الثلاثاء، 22 نوفمبر 2011

الحرية أم الاستقرار.. الفوضى أم الاستبداد؟ زياد بهاء الدين

أكتب هذه السطور صباح يوم الاثنين من على قطار متجه إلى القاهرة من أسيوط حيث قضيت الأسابيع الأخيرة. معلوماتى عما يحدث فى ميدان التحرير محدودة ومقتصرة عما يأتى من خلال الإعلام والإنترنت والتواصل مع الأصدقاء، ولكن كلها تؤكد لى شيئا واحدا، أن الساعات القليلة المقبلة سوف تحدد مصير البلد، وأن الصراع لم يعد يتعلق بوثيقة السلمى، أو بمدنية الدولة، أو بالانتخابات، أو حتى بتسليم السلطة لحكم مدنى، وإنما أنه تعبير شامل عن حالة الاحتقان المتراكمة عبر الأسابيع والأشهر الماضية. هذه حالة تسبب فيها القلق من عدم تحقيق الثورة لمكاسبها السياسية والاجتماعية، والتقاتل بين الأحزاب والقوى السياسية على كل صغيرة وكبيرة، وحالة الحشد الإعلامى التى لا تدع فرصة للتفكير فى أى موضوع، وتدهور الأوضاع المعيشية والسياسات الحكومية العاجزة عن التعامل معها إلا بأسلوب التأجيل وأنصاف الحلول والوعد بما لا يمكن تحقيقه، والتوتر الطائفى، واستمرار الانفلات الأمنى، وأخيرا وليس آخرا عودة مظاهر الاستبداد التى لم يعد الناس يقبلونها والشعور بأن لا شىء حقيقيا قد تغير فى مصر سوى الوجوه التى تشغل المناصب.

فى ظل هذه الظروف فإنه من الأكيد أن يعود الأمر إلى حيث بدأ: إلى ميدان التحرير مرة أخرى، وإلى الرصاص المطاطى، وقنابل الغاز، والمستشفيات الميدانية. ولكن شتان ما بين يناير ونوفمبر. فبينما كان الوطن فى يناير وفبراير مجتمعا على ضرورة التغيير وعلى مطالب بسيطة وواضحة لا خلاف عليها، عبرت عنها شعارات تطالب بتغيير النظام وبالحرية والعدالة الاجتماعية، فإنه اليوم منقسم أشد الانقسام على كل شىء تقريبا. الدولة مدنية أم دينية، الدستور أولا أم ثانيا، الحكم عسكرى أم مدنى، مبادئ فوق دستورية أم انتخابات مباشرة، قانون للعزل السياسى أم لا، واستقطاب بين الدينى والمدنى صار يفرق بين الناس ويحدد اختياراتهم وفقا لهذا المعيار وحده.

ولكن الأهم والأخطر من ذلك بكثير هو الانقسام بين الاستقرار والأمان وعودة النشاط الاقتصادى من جهة، وبين الحرية والديمقراطية وحقوق التظاهر والإضراب والتعبير من جهة أخرى، وهذا الانقسام فى رأيى يمثل الخديعة الكبرى التى وقع فيها الشعب المصرى. فى كل مكان وفى كل مناسبة صار الناس يقرنون سوء الأحوال المعيشية وتدهور الحالة الاقتصادية بالفوضى التى سببتها الثورة ويربطون غياب الأمن والاستقرار باستمرار المطالبة بتحقيق مكاسبها. لماذا أعتبر هذا الانقسام خديعة كبرى؟ لأن المسئولين عن البلد والإعلام المصرى أخذوا منذ فترة ليست بقصيرة يروجون لفكرة أن علينا الاختيار بين الأمرين، بين الاستقرار والحرية، بين الأمن والديمقراطية، بين حرية التعبير وبين سلامة أفراد الأسرة، بين النقابات المستقلة وبين النشاط الاقتصادى، بين انتخابات حرة ونزيهة وبين حكومة تحسن إدارة البلاد، وبين تطهير البلاد من الفساد وبين تشجيع الاستثمار. هذه خديعة كبرى لأن كل هذه اختيارات ومفاضلات غير حقيقية وغير مطلوبة وعلينا أن نرفض الانسياق وراءها. الأفكار التى كانت رائجة فى الستينيات والسبعينيات بأن استقرار البلاد وأمنها يتطلبان حكما مستبدا أو أن التنمية الاقتصادية فى العالم الثالث تتعارض مع الديمقراطية، لم تعد مقبولة فى أى مكان فى العالم ويجب علينا رفضها فى مصر. غير صحيح أننا ملزمون بالاختيار بين الديمقراطية وبين الاستقرار، بل لنا أن نطالب بالأمرين معا، وأن نتمسك بهما بنفس القدر، وأن نرفض أن يتم وضعنا أمام حتمية هذا الاختيار من الأصل.

والإصرار على وضع المجتمع أمام مفترق طرق هو ما يهدد وحدته وسلامته، بينما الحقيقة أن الضمان الوحيد على المدى الطويل للاستقرار وللنشاط الاقتصادى ولتشجيع الاستثمار هو أن يكون المواطن حرا وأن يكون الحكم ديمقراطيا. هذا ما يجب أن نكون قد تعلمناه من درس الخامس والعشرين من يناير، والرجوع مرة أخرى لمنطق المفاضلة بين الاستقرار والنمو الاقتصادى وبين الحرية هو أبلغ تعبير عن أننا قد فشلنا فى التعلم من دروس الماضى القريب. كنت ــ وما زلت ــ ممن يطالبون باتخاذ الإجراءات والسياسات اللازمة لإعادة عجلة الاقتصاد للدوران، ولعدم إهمال متطلبات الإنتاج والتنمية والاستقرار المالى وتشجيع الاستثمار، ولكن أرفض تماما أن تتحول هذه الدعوة إلى مدخل خلفى لوأد الديمقراطية الناشئة ولدفع الناس إلى الاختيار بينها وبين حقها المشروع والمعطل منذ سنوات طويلة فى الحرية. كلنا يرغب فى أن يتحقق الاستقرار فى مصر، وأن يسود الأمن فى الشوارع، وأن تعود السياحة للنشاط، وأن ينهض قطاع المقاولات، وأن تزيد الاستثمارات الأجنبية، وأن يسود الشعور بأن القانون هو وسيلة تنظيم المجتمع، ولكن إن كان ثمن كل هذا أن تعود مصر لما كانت عليه من استبداد فلا أتصور أن هذا ثمن يقبله الناس. لذلك فإن الاختيار فى حد ذاته ليس مقبولا ولا التضحية بواحد من أجل الآخر.

ما يعطل اقتصادنا ويمنع الاستقرار ويشيع الفوضى فى الشوارع ليس ما يطالب به المعتصمون فى التحرير من ضمانات لحرية التعبير وعدالة المحاكمات ومدنية الحكم، بل ما يعطل كل ذلك هو التخبط فى السياسات الحكومية وعدم وضوح خريطة الطريق لتحقيق انتقال ديمقراطى للسلطة وعودة مظاهر الاستبداد التى اعتقد المجتمع أنها صارت من الماضى. سلامة المسار السياسى واكتمال عملية التحول الديمقراطى هى السبيل الوحيد لتحقيق الأمن والاستقرار والتنمية الاقتصادية، لذلك فعلينا ألا نختار بينهما وألا نكون قد عدنا لنقطة البداية مرة أخرى.

تقارير غربية: المجلس العسكري يدرك أنه سيلقى مصير مبارك إذا فقد السيطرة على ميدان التحرير

نقلا عن جريدة المصريين

 |  22-11-2011 14:19

سيطرت أصداء التظاهرات الدموية التي شهدتها مصر خلال اليومين الماضيين على اهتمام الصحافة الغربية بشكل واسع النطاق ، حيث اهتمت بنقل وقائعها لحظة بلحظة واصفة إياها بأنها "المرحلة الثانية في الثورة المصرية".

فقالت صحيفة الكريستيان ساينس مونيتور الأمريكية أن الاشتباكات العنيفة التي تشهدها مصر الآن لم يسبق لها أي مثيل في كثافتها و تواصلها منذ أيام الثورة التي أطاحت بالرئيس مبارك، مضيفة بأن أي حسن نية من المتظاهرين تجاه الجيش قد تحطمت تماماً.

و أشارت إلى مخاوف العديد من أن تؤدي أعمال العنف إلى تأخير الانتخابات البرلمانية و ترسيخ الحكم العسكري، حيث أنه من غير الواضح كيف يخطط المجلس العسكري لوضع حد للعنف الجاري.

و هي المخاوف التي تبنتها صحيفة الجارديان البريطانية و التي قالت بأن الثورة المصرية دخلت مرحلة خطيرة من المواجهات بعد الهجوم على آلاف المتظاهرين المناهضين للحكم العسكري في ميدان التحرير، مما يضع شكوك خطيرة حول جدوى إجراء الانتخابات البرلمانية الوشيكة.

و أضافت بأن آفاق الإنتخابات البرلمانية المتوقع انطلاقها الاسبوع المقبل أصبحت غير واضحة، حيث يرى النقاد بأنه لن يكون لها أي معنى إذا لم يحدد المجلس العسكري موعداً لتسليم السلطة للمدنيين.

و لكنها أيضاً أبدت تخوفات من المطالب المتصاعدة بتكوين حكومة إنتقال مدنية لانتزاع البلاد من سيطرة المجلس العسكري، محذرة من أن هذه الخطوة ستلقي بمصر في حالة غير مسبوقة من الارتباك بوجود اثنان من الكيانات السياسية المتنافسة كل منهما يعلن نفسه حاكماً شرعياً للبلاد و هو ما سيؤدي لتأجيل الإنتخابات بكل تأكيد.

أما صحيفة التليجراف البريطانية فترى بأن عدد المتظاهرين كان أقل بكثير مما كان عليه في اوج الثورة المصرية إلا أن ضراوة العنف و السرعة التي انتشر بها إلى الاسكندرية السويس و مدن أخرى كانت في طليعة الثورة، يشير إلى الوضع المتقلب الخطير التي قد تجد مصر نفسها فيه مرة أخرى.

و قالت بأن النفور من القيادة العسكرية التي تدير البلاد منذ سقوط نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك لم يسبق و أن وصل للقدر الذي هو عليه الآن، مشيرة إلى أنه للمرة الأولى منذ الثورة يتم نشر قوات الأمن المركزي بهذا الشكل المكثف و هو ما ساعد في تفاقم الوضع بدلاً من التخفيف من حدة التوترات، كونها أحد أبرز أدوات القمع التي كان يستخدمها الرئيس المخلوع.

و أشارت إلى أن الاجواء في ميدان التحرير توترت بشكل كبير خاصة بعد اكتشاف المتظاهرين أن قوات الشرطة تستخدم عبوات غاز مسيل للدموع تحمل علامات أمريكية و عبرية، تماماً كما فعلت أثناء الثورة.

و لفتت الصحفية إلى أن قوات الأمن لم تنسحب مطلقاً من ميدان التحرير و إنما كانت تتفرق بشكل مؤقت ثم تعود لتجميع صفوفها مرة أخرى، مضيفة بأنها بدت مدربة على عدم الاستسلام مطلقاً، و هو ما قالت الصحيفة بأنه يدل على أن المجلس العسكري وعى الدرس جيداً فهو يعلم أنه عندما فقد مبارك السيطرة على ميدان التحرير أصبح سقوطه أمر لا مفر منه، و هو المصير الذي تحرص السلطة العسكرية على ألا تواجهه.

من جانبها قالت صحيفة النيويورك تايمز الأمريكية أن الثورة الجديدة ضد الحكم العسكري تبدو أكثر عفوية و أقل تنظيماً من الثورة الأصلية، ولا يوجد أي علامات على وجود قادة لها كما أن حضور القوى السياسية في الساحة ضعيف للغاية و هو ما يجعل من الصعب التصور مع من قد يستطيع أن يتفاوض الجيش إذا أختار أن يقوم بتسليم السلطة.

الأحد، 20 نوفمبر 2011

لا لحصار سوريا.. لا لتدويل أزمتها

د. فايز رشيد

حصار عربي على سوريا... بهذا يمكن تلخيص ما جرى مؤخرا في الجامعة العربية حول هذا البلد العربي. الحصار في مضمونه وشكله يشبه الحصار الغربي- الأمريكي عليها فما يدور حالياً في المنطقة العربية شبيه بما جرى قبيل العدوان الأمريكي- الغربي على العراق، فمن التهديدات الإسرائيلية- الأمريكية للبرنامج النووي الإيراني، إلى إمكانية قيام الولايات المتحدة ودول الناتو بتكرار ما حصل في ليبيا على سوريا، فقرار الجامعة العربية "بتوفير الحماية للمدنيين السوريين، وذلك بالاتصال الفوري بالمنظمات العربية المعنية، وفي حال عدم توقف أعمال العنف والقتل يقوم الأمين العام بالاتصال بالمنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان بما فيها الأمم المتحدة"، هذا القرار استكمله الأمين العام للجامعة نبيل العربي بتصريحات قال فيها: بأن الجامعة ستطلب حماية دولية للمدنيين السوريين.

العقوبات العربية لسوريا لم تقتصر على التدويل فقط، بل امتدت إلى سحب السفراء العرب من دمشق، والاعتراف الرسمي بالمعارضة السورية كبديل للنظام، والتهديد بممارسة الحصارعليها... وفوق كل ذلك: تعليق عضويتها في الجامعة العربية، وإمهالها أربعة أيام "فقط" لقبول "للانصياع" القرار العربي.

كنا نتمنى لو اتجهت الجامعة العربية فعليا لمحاولة الحل الموضوعي للأزمة السورية دون الاستعانة بالحماية الدولية، فتجربة كل من العراق وليبيا أثبتت وتثبت بما لا يقبل مجالاً للشك: أن الولايات المتحدة ودول الناتو لا تتدخل من أجل حماية المدنيين العرب، وإنما من أجل مصالحها ومن أجل قطف ثمار الثورات العربية، فمن يريد حماية المدنيين لا يدوس رقابهم ببساطير الجنود، كما كان المشهد في العراق، ولا يتسبب بقتل مئات المدنيين كما حدث ذلك في ليبيا، الولايات المتحدة ورغم انسحابها المقرر من العراق قبل نهاية العام الحالي، ستبقي قوات كبيرة لها في هذا البلد العربي تحت مسميات مختلفة، هذا عدا عن القواعد العسكرية المتبقية في العراق. في ليبيا حازت العواصم الغربية وبدعم من واشنطن وبمقاسمتها للحصص، على معظم صادرات النفط الليبي. هذه العواصم ليست حريصة على بناء الديمقراطية في أقطار العالم العربي، فالديمقراطية العربية لا تناسب هذه الدول، انطلاقاً من حرصها على الحليف الإسرائيلي.

نفهم أن هناك تعثرا في تطبيق بنود المبادرة العربية السابقة في سوريا، فالأزمة أكبر من إمكانية احتوائها ببضعة أيام، وسوريا قبلت المبادرة وقبلت بزيارة اللجنة الوزارية العربية لها مع من تريد اصطحابهم من منظمات حقوقية وإعلامية وإشرافية وغيرها، لكننا لا نفهم مطلقا "لأن من الصعب ذلك" اللجوء إلى الحصار العربي لسوريا وإلى تهديدها بالحل الدولي، الذي هو في الأساس حل أمريكي- غربي بفعل موازين القوى السائدة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ودول المنظومة الاشتراكية، وتحكم القطب الواحد في عالم اليوم.

لا يقبل مطلقا، عربيا، بالحل الأمني في التعامل مع الأزمة في أي بلد عربي وفي سوريا أيضا، فالحل الأمني كان فاشلاً ويظل فاشلاً وسيكون ويبقى فاشلاً. الطريق الوحيد لحل الأزمة السورية هو الحوار والحوار فقط بين المعارضة بمعظم أطيافها والحكم في سوريا، حوار يقوم على قاعدة الاستجابة لمطالب الجماهير العربية السورية في الإصلاح والديمقراطية واحترام حرية الفرد وحقه في إبداء رأيه بنظام بلده السياسي، وما يجري فيه من تطورات بمختلف مناحيها من خلال انتخابات ديمقراطية حقيقية بعيدة عن التزييف، وبإشراف لجنة من الجامعة العربية على هذه الانتخابات. في نفس السياق نود القول عن جزء من المعارضة السورية التي تطالب بتدخل أجنبي في دولتها، بأنها تقامر بمصير بلدها ولا تستحق أن يطلق عليها كلمة معارضة.

نعم، نرفض الحصار على سوريا، وندين تدويل الأزمة، لحساسية الظروف الراهنة أيضا انطلاقاً من: الأوضاع المتوترة في المنطقة بشكل عام، وانطلاقاً من حساسية الوضع السوري، وسوريا بلد مجاورلفلسطين المحتلة، وما تزال أجزاء من أرضها محتلة وهي هضبة الجولان من قبل العدو الصهيوني، الذي ضّم هذا الجزء من الأرض العربية السورية بقرار من الكنيست واعتبره أراضي إسرائيلية، ونعم، تبقى سوريا كما كانت، وستظل، دولة ممانعة للمخططات الأمريكية- الصهيونية- الغربية للهيمنة على المنطقة، وانطلاقاً أيضاً من حساسية الصراع الفلسطيني العربي- الصهيوني في هذه المرحلة تحديداً، وفي إسرائيل حكومة فاشية يمينية ترفض الاعتراف بالحقوق الوطنية الفلسطينية، والحقوق الوطنية لسوريا ولبنان في أراضيهما المحتلة.

منذ زمن تهدد إسرائيل بشن الحرب في المنطقة: إمّا على إيران أو على قطاع غزة أو على لبنان أو سوريا أو على كل هذه الأطراف مجتمعة، وذلك من أجل القضاء عل معسكر المقاومة والممانعة في المنطقة ونحن مع هذه القوى قلبا وقالبا.

انطلاقاً من كل هذه التقديرات والمواقف وانطلاقاً من العلاقات التحالفية العضوية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، ندعو إلى الحل السريع للأزمة في سوريا على قاعدة الحوار الديمقراطي وتحقيق الإصلاحات المرجوة وعدم التدخل في الشأن السوري ورفض التدويل، وبخاصة أيضا أن الــنوايا تتـجه لإنـشــاء منطقة عازلة على الحدود التركية السورية، بما يعنيه ذلك من تهديد لوحدة الأراضي السورية، وهذه حلقة من حلقات المؤامرة التي تستهدف سوريا وطنا وشعبا وموقفا.

الولايات المتحدة ليست حريصة على حقوق الإنسان في العالم العربي لا في سوريا ولا في فلسطين ولا في غيرهما من الأقطار العربية، فبالأمس القريب كان مشهد صفقة تبادل الأسرى مع حركة حماس، حين رحبّت واشنطن وكل العواصم الغربية بتحرير الجندي الإسرائيلي غلعاد شاليط، وانزعجت واشنطن وحليفاتها الغربيات من تحرير الأسرى الفلسطينيين، واعتبرته مضراً بالسلام في المنطقة!

وبالأمس فقط وقفت الولايات المتحدة ضد قبول عضوية فلسطين في اليونسكو، ولما نجح القرار رغماً عن إرادتها، أوقفت مساعدتها السنوية لمنظمة اليونسكو. الولايات المتحدة تضغط أيضاً على العديد من دول العالم من أجل تغيير مواقفها من قبول عضوية فلسطين في الأمم المتحدة. بماذا يشي هذا؟ هذه المواقف تؤشر إلى: أن حقوق الإنسان العربي ليست أولوية بالنسبة لواشنطن وحليفاتها، بل الأولوية لمصالحها وإسرائيل. هذه المواقف تؤشر أيضاً إلى أن هذه الدول لا تحترم الديمقراطية، فلو كان العكس، لاحترمت واشنطن وحليفاتها قراراً صوتت عليه غالبية دول العالم، ولكن ازدواجية المقاييس هي شرع واشنطن!، وللأسف انتقلت هذه الازدواجية إلى الجامعة العربية فلم ولا ولن يجري التعامل مع النظام في البحرين ولا مع النظام اليمني بنفس مقياس التعامل مع النظام السوري.

بالتالي، فهل الإدارة الأمريكية والعواصم الغربية حريصة على حقوق الإنسان في سوريا؟ لا نعتقد ذلك، ولتفهم جامعتنا العربية الموقرة، ذلك. تفاءلنا، وعكسنا الأمر كتابة، بمرحلة جديدة من عمل الجامعة بسبب من تسلم نبيل العربي لأمانتها العامة، ولكن فترة بسيطة مرت على تسلمه منصبه، أثبتت بما لا يقبل مجالا للشك، أن الجامعة ليست أكثر من حلقة لتهيئة الظروف والأجواء لتدويل بعض الأزمات العربية، كما يجري الآن مع سوريا!!.

هزيمة الأمريكيين على أعتاب ميدان التحرير


هزيمة الأمريكيين على أعتاب ميدان التحرير


أ.د. محمد إسحاق الريفي

يبشر الحراك الشعبي المصري الراهن بالخير، لأنه يؤكد سلامة منظومة التغيير الثلاثية، والتي تتكون من الإرادة، والقيادة، والوعي. فقد أكد الشعب المصري أنه على وعي كامل بمحاولات الولايات المتحدة وأعداء أمتنا العربية لإحباط الثورة المصرية واختزالها في تغييرات شكلية فارغة المضمون.

كما أكد الشعب المصري أنه يمتلك إرادة حقيقية صلبة لتحقيق أهداف ثورته، وعلى رأسها تحرير الإنسان والإرادة السياسية المصرية. وأثبت الإخوان المسلمون في مصر أنهم يستعصون على الاحتواء والتهميش، وأنهم لا يفرطون بدماء شهداء الثورة، ولا يقبلون بسرقة الثورة من قبل قادة العسكر، وأنهم ماضون في الثورة حتى تحقيق أهدافها المنشودة.

يعلم أحرار الشعب المصري أن الولايات المتحدة كاذبة في ادعائها بدعم الديمقراطية في مصر وغيرها من الدول العربية، وأنها لا تحرص إلا على نفوذها وهيمنتها على مصر ومنطقتنا العربية، وعلى حماية الكيان الصهيوني الغاشم. ومن أجل ذلك تسعى الولايات المتحدة لإبقاء الإرادة السياسية المصرية تحت تصرفها، عبر تهميش الإخوان المسلمين والقوى السياسية المصرية الرافضة للهيمنة الأمريكية على مصر وإرادتها السياسية، مستعينة بطابورها الخامس في مصر وبأدواتها الإعلامية في المنطقة.

ولأن الولايات المتحدة تدرك جيدا الأخطار التي تحدق بها من الثورة المصرية، فقد استنفرت إمكاناتها الدبلوماسية والإعلامية والسياسية، وأنشأت أجهزة خاصة لمتابعة الثورة المصرية، رغم أن الإفلاس والبطالة ينخران عظمها من الداخل، ورغم أنها لا تزال تترنح تحت وطأة فشل نظامها المالي وانهياره، إضافة إلى أنها تتفسخ وتحترق من الداخل، ويؤكد هذا التفسخ والاحتراق المظاهرات التي نظمتها حركة "احتلوا وول ستريت"، والتي تصرفت فيها الشرطة الأمريكية كما تتصرف الشرطة في دول العالم الثالث، فقد كانت ردة فعل الإدارة الأمريكية على الاحتجاجات الشعبية عنيفة ودموية.

ورغم الانهيار والاحتراق الداخلي الذي تعاني منه الولايات المتحدة الأمريكية، تترك الإدارة الأمريكية مشكلاتها الداخلية المتفاقمة، وتترك مشكلاتها الخارجية مع كوريا الشمالية والصين وروسيا، وتنشغل في محاولاتها المستميتة من أجل احتواء الثورات العربية، أو إحباطها، أو تجييرها لصالح مشروعها الإمبريالي والاستعماري في منطقتنا العربية ولصالح الكيان الصهيوني، مستخدمة عملاءها وطابورها الخامس الذي يشمل القنوات الفضائية التي أنشأتها الولايات المتحدة لتجميل صورتها المقززة في أذهان العرب والمسلمين، ولترويج ديمقراطيتها الزائفة، ولترويض العقل والوجدان العربي حتى يستسلم لحكم الأمر الواقع المتمثل في وجود الكيان الصهيوني وقبوله والتعايش معه.

لا شك أن الحراك المصري الراهن يؤكد أن جهود الولايات المتحدة وجهود عملائها وأدواتها ستذهب سدى، بل إلى الجحيم، وأنها ستفشل في احتواء الثورات العربية، وأن إمبراطورية الشر والطغيان الأمريكية ستنهار على أعتاب ميدان التحرير في القاهرة، وستسحقها أقدام ملايين الأحرار والشرفاء الثائرين في مصر.

وعلى العرب أن يدركوا تمام الإدراك أن إمبراطورية الشر والطغيان الأمريكية تلفظ أنفاسها الأخيرة، وأنها تطمع في أن تجد حلاً للمشكلات التي تمزقها وتعصف باقتصادها في بلادنا، على حساب الشعوب العربية المضطهدة، وذلك عبر الهيمنة عليها والحصول على نفط العرب وأموالهم بلا ثمن. وهي تعول في ذلك على عملائها العرب، وخصوصا على أولئك الذين يريدون امتطاء موجة التغيير، وتجييرها لمصلحة الولايات المتحدة، ومنحها فرصة للتدخل في الثورات العربية والحصول على موطئ قدم لحلف شمال الأطلسي"الناتو" في بلادنا.

فحذار من أولئك العملاء، وحذار من فضائيات الأمركة العميلة، وحذار من جامعة الأنظمة المنبطحة للأمريكيين، وهي جامعة الدول العربية، التي سرعان ما تستجيب للإدارة الأمريكية ومنحها غطاء رسميا عربيا للتدخل عسكرياً في شؤوننا..

Locations of Site Visitors
Powered By Blogger