السبت، 8 ديسمبر 2012




أيام سوداء ومعارك ضد سلطات الدولة تهدد وجود مصر!
محمد عبد الحكم دياب
2012-12-08


كانت المواجهة مع الرافضين لحكم حسني مبارك تقوم بها أجهزة أمن وشرطة وبلطجة منظمة شكلها الحزب الوطني المنحل، أما الآن فإن المواجهة تتولاها مليشيات لا تعرف إلا الكذب، ولا تتعامل بغير العنف والاقتتال، وهو أمر غريب مهما كان المبرر، فالإخوان والسلفيون هم الذين يحكمون ويتحكمون، وهم أصحاب القرار الآن. والرئيس محمد مرسي منهم ويملك صلاحيات واسعة كفلها له القانون الساري، ولم يكن في حاجة إلى صدور الإعلان الدستوري سيئ السمعة في 21 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي.


وصلاحيات الرئيس أكثر من كافية لضبط كل شئ في الاتجاه الذي يريحه، والشرط هو عدم الإخلال بحق المواطن القانوني والإنساني في التظاهر والإضراب والاحتجاج السلمي، أما أن يواجه هذا الحق بذلك الكم من العنف العُرْفي إذا جاز التعبير، عن طريق الحزب الحاكم وجماعة الإخوان المسلمين؛ يجعلنا نطرح سؤالا عن دلالة هذه الممارسة من قوم يحكمون وقَبِل بهم أغلب من مارسوا حقهم الانتخابي، وذهبوا للإدلاء بأصواتهم، أي أنهم اكتسبوا شرعيتهم عن طريق صندوق الاقتراع، وليس عن أي طريق آخر.


ويرى البعض أن السبب يكمن في تجاوزات صدرت هنا أو هناك، وقد يحمل ذلك قدرا من الصحة، وأي عنف خارج القانون في المجتمع الديمقراطي ليس حلا. ولو تأملنا الموقف لوجدنا أن ما يعتبر تجاوزات في حق الحكام الجدد لا يتجاوز حدود التعبير باللفظ والرسم أو النكت، وهي طريقة مصرية موروثة، تُترجَم في شكل عبارات ورسوم وأغان ساخرة ونكت، وهي في عداد المحرمات بمنطقهم. أما الأكثر تجريحا وبذاءة وتهديدا ووعيدا واستباحة للأعراض وتكفيرا كان احتكارا على أبواق كتائب الإسلام السياسي الألكترونية والمسلحة، التي لا تعرف غير العبوس والبذاءة والسب والضرب والعدوان، والرد على التجاوزات يتكفل به القانون. أما الظاهرة في ذاتها ظاهرة مصرية؛ ليست وليدة اللحظة، وقد عانى منها الحكم المخلوع، وليست شرطا فيها أن تكون كارهة للإسلام، أو أن أصحابها من الكفار والفاسقين، وهي سلاح مصري للتخفيف من المعاناة، واستفحلت هذه الظاهرة في أعقاب نكسة 1967، وأثرت على المعنويات العامة في فترة حرب الاستنزاف، واقتضى ذلك مناشدة الرئيس لمواطنيه الكف عن ذلك حفاظا على معنويات الشعب وقواته المسلحة، التي كانت تخوض معركة ضارية ضد العدو الصهيوني.


وهذا لم يمنع محامي الإسلام السياسي وغير السياسي من رفع القضايا ضد كل من قال كلمة نقد أو أبدى ملاحظة أو تجاوز في حق مقاماتهم؛ بدءا من المرشد العام نزولا إلى ما هم دونه؛ في مكتب الإرشاد ولجان المحافظات، وقادة حزب الحرية والعدالة في أنحاء مصر، ولا يبدو أن الطرق القانونية كافية لمنع النقد والاحتجاج والسخرية، واللجوء إلى طرق ووسائل لا صلة لها بالقانون أدى إلى التراجع عن الطرق السلمية، وقوبل ذلك العنف بعنف مضاد، ومع استنكارنا وشجبنا للاعتداء على ذوي اللحى والعدوان على مقرات الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة وحرقها، ورفض العدوان على القياديين الإخوانيين محمد البلتاجي وصبحي صالح، مع علمنا بما يتردد حول قيام عناصر من مليشيات الإخوان وعدد من البلطجية بحرق بعض المقرات مساعدة لهم للظهور بمظهر الضحية.


وعلى قادة الإسلام السياسي أن يسألوا أنفسهم: لماذا تتوجه شحنات الغضب والانتقام إليهم وليس لغيرهم إذا ما ثبتت صحة ادعاءاتهم؟ بدلا من الاسترسال في توجيه الاتهام لشخصيات محددة بأنها جزء من مؤامرة أمريكية صهيونية، وهل الرد هو في 'تطهير' وإجلاء الآلاف من المحتجين، وتبرير العنف والقتل ضدهم؟ عليهم أن ينظروا في الأسباب التي تقف وراء هذا الفعل المدان وإظهار القرائن الموثقة أمام الرأي العام، وقد يساعدهم ذلك على رؤية الحقائق دون تلوين أو الإمعان في منطق المؤامرة!.


وقيل عن المليشيات أنها لـ'حماية الشرعية'، حسب الرأي الرسمي الإخواني، وأي حكم يفقد شرعيته إذا خرج بعيدا عن أحتضان الشعب ومؤسسات الدولة الديموقراطية. ومنذ متى تتكفل المليشيات بهذه المهمة؟ وهل هذا تبرير لحمل السلاح واستخدامه؟ أم أنه مدخل لتأكيد 'قدسية' الحكم والحاكم. وهذه طامة كبرى؛ تعود بمصر قرونا وقرونا إلى الخلف في عصور 'الحاكم الإله' ونموذجه فرعون الذي قال: 'ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد' - سورة غافر.


ولما رأينا في مقال الأسبوع الماضي أن الحكم ليس محل تقديس قلنا ان تراجع الرئيس عن قراره ورطة ولأنها ليست الأولى؛ سوف تؤثر على مصداقية الحكم، وبدا التراجع مستحيلا، واستمرار العناد يضع الرئيس في ورطة أشد؛ وما بين الورطتين يكون المخرج هو التعرف على قادة عظام وجدوا الحل في التنحي والخروج الآمن مما وقعوا فيه، لهذا طالبنا باستقالة الرئيس محمد مرسي، تجنبا للفوضى أو الانقلاب العسكري. وما بين السبت والسبت التالي استمر العناد والإصرار على تأكيد 'حكم الرئيس الإله'، وذهبت جحافل المليشيات المسلحة وفرق البلطجة إلى حيث يقبع المتظاهرون المسالمون وأعملوا ضربا وقتلا؛ بالعصي والمواسير المعدنية والأسياخ الحديدية والسيوف والبنادق والرشاشات الآلية، وبدأ سقوط القتلى والجرحى، وهكذا كان حال الوضع أمام القصر الرئاسي بضاحية مصر الجديدة، ليلة الثلاثاء صباح الأربعاء الماضي.


وهب سكان الحي من بيوتهم يساعدون بكل السبل يحولونها إلى مراكز إيواء ونجدة للمصابين، وفُتحت الكنائس المجاورة للحماية وللمستشفيات الميدانية والإسعافات الأولية، وقامت سياراتهم كما روى شهود عيان بمهام النقل السريع وإرسال المصابين إلى المستشفيات، حتى الدراجات النارية تولت نقلت المصابين من الأماكن البعيدة عن المستشفيات، وتجلت الوحدة الوطنية في وقت انشغلت فيه المليشيات بمهمتها 'المقدسة' في الذبح على الهوية، فمن ليس معنا فهو ضدنا، وعلى قائمة التصفية الجسدية.


وكانت ليلة من الرعب والقلق والتوتر؛ أشد وطأة وسوادا من كل ما سبق، ومسؤولية الدم في عنق صاحب القرار؛ الرئيس محمد مرسي الذي أوصل البلاد إلى هذه الحالة، ويليه عصام العريان الذي حرض شباب الإخوان وأعضاء حزب الحرية والعدالة على ما أسماه 'تطهير' محيط القصر الجمهوري من 'البلطجية' على حد قوله، وقدم عدد من النشطاء ضده بلاغات تتهمه بالقتل العمد وسقوط الشهداء والضحايا.


وكنت بين شخصيات التقت بحثا عن طريق لحقن الدماء، وخلال الجلسة اتصلت بأحد القضاة السابقين، وسألته عن إمكانية التقدم بمبادرة تحقن الدماء، فأخبرني أنه شخصيا فعل ذلك بمبادرة شخصية تحفظ لكل طرف كرامته وماء وجهه، وشرحها لي بالتفصيل وفيها ما يقبل من كل الأطراف، لكنه كما روى وجد إصرارا من الإخوان على الإعلان الدستوري سيئ السمعة والاستفتاء على مشروع الدستور في موعده. وبعدها بلحظات اتصل بي استاذ جامعي من الثوار يستطلع رأيي في مبادرة يوجهها للرئيس مرسي يطالبه بالحديث إلى الشعب إنقاذا للبلاد ويتحمل مسؤوليته في هذا الوقت العصيب، وأجهش في البكاء وهو يختم مبادرته، ولم يستطع استكمال الحديث، وشددت من أزره. ودموعي تزرف أنا الآخر.


وبجانب هذه المبادرات علمت من مصدر موثوق أن محاولة جرت من الوزير الأسبق وفقيه القانون والمفكر الإسلامي كمال أبو المجد ومعه رئيس وزراء مصر السابق كمال الجنزوري باءت بالفشل، واتصلت بأحد المشايخ الكبار وعضو مجمع البحوث الإسلامية؛ أسأله عن موقف الأزهر، فرد أن العناد يحول دون أي نجاح لأي بادرة من جانب الأزهر، وكان في حالة من التأثر والحزن الشديد على ما آلت إليه الأوضاع.


والقضية الآن لم تصبح قضية الإعلان الدستوري سيئ السمعة أو الإصرار على إجراء الاستفتاء في موعده، وهو الشئ غير الممكن لغياب القضاء واعتذار أغلب القضاة عن الإشراف على استفتاء على مشروع دستور يذبحهم من الوريد إلى الوريد، وغياب الأمن والقوات المسلحة التي تولت حماية لجان الانتخابات التشريعية والرئاسية السابقة، فمرت بسلام، وأوصلت محمد مرسي إلى منصب الرئاسة، إنما قضية مصير بلد يحترق أمام أعين الجميع ولا تحرك السلطة ساكنا لوقف هذا الحريق.


وما جرى هو حصاد تصفية حسابات تاريخية وشخصية مع سلطات ومؤسسات أربع كبرى في الدولة في وقت واحد، وقد عرضنا لبعضها من أسابيع على هذه الصفحة، وهي القضاء والإعلام والأزهر والقوات المسلحة! وهذا ليس مألوفا في حكم جديد، كان عليه أن يبدأ بالمصالحة والوفاق الوطني، مع محاسبة من أفسدوا الحكم والحياة السياسية؛ وهو نهج يأخذ به أي حكم جديد، وفتحت شهوة الهيمنة والانتقام باب المعارك الدامية بسرعة لم تكن متوقعة، ومثل هذه المعارك الأربع تقصم ظهر أي دولة!.


وعلى مستوى المسؤولية فإن الرئيس مرسي، الذي انتظر المواطن خطابه على أحر من الجمر، ولم يقل شيئا ذا بال يريح الناس، ولأن محمد مرسي يتحمل المسؤولية الاكبر عن صناعة الأزمة، وهو مسؤول عن تطويقها.


في ظروف فوق طاقة الاحتمال؛ ازمة اقتصادية طاحنة، ونشاط داخلي وخارجي محموم لتقسيم مصر واجهاض ثورتها الكبرى، والانقسام يزيد المواجهات الدموية، ولا بديل عن العقل والحكمة من أجل موقف وطني جاد ومسؤول؛ يقود الى مخارج مشرفة لإنقاذ مصر وشعبها.
والقوى السياسية تواجه اختبارا صعبا، إذا لم تنجح فيه فهي تجر مصر إلى كارثة أكثر مما هي فيه، وعليها إعطاء الأولوية لمصير البلد التي لا تتحمل أكثر من ذلك، وعلى الجميع تحمل نصيبهم من المسؤولية عن كل نقطة دم اذا ما استمر العناد وقصر النظر.


في النهاية فإن حصيلة 'موقعة' القصر الجمهوري المبدئية تجاوزت الألف ضحية؛ فارق سبعة منهم الحياة، ومن بينهم الصحفي الشهيد الحسيني أبو ضيف من صحيفة الفجر المستقلة، وصرح علاء العطار عضو مجلس نقابة الصحفيين أن الشهيد كان فى حالة موت 'سريري'، بعد إصابته بطلق ناري في الرأس في تمام الساعة 2.30 بعد منتصف ليل الثلاثاء وصباح الأربعاء الماضي، وورد إلي خبر وفاته وأنا أختم هذه السطور، وكان بشهادة أحد أصدقائه يقف بعيدا وقت وقوع الحادث ويُطلع صديق له على لقطات مصورة وأفلام توثق الجرائم المرتكبة والاعتداء على النشطاء.ونشرت صحيفة 'اليوم السابع'، إن أبو ضيف أصيب برصاصة استقرت داخل الجمجمة.


وسقط الإعلان الدستوري نهائيا مع سقوط أول شهيد برصاص المليشيات المسلحة، وهذا إيذان بسقوط مرسي نهائيا!

الجمعة، 7 ديسمبر 2012

الإخوان وتغير المعادلة السياسية في مصر

الإخوان وتغير المعادلة السياسية في مصر
الإخوان وتغير المعادلة السياسية في مصر
يرى البعض أنه كان على قادة وممثلي القوى السياسية المدنية في مصر أن يتوجهوا إلى الرئيس محمد مرسي بمقترحات وعرائض ومبادرات ومشاريع سعيا لكسبه إلى صفوفهم ومنع تكتل السلفيين والجماعات الإسلامية الجهادية مع الإخوان المسلمين. بل ورأوا أيضا أن تحالف القوى السياسية لمواجهة النظام الإخواني في مصر خطوة تأخرت كثيرا وتأتي الآن في غير محلها أو وقتها بعد أن استفحل ضغط الإخوان وتوحشت مؤسسة الرئاسة ومكتب الإرشاد وحزب الحرية والعدالة التابع لجماعة الإخوان المسلمين.
يمكن الرد ببساطة على كل هذه الرؤى، ولكن لا يوجد مجال هنا. فلكل إجراء ظروفه الموضوعية والذاتية. كل ما في الأمر أن قادة القوى السياسية بدأوا يتحركون الآن من الأسفل بالتحامهم بشباب الثورة وبالمظاهرات والاحتجاجات. وبدأوا يتعاملون كرجال دولة وليس زعماء مجموعات سياسية مراهقة تدمن حوارات ومفاوضات الغرف والاجتماعات المغلقة. إن القوى السياسية المصرية الآن تخلع ثوبها القديم من حيث العقلية التنظيمية الضيقة والصراعات التافهة والمكاسب الرخيصة والتحالفات غير المبدئية وتنفتح على الناس والوطن كقوة قادرة على إدارة الأزمات والمجتمع والدولة.
من الواضح أن الإخوان المسلمين يفقدون الكثير من مواقعهم ليس فقط في المدن الكبرى، بل في المناطق النائية والأطراف، وهي الساحات التي تمكنوا من التحايل على مواطنيها تارة بالدين وتارة أخرى بالأموال والمصالح. هذه المناطق والساحات تتخلخل الآن، الأمر الذي يوضح أن مواطنيها إذا لم ينضموا إلى بقية القوى السياسية، فسوف يبقون على الحياد. وهو في الحقيقة، حياد إيجابي سيدفع بهم عاجلا أو آجلا إلى مسار إسقاط حكم الإخوان. ومن جهة أخرى، يدفع التخبط الواضح في قرارات وإجراءات مكتب الإرشاد والرئاسة وحزب الحرية والعدالة إلى حالة من التذمر الاجتماعي والمعيشي والثقافي، والسياسي أيضا.
هكذا أرغمت الظروف جميع القوى السياسية المدنية على العمل من أسفل لأسباب كثيرة، وهو ما بدأ بالفعل يحدث بقوة وتفاؤل وإصرار. وهذا لا يتعارض إطلاقا مع العمل على عدة جبهات أخرى نضالية وقانونية ودستورية وإعلامية داخلية وخارجية، والتوجه إلى المؤسسات الدولية المانحة، وتقديم صورة موضوعية وواقعية لما تفعله تيارات الإسلام السياسي عموما في مصر، وما تفعله جماعة الإخوان المسلمين ومكتب الإرشاد والرئاسة وحزب الحرية والعدالة التابع للجماعة. ولا شك أن المجتمع المصري وقواه السياسية المدنية تحمل مسؤولية العنف والدم والاستبداد والبطش ليس فقط للإخوان المسلمين والسلفيين والجماعات الجهادية، بل وأيضا للدول والمؤسسات والجمعيات الدولية التي تتعاون معهم وتدعمهم ماليا وسياسيا ولوجستيا. هذا الأمر مرتبط مباشرة بقوائم أعدتها عناصر الإخوان التي تمكنت من اختراق الأجهزة والمؤسسات المصرية وعملت فيها لسنوات طويلة. هذه القوائم ستظهر قريبا في أشكال منها "التطهير" أو "الاعتقالات" أو "الاغتيالات". وسيتم الأمر وكأنه حملة لمواجهة مخططات وأجندات ومحاولات لقلب نظام الحكم. وقد تتفاقم الأمور ليتم تصوير الأمور على أنها مخطط خارجي يستهدف أمن مصر وسلامتها. أي ببساطة، تنفيذ فكرة العدو الداخلي أو الخارجي، أو الاثنين معا.
لقد دفع الإخوان المسلمون بالأمور إلى أبعد من مداها. هذه الفكرة الكلاسيكية التي ينفذها الرئيس الإخواني في مصر لتثبيت السلطة وتعزيز المواقع السياسية والقانونية قديمة وحمقاء، لأن القوى السياسية المدنية وقادتها وشبابها لديهم برامج بديلة وتوجهات لتغييرات جذرية في اتجاه المجتمع المدني والدولة العلمانية الحديثة، والعدالة الاجتماعية بمعناها الواسع والعميق. وبالتالي لا وقت هنا لمفاوضات عرجاء وحمقاء مع مجموعات رجعية وعنصرية وإقصائية، ولا حاجة للتعاون معها نظرا لأن التوجهات مختلفة تماما، والثقة منعدمة كليا.
منذ 19 نوفمبر 2012 يمكننا الحديث الآن عن صراع حقيقي وملموس بين قوتين أساسيتين في المجتمع المصري: تيارات الإسلام السياسي وعلى رأسها الإخوان المسلمون، وتيارات وقوى مدنية واجتماعية. لقد تغيرت المعادلة نسبيا، وتراجعت تيارات الفلول إلى المستوى الثاني. كما أن المنظومة الإدارية العتيقة في مصر لا تزال راسخة وتعرف المنعطفات والمنحنيات الخطرة في الدولة وتلعب دورها الخطير المنوط بها. وهي منظومة متشعبة وضاربة بجذورها في مستنقع آسن على الرغم من انغلاقها. من الواضح أننا لا يمكن أن نتحدث الآن عن اختفاء أو تلاشي الفلول وطواغيت المال الذين يواصلون دعمهم لمجموعات داخل المنظومة الإدارية العتيقة وبعض المؤسسات، وهو ما يعرفه مكتب الإرشاد جيدا عن طريق عناصره داخل هذه المنظومة بمؤسساتها. غير أن تغير المعادلة وصعود القوى السياسية المتحالفة لتحتل المكان اللائق بها في مواجهة الحكم الديني الرجعي، دفع بالإخوان إلى مسعى استخدام المنظومة الإدارية بفلولها كورقة ضغط أو تعطيل. بل ويمكن الحديث الآن عن قيام طواغيت المال من تيارات الإسلام السياسي بتمويل مجموعات وفئات اجتماعية معينة لتقوم بنفس الدور الذي كانت تقوم به مثيلاتها إبان حكم مبارك وبعده. وفي الحقيقة، لا يمكن للقوى المدنية أن تتنازل عن مطالبها أو تتقوقع وتتجه مرة أخرى للتحالف مع الإخوان بسبب أن الفلول يرفعون نفس المطالب. ليرفع الفلول أي مطالب، فالمستقبل لم يعد لهم. وهذا ما يدركه الإخوان جيدا. وبالتالي قد يستخدمهم الإخوان، وقد يفرضون إجراءات أمنية استثنائية على مصر كلها بحجة أن الفلول يسعون للتخريب وقلب نظام الحكم. إن الصراع الآن بين قوتين حقيقيتين ليس بينهما الفلول. هذا الأمر يفرض على القوى السياسية المصرية واقعا جديدا تماما ويجعلها جاهزة لاستلام السلطة وإدارة الدولة.
د. أشرف الصباغ

توماس فريدمان يرّوج للقبة الحديدية


توماس فريدمان يرّوج للقبة الحديديةالكاتب الصهيوني توماس فريدمان
يروج توماس فريدمان، بعد ترويجه لمتاجر زوجته السابقة،  للقبة الحديدية في أحدث مقال له في نيويورك تايمز وتحت عنوان تضمن عبارة القبة الحديدية، يقول أنه بات مقتنعا تماما بفعالية القباب في الشرق الأوسط سواء كانت الامبريالية الحديدية أو القبة الحديدية أو القبضة الحديدية للعثمانيين التي يتغزل بها كلها وضرورة قمع العرب في جميع الأحوال حسب زعمه.
ويجري الترويج للقبة الحديدية على قدم وساق في الصحافة الصهيونية رغم أنها لم تحقق النجاحات بالأرقام التي يتم التسويق لها-   ومن أصل 848  صاروخ أطلقته حماس نجحت القبة الحديدية في اعتراض 302 منها فقط بحسب أرقام جيش الاحتلال. إذ يكلف كل صاروخ من هذه قرابة 50 ألف دولار بمعدل نجاح لاعتراض الصواريخ، لا يقترب من المعدل المزعوم وهو 85% بل أقرب إلى 40% .
الترويج للقية الحديدية سهل الكشف إذ يكفي البحث في أخبار غوغل تحديدا بطباعة عبارة القبة الحديدية iron dome ليظهر قرابة 34,300 خبرا عنها. أما في البحث العام في غوغل فهناك أكثر من مليون مقال عن القبة الحديدية كنتائج للبحث الدقيق أي بعبارة استفسار بعلامتي الاقتباس     " iron dome israel"). ويتعارض الترويج للأسلحة مع أبسط مبادئ الصحافة، لكن فريدمان يستبيح لنفسه دوما فعل ذلك كما سبق من قبل حين قام بالترويج للمراكز التجارية التي تملكها زوجته وقتها في مقال أشار فيه أن التسوق عبر الإنترنت هو أمر مضحك مع وجود المراكز التجارية (المولات) كانت زوجته وريثة أكبر شركة منها في العالم!
وأشار خبير اقتصاد ألماني إلى أن الحرب على غزة حققت هدفا كبيرا واساسيا لكيان إسرائيل وهو تسويق القبة الحديدية لدول عديدة بما فيها كوريا والهند وبريطانيا ودول حلف الناتو، اي أنها ستحقق مليارات لقطاع تصنيع السلاح وهو الأقوى في كيان إسرائيل. يكشف ذلك سر ولع صحيفة نيويورك تايمز وكاتب فيها مثل فريدمان في تسويق هذا السلاح رغم الشكوك الكبيرة حول نجاحه فالأرباح تقدر بالمليارات في قطاع تصنيع السلاح الاسرائيلي

خزائن الخليج!

 
خزائن الخليج!
 
مؤشرات عديدة تقول أن صندوق النقد الدولي لن يمضي قدماً في تنفيذ الاتفاق التمهيدي الذي تم التوصل إليه بين مصر والصندوق والقاضي بإقراض مصر مبلغ 4.8 مليار دولار على مدى 22 شهراً من أجل المباشرة بعملية الإصلاح الاقتصادي والمالي في أعقاب الثورة.
أحدث هذه المؤشرات هو ما أعلنه صندوق النقد ذاته قبل أيام حينما حذر من أن حدوث «تغيير كبير» فى سياسة مصر الاقتصادية والسياسية يمكن أن يعيد النظر فى الاتفاق التمهيدى بين مصر والصندوق.
فقد قال متحدث باسم الصندوق ان "خطة مساعدة مصر اقتصادياً ومالياً، تتضمن سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية، لاتزال بحاجة إلى موافقة الدول الأعضاء فى الصندوق".
هذا من ناحية موقف صندوق النقد. أما من ناحية مصر، فقد قال الدكتور عصام العريان، نائب رئيس حزب الحرية والعدالة "إنه إذا أدى الإعلان الدستورى الذي أصدره الرئيس محمد مرسي، إلى الامتناع عن المضى قدماً فى إتمام قرض صندوق النقد الدولى وإعادة صياغة العلاقة بين مصر والولايات المتحدة، فإن مصر تكون قد بدأت بذلك مرحلة مبكرة من الاعتماد على النفس".
أما الدكتور محمد جودة، عضو اللجنة الاقتصادية لحزب الحرية والعدالة، فقد قال هو الآخر "أن البيان الصادر عن صندوق النقد الدولى، في ما يخص مراجعة موقفه بشأن الاتفاق مع الحكومة المصرية، ما هو إلا مجرد إثبات موقف وليس تهديداً حتى لا يقال إن البنك لم يعلن عن موقفه". وأضاف جودة ف"إنه حتى لو تم إلغاء القرض وتراجع الصندوق، فهذا لن يؤثر كثيراً على مصر، موضحاً أن هدف الحزب من الحصول على القرض هو الحصول على شهادة ثقة من الصندوق الدولى، يثبت قدرة الاقتصاد المصرى على التعافى والخروج من الأزمات الراهنة".
وقبل كل هذه التطورات، كان الدكتور محمود حسين، الأمين العام لجماعة الإخوان المسلمين عضو مكتب الإرشاد، قد كشف عن أنه حين إلتقى شخصياً والمرشد العام للجماعة الدكتور محمد بديع، السفيرة الأمريكية في القاهرة آن باترسون قبل أسابيع، طلبت منهما السفيرة الأمريكية، قبول قرض صندوق النقد الدولي، حتى تفتح للجماعة "خزائن الخليج".
وهكذا يبدو جلياً من كل تلك المواقف أن أمريكا المهيمنة على سياسات وقرارات صندوق النقد الدولي، وكذلك الصندوق ذاته يريدان من مصر أن تعتمد على أموال الدول الخليجية الغنية بالنفط، وليس على أموال الصندوق، لمواصلة الإصلاح الاقتصادي والمالي.

ومن المؤشرات الأخرى الدالة على هذا التحول الذي ينطوي على مؤشرات سياسية أكثر منها اقتصادية، هو ما ذكره تقرير متخصص صادر عن المركز العالمي للدراسات التنموية، من أن أسعار النفط المرتفعة خلال عامي2011 و2012 كان لها أثر إيجابي كبير على الدول النفطية العربية، حيث حققت تلك الدول فوائض مالية في موازناتها العامة للعام 2011-2012 بلغت 186 مليار دولار. وعلى الرغم من أن أحداً من جميع تلك الأطراف السالفة الذكر، باستثناء السفيرة الأمريكية لدى مصر، لم يقل بصريح العبارة أن على دول الخليج النفطية أنه يتوجب عليها أن تفتح خزائنها لمصر، فان هذا بالضبط ما يمكن استنتاجه من مواقف وتصريحات وبيانات وتلميحات كل تلك الأطراف.
نعم هؤلاء يريدون قذف الكرة إلى ملعب الدول العربية الخليجية النفطية، بعيداً عن ملعب صندوق النقد، وأيضا بعيداً عن ملعب الاقتصادين الأمريكي بشكل خاص، والأوروبي بشكل عام، بحجة عدم وجود استقرار سياسي واقتصادي في أرض الكنانة. شيئ أخير، لا بد من الإشارة إليه هنا هو أن أمريكا والدول الغربية كانت قد وضعت نصب عينيها منذ أعوام الحصول على فوائض النفط الخليجية لاستخدامها في الخلاص من أزمتها، وجاب عدد لا بأس به من المسئولين الغربيين هذه الدول لتحقيق هذا الغرض ترغيباً وترهيباً، متناسين حاجة هذه الدول لأموال النفط، لمشاريع البنية التحتية التي هي وشعوبها، بأمس الحاجة إليها؟

فضيحة: النائب العام المصري المعين حديثا قاضي فاسد في البحرين

التقدمية
موقع العالم الاسلامي -ابدى شباب النويدرات البحراني أسفه البالغ لاختيار الرئيس المصري محمد مرسي المدعو طلعت إبراهيم محمد عبد الله (1958- طنطا) نائباً عاماً جديدا لمصر وقد سجلت قضية الثورة في البحرين سمعة سيئة لهذا النائب أثناء عمله كقاضي ومستشار لآل خليفة في محاكمهم المعروفة بفسادها وظلمها وطائفيتها . وكان عدد كبير من المواطنين الأبرياء أصبحوا ضحايا المدعو طلعت ابراهيم النائب المصري الجديد إذ رصدت في محاكم آل خليفة أحكاما جائرة مختلفة كان أخطرها وأكثرها ظلما وفسادا: قضية “رآية العز” وقضية “الخمسة طن” وقضية “شباب المنامة”. واكدت مصادر حقوقية بحرانية وثيقة الصلة بمكاتب القضاة والمحاكم أن المدعو طلعت مثل الوسيط مع المخابرات البحرانية لإيصال الأحكام القضائية السياسية والطائفية الجاهزة والجائرة ضد المواطنين الأبرياء الى القاضي في المحكمة الجنائية الكبرى برئاسة الشيخ محمد بن علي آل خليفة ونائبه الثاني علي الكعبي في تلك المحاكمات وإعلانها أمام المتهمين الأبرياء ومنهم: 14 بريء اتهموا بحريق وتجمهر في المنامة (14 مايو 2012) ، وثلاثة مواطنين أبرياء اتهموا بحيازة مواد متفجرة(5 طن) من مناطق عالي والمعامير والعكر ، و19 مواطن بريء في قضية رآية العز الذين اختطفوا في يناير 2011 من منازلهم بلا اذن قضائي وصدر بحقهم حكم بالسجن خمس سنوات في 11 نوفمبر 2012 بتهم باطلة هي: (التجمهر بمكان عام الغرض منه الإخلال بالأمن العام وارتكاب جرائم الاعتداء على الأشخاص والممتلكات والتعدي على قوات الأمن باستعمال القوة والعنف) من غير اعادة الإعتبار اليهم في قضايا اختطافهم من منازلهم وتعذيبهم وإجبارهم لأسباب طائفية على التوقيع على إفادات غير صحيحة نفوها أمام قضاة التحقيق. وكان محاموا هذه القضايا قد تقدموا في جلسات سابقة على صدور الحكم بالمرافعات الدفاعية وطلبوا ببراءة موكليهم وببطلان تحقيق النيابة العامة لعدم وجود المحامين مع المتهمين، إذ تنص المادة (20/ج) من الدستور على أن: “المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تؤمن له فيها جميع الضمانات الضرورية لممارسة حق الدفاع وجميع مراحل التحقيق والمحاكمة وفقاً للقانون) وكان النائب العام المصري الجديد طلعت ابراهيم اختفى من البحرين فجأة من البحرين اثناء تداول فريقه القضائي لقضية ما يعرف بـ(5 طن) التي اختلقتها سلطات المخابرات البحرينية وكُشفت الكثير من الأدلة على الاختلاق واختيار المتهمين لإسباب سياسية بعناية واختطافهم ليمثلوا أمام هذا الفريق القضائي الذي من وظيفته الخاصة في المحاكم الكبرى تمرير الأحكام الجاهزة بمشاركة المدعو طلعت ابراهيم ؛ ليظهر فجأة كنائب عام في مصر من غير تبين من الرئيس المصري في فساد المدعو طلعت وجرمه في إهانة القضاء لدوافع طائفية وللاستحواذ على الرشا والمال الحرام اثناء عمله في البحرين.

دولة الإخوان المسلمين

الكاتب


كل التقدير لدولة الإخوان المسلمين، التى أثبتت اقتداراً سياسياً فائقاً لا ينكره إلا جاحد جهول، أو كافر ملحد، أو فل من الفلول، أو كلهم، فإن معارضى الإخوان تنطبق عليهم كل هذه الأوصاف فى آن واحد.
أقول: التقدير لدولة الإخوان، لأن الانتخابات الرئاسية الأخيرة لم تأت لنا برئيس للجمهورية فقط، وإنما جاءت بدولة كاملة ظهر مختلف أجهزتها المدربة ومؤسساتها الفاعلة على مدى الأشهر الأربعة الأخيرة، التى كان آخرها تلك الميليشيات المسلحة التى وصلت إلى الاتحادية، أمس الأول، والتى ظنها المتظاهرون فى البداية «الطرف الثالث» الذى قابلوه قبل ذلك فى مسرح البالون وفى ماسبيرو وفى محمد محمود وأمام مجلس الوزراء، لمجرد أن طريقة أدائهما كانت واحدة.
لكن قدرات دولة الإخوان المسلمين ظهرت بأذرعها المختلفة منذ بداية تنصيب محمد مرسى رئيساً، حيث ثبت أن مرسى ليس مجرد رئيس منتخب له أن يفعل بنا ما يحلو له، أو أن يطبق علينا سياسات من وحى رأسه، وإنما هناك جهاز قادر ومقتدر يقوم على التفكير والتدبير، وما على رئيس الجمهورية إلا التنفيذ، ومن هنا فإن كل من عينهم الرئيس كمساعدين له أو مستشارين لم يكن لهم أى دور أمام التخطيط الأكبر الذى يضعه الجهاز المدبر للإخوان، الذى يقبع فوق جبل المقطم.
وقد أثبتت أحداث اليومين الأخيرين فى «الاتحادية» أننا يمكن أن نستغنى تماما عن قوات الشرطة العادية، التى فشلت تماما فى تأمين المحكمة الدستورية قبل ذلك بيومين، فلم تتمكن المحكمة من أداء عملها، فالميليشيات المسلحة لدولة الإخوان، التى وصلت إلى الاتحادية، كانت تنفذ تكليفا محددا باشرته على الفور بهدم الخيام التى كانت أمام القصر وضرب النساء والتصدى للشباب المتظاهرين، الذين لا لزوم لهم فى دولة ديمقراطية، مثل دولة الإخوان.
لقد كانت ميليشيات الإخوان مسلحة بكل ما ينبغى على أى قوة أمنية فى أى دولة ديمقراطية أن تحمله معها من سلاح، فكان معها السلاح الأبيض والذخيرة الحية من خرطوش وطلقات رصاص وقنابل الغاز، وهكذا أصابت خلال ساعات معدودة 350 متظاهراً - حسب التصريحات الأولى لهيئة الإسعاف - وقبل أن تتزايد الأعداد بعد ذلك إلى أكثر من 500، وقتلت - وفق نفس التصريح - ثلاثة من الشباب وصلوا فى نهاية اليوم إلى خمسة.
كما تملك دولة الإخوان أيضا فريقاً من النقاشين على أعلى مستوى يمكن الاستغناء به عن أجدع بلدية من بلدياتنا الخائبة، حيث وصلوا إلى الموقع بالأدوات المطلوبة من طلاء وفرشات وجرادل، وبينما كان زملاؤهم فى الميليشيات يسيلون دم المتظاهرين الأحمر، كانوا هم يعيدون طلاء جدران الاتحادية باللون الأبيض، ليزيلوا ذلك الجرافيتى الثورى القبيح ذى الألوان الزاهية، التى لا تتماشى إطلاقاً مع الطراز المعمارى للقصر.
وربما كان الجهاز الوحيد - فى حدود علمى - الذى لا تملكه دولة الإخوان هو الجيش النظامى، لكن ذلك لن نكون بحاجة إليه فى ظل الترتيبات التى تمت أخيراً مع إسرائيل والولايات المتحدة فى سيناء، والتى لن تلجئنا لاستخدام الجيش بعد اليوم وتعريض حياة أفراده البواسل للخطر، كما حدث على مدى تاريخنا الحديث والقديم.
إن على كل مصرى أن يفتخر بأن مصر أصبحت الآن فى قبضة دولة الإخوان القادرة والفاعلة، وعلينا أن نطمئن جميعاً، فى ظل دولتنا الجديدة هذه، على مستقبل الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، التى نادت بها الثورة، والتى لم يطبق أى منها حتى الآن.

لا تسبوا الفراعنة.. وأسقطوا الطغاة!


لا أعرف شعباً يتبارى أبناؤه فى سب آبائهم وأجدادهم والتبرؤ منهم كما يفعل المصريون حين يتحدثون عن الحكام الطغاة المستبدين، فلا يجدون إلا الفراعنة أصلاً للطغيان ورمزاً له!
والعجيب أن تعلو هذه النغمة الكريهة وتشيع بعد ثورة مجيدة استعاد فيها المصريون وعيهم، وفرضوا إرادتهم، واستردوا كرامتهم، وأسقطوا الطاغية الذى انفرد بالسلطة، وتشبث بها، وحوّل البلاد إلى ضيعة مستباحة له ولأهله وأعوانه. وبدلاً من أن تكون الثورة بداية لعهد جديد نرد فيه الاعتبار لمصر ونعتز بتاريخها المجيد العريق جعلناها مباراة فى سب آبائنا وإهانتهم واتهامهم بارتكاب جرائم لم نستطع حتى الآن أن نكتشف الذين ارتكبوها، ولم نستطع أن نعرف الأسباب التى توطئ للطغاة ظهورنا، وتمكنهم من رقابنا، وتجعلنا هدفاً دائماً للقهر والاستبداد.
ولو أن تاريخ الفراعنة كان لايزال مجهولاً كما كان شأنه فى عصور الظلام لكنا معذورين فى هذه الثقافة الخرافية التى يقدم لنا الشيخ عبدالله الشرقاوى، الذى عاش قبل مائتى عام وتولى مشيخة الأزهر، صورة منها فى رسالة سماها «تحفة الناظرين فيمن ولى مصر من الولاة والسلاطين». يقول الشيخ الشرقاوى: «إن أقصر الفراعنة أعماراً كانت أسنانهم مائتى سنة! وكان أطولهم عمراً سنه ستمائة سنة! وإن فرعون موسى كان قصيراً طوله ستة أشبار! وطول لحيته سبعة! وقيل كان طوله ذراعاً واحداً - الصواب واحدة - وإن هذا الفرعون بقى على عرش مصر خمسمائة سنة!». والشيخ الشرقاوى معذور، لأنه لم يتصور أن يكون بناة هذه الصروح العملاقة بشراً عاديين، وإذن فلابد أن يكونوا جنسا من الأفذاذ العماليق!
ومع أن تاريخ الفراعنة لم يعد مجهولاً، والفضل لشامبليون ومن ظهر بعده من علماء المصريات، ومع أن تماثيل الفراعنة ومعابدهم ومقابرهم وصورهم وكتاباتهم لاتزال شاخصة شاهدة على حضارتهم، فالذى يعرفه عامة المصريين اليوم عن أجدادهم لا يختلف كثيراً عما كان يعرفه الشيخ الشرقاوى قبل مائتى عام. بل نحن نرى أن جهل المصريين بحضارتهم القديمة جهل جامع مشترك يتفق فيه الكثيرون من الخواص والعوام، والدليل ما نقرأه فى الصحف وما نسمعه فى الإذاعات المسموعة والمرئية عن الفراعنة وعن طغيانهم وتألههم، وذلك فى سياق الحديث عن الطغاة الحاليين الذين رحلوا والذين لم يرحلوا بعد.
ومن المؤكد أن الفراعنة لم يكونوا ديمقراطيين، ولم يكونوا رؤساء منتخبين - كالرئيس مرسى! - فهل كانوا طغاة متألهين؟
الجواب أن الفراعنة الذين حكموا مصر منذ الألف الرابع إلى أواخر الألف الأول قبل الميلاد كانوا ملوكاً يتولون السلطة بالقانون ذاته الذى يتولى به الملوك السلطة ويتوارثون به العرش حتى اليوم. سوى أن السلطة فى العالم القديم كانت مرتبطة دائماً بالعقائد الدينية السائدة، لأن المبادئ التى تقوم عليها والمطالب التى تستدعى قيامها كالنظام والأمن والعدل كان مصدرها الدين، وكان الملك رمزاً لهذه المبادئ وحارساً لها، فهو الذى يسهر على حفظ الأمن وإقامة العدل وتطبيق القوانين، ولكى يؤدى الملك هذه الوظيفة الحيوية كان لابد أن يكون حلقة وصل بين السماء والأرض، بين ما هو إلهى وما هو بشرى.
لم يكن تأله الفرعون إذن تجبراً أو طغياناً - وإن طغى البعض وبغى - وإنما كان فى أصله توسطا، بين عالم المثل وعالم الوقائع والحوادث وهى عقيدة سائدة وقانون مطرد فى كل الحضارات القديمة، عند السومريين فى العراق القديم كان الملك ممثلاً للإله، وعند الأكديين، وعند الصينيين، وعند اليابانيين، وعند الرومان فى العصر الإمبراطورى، ولقد كان على الإسكندر الأكبر أن ينتسب للإله المصرى آمون ويعلن أنه ابنه لكى يقبله الكهنة المصريون حاكماً شرعياً ويتوجوه فى منف، ونحن نعرف بالطبع أن ملوك بنى إسرائيل شاؤول، وداوود وسليمان جمعوا بين الملك والنبوة.
وكما كان الملوك يتألهون كان الآلهة يتأنسون، تموز البابلى كان يتجسد ويموت فى الشتاء ويعود حياً فى الربيع، ومثله أدونيس الفينيقى، وديونيزوس الإغريقى، ولم تكن هذه الأساطير إلا تعبيراً عن حاجات الجماعات الإنسانية فى العصور الأولى لآلهة متأنسنة أو لبشر متألهين يتحكمون فى الطبيعة فيوقفون الشمس وينزلون المطر ويوفرون للناس الاستقرار والعدل والأمان. وهى حاجات اكتشف البشر فى العصور التالية أنهم قادرون على أن يوفروها لأنفسهم، كما اكتشفوا قدرتهم على أن يتصلوا بخالقهم دون وسيط. ولهذا كفوا عن تأليه حكامهم، وإن لم يكف الحكام عن تأليه أنفسهم والاحتفاظ بما ورثوه من سلطات وامتيازات.
ومن هنا اشتعلت الثورات التى أسقطت الطغاة وأرست قواعد الديمقراطية. هكذا نفهم الطغيان ونقرأ سيرته. كيف بدأ؟ وكيف انتهى؟ ومع من إذن معركتنا اليوم؟ مع الذين ألهناهم فى الماضى. أم مع الذين يؤلهون أنفسهم فى الحاضر؟
وأنا لا أنزه الفراعنة ولا أزعم أن عصورهم كانت كلها رخاء وعدلاً وحرية، أو أنها خلت من الظلم والفاقة والفوضى، وإنما أقول فقط إن ألوهية الفراعنة كانت عقيدة دينية يعتنقها المصريون الذين كانوا مثل غيرهم من الأمم القديمة فى حاجة لملوك قادرين على كل شىء.
فإذا صح أن بعض الطغاة الذين حكموا مصر انحدروا من صلب الفراعنة، وهو أمر مشكوك فيه، فالذى لا شك فيه أن الذين ثاروا على هؤلاء الطغاة وأسقطوهم هم أبناء الفراعنة الذين كانوا أمة متحضرة، وكانت دولتهم.
قبل كل شىء دولة مؤسسات وقوانين مرعية، حفظ لنا التاريخ كثيراً من نصوصها التى يستطيع من شاء أن يرجع إليها ليرى أن فيها ما لم تصل إليه حتى اليوم مجتمعات كثيرة، منها مجتمعنا الذى عاد القهقرى فى العصور الوسطى وفقد الكثير مما وصل إليه الآباء والأجداد، ولم يتمكن من استرداده بعد. يكفى أن ننظر فى القوانين التى كانت تنظم حياة الأسرة المصرية وتحدد لكل عضو فيها حقوقه وواجباته.
لم يكن للرجل فى مصر القديمة أن يتزوج إلا امرأة واحدة. وكان من حق المرأة المتزوجة أن تتعاقد وتمتلك العقارات. ولم تكن فى حاجة إلى إذن من الزوج أو إجازة، فأهلية المرأة كانت كاملة وذمتها المالية كانت منفصلة تماماً عن ذمة زوجها، ولست فى حاجة لأتحدث عن المؤسسات المختلفة، التى كانت تسهر على تهذيب النفوس وإيقاظ الضمائر وحفظ الأمن وتنفيذ أحكام القضاء. الدولة كلها كانت فى خدمة القانون، وعلى رأسها الفرعون، الذى يقول لوزيره، كما نجد فى نص منسوب لأحد ملوك الأسرة الثانية عشرة: «إذا جاءك الأخصام فاعمل على أن يكون كل شىء وفقاً للقانون بحيث يحصل كل شخص على حقه».
غير أننا لا نعرف حضارتنا القديمة من مصادرها هى وإنما نردد ما تحمله لنا بعض القصص الدينية التى تتحدث عن بنى إسرائيل وما حدث لهم فى مصر مما لم يقصد به أن يكون تاريخاً لا لفترة محددة من ماضينا ولا لهذا الماضى كله الذى نتبرأ منه الآن وننظر إليه من الزاوية العنصرية المعادية التى ينظر منها العبرانيون إليه فنراه طغيانا خالصا، ونرى الفراعنة كلهم أمثلة فى الطغيان ونسمى باسمهم كل طاغية متجبر، فالرئيس المخلوع فرعون والرئيس الآخر فرعون آخر.
وهو موقف يدل على جهلنا بحضارتنا القديمة، وضعف شعورنا بالانتماء لمصر، واستعدادنا لتبنى التهمة التى يروجها البعض حين يزعمون أن الطغيان مرض متأصل فينا وميراث قومى لا نستطيع أن نقاومه أو نتغلب عليه، وإنما قدرنا أن نخرج من طغيان قديم لندخل فى طغيان جديد، وأن نثور على طاغية مُعيّن ليسرق ثورتنا طاغية منتخب!
لا، فالطغيان ليس قدراً خصصنا به، وإنما هو نظام رزح تحته البشر آلاف السنين ثم عرفوا كيف يواجهونه وكيف يقاومونه ويتخلصون منه. وعلينا أن نتعلم منهم ونواجه الطغيان ونفهم الأساس الواهى الذى يقوم عليه، ونضرب فى هذا الأساس وفى البنيان كله ونخرج منه إلى النور والحرية كما خرج غيرنا للنور والحرية.
وأنا أنظر فى سير الأمم الأخرى وفى نظمها وحضاراتها فلا أجد أنهم كانوا أقل منا ابتلاء بالطغيان وخضوعا للطغاة.
وهل بلغ طغيان الفراعنة ما بلغه طغيان ملوك بنى إسرائيل وحقدهم ودمويتهم؟ اقرأوا فى التوراة سفر التثنية لتروا كيف تطلب التوراة من اليهود أن يحاصروا المدن ويضربوا جميع الذكور بحد السيف ويستعبدوا النساء والأطفال، وهل بلغ طغيان الفراعنة ما بلغه طغيان الحجاج الثقفى؟ وهل بلغ طغيانهم ما بلغه طغيان الخليفة العباسى أبى جعفر السفاح الذى لجأ إليه كبار الأمويين مستسلمين فأمر باغتيالهم بعد أن أمنهم، ثم جلس على البساط الذى لفهم به يتناول طعامه منتشيا وهم يتقلبون تحته فى جراحهم ويئنون تحت وطأة آلامهم حتى لفظوا أنفاسهم الأخيرة؟! وهل بلغ طغيان الفراعنة ما بلغه طغيان ملوك إسبانيا ووحشيتهم مع المسلمين واليهود بعد سقوط غرناطة؟!
الطغيان ليس طبيعة فينا، وإنما هو الثمرة المرة للاتجار بالدين. والطغيان لا يأتينا من ماضينا، بل يهب علينا من حاضرنا. فإذا رأيت أن الدستور الذى سودته لنا بليل جماعة الغريانى يخلط الدين بالسياسة فاعلم أننا فى طريق العودة لعصور الظلام. وإذا رأيت أن خطيب المسجد المنافق يزين لرئيس الجمهورية أن يتشبه بالرسول ويجمع فى يده كل السلطات، فاعلم أن الرئيس المنتخب يمكن أن يتحول إلى طاغية منتخب، وأن الثورة يمكن أن تتحول فى يده ويد جماعته إلى انقلاب نفقد فيه الحاضر والمستقبل!

الخميس، 6 ديسمبر 2012

سقوط جمهورية مرسي الاسلامية وسقوط الجمهورية الاسلامية السورية

 من قلم   :  نارام سرجون

لن أبالغ ان قلت بأن الربيع العربي وزوجاته (الثورات) الأربع في مصر وليبيا وتونس وسورية والذي أنجب لنا بضعة جمهوريات اسلامية ربما بدأ يشهد ترنح بعض مواليده من الجمهوريات الاسلامية .. هناك بالطبع جمهورية اسلامية سقطت من بطن أمها (الثورة) وتهاوت قبل أن تصل وهي على الطريق الى المشفى في تركيا .. وهي "جمهورية رياض الشقفة الاسلامية في سورية" والتي سيصير أقصى ماتتمناه القوى الاسلامية الآن هو اطالة عمر الأم قبل رحيلها المحتوم .. وهذا ماسنتحدث عنه لاحقا .. وأما جمهورية محمد مرسي الاسلامية في مصر فقد بدأت تهتز .. في حين أن جمهورية راشد الغنوشي التونسية ستتعرض للارتجاجات والاهتزازات المرتدة عن سقوط جمهورية رياض الشقفة الاسلامية قبل ولادتها وستتأوه جمهورية الغنوشي أيضا كلما تألمت جمهورية محمد مرسي في عذاباتها في ميدان التحرير حيث بدأت ترجم بالحجارة كما ترجم الزانية في دولة "قانون الشريعة"..
لاتبدو أوضاع الشيخ محمد مرسي في "جمهوريته الاسلامية" على مايرام رغم كيل المدائح وعملية التطهير الثوري والاستحمام في حمامت حماس التي منحه اياها خالد مشعل ورمضان شلّح اللذان غسلا قدميه بدم الشهداء ودلّكا ظهره بالمدائح وماء الورد وأغدقا عليه الألقاب الفخمة وخلعا عليه الصفات المقدسة ونصّباه فارسا رغم أنه لافرس له ولاسيف وليس له من الكاريزما ورجل الدولة أي شيء .. بل أن مصر لاتستحق هذه الاهانة في شخص رئيس بلا هيبة تحاول الحركات الاسلامية تصويره على أنه هبة ا لله.. رغم أن أكثر تسمية تناسبه هي (ابن الحظ)..
كما لاتبدو أمور الشيخ محمد مرسي مريحة أبدا لأن الحقيقة الساطعة هي أن الاسلاميين لم يصلوا قط الى السلطة في مصر بل وصلت اليهم السلطة عندما تدحرجت واستقرت في حجرهم ووجدوها ملفوفة بمنديل أنيق وعليه توقيع هيلاري كلينتون يقول: بالرفاه والبنين ولاتنسونا من الدعاء ..
وبات وضع الاخوان المسلمين يشبه الجائع الذي وجد نفسه فجأة أمام مائدة السلطة العامرة .. فصار يزدرد كل الأطباق بسرعة لأنها فرصة لاتتكرر وجاءت بعد جوع دام قرابة تسعين سنة .. ولم يخف هذا الجائع شراهة ونهما للسلطة بأشكالها التشريعية والتنفيذية حتى أصابته الغصة وهو يلتهم الطعام بسرعة .. فصار يحشو جيوبه بما لذ وطاب ليحمل كل مايقدر الى بيته في "المقطم" حيث مرجعية الاخوان.. وأخذ "ابن الحظ" محمد مرسي يتصرف بخشونة لابعاد بقية المدعوين عن مائدة الثورة بحجة حمايتها من الطفيليين .. حتى وقعت الواقعة بينه وبين الجميع .. وبدا صاحب الدعوة (الشعب) الذي لم يتمكن من استبعاده في حفل الاستقبال "الثوري" غير قادر على تحمل هذا الطفيلي الجشع..
سلوك الاخوان المسلمين في مصر وعجلتهم تكاد تفضحهم وتفضح نواياهم .. والعجلة ناجمة عن خوف وهلع من فقدان الزخم الثوري الذي يجلل شعاراتهم بعد أن ظهر واضحا أنهم تخلوا عن الشعارات وألبسوها ثياب البراغماتية وأنهم صاروا لايحملون القرآن في حقائبهم بل "مشاريع وصفقات" .. فالاسلاميون أظهروا بالفعل نفاذ صبر واستعجالا في انفاذ مايرونه أمر الله (في استخلافهم في الأرض) وعقيدته لبناء الجمهورية الاسلامية المصرية على غرار ووزن وموسيقا الجمهورية الاسلامية الايرانية أو نموذج جمهورية أردوغان العثمانية .. ولكن التعجل في عملية أسلمة الدولة والمجتمع (أو بالأصح أخونة المجتمع والدولة والدستور) لم تكن حصيفة .. والأكثر من ذلك فانها دليل على أن وصول الاسلاميين الى حكم مصر "صناعي" وليست منتجا طبيعيا لتحرك 25 يناير والا لما كان هذا الخوف من انزلاق السلطة والعمل على تسييجها بالدساتير والقوانين واقصاء كل من لاتريده .. وفوق كل هذا بدا وصول الاسلاميين "صناعة رديئة" .. لأن سلطة الاسلاميين المصريين هي نتاج صفقة بدأت روائحها تزكم الأنوف في زواريب الشرق الأوسط وتغلب روائحها على روائح أكوام القمامة في القاهرة .. ولو كان وصولهم الى السلطة طبيعيا لما حدث هذا الاستعجال لابتلاع كل السلطات بسرعة قياسية في عملية حرق للمراحل والاسراع بالطبخ قبل أن يتنبه البعض ويسترجع المبادرة .. كما أن الأمراض والبثور والفقاعات الالتهابية التي ظهرت على جلد السلطة الاسلامية في مصر هي أعراض الثورات المصنعة المصابة بنقص المناعة .. وليست أعراض وأزمات الثورات الطبيعية ..
والاستعجال المصري في محاولة اجتياح المجتمع المصري يأتي لشعور طاغ من أن قوى المجتمع الحقيقية بدأت تتحرك وأن ألاعيب وتمثيليات الاسلاميين صارت ممجوجة وأن انتخابات الرز والسكر قد لاتتكرر لأن هناك تيارات علمانية مصرية لم ترق لها عملية تقاسم التسلط على مصر بين أمراء وملوك المال في الخليج العربي والامريكيين .. فأمراء المال تولوا عملية السيطرة على القواعد الشعبية المصرية بشراء الانتخابات والتأثير فيها ماليا واعلاميا .. فيما بقي تسلط القرار الأمريكي على المستويات العليا دون تغيير عبر صفقة "السلطة" .. وماحصل عليه الشعب المصري بعد ماقيل انه ثورة 25 يناير هو أن الحكومة المصرية تخضع للغرب فيما مجلس الشعب يخضع لأمراء المال الذين سيقررون منذ اليوم شكل مجلس الشعب المصري بالتنسيق مع الغرب بدل جمال مبارك وأحمد عز .. وربما سيصير مرشحو مجلس الشعب المصري يقومون بزيارات روتينية الى الدوحة لضمان استمرارهم تحت قبة البرلمان .. ومما لاجدال فيه أن ذلك هو أسوأ مما كان عليه الأمر قبل 25 يناير حيث كانت السلطة مثمثلة في حسني مبارك خاضعة للغرب ولكن مجلس الشعب خاضع للسلطة ..
وبدأ شعور عام متنام بأنه مهما قيل عن الاسلاميين وجنوحهم للعملية الديمقراطية وقبولهم باللعبة الانتخابية فان هذا خداع للنفس وجهل ببنية العقل الديني السياسي الذي يؤمن بنوع واحد من الديمقراطية هي ديمقراطية الاله .. وديمقراطية السماء .. وهؤلاء لايصلون الى السلطة ليتركوها لأن سقوطهم من السلطة يعني سقوط نهج الاله .. والدفاع عن نهج الاله هو واجب شرعي وهو قلب عقيدتهم النابض .. ومن يدافع عن ديمقراطية الاله لاتعنيه ديمقراطية البشر..ومايفعله مرسي وجماعته اليوم بالتعديلات الدستورية ان تم اقراره فالمستقبل يعني أن تطرح تعديلات دستورية متلاحقة يصوت عليها مجلس شعب الرز والسكر (القطري السعودي) .. وتتحول مصر ديمقراطيا وبالتدريج الى .. جمهورية مصر الاسلامية ..
والتجارب الدينية تقول بأن وصول الصيغة الدينية الى الحكم لايعرف التراجع ولاالتعديل .. وان وصلت دولة الى مرتبة جمهورية اسلامية أو مسيحية فمن الصعب اعادتها الى مجرد جمهورية بلا دين أو نزع هذه الصبغة الدينية عنها ..وفي نموذج الجمهورية الاسلامية الايرانية دليل على ذلك ولكن الفارق بين جمهورية مصر الاسلامية المزمع انشاؤها مستقبلا على يد الاخوان كما يبدو وبين جمهورية ايران الاسلامية هي أن جمهورية الأخوان نالت السلطة في صفقة لاجدال فيها على حساب القوى الرئيسية التي تحركت في المجتمع المصري .. أما في ايران فقد قامت ثورة طبيعية عارمة وكان لها قائد واضح الملامح وله برنامجه ومشروعه منذ الأيام الأولى دون أي لبس أو مجاملة لأحد في الشرق أو في الغرب .. وتعتبر احدى ثلاث ثورات بشرية شاملة (الفرنسية والبلشفية والايرانية) .. وفوق هذا فان اضافة اسم "اسلامية" كان بعد اقامة "الجمهورية الايرانية" على أنقاض حكم الأسرة القاجارية، ولم يكن بقرار ثوري بل كان عبر انتخابات شعبية وصوّت 90% من الناس على اضافة تلك التسمية "الاسلامية".. ومايريد الاخوان المسلمون المصريون فعله هو اضافة كلمة "الاسلامية" بعد تسمية "جمهورية مصر" وذلك عبر سلسلة من الاجراءات والتلاعبات الديمقراطية التدريجية .. تحت شعار حماية الثورة .. ولكنها في الحقيقة حماية مشروعهم القادم ..والذي لايريد النزول عن قمة الهرم الى يوم القيامة..
وربما من أسباب تعجل الاخوان المسلمين للسطو على كل مصر هو اقتراب تسوية شاملة في المنطقة .. يسمع بأصدائها وهمساتها الجميع .. ويبدو الاسلاميون المصريون متوترين من احتمال أن تعترف الولايات المتحدة بنهاية الجزء السوري من المشروع الاسلامي دون أن يحالفه النجاح وهذا قد يدفع بقوى علمانية في المنطقة من تركيا الى مصر وتونس لتحدي استمرار القدر الاسلامي كسلطة .. ويبدو أن جمهورية سورية الاسلامية لصاحبها رياض الشقفة لن ترى النور .. وأنها اقتربت من لحظة قبول الحقيقة بأن المجتمع الدولي سيسلم بأن سورية لن تكون جمهورية اسلامية بل جمهورية "مارقة" على ارادة الغرب .. وأن الغرب يتهيأ لذلك الخيار باعلان تعيين مندوبين وسفراء كنوع من الاقرار بأن عملية انتزاع السلطة في سورية على أرض الواقع مستحيلة ولابد من التعويض عنها بانتزاع شرعيتها ومعاملتها معاملة دولة مارقة ومعاقبتها ديبلوماسيا .. ولو كان الغرب على يقين من انتصار الاسلاميين السوريين لفضّل انتظار لحظة الحسم .. ولكن تعيين سفراء الجمهورية الاسلامية السورية (مندوبي الائتلاف السوري) قبل قيامها اعتراف أن قيامها على أرض الواقع ليس مرئيا ولابد من نقل المعركة الى المجال الديبلوماسي والدخول الى مرحلة المعارك الديبلوماسية المعروفة بنفس طويل للغاية لايقل عن سنوات بانتظار تغير ما في الخارطة .. أما عند حدوث الهزيمة النهائية للمعارضة فان صرف هذه المجموعات الديبلوماسية من الخدمة سهل للغاية ..بل ان اي تغيير في اي حكومة غربية قد يعني تبديل الاعتراف بها من قبل الحكومات الجديدة ..
وصار غنيا عن القول بأن تماسك الجبهة السورية سيضعف كثيرا وبشكل حتمي من جمهورية أردوغان العثمانية التي خسرت كل شيء في الغرب في رهانها على المشروع الاسلامي في الشرق .. وخسرت كل الشرق بخسارتها للجسر السوري والممر الوحيد والاجباري الى كل الشرق .. واذا ماتراجع اسلاميو تركيا واستعاد العلمانيون زمام المبادرة تجنبا لمشاكل طاحنة داخلية .. فان هذا سيشجع القوى العلمانية والوطنية في الشرق وفي مصر وغيرها على استرداد زمام المبادرة وتحدي سلطة الاله وديمقراطية السماء واسقاط النموذج الاسلامي للحكم الذي لايرفض شعبيا لاسلاميته بل لأنه ليس صناعة شرقية بل اسلام الاستيراد وتجميع قطع غيار لايعرف مصدرها..وربما أظهر تمرد الشارع المصري على جمهورية محمد مرسي الاسلامية أن الأمل في ايقاف المد الاسلامي يتعاظم وأن هناك شعورا أن قوى اخرى معتبرة في المنطقة معنية باسقاطه .. وأن تحدي المشروع الاخواني صار أمرا يجب التسليم به
أما من يريد أن يعرف كيف سقطت الجمهورية الاسلامية السورية ومستقبل كل الشرق فليذهب معي الى حلب .. أو ليذهب معي الى ريف دمشق .. أو الى ريف حمص .. وهناك سيعرف كيف سقطت الجمهورية الاسلامية السورية .. والتي تجر خلفها جمهوريات الاخوان المسلمين في الشرق كله ..هناك سيرى الزائر لهذه المناطق النفور الشعبي العارم من الاسلاميين وهناك سيرى (المرتدين) عن الثورة والنادمين على انجرافهم خلف التحريض .. وهناك سيرى ثورة على الثورة السورية .. وهناك سيرى ضباط الجيش السوري الذين يديرون عمليات المواجهة ويدرك أن مثل هؤلاء الرجال ستتعب منهم الحرب ولن يتعبوا من مقارعة المشروع الديني الغريب..
بل ان أكثر مايجعل أحدنا يدرك خطورة الاعلام هو زيارة ميدانية الى حيث تتموضع وحدات الجيش السوري .. وقد جمعت في أرشيفي عددا لانهائيا من التقارير والأخبار والتحليلات من كل المواقع والقنوات المعارضة منذ بضعة أشهر والتي بعد أن قرأتها أشفقت على الناس لأن بعض من يصدق هذه الاخبار ويرى الصور ومقاطع الاستعراض والعضلات العسكرية لايشك أبدا أن رياض الشقفة صار قاب قوسين أو أدنى من اعلان الجمهورية الاسلامية السورية .. على نفس وزن وموسيقا الجمهورية الاسلامية الايرانية .. ولكن في طبعة أمريكية ونكهة اسرائيلية لأنه وعد بكسر عظم المشروع الايراني "الشيعي"..كما تطلب اسرائيل دون زيادة أو نقصان..
من يعرف الحقائق على الأرض يدرك سبب هذا الاستقتال الاخواني والتركي تحديدا لاسقاط سورية لانقاذ المشروع الاخواني .. فلم يكتف الأتراك بتقديم قربان اسمه خالد مشعل وحماس التي تم ذبحها والتضحية بها من قبل الأتراك في سبيل معركة تركيا مع سورية .. ولم يكتف الأتراك بالمقامرة بالقضية الكردية والطائفية .. بل صارت تركيا تدفع بالقرابين البشرية بشكل لايصدقه عقل لخوض قتال خاسر مع جيش محترف مدرب ومسلح تسليحا وبتكنولوجيا متفوقة ..
ترددت كثيرا قبل أن أكتب عما استمعت اليه من بعض العسكريين الذين تحدثت اليهم عبر مختلف الوسائل .. والذين وصفوا لي مشاهد مثيرة للاستغراب .. وهي ظاهرة الانتحار الجماعي لمجموعات المقاتلين الذين تدفع بهم المعارضة السورية عبر سياسة الأمواج البشرية الحمقاء.. ونقل أحد المراسلين الاسبان الذي وصلتني ملاحظات يسيرة من تقرير سينشره قريبا اثر عودته من حلب ووصفه لبعض المشاهد والتي تظهر احدى المعارك الطاحنة (ريف حلب) والتي -كما يقول- ".. ظهرت أمواج بشرية من مئات المقاتلين في منطقة منبسطة نسبيا يرفعون البنادق ويمكن سماع تكبيرات كما قال لي المترجم وهم يركضون باتجاه قوات الجيش السوري النظامي التي يطلق عليها المعارضون اسم قوات الأسد .. وكان المهاجمون يطلقون النار بشكل غزير لايوصف تتقدمهم سيارات دفع رباعي.. وماحدث أن الجيش النظامي قام مباشرة باطلاق وابل هائل من النيران على القوات المهاجمة وتحولت الأمواج البشرية خلال نصف ساعة الى أكداس من الموت .. وبدأت الامواج البشرية تهرول في الاتجاه المعاكس" .. ولفت المراسل الى "أن قسوة المشهد كانت لاتطاق والمقاتلون يتراكضون بحثا عن النجاة ويدوسون رفاقهم الجرحى الذين كانوا يطلبون نجدتهم ".. ويضيف في قصاصة أخرى من تقرير طويل: " .. ولكن مافاجأني هو ماقاله لي أحد العسكريين السوريين الذين سألتهم عن تكتيك مواجهة الموجات البشرية اذ قال لي بأن ضباط احدى الوحدات السورية المتمركزة في احدى المناطق الاستراتيجية اضطروا لايقاف اطلاق النار الكثيف الذي يلاحق فلول القوات المهاجمة لأنهم كانوا يرون مجزرة مريعة تقع أمام عيونهم في مجموعات مقاتلين غير مدربين فرت بشكل هستيري فوضوي مذعور وغير منظم في كل الاتجاهات وتركت كل سلاحها .. وختم مشاهداته التي سينشرها في تقرير مفصل خلال فترة قريبة كما قال بأن العسكريين السوريين يدركون أن هؤلاء المقاتلين المهاجمين مدفوعون بلامبالاة من قبل الاتراك الذين لايهمهم أن تموت القوات المهاجمة عن بكرة أبيها طالما أنهم يواصلون الهجمات المتواصلة التي قد تثمر عن مشهد استعراضي لبثه والادعاء بأن المعارضة ستطيح بالنظام ..
اذا المشروع الاسلامي الذي تعثر في سورية يبدو في أعلى مراحله شراسة وصار يدفع بكل مالديه من مقاتلين وامكانيات لاحداث أي خرق في خطوط التماس الرئيسية .. وصار يلجأ الى الخواصر الضعيفة وغير المحمية لأن مواجهة الكتلة النارية للجيش السوري في النقاط الرئيسية جعلته يدفع ثمنا باهظا .. ويبدو أن خطة نصب شبكات الباتريوت لصد هجوم صاروخي سوري على تركيا لن تغير شيئا في المعادلة وأنها جاءت متأخرة كثيرا .. ربما لأن تكنولوجيا الصواريخ السورية والايرانية أكثر ماتهتم به الآن هي تزويدها ببرامج التشويش والتضليل والأهم تكتيك الاغراق الصاروخي .. أي اطلاق كميات كبيرة من الصواريخ بحيث تحتاج تركيا أن تضع على حدودها كل ماأنتجته شركة راثيون المنتجة للباتريوت حتى الآن عشرين مرة لتتمكن من رصد كل الصواريخ والتعاطي معها .. أما ان كانت الغاية تحييد الطائرات السورية وفرض حظر جوي فان أردوغان قد يفعلها قبل أن يغادر مبنى رئاسة الوزراء الى بيته الريفي منهيا حياته السياسية .. انه دخول في الحرب علنا ..
ان الربيع العربي سيشهد اما وفاة زوجاته الأربع (الثورات العربية) أو طلاقهن جميعا خلال فترات متقاربة .. أما جمهورياته الاسلامية التي تبدو فتية فان أمورها لاتسر أباها كثيرا وقد تدخل العناية المشددة فجأة .. وماتتناقله الصالونات السياسية من أن نجاة سورية من الحكم الاسلامي ليست بشارة خير لجمهورية أردوغان العثمانية .. وبالطبع ليست بشارة خير لجمهورية محمد مرسي الاسلامية .. الجمهوريتان الاسلاميتان متوترتان .. وحفلة رجم الزنا في ميدان التحرير قد تتواصل .. وقد تصل الحجارة الى استانبول .. والحقيقة أن هذا الكابوس المفاجئ والذي لايزال صعب التخيل في عشية وضحاها يثير قلق شخص واحد أكثر من أي شخص آخر الى حد عدم النوم وهو زعيم حماس ..خالد مشعل .. الذي صارت جماعته تهدد الجمهورية الاسلامية الايرانية بأن اجهاضها لولادة الجمهورية الاسلامية السورية لصاحبها رياض الشقفة سيغضب الجمهوريات الاسلامية في مصر وتونس وليبيا وتركيا .. خالد مشعل وجماعته لايتخيلون كيف سيكون موقف جمهورية حماس الاسلامية أن سقطت جمهوريتا أردوغان ومحمد مرسي الاسلاميتان

الدستور المصري الجديد يتفوق علي دستور

 الملك الفرعوني "لا يا راجل الثالث"

يقول العرب شر البلية ما يضحك، ولاشك أن حالة الكوميديا السوداء الساخرة التي تعيشها مصر في ظل حكم الرئيس الإخواني محمد مرسي، تكشف عن عبث سياسي لا يمكن إلا أن يثير السخرية!!

 
الرئيس المصري محمد مرسي
 
 21:00 | 2012 / 12 / 04
موسكو – مازن عباس
لم يجد الرئيس المصري مرسي مخرجا من أزمته السياسية التي تسبب فيها هو نفسه بإصدار إعلانه الغير الدستوري الشهير، الذي حصن قراراته منذ توليه الرئاسة باعتبارها أصبحت غير قابلة للطعن بأي شكل وأمام أية جهة، كما لا يجوز التعرض لقراراته بوقف التنفيذ أو الإلغاء، وتنقضي جميع الدعاوى المتعلقة بها والمنظورة أمام أية جهة قضائية... خاصة بعد أن أصبح قرار إلغاء هذا الإعلان الغير دستوري علامة واضحة علي فشله كرئيس وانهيار نفوذه، لأنها ستكون المرة الثالثة التي يصدر فيها قرارا يخترق القوانين والمبادئ الدستورية وينسفها، ويتراجع عنه الرئيس الإخواني.
وكان المخرج من الأزمة الذي حدده مكتب إرشاد جماعة الإخوان سرعة طرح مشروع الدستور الجديد، كخطوة نحو امتصاص غضب الشارع المصري.
 وكما يقولون في مصر "جاء يكحلها عماها".. فالمسألة ليست إقرارا لأي دستور ينقذ الرئيس مرسي من الأزمة السياسية التي تهدد نفوذ جماعة الأخوان السياسي.. وإنما هي إعداد لدستور مصري يستجيب لطموحات الشعب وثورة 25 يناير..
ولنحدد في البداية لماذا طالب الشعب تعطيل دستور مبارك، وإقرار دستور جديد؟ لان دستور مبارك تضمن:
- صلاحيات واسعة وأحيانا مطلقة لرئيس الجمهورية.
- تناقض العديد من المواد الدستورية مع قوانين فرض إقرارها مسار التطور المجتمعي. 
- تعديلات الدستور عام 2005 وهي المواد 76 و77 السيئة الصيت، ومواد أخري فرضت هيمنة الرئيس المخلوع وحزبه المنحل علي مقاليد السلطة التشريعية والقرارات السيادية.
وكانت مطامح الشعب في دستور يقلص من صلاحيات الرئيس وفترات توليه الرئاسة ويتضمن ضوابط للعقد الاجتماعي الجديد تقوم وتؤسس علي حق المواطنة في ظل دولة مدنية ديمقراطية. 
وجاء الدستوري الإخواني الجديد عكس ذلك تماما، بل انه كان مليئا بالتناقضات والضبابية. ونسف دستور الإخوان نظام الدولة الديمقراطي الذي يقوم علي حق المواطنة، ليربط حق المواطنة بالنظام السياسي فقط، وليس كأساس في تأسيس الدولة المصرية. كما تم تعديل المادة الثانية بشكل ملتوي حيث أضيفت المادة 219 لشرح ماهية مبادئ الشريعة في المادة (219)، لنجد أنفسنا أمام أحكام الشريعة المختلف عليها بين الفقهاء والمذاهب والمتغيرة بحسب الظروف والزمان والمكان، ما وضع مؤسسات الدولة الديمقراطية تحت ولاية الفقيه، لأنه جعل رأى الفقيه فوق الدستور والقانون ليهدم مرجعية الدستور والقانون، وليمكن الفقهاء سواء القانونيين أو الإسلاميين من التحكم في السلطة ومصير البلاد.
 ثم يكرس في مادته الثالثة انقسام الشعب إلي طوائف دينية. دستور الإخوان لم يلزم الدولة بحماية الأسرة المصرية ومتطلباتها، واكتفي بأعراب عن حرص الدولة، ما شكل تراجعا عن اغلب الدساتير المصرية السابقة. الدستور الجديد لم يحظر إنشاء أحزاب سياسية على أساس ديني أو جغرافي، كما لم يحظر إنشاء أحزاب سياسية أو جمعيات أو مؤسسات أهلية يكون نشاطها سريا أو ذا طابع عسكري تتعارض مع المبادئ الأساسية والحقوق والحريات الواردة فيه. 
باختصار الدستور الجديد متخم بالتناقضات، فتارة يضمن الحريات والحقوق وينفي حق أي قانون في تنظيمها، ثم يعود في المادة 81 لينسف هذا معتبرا أن ممارسة الحريات والحقوق يجب أن لا تتعارض مع مقومات الدولة وفق ما جاء في باب الدولة والمجتمع، ويقيد الحريات العامة، لتصبح المرجعية في حماية هذه الحريات ليس الدستور وإنما أراء الفقهاء.
وحتى ختام هذا العبث المسمي بالدستور جاء ليحصن قرارات وقوانين أصدرها الحاكم بأمر الله محمد مرسي، حيث نصت المادة الأخيرة 234 علي إلغاء جميع الإعلانات الدستورية الصادرة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة ورئيس الجمهورية منذ الحادي عشر من شباط/ فبراير عام2011، وحتى تاريخ العمل بالدستور، لكن ما ترتب عليها يبقي  صحيحا ونافذا، ولا يجوز الطعن عليها بأي وجه من الوجوه. ومنها تعديل القانون 35 للنقابات العمالية لسنة 1976، الذي يسقط عن أي عامل عضوية النقابة أذا أصبح بلا عمل أو أصيب بعاهة أو بلغ سن التقاعد. وأخيرا وليس آخرا.. زاد هذا الدستور من صلاحيات رئيس الجمهورية بشكل واسع، إذ احتفظ بكل سلطات الرئيس السابق في دستور 1971، وزاد عليها سلطة تعيين رؤساء الهيئات والأجهزة الرقابية، التي تراقب الرئيس، دون أن يتضمن مشروع الدستور شرط موافقة السلطات التشريعية علي تعيين الرئيس لرؤساء الهيئات الرقابة!!!
يعني سمك لبن تمر هندي، والتناقض بين مواد وبنود هذا الدستور يصل أحيانا لحد التضارب ما يطعن في شرعية هذا الدستور حتى لو اقر في الاستفتاء القادم.
إذا افترضنا جدلا أن عدوا شرسا متآمرا من الفلول في الشارع السياسي المصري أراد ضرب جماعة الأخوان والإساءة لها، فلا شك أن أفكاره وخططه التآمرية لما تكن لترتقي لما فعله الرئيس مرسي ومكتب إرشاد الجماعة.. سواء بإصدار إعلان غير دستوري أو طرح هذا المسخ -الذي تسميه قوي الإسلام السياسي- دستورا علي الاستفتاء الشعبي.
سقوط مشروع أخونة الشرق الأوسط


  من قلم   :  غزالي كربادو

الإخواني مرسي كنز إستراتيجي بالنسبة للصهاينة هكذا وصفت صحيفة بديعوت أحرونوت محمد مرسي والذي يعود الفضل في تنصيبه وفرضه على جمهورية مصر رئيسا بالوكالة، أو بالأحرى هو مدير محطة عمليات المخابرات المركزية في مصر والشرق الأوسط، لا أجد أحسن من هكذا وظيفة لهذا العياط الذي أصبح بقدرة الولايات المتحدة والسفير الصهيوني في القاهرة رئيسا لأكبر دولة عربية من حيث السكان. إستقالة النائب العام، نقابة المحامين تنتفض، إضراب القضاة والمحاكم، سقوط مدوي في بورصة مصر، وتزايد حركات الإحتجاج كلها مؤشرات تدل على قرب إنهيار المشروع الإخواني الأمبريالي الشيطاني في مصر والمنطقة.
 قبل أشهر وبعد تنصيب الإخواني محمد مرسي رئيسا بالوكالة على مصر، قلت هنا في عرب تايمز أن الولايات المتحدة لن تجد أحسن من التنظيمات الدينية والراديكالية لتخريب البلدان العربية وإعادة إحتلالها وإعادتها إلى عصور الظلمات وقلنا بأنها أوصلت مرسي او تنظيم الإخوان في كل من مصر وتونس وليبيا وتسعى لتوصيلهم لسوريا حتى يتسنى لها تدمير تلك البلدان بأيادي عربية وشعارات إسلامية. تقوم وكالة المخابرات المركزية ودائما عبر مكتبها الخاص بالحرب النفسية والدعاية المضادة بالتسويق لعميلها الخاص ومدير عملياتها في الشرق الأوسط محمد مرسي في الصحف الأمريكية والأوروبية، ويشاركها في ذلك مجموعة من المرتزقة الذين يحترفون الإرتزاق بالدين والتجارة بالفتوى ويحترفون مهنة الخطابة. هؤلاء المرتزقة سبق لوكالات المخابرات المركزية أن قامت بتوظيفهم إبان الحرب الأفغانية السوفيتية، ثم قامت بتوظيفهم إبان حرب البوسنة والشيشان وهاهي اليوم تعيد توظيفهم في الأزمة السورية.
كانت الصفقة بين تنظيم الإخوان الماسونيين والمخابرات المركزية هو إيصال تنظيم الإخوان إلى السلطة مقابل العمل على نشر الفكر الإخواني الإنهزامي وضمان أمن الكيان الصهيوني والإعتراف به ككيان والحفاظ على مصالح الولايات المتحدة الأمريكية أكثر بكثير من السابق، ولو دققنا جيدا لوجدنا أنه في كل دولة يعتلي فيها التنظيم الماسوني السلطة يقوم بإرسال إشارات إيجابية للطرف المقابل، أي للطرف المشغل له بأنه سيحترم الإتفاقيات الدولية التي كان يصفها بالكافرة والمذلة ويصرح بأنه على إستعداد للتعايش مع كافة دول العالم ويقصد به الكيان الصهيوني، بل وصل الحد ببعض رؤوس السلفية والإخوان أن تواصلوا مع إذاعة الكيان الصهيوني بكل وقاحة. الغريب في الأمر أن تنظيم الإخوان الذي قتل السادات وخون مبارك بفتوى دينية هو نفسه اليوم الذي يستميت في الدفاع عن أمن الكيان الصهيوني ويحمي مصالح الولايات المتحدة الامريكية بفتوى دينية، فهتافات المتظاهرين بالذهاب بالملايين على القدس محررين لم تستطع حتى أن تقترب من سفارة الكيان الصهيوني الذي وصف مرسي رئيسه بالصديق العظيم، والملايين التي يعتقد البعض ممن لايزالون يؤمنون بنظرية لحوم العلماء مسمومة وينظرون للتنظيمات الدينية بانها المخلص الموعود وبدل ان ترسل بالملايين إلى تل أبيب هاهي ترسل إلى سوريا هكذا هي التنظيمات الدينية المشبوهة، وهابية كانت أم إخوانية، كلها في خدمة الصهيونية والامبريالية ولهذا تم تأسيسها في مخابر ودهاليز أمريكا وبريطانيا.
وفي كل مرة يصل احد فروع التنظيم الماسزوني للسلطة إلا ويقوم بالحج إلى أمريكا كما فعل راشد الغنوشي أو يقدم فروض الطاعة والولاء كعربون صداقة للكيان الصهيوني بأن يقوم بإرسال المرتزقة من أتباعه للقتال في سوريا بل يقوم بتنظيم مظاهرات في بلده ضد سوريا وإيران وروسيا والصين، أو يرسل بلطجيته لحرق السفارات السورية ودعم الكيان الغاصب بطريقة غير مباشرة.
 الأحداث تتسارع في مصر والوضع ينذر بالتدهور، فحالات الفلتان الأمني والمظاهرات الشعبية والإظرابات كلها مؤشرات على بوادر إنهيار النظام، بل الاخطر هو إنهيار مصر كدولة وتحويلها إلى دولة فاشلة بكل المقاييس، فبعض الخبراء حذروا من خطورة إعلان إفلاس مصر في القريب العاجل وهذا ماكان متوقعا بالتحديد، والذي خطط لانهيار مصر كان يعلم أن إيصال تنظيم الإخوان الماسونيين هو السبيل الوحيد والأنجع لذلك، فليس هناك أحسن من توظيف الحركات الدينية المفلسة فكريا، فقد أثبتت نجاعتها في تحويل الدول من ناجحة إلى فاشلة. إنهيار حكم الإخوان في مصر يعني بداية السقوط المدوي والمتتالي لكافة الأنظمة الإخوانية المنصبة أمريكيا في كل من تونس وليبيا والمغرب وعودة اليمن، يعني إعادة تشكيل الشرق الأوسط الجديد وفق خارطة جديدة تكون الغلبة فيها للطرف الآخر ألا وهو مشروع روسيا والصين وإيران وسوريا، ستعود اليمن إلى الحظيرة وسينتهي حكم العثامنة في تركيا وتنتفض نفس الجماهير التي كانت تهتف ضد الدكتاتورية لتهتف مجددا ضد الإستبداد الديني والعمالة باسم الإسلام وسيتم طرد الخونة والمتآمرين من المنطقة ويفشل مشروع الشرق الأوسط الجديد.
 بطبيعة الحال فالولايات المتحدة تكون قد وضعت سيناريوا إحتياطي وعملاء إحتياطيون في حال حدوث العكس، أو مايسمى بالخطة الإحتياطية في العرف المخابراتي، فلقد عودتنا أمريكا أنها تقاتل حتى آخر رمق ومحاولة تحويل الهزيمة العسكرية إلى نصر سياسي، فستلجأ أمريكا إلى الخطة الإحتياطية وتتخلى عن الإخوان لصالح فريقها الكامن. لم يحدث وأن أخطأت تقديراتي، ربما تكون سابقة لأوانها بكثير إلا انها في أغلب الأحيان صحيحة.
 السيناريو ستقوم ثورة بين بلطجية الإخوان والمتظاهرين من الطرف الآخر وتعم الفوضى وستظهر القناصة مرة أخرى ويكثر القتل وربما إنقلاب في السلطة وانشقاقات وفوضى عارمة لتشجيع دخول الولايات المتحدة بحجة ان مصر دولة فاشلة ويجب حماية الكيان الصهيوني.

Locations of Site Visitors
Powered By Blogger