مجلس الشورى. واعتبر المعارضون أن مرسي نصب نفسه ديكتاتورا وفرعونا جديدا على أرض الكنانة بعدما نص الإعلان على عدم إمكانية الطعن بقراراته السابقة واللاحقة إلى حين انتخاب مجلس شعب جديد. وفجر الإعلان الدستوري ردود فعل غاضبة واحتجاجات عنيفة من أطياف سياسية ومجتمعية مختلفة. وقد تراجع مرسي عن بعض فقرات الإعلان الدستوري لكنه أصر على تنظيم استفتاء على الدستور أقر بأغلبية في صناديق الإقتراع، رغم المعارضة الكبيرة لبعض بنوده التي تؤكد المعارضة أنها تنتهك حقوق الأقليات والمرأة وتكرس "أخونة" الدولة، مما فجر خلافات جديدة لم تنته في الشوارع والساحات.

تلافي الإنزلاق إلى الفوضى ومفاتيح الحل...

وتواصل المعارضة اتهام  الرئيس مرسي بأنه تحول في أقل من ستة أشهر من مرشح احتياطي لحركة الإخوان المسلمين، ثم إلى ممثل للثورة بعد الخيار الصعب الذي أجبر نحو 22 في المئة من الناخبين للتصويت له ضد شفيق، إلى رئيس ينفذ أجندات حركة الإخوان المسلمين، ويأتمر بتوجهات المرشد العام للحركة.
وأضر الخلاف بين الرئيس والمؤسسة القضائية في شأن عزل النائب العام والصمت عن محاصرة المحكمة الدستورية، اضر بهيبة القضاء. وتأثرت صور مرسي كثيرا عقب اعتداء أنصاره على المعتصمين قرب قصر الإتحادية. وأصبحت قوى الأمن حائرة مما جعلها غير قادرة على ضبط الأمور مع انتشار مجموعات مختلفة تطالب بالقصاص أو الرصاص، وتتردد في استخدام القوة وقت الضرورة لمنع الانجرار إلى الفوضى وما هو أسوأ. ويزداد تدخل "فلول" النظام السابق، وأطراف محلية وخارجية ، كل لأجندة خاصة فيه. ولا يمكن التخفيف من افعال الحركات الشبابية الناشئة ودورها العنيف في قطع الطرق والتخريب.
وبالأمس أعلن الرئيس مرسي حالة الطوارئ لمدة ثلاثين يوما في مدن القناة الثلاث بورسعيد، والإسماعيلية، والسويس، عقب سقوط العشرات بين جريح وقتيل، وجدد دعوته للحوار مع الكتل الرئيسية للمعارضة. وأعلنت جبهة الانقاذ الوطني المعارضة أن خطوات الرئيس الأمنية جاءت متأخرة، رفضت "جبهة الانقاذ الوطني" المصرية دعوة الحوار التي اطلقها الرئيس محمد مرسي، واصفة الحوار بأنه "شكلي ولا مضمون له"، داعية الى "تشكيل حكومة وحدة وطنية تدعم ملف العدالة الاجتماعية". واشارت الى انها مع كل "حوار جدي". وهددت الجبهة سابقا بمقاطعة الانتخابات البرلمانية ما لم تستجب السلطة إلى مطالب حددتها بعدة نقاط هي "تشكيل لجنة قانونية لتعديل الدستور" و"تشكيل حكومة انقاذ وطني" وازالة "العدوان على السلطة القضائية وإقالة النائب العام الحالي" و"اخضاع جماعة الاخوان المسلمين للقانون".
وتحتم التطورات في أرض الكنانة وتصاعد العنف على الساسة تبني قرارات تاريخية لانقاذ البلاد من الإنزلاق الى حالة عامة من الفوضى، وانهيار الاقتصاد الوطني. ومما لا شك فيه أن الحلول الأمنية ضرورية من أجل فرض الاستقرار في البلاد، لكن الأهم الانطلاق إلى حلول سياسية.
وأخيرا فإن مصر تعيش أزمة كبيرة مركبة يتحمل نظام الإستبداد السابق قسما كبيرا منها، وساهمت أخطاء الفترة الانتقالية في تعطيل التوصل إلى حلول سريعة وواضحة للأزمة. لكن الشعارات المرفوعة في الساحات في الذكرى الثانية للثورة تؤكد أن فريقا واسعا من المصريين ضاق ذرعا بمحاولة الإخوان المسلمين حكم مصر لوحدهم وفرض الدستور الملائم لأهواء الحركة. كما أن الغضب يزداد من جراء تأخر الحكومة والرئيس في إيجاد حلول للمشكلات المستعصية مثل الفقر والبطالة وغيرها. ويبدو أنه على الرئيس مرسي تذكر الثمن الكبير الذي دفعه الرئيس مبارك جراء تأخره في تبني الخطوات المناسبة في الوقت المناسب. وعلى قادة حركات الإسلام السياسي التفكير جديا في قدرتهم على حكم مصر بمفردهم، فثورة يناير رفعت الظلم عن حزب الإخوان "المضطهد" منذ عشرات السنين، لكنها في نفس الوقت قوت جميع حركات المجتمع المصري وأحزابه السياسية. وعلى قادة الإخوان إجراء مراجعة نقدية لما قدموه حتى الآن من أجل ملامسة معاناة المواطن البسيط المهتم بلقمة العيش والكرامة وغير المعني كثيرا بالصراع السياسي. ولعل الأهم أن يقنع أول رئيس مدني منتخب لمصر معارضية أنه رئيس كل المصريين، وأن تنخرط المعارضة جديا في بناء مصر وإيصال الثورة إلى أهدافها، وعلى الرئيس والمعارضة السعي بجد إلى صوغ عقد اجتماعي وسياسي جديد يحدد العلاقة بين الحاكم والشعب، وإدارك حقيقة أن تسجيل النقاط على حساب الآخر لا يفيد في المراحل الانتقالية التي تتطلب تكاتف الجميع لانقاذ البلاد من الانزلاق إلى فوضى عارمة، تجعل البعض يترحم على أزمنة الإستبداد.
سامر الياس

الحصاد المصري المر.. هل فقد مرسي شرعيته؟!

على خلفية الأحداث المتسارعة والمتفاقمة في جميع أنحاء مصر، وبعد الخبرات التي تراكمت على مدى عامين كاملين، ورغم الدعم الأمريكي – القطري والأورو أطلسي للإخوان المسلمين في مصر وكافة تيارات اليمين الديني المتطرف في المنطقة.. بعد كل ذلك بدأ المصريون يطرحون تساؤلات من قبيل: هل فقد الرئيس شرعيته؟ هل يمكن تخليص مصر والمنطقة من قبضة التيارات الرجعية واليمينية الدينية المتطرفة؟ هل يمكن إحباط السيناريو الأمريكي - الأورو أطلسي لتقزيم دول وإعطاء دول صغيرة حجما أكبر منها ومن إمكانياتها؟ 

بعد قرار الولايات المتحدة وبريطانيا إغلاق سفارتيهما في القاهرة يوم الأحد 27 يناير 2013، انضمت إليهما في اليوم التالي أيضا سفارتا كندا وبلجيكا. فيما أعلنت كاثرين أشتون أنه على جميع الأطراف في مصر الجلوس معا من أجل الحوار. ولم تصدر أي ردود أفعال دولية بشأن الأحداث المتفاقمة في مصر إلا بعض عبارات دبلوماسية عابرة تعطي صورة مزيفة عن حقيقة ما يجري في محافظات مصر الـ 27، وعزل مدن القناة الثلاث (السويس وبور سعيد والاسماعيلية) عن بقية محافظات مصر بفرض قانون الطوارئ وحظر التجول، وهو الأمر الذي فاقم الأمور وساهم في تردي الأوضاع وأطلق يد القوات الأمنية ووزارة الداخلية والجيس لضرب المتظاهرين وإيقاع المزيد من القتلى والجرحى. بينما رفض سكان المحافظات المعزولة قرارات الرئيس وأعلنوا استمرارهم في مواجحهة حكم الإخوان المسلمين. 

المثير أن ظهور الرئيس مرسي ورئيس حكومته هشام قنديل في المشهدين السياسي والميداني في مصر تزامن مع تفاقم الأحداث ووصول وفد عسكري - أمني أمريكي إلى القاهرة، يضم في صفوفه خبراء ومسؤوليين رسميين أمريكيين في مجال مكافحة الإرهاب. ما استوجب المخاوف من أن يتم تصوير تصرفات الجهات الأمنية المصرية ضد المتظاهرين على أنه "شكل من أشكال مكافحة الشغب أو الإرهاب". بل ويمكن ربط تصعيد عمليات قمع المتظاهرين بوصول الوفد الأمريكي.

وفي الوقت الذي أعلنت فيه مجموعات "بلاك بلوك" أن رسالة الرئيس مرسي قد وصلت إلى المصريين عبر كلمته مساء الأحد 27 يناير، فعليه أن ينتظر الرد عند قصر الاتحادية حيث مقر عمل الرئيس، رفضت جبهة الإنقاذ الحوار الذي دعا إليه مرسي في كلمته مساء الأحد وأعلنت مسؤولية الرئيس المباشرة عن أحداث العنف في البلاد، وهددت بالدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة. غير أن تيارات وقوى سياسية علمانية ومدنية ويسارية ووطنية رأت أن موقف جبهة الإنقاذ غير كاف، وعليها أن تتخذ مواقف أكثر تشددا وترفع سقف المطالب إلى عزل الرئيس وإنهاء حكم مكتب الإرشاد والإخوان المسلمين في مصر.

وفي الشأن الميداني، وحتى كتابة هذه السطور، تتواصل الاشتباكات بين المتظاهرين وقوات الأمن والجيش في جميع مدن مصر، بما في ذلك في مدن القناة التي عزلها الرئيس مرسي بقرااته المفاجئة، بينما أكدت مصادر عسكرية أنه تم تفعيل قوانين الضبطية القضائية في مدن القناة الثلاث والتي تمنح الجيش صلاحيات أمنية وجنائية وقضئية. 

وفيما أعلنت جبهة الإنقاذ أنها ستعتصم يوم 28 يناير 2013 أمام مجلس الشورى فى ذكرى "جمعة الغضب" حتى إسقاط حكم "الإخوان" وأكدت أن الرئيس مرسى فقد شرعيته بالكامل، خرجت في نفس اليوم مسيرات من السيدة زينب وأحياء ومناطق قاهرية أخرى لإحياء هذه الذكرى ودعم أهالي مدن القناة ومواصلة الثورة ضد حكم الإخوان. وتجددت الاشتباكات بالإسكندرية حيث قام المتظاهرون برشق المجلس الشعبي بالحجارة وتعطيل ترام محطة الرمل وتنظيم مسيرة لإسقاط المحافظ. ووقعت اشتباكات بالأسلحة النارية بين ملثمين وقوات الجيش والشرطة أمام سجن السويس المركزي أصيب فيها مجند و3 مساجين.

وفي القاهرة استمرت الاشتباك حتى طلوع نهار 28 يناير وأشعل متظاهرون النار وسط مترو التحرير لتفادى تأثير الغاز المسيل للدموع وأصيب الركاب بحالات اختناق. كما انصرف موظفو مجمع التحرير القائم بالميدان هربا من الغاز المسيل للدموع الذي انتشر بكثافة في المنطقة. وبعد غياب كامل لأربعة أيام عن المشهدين السياسي والميداني، قام رئيس الحكومة المصريةهشام قنديل بتفقد ميدان التحرير فجرً الاثنين 28 يناير وطالب برفع الغطاء السياسي عمن وصفهم بالمخربين. 

هذا وما زالت الفوضى الأمنية والاجتماعية والسياسية تتصدر المشهد العام في مصر، وتتواصل حرب الشوارع بين المتظاهرين وقوات الأمن التي تدعمها عناصر بزي مدني، وصفها البعض بأنها تابعة لمليشيات الإخوان المسلمين والسلفيين. وأجمع ساسة ونشطاء مصريون على أن الإخوان المسلمين يقومون عن عمد بتفجير الأوضاع في البلاد ووضعها على أعتاب حرب أهلية اعتماد على دعم بعض الدول مثل قطروالولايات المتحدة. 

وكانت جبهة الإنقاذ الوطني في مصر عقدت مؤتمرا صحافيا يوم 26 يناير حملت فيه الرئيس محمد مرسي مسؤولية العنف المفرط الذي تمارسه الأجهزة الأمنية ضد المصريين. ودعت المصريين للالتزام بالسلمية في الاحتجاجات والاعتصامات، مؤكدة أنها ضد العنف والعنف المفرط الذي أدى إلى سقوط الشهداء من أبناء الشعب المصري. 

وطالبت الجبهة في مؤتمرها الذي عقد في مقر حزب الوفد تشكيل لجنة لتعديل الدستور والاتفاق على تغيير المواد الخلافية. وتشكيل حكومة إنقاذ وطني. ومراجعة الملفين الأمني والاقتصادي بعد أن اتضح أن سياسات الرئيس الحالي وحكومته وجماعة الإخوان تسببت في إفقار المصريين وتردي الأوضاع الأمنية والاقتصادية في البلاد. وكذلك إزالة آثار الإعلان الدستوري غير الشرعي والباطل وإقالة النائب العام الإخواني والعمل على استقلال القضاء. وإخضاع جماعة الإخوان المسلمين للقانون بعد أن قفزت إلى السلطة وهي منظمة غير قانونية وغير شرعية. 

وحذرت جبهة الإنقاذ الوطني الرئيس محمد مرسي وجماعة لإخوان المسلمين بأنه في حال عدم الاستجابة خلال الأيام القليلة المقبلة، فإن الجبهة تدعو المصريين للاحتشاد يوم الجمعة المقبلة 1 فبراير 2013 لإسقاط العمل بالدستور الباطل، وإعادة العمل بدستور عام 1971، وكذلك العمل على إجراء انتخابات رئاسية مبكرة. كما وحذرت الجبهة بأنها لن تخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة إلا في إطار الحل الوطني الشامل. وأكدت الجمعية أنها في حالة انعقاد دائم في إطار الأزمة الحالية. 

من الواضح أن جميع الأحداث الجارية في مصر منذ يوم 24 يناير 2013 تستعيد تفاصيل سيناريو أحداث الثورة الأولى في عام 2011 في مصر. فجميع مداخل ومخارج ميدان التحرير وكل الشوارع المتفرعة منه وإليه والمحيطة به تشهد مواجهات ساخنة مع قوات الأمن، بينما يقوم الجيش بحراسة مداخل ومخارج محافظة القاهرة. كما يجري أيضا حرق مقرات الإخوان الملسمين والعديد من المباني التجارية المملوكة لهم. وهو ما جرى لمقرات الحزب الوطني السابق وبعض المباني الأخرى. 

المواجهات في القاهرة وصلت فجر 26 يناير إلى كوبري قصرالنيل، ما يذكر بمشهد نفس الكوبري في 27 و28 يناير 2011, غير أن المواجهات والاشتباكات وصلت إلى مبنى الإذاعة والتلفزيون (ماسبيرو) والعديد من الأحياء والمناطق القاهرية الأخرى. 

مراقبون يرون أن ما يجري في مصر حاليا هو أوسع نطاقا مما جرى في عام 2011, إذ شهدت مدينتي السويس وبور سعيد حصارا أمنيا غير مسبوق، وقامت بالفعل قوات الجيشين الثالث والثاني على التوالي بالانتشار في المدينتين. وكما كان أول القتلى في 2011 من السويس وبور سعيد، فقد فقدت المدينتين إلى الآن ومعهما الاسماعيلية ما يقرب من 70 شخصا حتى صباح يوم الأحد 27 يناير، وتم تدمير محطة المياة في بور سعيد، وإحراق محطة الكهرباء أيضا. بينما تحتل قوات الجيش والأمن مدينة السويس التي هرب من سجنها 28 سجينا صباح الأحد 27 يناير.

هناك حالات تكرار لاقتحام مراكز الشرطة والسجون، وهو ما جرى أيضا في يناير 2011. ولكن انتشار الأسلحة بشكل مخيف في مصر منذ تولي الإخوان السلطة يزيد من خطورة المشهدين السياسي والميداني. وجزء كبير من هذا السلاح هو الآن في أيدي الناس الذين يقتحمون السجون ومراكز الشرطة. كل ذلك على خلفية انفلات أمني واسع النطاق، بالضبط مثلما كان الأمر عليه بداية من يوم 26 يناير 2011, ولكنه في هذه المرة بدأ مع وصول الإخوان إلى السلطة وتضاعف منذ 25 يناير 2013 ليصل إلى أقصى مداه خلال اليومين الأخيرين.

من الواضح أن سيناريو الأيام الأولى من ثورة يناير 2011 يتكرر بالتفصيل والإخوان والرئاسة تركوا الأوضاع بين الشعب والأجهزة الأمنية والجيش. بل دعت قيادات الإخوان المسلمين إلى زيادة تسليح الشرطة وطالبت ضمنا بنزول الجيش وتوسيع نطاق عمل الأجهزة الأمنية. هذا فيما تواصل قيادات الإخوان المسلمين ووسائل الإعلام التابعة للجماعة استخدام نفس المصطلحات والتوصيفات التي أطلقت على المتظاهرين في بداية الثورة عام 2011، من قبيل "بلطجية" و"مندسون" وعملاء" و"أعداء الوطن". بل ووصف الرئيس مرسي في كلمته مساء يوم 27 يناير ما يجري في مصر بالشغب، ووصف ملايين المتظاهرين بالمجرمين والمشاغبين الذين يجب محاكمتهم، ما اعتبرته القوى السياسية تحريضا مباشرا على العنف ضد المصريين وقتلهم.

تبدو مصر الآن أنها بلا قيادة. إذا غاب الرئيس مرسي ورئيس الحكومة هشام قنديل تماما عن المشهد لمدة 4 أيام كاملة. وكما اختفت قيادات الحزب الوطني في عام 2011، غاب عن المشهد تماما مكتب الإرشاد، الحاكم الفعلي لمصر منذ تولي مرسي السلطة في البلاد. واختفى الإخوان والسلفيون من الشوارع والميادين، ومن المشهد السياسي والميداني بالكامل. البعض يرى أنهم يجهزون لمفاجآت قد تشعل حربا أهلية، والبعض الآخر من المتفائلين يرون أن نهاية الإخوان في مصر قاب قوسين أو أدنى. فيما يرى فريق ثالث أنه إذا استمرت التظاهرات على هذه الوتيرة، فمن الممكن أن يعلن الرئيس مرسي الأحكام العرفية أو حظر التجول في جميع أنحاء البلاد، وليس فقط في مدن القناة، ويطالب الجيش بالنزول إلى الشوارع لدعم الإخوان والإبقاء على سلطتهم في مصر. 

لا أحد يتحدث عن السياقين الدولي والإقليمي. فقطر غير ممثلة الآن في مصر إلا بقناة الجزيرة. ولكن لا تصريحات. بينما تتردد أنباء حول تعرض الإدارة الأمريكية لضغوط مكثفة بسبب دعمها الإخوان المسلمين وتجاهلها ما يجري في مصر، وإغماض عينها تماما عن القمع الجسدي والعنف والقتل، وإجهاض القانون والحريات. 

يبدو أن الرئيس الإخواني في مصر ومكتب الإرشاد وجماعة الإخوان المسلمين كانوا يعولون جميعا على أن يفرغ المصريون طاقتهم في إحياء الذكرى الثانية للثورة ثم يعودون إلى بيوتهم، خاصة وأن المصريين يعيشون حالة اقتصادية ومعيشية وأمنية متردية منذ مجئ الإخوان إلى السلطة وفرض المزيد من الضرائب والقيود على الحريات وتزايد معدلات البطالة. غير أن كل الشواهد تؤكد على استمرار التظاهرات والاحتجاجات التي يقابلها تعنت واضح من جانب الرئيس وجماعة الإخوان وعنف متزايد من جانب الأجهزة الأمنية وقوات الجيش. ومن ثم وقوع المزيد من القتلى والجرحى والمصابين وتصاعد وتيرة إراقة الدماء في البلاد التي تعيش حالة من الانفلات الأمني وانتشار السلاح.
 
د. أشرف الصباغ

الأحد، 27 يناير 2013

سي إن إن: أمريكا تكرر الخطأ نفسه مرة أخرى مع مصر بالتعامل مع الإخوان


ذكرت شبكة سي إن إن الإخبارية الأمريكية في تقرير لها اليوم، أن الولايات المتحدة تكرر نفس الخطأ الذي وقعت فيه مسبقًا مع نظام مبارك، من خلال التعامل مع حكومة الإخوان.
وجاء في التقرير أن الخلافات والانقسامات بين المصريين كثيرة، إلا أنهم يتفقون على أمر واحد، وهو أن الولايات المتحدة تدعم الإخوان المسلمين المسيطرة على الحكم حاليًا في مصر، حيث كانت هناك فرصة تاريخية سانحة أمام أوباما لاستعادة صورة الولايات المتحدة، إلا أنه بدلا من ذلك، وقع في ذات الخطأ، ووضع نفسه في نفس الخانة مع قطر التي تؤيد الإخوان المسلمين بدورها.
كما أن وزارة الدفاع الأمريكية، البنتاجون، بصدد إرسال عشرين طائرة من طراز F-16 إلى مصر، وهي خطوة يراها الكثير من المصريين أنها تجديد الثقة في مرسي، حيث لا تزال سياسة الولايات المتحدة تجاه مصر كما هي لم تتغير، وتضع المساعدات العسكرية على رأس أولوياتها.
ومن ناحية أخرى، وبعد عامين من الثورة المصرية، تجد الولايات المتحدة نفسها تدعم نظامًا استبداديًا، بدلا من الوقوف إلى جانب الإرادة الشعبية، وهو موقف لا تحسد الإدارة الأمريكية عليه، فيما يحاول النظام المصري أن يعيد مارد الثورة إلى قمقمه مرة أخرى.
ونصحت سي إن إن في تقريرها الرئيس أوباما في فترة ولايته الثانية، أن يتبنى سياسة أكثر مرونة، وأن يعمل على تطبيق مقولة طالما رددتها الإدارة الأمريكية وهي "أن الإدارة الأمريكية تقف دائمًا إلى جانب الشعب المصري"
سياسة أوباما الشرق أوسطية في فترة ولايته الثانية
مصطفى اللباد 

يفتح الانتصار الانتخابي للرئيس الأميركي الجديد القديم باراك أوباما الأبواب أمام استكمال مشروعه في السياسة الخارجية عموماً والشرق أوسطية خصوصاً، أي تحقيق المصالح الأميركية عبر ترتيبات وتوازنات دولية وإقليمية جديدة تعتمد "القوة الأميركية الناعمة" لتعزيز دور الولايات المتحدة الأميركية في العالم. 

وإذ ثبت فشل القوة العسكرية كأداة حصرية لحفظ المصالح في فترة حكم الجمهوريين، فقد كان الوعد بالتغيير طريق أوباما إلى ولايته الأولى التي شهدت خطوات على هذا الطريق، في حين يتوقع أن تشهد ولايته الثانية خطوات أبعد على ذات المضمار. 

ترتكز القوة السياسية في النظام الدولي على عوامل أربعة أساسية هي القدرة الاقتصادية، القوة العسكرية، التفوق التكنولوجي، والنفوذ الثقافي. ويثبت تقليب النظر في المؤشرات أن موقع أميركا المتميز في النظام الدولي مازال قائماً، بالرغم من تراجعه النسبي في العقدين الأخيرين. 

ما زالت الولايات المتحدة الأميركية الاقتصاد الأقوى في العالم متفوقة على الصين والاتحاد الأوروبي، مع التسليم بتراجع حصتها في الاقتصاد العالمي من 25% في مطلع القرن الجديد إلى 19% فقط في نهاية عام 2011. كما أن الولايات المتحدة الأميركية هي أكثر دول العالم في الإنفاق على التسلح وبفارق شاسع عن كل منافسيها، حيث تستحوذ أميركا وحدها على نصف هذا الإنفاق. 

ولم تنفك الولايات المتحدة حائزة لتفوق تكنولوجي نسبي أمام منافسيها وأقربهم في هذا المضمار اليابان، ولنفوذ ثقافي عالمي يتضح عند مقارنته بمثيله لدى الصين مثلاً. ولكن متابعة المؤشرات الأربعة ذاتها لأميركا ومنافسيها، وإمعان النظر في وتيرة صعودها وهبوطها تنبئ بأن التغيير في النظام الدولي يبدو متوقعاً بل ومرجحاً بعد عقدين من الآن إذا سارت الأمور بنفس الوتيرة. 

يمثل الشرق الأوسط بموارده الهائلة من الطاقة أهمية فائقة للولايات المتحدة الأميركية في إطار سعيها لإدامة مصالحها فيه، وهي المصالح القادرة على حسم التنافس الأميركي مع الأقطاب الدولية الأخرى، وبالتالي التأثير في وتيرة الصعود والهبوط والاحتفاظ في النهاية لأميركا بموقعها الاستثنائي في النظام الدولي. 

تأسيساً على ذلك تأتي هذه السلسلة من التحليلات حول سياسات أوباما المرتقبة حيال الأقطاب الإقليمية في الشرق الأوسط: تركيا، إيران، مصر، إسرائيل والسعودية لتحاول استشراف السياسة الأميركية في السنوات الأربع القادمة حيال كل قطب منها. 

تغيرت تركيا بعد مرور أحد عشر عاماً على حكم حزب "العدالة والتنمية"، فأصبحت شريكاً مستقراً لأميركا يقدر على لعب أدوار خارج حدوده السياسية، على العكس من الحكومات التركية المتعاقبة التي سبقتها والتي كانت شريكا عسكرياً حصراً. أفاد حزب "العدالة والتنمية" تركيا على الصعيد الاقتصادي، بحيث أصبحت تركيا الاقتصاد رقم واحد في الشرق الأوسط، والاقتصاد الأكبر في جوارها الجغرافي القريب. 

وترافق مع هذا التحول الاقتصادي تحول اجتماعي مواز له ومساو في المقدار والاتجاه، تمثل في صعود نمور الأناضول إلى واجهة السياسة والاقتصاد التركيين، ما أحدث بالنهاية خريطة جديدة للنخبة التركية. 

قد تبدو التحولات الاقتصادية واضحة أو قابلة للقياس بالمعايير الإحصائية والأرقام والمؤشرات، إلا أن التحولات الاجتماعية العميقة داخل الخريطة التركية لا تبدو واضحة لكثيرين، ربما بسبب عدم توافر أدوات قياس واضحة على غرار التحولات الاقتصادية. 

ويظهر الآن واضحاً أن النخبة التركية الجديدة شرعت في إعادة تعريف نفسها ودورها ومصالحها، فالشرق الأوسط لم يعد مكاناً جغرافياً يحاول الأتراك الناي بأنفسهم عنه، وإنما ساحة أساسية يرون فيها منافع اقتصادية ومصالح سياسية تصب في صالح بلادهم وتدعم من الخريطة السياسية-الاقتصادية الجديدة في تركيا. 

باختصار بعد مرور عشر سنوات على حكم حزب "العدالة والتنمية" يبدو بوضوح أن تركيا حسمت خيارها بالتوجه جنوباً لتمديد الأدوار واكتساب مساحات إقليمية جديدة، بعد طول تردد بين الغرب حيث البلقان وروابط تركيا العرقية والتاريخية وكوابحها الأوروبية، والشرق حيث القوقاز وامتدادات تركيا اللغوية والحضارية وعوائقها الروسية. 

هنا في الشرق الأوسط العربي يبدو الدور التركي مرحباً به من الولايات المتحدة الأميركية، التي تفتقر إلى نسق جديد للعلاقات والتحالفات بعد "الربيع العربي"، والتحولات عميقة المدى التي عصفت ببلدان عربية كثيرة. 

تحتاج الولايات المتحدة الأميركية إلى إسناد إقليمي إضافي لسياساتها، بعد اهتزاز تحالفاتها التقليدية في المنطقة، فأصبحت السياسة الأميركية محتاجة الآن إلى البوابة التركية بوضوح. 

ومع وضوح التوجه التركي نحو الجنوب العربي، واحتياج واشنطن إلى إسناد إقليمي مباشر، خصوصاً مع تحولات "الربيع العربي" تبدو المصلحة المشتركة بين واشنطن وأنقره واضحة. 

ويزيد من جاذبية الأمر لواشنطن أن ميزان القوى بين الطرفين عاد ليتعدل لمصلحة واشنطن، فتركيا أصبحت تحتاج إلى واشنطن الآن في السياق الجديد أكثر مما تحتاج واشنطن إلى تركيا، وهو ما يجعل موازين القوى الثنائية بين واشنطن وأنقره طيلة الفترة الممتدة من 2008 وحتى 2010 جزءا لا يتجزأ من الماضي. 

بمعنى آخر يحتاج طموح تركيا لقيادة العالم العربي والإسلامي إلى إسناد أميركي، والفرصة لبلوغ تلك القيادة تبدو قائمة أمام أنقره بتحالفها مع "الإخوان المسلمين" في مصر وتونس ومع قطر. 

وعلاوة على ذلك فقد أظهرت الأزمة السورية حدود القوة الناعمة التركية التي تطورت خلال السنوات الخمس الماضية، بحيث أصبحت تشبه اليابان في امتلاك قوة ناعمة واضحة، ولكنها تشترك مع اليابان أيضاً في أن كليهما يحتاج مع ذلك إلى إطار أمني خارجي يتحرك فيه، لأنه لم يبلغ بعد مرحلة الفعل المباشر دون غطاء دولي. 

كما أظهرت الأزمة في سوريا القدرات الحقيقة لتركيا والمدى الذي تستطيع بلوغه دون الغطاء الأميركي الواضح، حتى مع اختلال ميزان القوى التركي-السوري بوضوح لمصلحة أنقره. 

كما أن ورقة سورية الواضحة حيال تركيا مازالت تتمثل في الأكراد مشكلة تركيا الداخلية الأكبر، والتي تعوق اندفاعتها الخارجية. وبالمقابل فإن منافسي تركيا الإقليميين لا يبدوان راغبين بالضرورة في قيادة تركيا للمنطقة، فلا إيران ستسهل ذلك لا في سوريا ولا في العراق، ولا السعودية ستنظر بعين الرضا إلى تمدد تركيا الإقليمي ولا إسرائيل سترحب بالدور التركي دون انخراطه بالكامل تحت المظلة الأميركية. 

ولا يمكن النظر إلى السعودية وتركيا على أنهما يتشاركان في مصالح فقط، ولكنهما ينخرطان في تنافس كذلك ربما تنافس أكثر ضراوة من التنافس الإيراني-السعودي ذي البعد المذهبي الرائق. 

لم تظهر الأزمة السورية فقط لتركيا حدود قوتها الناعمة، ولا حتى الفجوة الداخلية الكردية في اندفاعتها الإقليمية، ولكنها أظهرت أيضاً أن التواصل الاستراتيجي الأميركي-التركي ليس في أحسن حالاته، والدليل على ذلك أن تركيا ذهبت بعيداً في مواجهتها لسوريا منذ نيسان/أبريل 2011، ثم اكتشفت لاحقاً أنها كانت وحيدة في موقفها في حين لم تشاطرها واشنطن والعواصم الغربية رؤاها السورية، ما أفقدها الكثير من قدرتها على المناورة والتأثير. 

تركيا رافعة هامة لأوباما في حال قرر الاستمرار في رهانه على "الإخوان المسلمين" في مصر، باعتبار أن المحور التركي-المصري-القطري هو رافعة الإخوان الإقليمية الحصرية حتى الآن. وتركيا هامة لأوباما أيضاً لأن إدارته ستخوض مفاوضات قريبة مع طهران حول ملفها النووي، فإن أنقره هامة لأوباما في كل احتمالات الأزمة الأميركية-الإيرانية سواء كي يوازن إيران في حال قرر الاستمرار في سياسة الاحتواء، أو كي يشارط إيران على حدود أدوارها الإقليمية في حال تكلل المفاوضات بالنجاح. 

يبدو أن مستقبل الدور التركي في المنطقة لن يتحدد وفقاً لقدرات تركيا الذاتية والموضوعية فقط، وإنما أيضاً بتصورات أوباما للشرق الأوسط وتوازناته في فترة ولايته الثانية!.
ماذا لو فشلت الثورة المصرية في موجتها الثانية؟


محمد الحمامصي

في حال فشل الإطاحة بجماعة الإخوان المسلمين ونظامها، وتمكنها من قمع الثورة في موجتها الثانية ، سيترتب على ذلك، وعلى المدى القريب، الكثير من الأمور التي من شأنها التسريع باستكمال أخونة الدولة المصرية، وإزالة المعوقات التي تقف حائلا دون تغيير معالمها المدنية وتشوه الهوية الحضارية والثقافية والمجتمعية، ليتم البدء في إنتاج دولة دينية وراثية سواء كانت دولة خلافة أو دولة المرشد ـ على غرار دولة الخميني ـ أو إمارة الإخوان.

أول ما سيترتب عليه فشل الثورة "تلبيس" كل الجرائم ـ وأكرر كلها ـ التي حدثت منذ 25 يناير 2011 وحتى تسليم مرسي السلطة إلى المجلس العسكري الذي أدار المرحلة الانتقالية، وذلك لاستكمال تشويه صورة القوات المسلحة المصرية وتخريب كونها رمزا للوطنية المصرية، وبالتزامن مع ذلك يتم الإطاحة بالفريق عبد الفتاح السيسي والقيادات العسكرية من رتبة لواء فما فوق، ويسند أمر المؤسسة العسكرية إلى مدني أو عسكري يكون ولاؤه السمع والطاعة للمرشد العام للجماعة، على أن يجيء كل ذلك تحت شعار تطهير المؤسسة العسكرية من الفساد وحماية الجيش الوطني منه، وقد أشار المرشد العام للإخوان المسلمين إلى طواعية الجند وفساد القادة.

وفي الإطار ذاته يتم الإطاحة بقيادات الداخلية من لواء فما فوق وإعادة هيكلتها وإسناد قيادتها لعضو إخواني موثوق في ولائه، وربما تغيير اسمها أو أسماء الأجهزة التابعة لها، والبدء في تشكيل أجهزة أخرى يتم انتقاء العاملين فيها بعناية شديدة، وتفكيك أجهزتي المخابرات العامة والحربية أو تجميد عملها أو تحجيمه وعمل أجهزة أخرى تحت إشراف الجماعة وبالتعاون مع خبرات أجهزة كالأجهزة الإيرانية أو التركية مثلا، ليتم من خلالها محو أي تاريخ يسئ للجماعة وقياداتها منذ التأسيس وحتى الآن.

عند حدوث ذلك والتأكد أن الأمور تسير وفقا لأوامر السمع والطاعة للمرشد العام، يبدأ فتح المعتقلات والسجون والضرب بمقامع من حديد على رأس المعارضين من شخصيات عامة وحزبية وإعلامية ومثقفين، وتنقية المؤسسات الإعلامية والصحفية والوزارات من أي صوت مخالف في الرأي أو لديه بذرة الاعتراض أو الدخول في نقاش أو حوار أو جدل مع الأوامر الصادرة.

أما المواطنون العاديون فإن الفقر والقهر والقمع سيخضعهم، وسوف يتم السماح للجماعات المتطرفة والمتشددة بإنشاء جماعات الأمر بالمعروف والنهي على المنكر، وذلك لمطاردتهم ـ المواطنون ـ والتلصص عليهم في أماكن العمل والبيوت والشوارع والمتنزهات العامة والحدائق وهلم جرا، وإقامة الحد عليهم أو ترحيلهم إلى السجن الذي سيكون عندئذ في قبضتهم.

اتهامات الإعدام بالذبح والقتل والحرق جاهزة لن تتعب فيها الجماعة، التكفير والخروج على العقيدة والزنا والخيانة والعمالة، ولن يفلت أحد يرفع صوته معارضا أو مخالفا في الرأي، وإذا قامت ثورة على ذلك فإن من سيخرج فيها سيواجه بالمصير ذاته، الموت بالرصاص الحي والنار والذبح في الشوارع، وهو ما حدث في إيران في ثورتها الأولى 1979 وثورتها الثانية عام 2009 أي منذ أربعة أعوام، عندما شهدت احتجاجات مليونية من أنصار التيار الإصلاحي في مدن إيران الكبرى كطهران وأصفهان وشيراز بعد الإعلان عن فوز الرئيس الإيراني المحافظ محمود أحمدي نجاد بولاية ثانية، والذي أدت سياساته إلى عزل البلاد وإفقارها، فقامت السلطات الإيرانية بأمر من مرشد الجمهورية آية الله علي خامنئي بضرب هؤلاء المدنيين. وشارك الحرس الثوري وقوات الباسيج بحملة اعتقالات الواسعة للمشاركين في المظاهرات، وسقط الكثير من القتلى خلال المظاهرات، كما أعتقل المئات من الإصلاحيين على خلفية التظاهرات.

إن كل يوم يمر يشكل خسارة فادحة ليس لأجهزة الدولة ومؤسساتها وهيئاتها، وإنما أيضا لأهداف الثورة المصرية التي خرجت في 25 يناير 2011 بشعار يحمل آمال الشعب "عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية"، فالجماعة ومرشدها والرئيس المنتمي إليهما بالسمع والطاعة ليس في أجندتها مصر الشعب والأمة، وإنما تسعى إلى الاستيلاء على مقدراتهما وإمكانياتهما واستغلالها في الامتداد هنا وهناك لتحقيق حلم الخلافة الإخوانية.

لذا فإن نجاح الثورة الثانية الآن وليس غدا سوف ينقذ مصر وشعبها من مصير أقل ما يوصف به أنه مدمر.

Locations of Site Visitors
Powered By Blogger