الأحد، 10 يونيو 2012

 

الإنترنت.. مخدر جديد يهدد جيلا كاملا

يعاني أكثر من نصف مليون شخص في ألمانيا من الإدمان على الإنترنت. الأعراض والدوافع مشابهة لأعراض الإدمان على الكحول أو المخدرات. ظاهرة خطيرة تهدد جيلا كاملا، خاصة منهم الشباب.
في يوم من الأيام غادر كلاوس عالم الواقع ليدخل العالم الافتراضي. البداية كانت في أواخر تسعينيات القرن الماضي، حيث قرر كلاوس فتح حساب لتبادل الرسائل الإلكترونية من أجل التواصل مع أصدقائه. وقد كانت علاقة كلاوس مع الإنترنت في البداية منحصرة على تصفح بعض صفحات الإنترنت بين الفينة والأخرى:" استعمالي للإنترنت كان متوازنا، وليس بشكل يومي.". ولكن هذه العلاقة سرعان ما تطورت، وخاصة بعد ظهور ألعاب تقمص الشخصيات مثل " World Warcraft" أو " Final Fantasy"، حيث أصبح كلاوس يقضي ساعات طويلة يجوب عالم الإنترنت. فأصبح كلاوس بهمل علاقته مع أصدقائه وعائلته، وحتى الطعام والنوم أصبح له دور ثانوي في حياته، فالإنترنت أضحى الشغل الشاغل لكلاوس، فمباشرة بعد استيقاظه من النوم يفتح الكمبيوتر ليلج عالمه الافتراضي، الذي أصبح يشكل الجزء الأكبر من حياته.
Christoph Möller 
Wann wurde das Bild gemacht?: 22.05.2012
Wo wurde das Bild aufgenommen?: Hannover
Bei welcher Gelegenheit/in welcher Situation wurde das Bild aufgenommen?: Besuch der Kinder- und Jugendpsychiatrie auf der Bult in Hannover.
Wer oder was ist auf dem Bild zu sehen? Christoph Möller, Chefarzt der Abteilung für Kinder- und Jugendpsychiatrie am Kinderkrankenhaus Hannover
In welchem Zusammenhang soll das Bild/sollen die Bilder verwendet werden?: Artikel 
Bildrechte: DW/Arne Lichtenberg

كريستوف مولر: مختص في الأمراض النفسية للأطفال والشباب
من عالم الواقع إلى عالم الخيال
ولكن كلاوس ليس حالة استثنائية في العصر الحالي، كما جاء في التقرير الأخير للحكومة الألمانية حول الإدمان، والذي يؤكد على أن الإدمان على الإنترنت أضحى ظاهرة اجتماعية خطيرة. ويقدر الخبراء عدد المصابين بالإدمان على الإنترنت في ألمانيا بحوالي 560.000 من الأشخاص تتراوح أعمارهم ما بين 14 و 64 سنة، في حين أن 2,5 مليون شخص يستعملون الإنترنت بشكل مثير للجدل، قد تكون له انعكاسات سلبية عليهم.
" الاستهلاك المفرط للإنترنت لا يعني الإدمان."
وتبدو على المدمنين نفس أعراض ضحايا الكحول أو مدمني الهيروين، كما يقول ميشاييل بيندر،طبيب الأعصاب والأمراض النفسية في مستشفى راين يورا :" الكثيرون منهم يلاحظون، أنهم يهملون الأنشطة الاجتماعية الأخرى، ولكنهم لا يستطيعون تغيير ذلك، لأنه لم يعد بإمكانهم ضبط استهلاكهم للإنترنت."
ولكن الاستهلاك المفرط للإنترنت لا يعني دائما الإدمان، على حد تعبير كريستوف مولر، متخصص في الأمراض النفسية لدى الأطفال و الشباب في مستشفى الأطفال بمدينة هانوفر:" الإشكالية تبدأ عندما تظهر أعراض صحية أو عند عدم الذهاب إلى المدرسة و إهمال العلاقات الاجتماعية."
فريق علاج الإدمان على الإنترنت في مركز LVRبمدينة بون.


دوافع نفسية
وعلى غرار الإدمان على المخدرات، فإن الإدمان على الإنترنت له أيضا دوافع وأسباب نفسية، مثل الشعور بالاكتئاب والتهميش والخوف في بعض الأحيان. وكل هذا يدفع المدمنين إلى إشباع رغباتهم النفسية وحل مشاكلهم الاجتماعية عبر استهلاك الإنترنت من أجل نسيان الواقع المرير. وهذا ما يؤكده أيضا فولفغانغ داو، طبيب الأمراض النفسية في مستشفى LVRفي مدينة بون:" غالبا ما يلجأ المدمنون عند الشعور بالإرهاق النفسي والاكتئاب إلى استهلاك أكبر للإنترنت.".
ويعتبر الشباب ما بين سن 14 و24 سنة الفئة العمرية الأكثر عرضة للإصابة بالإدمان حيث يقدر عدد المصابين في هذه الفئة بحوالي 250000 شخص، وهي نصف نسبة إجمالي المصابين. ولكن الإصابة تشمل كل الفئات العمرية باختلاف اهتماماتها واستعمالها للإنترنت.
ظاهرة الإدمان لا تنحصر عل الرجال فقط


النساء والأطفال ضحايا الإدمان على الإنترنت.
بالإضافة إلى الشباب فإن أعراض الإصابة بالإدمان تظهر أكثر عند الرجال على حد تعبير ميشاييل بيرنر:" باستثناء اضطرابات الأكل، فإن أعراض الإدمان أكثر شيوعا لدى الرجال بالمقارنة مع النساء." في حين يشير فولفغانغ داو إلى أن النساء أكثر استهلاكا ونشاطا داخل شبكات التواصل الاجتماعية مثل الفايسبوك وتويتر. #b#
أما كريستوف مولر، رئيس أول مركز استشفائي لمعالجة المدمنين على الإنترنت في ألمانيا، فقد عايش حالات خطيرة من الإصابة لدى النساء أيضا، حيث أن بعض الأمهات أهملن أطفالهن " لأنهن كن منشغلات بتصفح الإنترنت." ولهذا فإن مولر يرى بأن الإدمان على الإنترنت "لا يشكل مشكلة بالنسبة للرجال فقط"
نهج جديد في التعامل مع الظاهرة
لا يزال مرض الإدمان على الإنترنت غير معترف به كمرض مستقل في الأوساط الطبية. فالانشغال بهذا المرض لا يزال في بدايته حسب مولر:" نحن نقوم بعمل ريادي في هذا الميدان.".
في سنة 2008 فتح أول قسم طبي في ألمانيا لمعالجة الإدمان على الألعاب الإلكترونية والافتراضية في المستشفى الجامعي للطب النفسي بمدينة ماينتس. ولكن هذه الأقسام الطبية سرعان ما انتشرت لتعم مدنا أخرى في ألمانيا. وفي هذه المراكز الطبية يتعلم المدمنون كيفية التعامل بشكل عقلاني ومتوازن مع الإنترنت. بالإضافة إلى ذلك يسعى الأطباء والمشرفون النفسيون إلى إعادة إدماج المصابين في الحياة الاجتماعية العادية من خلال تشجيع البحث عن هوايات جديدة تخول المصابين المشاركة من جديد في الأنشطة الاجتماعية. وتحاول هذه المراكز أيضا إعادة إدماج المصابين في الحياة العملية ، وهذا ما يعتبره ميشاييل بيندرتحديا كبيرا :" لأن في القرن 21 يصعب التخلي عن الإنترنت سواء في الحياة الشخصية أو العملية."


Illustration - Ein junger Mann sitzt am Montag (20.11.2006) an einem PC und spielt ein Computerspiel in Hannover. Fernsehen, Computer, Videospiele oder Internet - immer mehr Menschen nutzen immer länger und intensiver die elektronischen Medien. In einer Studie hat die Abteilung Klinische Psychiatrie und Psychotherapie der Medizinischen Hochschule Hannover (MHH) Menschen untersucht, die sich suchtartig immer tiefer in virtuelle Welten verstricken, während sie mit ihrem realen Leben nicht mehrzurechtkommen und sogar psychisch erkranken. Die Ergebnisse der Studie werden am 21. November in der MHH vorgestellt. Foto: Peter Steffen dpa/lni +++(c) dpa - Bildfunk+++
الألعاب الإلكترونية عبر الإنترنت، ظاهرة تشغل علماء النفس والهيئات السياسية منذ سنين.
ولهذا فإن كريستوف مولر يدعو الآباء إلى مراقبة أبنائهم في هذا المجال، وتوفير ظروف طبيعية لنشأتهم بعيدا عن مغريات الإنترنت والعالم الافتراضي، لأن ذلك من شأنه أن يؤثر على تطورهم الجسدي والنفسي. ولكن هذا لن يكون بالشيء السهل، خاصة وأن الكثير من الآباء لم يعد لهم دور مثالي، حيث أن الكثير منهم لم يعد يستطيع العيش دون الإنترنت والهواتف الذكية وغيرها من الإغراءات الإلكترونية الأخرى.
أمين بنضريف/ ليشتنبيرغ آرنه
مراجعة: محمد المزياني
Frauenfüße in Flip-Flops © etfoto #41621336

قضية "فتاة المناكير"..جدل في السعودية بسبب طلاء الأظافر

مازال موضوع محاولة إخراج رجال "هيئة الأمر بالمعروف" في السعودية لفتاة تضع طلاء على أظافرها من أحد المراكز التجارية، يتفاعل، حتى أن رئيس الهيئة الدينية نفسه ندد بتصرف رجاله إزاء ما بات يعرف بفتاة "المناكير".
القضية بدأت عندما تصدت فتاة سعودية لرجال ما يسمى بـ"هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" الذين أمروها بالخروج من أحد المراكز التجارية، فدخلت معهم في جدل، كما يوضح شريط فيديو مدته ثلاث دقائق ونصف بث على اليوتيوب وشاهده أكثر من مليون زائر. وفي ذات الشريط يأمر رئيس دورية الهيئة المرأة بالخروج، لكنها تصرخ بوجهه بجرأة قائلة "لن اخرج سأبقى هنا أريد معرفة ماذا تستطيع أن تفعل (...)، لا دخل لك إذا كنت أضع" طلاء على الأظافر. وتضيف المرأة بحدة قائلة له "أنت لست مسؤولا عني لأنني أضع المناكير (...)". ولقنت الفتاة رجل الهيئة درسا في احترام حدود الصلاحيات قائلة له" لقد منعت الحكومة المطاردات، عملكم الآن هو توجيه النصح إلى الناس ليس أكثر".
وفي حين أصر رجال الشرطة الدينية على خروجها من المركز التجاري، لجأت الفتاة للتهديد بسلاح العصر، وهو الإعلام الحديث، وتحديدا وسائل الاتصال الاجتماعي، إذ هددتهم بأن ما يعملونه معها، لن يبقى طي الكتمان كما كان الأمر في الماضي، وقالت مبتسمة للكاميرا"يجب أن تعلم أن الفيديو أصبح على تويتر والفيسبوك وكلمة واحدة سيصل إلى الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ ويعرف كل خرابيطك".
وفعلا وصلت القضية ليس فقط للشيخ عبد اللطيف آل الشيخ، ولكن إلى أكثر من مليون مشاهد على اليوتيوب وتناقلتها وسائل الإعلام حتى تحولت إلى قضية رأي عام. وسارع آل الشيخ للتنديد بتصرف رجاله إزاء ما بات يعرف بـ"فتاة المناكير"، وقالـ حسب صحف سعودية ـ "ساءني كثيرا ما رأيته، فالموضوع تم تضخيمه واستغل استغلالا سيئا حتى سمع بها القاصي والداني". وتساءل الشيخ "الإنسان إذا ابتلي بمجنون أو متهور يراد إيقاعه هل يكون كبش فداء؟" وفي رأيه إن "العالم وصل لصناعة الطائرات، ونحن نقول لامرأة اخرجي من السوق لأن في أصابعك مناكير". وأعتبر رئيس هيئة الشرطة الدينية، الذي يرى الكثيرون في تعينه على رأس الهيئة، مؤشر على مزيد من الانفتاح في السعودية، أن تصرف الرجل لم يكن "في محله رغم تجاوز الفتاة، فقد كان عليه نصحها وعدم مجاراتها في الحديث ثم تركها عند عدم استجابتها، وعدم التصعيد". وكان آل الشيخ، الذي عين على رأس الرئاسة العامة للشرطة الدينية في السعودية بداية العام الجاري، قد منع في نيسان/ابريل الماضي "أي مطاردات للأشخاص سواء متهمين أو مخالفين"، مهددا "من يخالف هذا التوجيه باتخاذ الإجراءات الحازمة" بشأنه.
وفي وقت سابق من العام الحالي نشرت لقطات فيديو لمحتسبين يهاجمون أسرة خارج مركز للتسوق في العاصمة الرياض على موقع يوتيوب أثارت انتقادات كثيرة على مواقع التواصل الاجتماعي لرجال الهيئة.
وتسعى الهيئة إلى تحسين صورتها بعد انتقادات متكررة في الداخل والخارج ولا سيما بعد اتهام وسائل إعلام محلية لرجال الهيئة بعرقلة جهود إنقاذ 15 فتاة توفيت في حريق بمدرسة في مكة عام 2002، ولم يسمح لرجال الإنقاذ الدخول إلى المدرسة كونهم ليسو "محارم"!!!.
(ع.ج.م/ أ ف ب، رويترز)
مراجعة: يوسف بوفيجلين
حيرة نعم يأس لأ

بقلم: فهمى هويدى

هذا أسبوع الحيرة والبلبلة بامتياز. إذ تعين على كل المصريين وغيرهم ممن تعلقت أبصارهم بالشأن المصرى فى كل مكان أن يحبسوا أنفاسهم طوال الأسبوع انتظارا لما يمكن أن تعلنه المحكمة الدستورية العليا يوم الخميس المقبل، ولو أنه مجرد قلق تعلق بما سيصدر فى ذلك اليوم لهان الأمر، لكنه قلق يثير العديد من الأسئلة حول مستقبل الثورة ومن ثم مستقبل مصر، وقد لا أبالغ إذا قلت إن مستقبل العالم العربى بأسره أصبح بدوره على المحك.

خلال الأشهر السابقة كنا مطمئنين نسبيا دون أن نعرف الكثير عما يجرى وراء الكواليس. وكان مبعث اطمئنانا النسبى أن الأمور كانت تمضى فى مسارها الصحيح. وأنه رغم العثرات والمطبات فإن خطوات تأسيس النظام الجديد ظلت مستمرة، وكانت هناك ثقة فى أن المجلس العسكرى سوف يسلم السلطة فى الموعد الذى أعلنه، وهو 30 يونيو الحالى، خصوصا أنه أوفى بالكثير مما وعد به فى التوجه صوب ذلك الهدف.

هذا الوضع اهتز الآن واختلف. إذ ارتبك الجميع حين فوجئوا بالإعلان عن أن المحكمة الدستورية ستقول كلمتها يوم الخميس القادم 14/6 فى الطعن على قانون الانتخابات وفى دستورية تعديل قانون إفساد الحياة السياسية (العزل)، لم أكن وحدى الذى كان ضحية هذا الارتباك، لأننى ما لقيت أحدا ممن يفترض أنهم يعرفون أكثر منى، إلا ووجدته يسبقنى ويردد ذات الأسئلة التى حِرت فى الإجابة عليها: لماذا الجمع بين القضيتين فى جلسة واحدة؟ ولماذا تذكرت المحكمة الدستورية أخيرا الطعن فى قانون انتخابات مجلس الشعب، بعد مضى أكثر من شهرين على ذلك الطعن الذى قدم فى ظروف مريبة، وقد سبق التلويح به من جانب رئيس الوزراء فى الضغط على مجلس الشعب حين اتجه إلى سحب الثقة من الحكومة؟ وهل هى مصادفة أن يعلن الحكم فى القضيتين قبل 48 ساعة من إجراء الانتخابات الرئاسية؟ وما هى السيناريوهات المطروحة بعد ذلك؟ وهل يمكن أن ينتهى الأمر إلى حل مجلس الشعب وإعادة الانتخابات الرئاسية من جديد؟ وفى هذه الحالة هل يؤدى ذلك الاحتمال إلى تأجيل تسليم السلطة للمدنيين فى 30 يونيو، بما قد يستصحبه ذلك من بقاء المجلس العسكرى فى السلطة إلى أجل قد يطول أو يقصر؟

ما اهتز ليس فقط قدرتنا على الفهم والتفسير، ولكن الأخطر والأسوأ أن ثقتنا فيما يحدث اهتزت وتأثرت. ورغم أننى طول الوقت كنت أحد الذين يرجعون بعض النوازل إلى حسن النية وسوء التقدير، ومازلت حريصا على ذلك، إلا أننى لم أجد فيما يحدث ما يساعدنى على الاستمرار فى الالتزام بذلك الموقف. وإزاء الصمت الرسمى الذى لم يقدم لنا إجابة عن أى من تلك الأسئلة، فإننى لم أعد قادرا على الاستمرار فى إحسان الظن، ولا أريد أن أقطع بإساءة الظن ــ رغم أن أغلب الشواهد ترجح هذه الكفة ــ فإننى لا أملك سوى الإقرار بأننى أشم فيما يجرى روائح غير مريحة وغير مطمئنة، تبعث على التوجس والقلق.

لقد قيل لى إن المحكمة الدستورية حرة فى تحديد مواعيد الفصل فى القضايا المعروضة عليها. وبالتالى لا ينبغى أن يحمل تحديد تاريخ 14/6 للفصل فى القضيتين الحساستين المعروضتين عليها بأكثر مما يحتمل، وإذ احترم هذا الرأى إلا أننى لا أراه مقنعا بما فيه الكفاية، من ناحية لأن تحديد مواعيد النطق بالأحكام حق للمحكمة لا ريب، ولكن ما هو مصيرى وسياسى منها يتأثر بملاءمات الأجواء العامة. إذ كما أنه لا يتصور أن تصدر المحكمة قرارا بالفصل فى شرعية ترشيح أى شخص لرئاسة الجمهورية بعد انتخابه وحلفه اليمين، فإنه يظل من غير الملائم أن يصدر ذلك الحكم قبل 48 ساعة من التصويت. وقد ذكرنى النائب عصام سلطان بأن ثمة طعنا فى دستورية المادة السادسة من قانون الأحكام العسكرية التى تبيح إحالة المدنيين إلى المحاكم العسكرية، قدم عام ١٩٩٥، لكن ذلك الطعن ينتظر دوره أمام المحكمة الدستورية منذ 17 عاما، ولم يبت فيه حتى الآن!

مشكلة الشك الذى يتولد عن أزمة الثقة أن بذرته لا تنبت شجرة واحدة، ولكنها تصنع غابة فى نهاية المطاف، أعنى أن القرائن التى بين أيدينا هذه الأيام لا تدعونا فقط لإساءة الظن بترتيب إعلان الحكم فى جلسة الخميس، لكنها أيضا تحرضنا على إعادة قراءة السجل من أوله. بدءا من قتلة الثوار الذين لا يزالون مجهولين إلى الآن ومرورا بتبرئة مساعدى وزير الداخلية، وانتهاء بإقصاء بعض المرشحين للرئاسة، وإعلان ذلك فى الصباح ثم تقديم أحدهم طعنا فى القرار عند الظهر، الأمر الذى أدى إلى إعادته إلى السباق فى المساء. ثم الإسراع بمساندته ودفعه إلى مقدمة السباق الرئاسى فى وقت لاحق.

الحاصل الآن يبرر الحيرة لا ريب، لكنه لا يسوغ اليأس بأى حال، لأنه أيا كان اللغط أو الالتباس والعبث، فالثابت أن هذا البلد شهد ثورة عظيمة دفع الشعب فيها ثمنا غاليا ليحطم قيوده ويخرج من «القمقم»، الأمر الذى يستحيل معه إعادته إلى محبسه مرة أخرى، وأهم ما ينبغى أن نستخلصه من الأزمة التى تمر بها أن الجميع باتوا مدعوين للاستنفار والاحتشاد دفاعا عن الثورة وعن الحلم الذى صار فى متناول أيديهم، فى حين تجمعت الغربان فى الأفق متأهبة لاختطافه منهم.
خدعة شفيق
بقلم : محمد سيف الدولة
07:59 PM

إن الذين يريدون إعطاء شفيق اضطرارًا وخوفًا من سيطرة الإخوان على الدولة، فاتهم وغاب عنهم أن رئيس الجمهورية القادم، لن يكون له ذات صلاحيات مبارك، ليس فقط بسبب تقليص هذه الصلاحيات فى الدستور الجديد، ولكن لأن الدولة القديمة بكل هيمنتها وهيلمانها لن تتخلى بسهولة عن صلاحياتها الشاملة والمتغلغلة لأى رئيس جمهورية من القوى الجديدة المرتبطة بالثورة سواء كان مرسى أو حمدين أو أبو الفتوح.
وستعمل منذ اللحظات الأولى على إبقاء منصبه شرفيًا وتقليص سلطاته إلى أبعد الحدود والحيلولة دون تمكينه من الحكم الفعلى، ووضع كل أنواع العقبات أمامه وتجريد قراراته من أى قوة تنفيذية.. وسيضطر الرئيس المنتخب أن يصارع لسنوات طويلة جنبًا إلى جنب مع باقى القوى الوطنية لإنجاح الثورة وانتزاع كل السلطات والصلاحيات، التى سيتضمنها الدستور الجديد.
أما فى حالة نجاح أحمد شفيق، لا قدر الله، فسيلتحق فورًا بمؤسسة الدولة خادمًا أمينًا مطيعًا، كما كان على الدوام، ليشغل ويملأ جزءًا من الفراغ الذى خلا بسقوط مبارك، جنبًا إلى جنب مع المجلس العسكرى وشركاه.
إن كل المكاسب التى حققتها الثورة فى الميدان والبرلمان وحتى لو فازت بمنصب الرئيس، كل هذه مجتمعة لن تملك من أمر مصر إلا القليل الذى قد لا يتعدى نسبته 10% من حجم القوة والسلطة، التى ستظل تملكها وتسيطر عليها وتتحكم فيها الدولة القديمة لسنوات قادمة.
وللتذكرة فإن الدولة القديمة تسيطر على القوات المسلحة والشرطة وكل أجهزة الأمن بكل تنويعاتها، وهى التى تتحكم فى الحالة الأمنية انضباطًا أو انفلاتًا وفق الحاجة.
والدولة تحتكر ملفات العلاقات الخارجية، وعلى رأسها العلاقات مع الولايات المتحدة بكل ما فيه من معونات عسكرية ومناورات مشتركة وتنسيق أمنى وتسهيلات لوجيستية، والتى ستستطيع من خلالها أن تضغط بقوة على صناع القرار المنتخبين من القوى الجديدة، ويكفى أن نتوقف أمام دلالة أن الكونجرس قد اعتمد بالفعل منذ بضعة شهور المعونات العسكرية لمصر، ولم ينتظر نتيجة انتخابات الرئاسة لإدراكه من سيكون الحاكم الفعلى لمصر.
وكذلك ملف العلاقات المصرية الإسرائيلية، الذى ستسيطر عليه عبر أجهزتها المعنية التقليدية وستحاول دائمًا أن تستخدمه كفزاعة لتطويع إرادة الرئيس والبرلمان.
وستستمر أيضًا فى السيطرة على ملف العلاقات المصرية الخليجية والسعودية، وما يتضمنه من ملايين المصريين العاملين هناك، والذى سيمثل سلاحًا قويًا وفعالا فى الضغط والترويض، وهو السلاح الذى ذقنا مرارته فى أزمة الجيزاوى الأخيرة.
وأيضًا من خلال التحالف مع شبكة رؤوس الأموال الأجنبية والمصرية بقيادة صندوق النقد الدولى، والتى يمكنها من الضغط بأزمات اقتصادية مفتعلة.
ناهيك عن نفوذ الدولة العميق فى المؤسسات القضائية، الذى ظهر بوضوح فى أزمة المتهمين الأمريكان وفى التحقيقات مع مبارك ومحاكمته وفى القيادات الحالية لنادى القضاة وغيرها.
كما أنها متغلغلة فى الإعلام والتعليم والبنوك والأزهر والأوقاف والمحليات والأحزاب السياسية، ولها جيوش من الكتاب والفنانين والصحفيين والمرشدين فى كل مكان، بالإضافة إلى الآلاف من كبار الموظفين ونوابهم ومساعديهم وصبيانهم فى كافة مؤسسات الدولة.
وهى تحتفظ بكل مفاتيح وأسرار الثروات القومية والعامة والخاصة، وتمتلك ملفات الملايين من المصريين، التى تستخدمها دائمًا للضغط والتهديد والتجنيد.
إنها غابات وشبكات معقدة وكثيفة من العلاقات والمصالح والأشخاص والمؤسسات والمعلومات التى ستعمل مجتمعة على الاحتفاظ بالنظام القديم وتفريغ الثورة من مضامينها، وإنهاك الحكام الجدد وإفشالهم كمقدمة للتخلص منهم بمباركة شعبية كاملة.
***
لكل ما سبق وغيره الكثير يجب أن ندرك بوضوح أن خيارنا الحالى ليس بين دولة دينية وأخرى عسكرية أو بين المطرقة والسندان أو بين المر والأمر منه، إلى آخر كل هذه الثنائيات الخادعة، التى انتشرت مؤخرا فى الأحاديث الإعلامية والسياسية.
بل إن الخيار الحقيقى الآن هو بين مقدرة المصريين بكل تناقضاتهم على التوحد من أجل إسقاط شفيق خليفة مبارك، ثم العمل على تمكين الثورة ممثلة فى رئيسها وبرلمانها وميادينها فى معارك طويلة قادمة.. وبين التنازل عن الثورة والاستسلام للدولة القديمة.

Locations of Site Visitors
Powered By Blogger