Untitled-1
تعد روايات “الفرقة الناجية”، التي تقول إن كل المسلمين في النار إلا فرقة واحدة، من أهم الروايات التي تسيء إلى الله الرحيم، وإلى الدين اليسير، فلم يعد عامة المسلمين على خير، وإنما “فرقة” واحدة فقط منهم! أما الباقون فهم من أصحاب النار مهما عملوا ومهما قدموا فهم على ضلال كبير، ولن ينفعهم إن آمنوا بالله والرسول واليوم الآخر والكتب والملائكة وعملوا صالحا، إن لم تكن باقي عقائدهم تبعا لأقوال العلماء! ومن ثم أصبح هم كل فرقة أن تثبت أنها هي تلك الفرقة! وأصبح أتباعها ينظرون باستعلاء إلى باقي الفرق! وأصبح بعضهم ينظرون إلى المسلمين باعتبارهم على ضلال كبير!
لذا نتوقف مع هذه الروايات لننظر هل هي صحيحة: بادئ ذي بدء الروايات ضعيفة السند، ولن نتوقف طويلا مع مسألة السند هذه فسنجد من أرباب الحديث من يتفنن لتصحيحها، وننتقل لمناقشة متن/ نَص الحديث لننظر، هل هذا المعنى صحيح متفق مع أصول الدين:
وردت هذه الروايات بألفاظ عديدة، من أشهرها: “افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، وافترقت النصارى على اثنين وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة. وفي لفظ: على ثلاث وسبعين ملة. وفي رواية: قالوا: يا رسول الله، من الفرقة الناجية؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه اليوم، وأصحابي. وفي رواية: قال: هي الجماعة، يد الله على الجماعة”.
نجد أن الرواية تقرن مسلك الأمة الإسلامية باليهود والنصارى، فكما أن اليهود والنصارى تفرقوا فكذلك المسلمون! ولا إشكال في هذه النقطة، وهذا حادث وواقع ومتوقع! وإنما الإشكال كله في تحديد عدد الفرق! فلو قيل أنهم تفرقوا على سبعين فرقة، ونحن سنزيد عنهم لكان من الممكن القول بأن المراد من العدد الكثرة، وأننا سنزيد عنهم، أما أن تحدد الرواية عدد فرق اليهود والنصارى والمسلمين، فهذا مخالف للواقع! فلم تكن فرق اليهود ولا النصارى ولا المسلمين بهذا العدد! ناهيك عن أن عدد الفرق الإسلامية في ازدياد، فما حكم هذه الفرق الإضافية؟ هل تُلغى من تلقاء نفسها أم أنها واجبة الإدراج التلقائي في فرق أخرى؟ إن هذا التحديد وحده كفيل بإسقاط هذه الرواية وعدم الالتفات إليها!
وإذا تركنا مسألة العدد الباطلة، وجدنا أن الرواية قد حكمت على ما يزيد عن 98% من المؤمنين بالله في العصور الأخيرة بالنار! ولن يدخل منهم إلا ثلة لا تناسب بينها وعدد المؤمنين الإجمالي، والعجيب أن المسلمين لم يهتموا بمعرفة سبب دخول اليهود أو النصارى، وإنما سألوا عن الفرقة الناجية!! مع أنه كان من المفترض أن يسألوا لماذا أصبحوا من الضالين أصحاب النار؟
إن هذه الرواية تؤصل لقاعدة أن دخول الجنة أصبح أمرا عسيرا يستلزم معرفة دقائق في الدين ومعرفة تاريخه والاعتقاد بأقوال طائفة معينة من العلماء! مع أن الله تعالى قال في كتابه الكريم: “إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة: 62]”
“إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة : 277]”
فالعبرة بالإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح، وهو ما اتفق عليه المسلمون، أما فروع المسائل فلا تقدم ولا تؤخر! فهي مسائل خلافية، ورغما عن ذلك حكمت الرواية على الأكثرية الساحقة بالنار لأنهم تبنوا رأيا معينا فيها!
فإذا تركنا هذه النقطة وجدنا أن الحديث عن “فرقة ناجية” هو كلام متناقض، لا يمكن قبوله بحال، فالفرقة مرفوضة مذمومة في دين الله العلي، فطالما حدث اختلاف وتفرق فهذا بُعد عن دين الله الواحد! فكيف تكون فرقة وتكون ناجية؟ طالما أنها فرقة فهي ليست أصلا! وهي فرقة مثل غيرها وهذا يعني وجود نسبة ضلال! ولو كان الرسول أفصح العرب هو من قال هذه الحديث لما صاغه بهذا الشكل، ولقال –مثلا- أنه يزيغ عن الحق من أمته كذا فرقة، وتظل عليه جماعة أو أمة… إلخ. أما أن ينعت الجميع بالافتراق فهذا يعني أن كل الفرق خالفت بشكل من الأشكال، وهذا كلام متناقض، فمن المفترض أن الممسكين بالحق لم يفترقوا، وإنما افترق غيرهم، وهم ظلوا وتمسكوا، ومن ثم كان من الواجب أن يكون هناك حديث عن تفرق طوائف وتمسك طائفة بما هي عليه! وهذه الطائفة ليست متفرقة.
فإذا غضضنا الطرف عن هذا الخطأ التركيبي الذي لا يقع فيه الرسول الكريم، ونظرنا في كتاب الله وجدناه يقول: “إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ [الأنعام : 159]“، فالله تعالى ذم التفرق في الدين، إلا أنه لم يقل أن المتفرقين من أصحاب النار، وإنما مرجع هذا إلى الله، فجُلّ إن لم يكن كل أصحاب الفرق يظنون أنهم يتبعون الدين الصحيح، والله وحده هو الأعلم بما في الصدور، ومن ثم سيحاسبهم على هذا.
فإذا تركنا بطلان كون فرقة ناجية وانتقلنا إلى الجواب المفترض أن الرسول الكريم قدمه، وجدناه يجعل مقياس الفلاح هو الجماعة! أي أن العبرة بالكثرة! ولست أدري أي جماعة يقصد الرسول؟! فإذا كنت في بلد شيعي فالشيعة هم الجماعة والسنة قلة! وإذا كنت في بلد إباضي فكذلك. ونجد أن رواية أخرى قالت أن العبرة بما كان عليه الرسول وأصحابه، ونعجب ونتساءل: من كان الرسول يكلمه أصلا؟! فالمفترض أن الرسول كان يكلم الصحابة؟ ولست أدري لماذا يدخل الرسول أصحابه في الدين؟! فلو كان قال أن العبرة بمن اتبعني، لكان الأمر مقبولا بدرجة! أما أن يجعل لأصحابه نصيبا من الدين فهذا هو العجب العجاب! فلقد اختلف الأصحاب فمن نتبع؟
إذن الرواية باطلة من جميع النواحي،  فكل جملة من جملها مناقضة للواقع وللتاريخ وللقرآن ولأصول الدين بل ولروايات أخرى –أصح منها سندا- قالت بأن من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه دخل الجنة!