السبت، 18 أكتوبر 2014

GMT 19:30 2014 السبت 18 أكتوبر :آخر تحديث
الجماعات المتطرفة تجاوزت مرحلة الحرب على الآخر

جيفري سمبسون: هل يقتل الإسلام نفسه؟

سالم شرقي
يعتبر الكاتب الكندي الشهير جيفري سمبسون أن الجماعات الإسلامية تجاوزت مرحلة قتل البوذي في تايلاند، والمسيحي في نيجيريا مثلاً، إلى قتال الحكومات العلمانية في العالم الإسلامي. مشيرًا إلى أن المتطرفين دخلوا مرحلة جديدة من الصراع. 
 
سالم شرقي من دبي: يتواصل الجدل العالمي حول علاقة "العقيدة الإسلامية" بالتطرف والقتل والإرهاب، وسط اختزال لهذا الجدل في رؤية تقول إن التعميم أمر لا علاقة له بالمنطق، فهناك أكثر من مليار ونصف المليار مسلم في العالم، غالبيتهم الكاسحة لا علاقة له بالارهاب، فيما يتمسك المعسكر الآخر بأن "داعش" ما هي إلا جماعة ارهابية متطرفة تتصرف انطلاقاً من فهمها الدين الإسلامي.
بن أفليك يرفض
الممثل والمخرج الأميركي "اليهودي" المعتدل بن أفليك يرفض ربط الإسلام كعقيدة بالقتل والإرهاب، مفضلاً الإشارة إلى أن من يفعلون ذلك هم قلة من بين مليار ونصف المليار مسلم، قائلاً: "ليس كل مسلم مؤمنا بالعنف والقتل، إن هجومنا عليهم أمر عنصري ومرفوض، ماذا عن المليار مسلم غير المتعصبين ممن يرفضون العنف والقتل ويصلون 5 مرات في اليوم، ولا يفعلون الأشياء التي تقول إن كل المسلمين يفعلونها، صحيح أن بعضهم سيئون وإرهابيون، ولكن لا يجوز أن نلون الدين كله بفرشاتنا العريضة".
أصل التطرف
في حين تمسك بيل ماهر صاحب البرنامج التلفزيوني الشهير Real Time with Bill Maher بأن العالم الإسلامي لديه الكثير من القواسم المشتركة مع فكر "داعش"، وهو أصل التطرف، وأيده في ذلك "سام هاريس" الذي أطلق تعبيراً أثار جدلاً توقف ولن ينتهي قريباً وسط مؤيد ومعارض، حيث قال "الإسلام هو الرافد والعرق الأساسي للأفكار السيئة".
أنظروا إلى الخريطة
وفي ظل هذا الجدل المتواصل، والذي يوحي بأن الإسلام والجماعات المتطرفة التي تدعي الإنتماء له وعلى رأسها "داعش" أصبح في صدارة إهتمام العالم على مستوى الإعلام والشارع، بل على المستويات كافة، خرج الكاتب الكندي الشهير جيفري سمبسون بمقال عبر صحيفة "غلوب آند ميل" الكندية ليطرح رؤية أقرب إلى رصد الواقع، بعيداً عن الإستغراق في الجانب التحليلي، فأشار إلى أن الإسلام وجماعاته المتطرفة والقتالية أقرب ما يكون إلى من يقتل نفسه الآن.
وأضاف سمبسون "يمارس تنظيم داعش القتل ضد السنة في العراق وفي سوريا، وهو في الأساس مصنف باعتباره حركة جهادية سنية، هذا ما حدث على الأقل في الأنبار التي تقطنها غالبية سنية خلال الأيام الماضية، إنه نموذج صارخ لما أصبح عليه الموقف حالياً، المتطرفون المسلمون تجاوزوا مرحلة قتل البوذي في تايلاند، والمسيحي في نيجيريا مثلاً، إلى قتال حكوماتهم العلمانية في العالم الإسلامي، ثم دخلوا مرحلة الصراع المذهبي في ظل الصراع السني الشيعي، والجديد يحدث الآن، حيث يقتل السنة بعضهم في آخر وأكثر فصول التطرف إثارة للدهشة".
وتابع الكاتب الكندي البالغ 65 عاماً، والذي يثري الصحافة الغربية بمقالات سياسية على مدار ثلاثة عقود "لقد تجاوزنا مرحلة صراع الحضارات، وهو الصراع الذي كان يقوم على خلفية دينية مسيحية إسلامية، أو بين أيدلوجيات أو عقائد مختلفة، لنصل الآن إلى مرحلة الصراع داخل الدين الواحد، وبالنظر إلى خريطة الصراعات في العالم، فسوف نكتشف وجود هذا النموذج الأخير بوضوح في كثير من دول الشرق الأوسط".
وقرأ سمبسون خارطة الصراعات في العالم، مشيراً إلى أهم بؤر التطرف، والتي اتضح أن غالبيتها له علاقة بالجماعات والدول الاسلامية، على المستويين الفكري والجغرافي، راصداً إياها على النحو التالي..
شيعة اليمن
في اليمن ما زال المشهد يؤشر بقوة إلى أن الصراع أصبح دينياً بامتياز، فقد سيطر الشيعة على العاصمة صنعاء، وخلال الأسبوع الماضي قام انتحاري سني بقتل 47 شخصاً على الأقل من الجماعة الشيعية التي تسيطر على الوضع هناك.
طالبان السنة
في أفغانستان وعلى الرغم من انتخاب حكومة بطريقة ديمقراطية، إلا أن القتال والصراع ما زال مستمراً، وخاصة في المناطق الجنوبية، حيث تواصل حركة طالبان السنية شن الحرب ضد حكومة كابول العلمانية، وهو صراع لا تبدو نهايته قريبة.
مستنقع سوريا
في سوريا على وجه التحديد هناك الكثير من الجماعات الاسلامية المتطرفة تقاتل بعضها بعضاً، من حكومة بشار الأسد العلوي، والعلوية مجرد فرع من المذهب الشيعي، إلى داعش السنية، وصولاً إلى تدخل دول إقليمية وعالمية في الصراع بشكل أو بآخر، ما جعل الوضع في قمة التعقيد، إلى حد أنه لا يمكن لأحد التدخل بشكل حاسم في هذا الصراع الفوضوي القاتل.
إخوان مصر
في مصر ومن قبلها الجزائر، تمكن الإسلام السياسي من الوصول إلى سدة الحكم، وتصدر المشهد السياسي في البلدين  لبعض الوقت، حتى تم التخلص منهم بحرب أهلية في الجزائر امتدت من 1992 حتى 2002، كما أن التخلص من الاسلاميين في مصر يتسبب حالياً بأوضاع غير مستقرة في مصر.
قنبلة ليبيا
وقف الغرب وتحديداً حلف الناتو مع الثوار في ليبيا حتى تم التخلص من حكم الديكتاتور معمر القذافي، ولكن لم يكن لدى أحد تصور واقعي لفترة ما بعد القذافي، ما جعل ليبيا ساحة تجاذب وصراع، وبؤرة جديدة شديدة الخطورة للإرهاب، وهناك قتال مستمر حالياً في وجود الجماعات المتطرفة.
نفوذ إيران
إيران لديها استقرار نسبي على الجبهة الداخلية، وهو ما يجعلها تلعب دوراً محورياً في الصراعات الملتهبة في المنطقة، فهي تدعم وتمول وتسلح حزب الله الشيعي في لبنان، وكذلك تدعم حركة حماس في غزة، كما أن تأثيرها واضح وعلاقاتها قوية مع الميليشيات الشيعية في العراق، ووسط كل هذه الأجواء هناك علاقة فاترة "في أفضل الأحوال" مع السعودية الرمز السني في المنطقة.
الخلاصة
إن الأفكار والأيديولوجيات الدينية المتصارعة، والعداوات التاريخية، وارتفاع وتيرة التطرف في الدول الاسلامية والشرق أوسطية يفرض حالة من القلق على المستوى العالمي حالياً، وأصبح التدخل الغربي في هذه الصراعات أمر معقد ومحفوف بالمخاطر.
7 من 10 إرهاب
ويبدو أن الكاتب الكندي لا يريد الدخول في أجواء الكراهية والعداء، ما جعله يقدم رؤية واقعية لا تحليلية، إلا أن الكاتب فريد زكريا حاول عبر مقال نشرته الواشنطن بوست الأميركية الرد بطريقة عقلانية على بيل ماهر وسام هاريس، حيث أكد أنه مسألة تعميم الفكر الإرهاربي على أكثر من مليار ونصف المليار مسلم هو أمر لا يمكن القول بأنه منطقي، ولكن في الوقت ذاته يجب على المسلمين الإعتراف بأن هناك مشكلة حقيقية تواجههم في الوقت الراهن، فقد كان هناك 7 جماعات اسلامية من بين 10 قامت بعمليات ارهابية في العالم منذ عام 2003 وحتى الآن.


"التحاق الأوروبيات بالتنظيمات الجهادية ليس لأسباب دينية"

بالرغم من أن نسبة النساء المنضويات في صفوف التنظيمات الإسلامية المتطرفة كتنظيم "داعش" متدنية عموما، فإن أعداد الأوربيات الملتحقات بالتنظيم، وخصوصا المراهقات، تزداد يوما بعد يوم. فما أسباب انجذاب الأوروبيات لهذا التنظيم؟
Suchbilder Interpol Schülerinnen aus Österreich
المراهقتان النمساويتان سامارا وسابينا التحقتا بـ "داعش" في سوريا، أرشيف
بدأت ظاهرة التحاق الفتيات الأوربيات بتنظيم " الدولة الإسلامية" المعروف إعلاميا بـ "داعش" مع اختفاء المراهقتين سامارا وسابينا اللتين تبلغان من العمر 16 و14 عاما. وبينما كانت عائلتاهما والشرطة تقومان ببحث مكثف عنهما، ظهرت لهما فجأة صور على موقع التواصل الاجتماعي مرتديتين النقاب أحيانا والحجاب أحيانا أخرى، وفي بعض الصور، تظهران حاملتين السلاح ويحيط بهما مقاتلون مقنعون من تنظيم "داعش".
وقد سقطت عشرات الفتيات الأوربيات، بعد قصة سامارا وسابينا، في شباك هذا التغرير، خصوصا القاصرات منهن واللواتي تتراوح أعمارهن بين 14 و16 سنة، يهاجرن إلى سوريا بشكل خاص من أجل الالتحاق بالتنظيمات الجهادية هناك وبغرض الزواج من المقاتلين، غير أن قليلات منهن فقط يحملن السلاح.
وحسب ما ذكرته بعض الصحف الأوربية، فإن تنظيم "داعش" يقوم بالتغرير بهؤلاء الفتيات عن طريق التركيز على الحديث عن الحياة الأسرية التي تنتظرهن في "الدولة الإسلامية". وتتركز هذه الحياة على "مباهج" كثيرة منها: "إنجاب مقاتلين جدد يجاهدون في سبيل الدولة الإسلامية".
ومن جانبه يرى الباحث السياسي رالف غضبان في حديث لـ DWعربية أن "ما يدفع هؤلاء الفتيات إلى الالتحاق بداعش ليس سببا دينيا، بل هو راجع إلى مرحلة النمو التي يعيشها هؤلاء الشباب والمراهقون والتي تسمها الرغبة في تحقيق الذات بشكل غير واقعي من خلال الالتزام بقضايا كبرى".
Bildergalerie Alltag in Syrien unter IS Herrschaft
النساء في محافظة الرقة بسوريا التي يسيطر عليها تنظيم "داعش"
ماذا عن ألمانيا؟
وبدورها أوضحت صحيفة "الغارديان" البريطانية أن نسبة النساء والفتيات اللواتي يغادرن أوروبا وأمريكا الشمالية وأستراليا للانضمام للجماعات الجهادية تصل إلى 10 في المائة. بينما سُجل في فرنسا أكبر عدد من المجندات بنسبة 25 في المائة، بينما وصل عدد الألمان (ذكور وإناث) الذين سافروا إلى سوريا للجهاد، حسب موقع "نيوز 24" حوالي ثلاثمائة متشدد إسلامي، 40 في المائة منهم لا تتجاوز أعمارهم 25 عاما.
وفي هذا الإطار، انضمت فتاة ألمانية عمرها 16 عاما تدعى سارة لتنظيم "داعش"،وسمت نفسها "أم العزيز"، تاركة آثارا لها على شبكة الإنترنت، سواء على قائمة الفيديوهات التي دخلت إليها عبر موقع يوتيوب والتي تمجد "الجهاد"، أو من خلال صورتها على الموقع الاجتماعي فيسبوك التي كُتبت عليها عبارة "لا إله إلا الله".
"نسبة النساء متدنية في التنظيمات المتطرفة"
وأثارت قضية التحاق هذه المراهقة الألمانية بتنظيم "داعش" صدمة في صفوف زملائها في المدرسة، وكذلك لدى السلطات والرأي العام الألماني، وشكلت قلقا كبيرا لمكتب حماية الدستور الألماني (جهاز المخابرات الداخلية).
وفي هذا السياق يكشف الباحث الألماني اللبناني الأصل رالف غضبان لـ DWعربية، أن "السلطات الألمانية قامت بدراسة حول موضوع الشباب الذين غادروا ألمانيا إلى سوريا في السنتين الأخيرتين، وهم حوالي 378 شخصا، نسبة الفتيات بينهم 11 في المائة، وهي نسبة ضئيلة، كما تكون عادة نسبة الإناث في جميع التنظيمات المتطرفة التي يطغى عليها حضور الرجال".
ISIS Kämpfer in
التنظيمات المتطرفة ذكورية بالعموم ونسبة النساء فيها متدنية.
ويضيف غضبان أن "الدراسة تبين المستوى التعليمي المتدني عند هؤلاء الشباب والفتيات، حيث حصل 2 في المائة منهم فقط على مستوى جامعي، و6 في المائة على تدريب مهني، كما أن نسبة الذين يعملون داخل هذه الفئة تصل فقط إلى 12 في المائة، والبقية تعيش على المساعدات الاجتماعية. يضاف إلى ذلك أن أكثر من 30 في المائة من هؤلاء لهم سجل عدلي حافل بالإجرام، ما يعني أن هذه الفئات تعتبر نفسها بشكل أو بآخر بعيدة عن المجتمع ومعرضة لسلوك الطريق المتطرف أكثر من غيرها".
"يجب مواجهة التطرف"
الأجهزة الأمنية في ألمانيا قلقة من تنامي ظاهرة التحاق الألمانيين بتنظيم "داعش"، وقد أفاد أحد المحققين في حوار مع صحيفة "بيلد" الألمانية الشعبية الواسعة الانتشار أن "هؤلاء المتشددين في ألمانيا يحتفلون بالجهاديين الألمان العائدين من سوريا وكأنهم نجوم في عالم الفن".
وفي هذا الصدد، يرى غضبان أن "محاربة ظاهرة انضمام الشابات والشباب الأوربي إلى داعش مرتبطة بالدرجة الأولى بالسبب الذي يجعل هؤلاء يختارون هذا الطريق. والسبب الأساسي كما بينت الدراسة، التي قامت بها السلطات الألمانية، هو الاحتكاك ببيئة سلفية متطرفة، وبالتالي من الضروري مواجهة هذه البيئة السلفية".
بيد أن المشكلة المطروحة هنا، حسب غضبان، أن "هذه البيئات السلفية تختبئ تحت غطاء الدين، والحرية الدينية مضمونة في المادة الرابعة من الدستور الألماني وهو ما يجعل مواجهة هذا الأمر شيئا صعبا جدا بالنسبة للدولة. وتبقى هذه المنظمات الإسلامية نفسها هي الوحيدة التي تستطيع بشكل إيجابي وفعال مواجهة التطرف داخل المساجد والتنظيمات والبيئات السلفية، والدولة مستعدة لمساعدتها بشتى الأشكال".

الأربعاء، 15 أكتوبر 2014

مفهوم الثورة الثقافية 
حسبما ذكرت بالتفصيل فى كتابات سابقة، منشورة. فإن لفظ «الثورة» فى أصل اللغة وفى دلالته القديمة، لا يحمل أى معنى إيجابى .
 بل على العكس من ذلك تماما، ترتبط مهمة «ثورة» ومشتقاتها بدلالات سلبية، وتستعمل للتعبير عن الردىء والمرضي: ثورة الزَّنْج (= الفوضى التى أحدثها العبيدُ فى العصر العباسي).. ثوران الدم (= الاسم القديم لما نعرفه اليوم باسم ضغط الدم).. ثائر، وهو الشخص الذى قُتل قُريب له ويريد قتل القاتل أخذا بالثأر.. لكن الاستعمال المعاصر للكلمة، بعد ثورة الضباط الأحرار (جدا) سنة 1952، شهد انقلابا دلاليا للضد، صارت معه كلمة الثورة ومشتقاتها تعنى المعانى الإيجابية، فصرنا نقول: النقاء الثوري، الروح الثورية، الثورة المباركة، ثورة التصحيح، التحرر الثوري.. وغير ذلك كثير من التعبيرات.
ولما سبق، فإن استعمالنا هنا لكلمة «ثورة» إنما يجرى على المسار المعاصر للكلمة، وفقا لدلالتها الحالية المستقرة فى الأذهان، باعتبار الثورة حركة شعبية تعبر عن رغبة الجماعة فى التغيير السياسي، وتنطلق من أمنيات عامة ترنو إلى التحرر وكف الظلم والارتقاء بحياة هذا الشعب أو ذاك.. ومن ثم، فالثورة عمل مشروع كلما دعت الحاجة إليها، أو اضطر الناس لها.

أمل كلمة «الثقافة» واسعة المعني، كثيرة الدلالات، فإننى أميل دوما إلى تعريف عالم الاجتماع الشهير «تايلور» لأنه الأكثر قبولا، والأقل إثارة للخلاف حول مفهوم الكلمة، والثقافة بحسب هذا التعريف تعني: الكل المركب من حياة جماعة، بكل ما يشتمل عليه من عادات وتقاليد ولغة ومعتقدات ومعارف عامة شائعة بين أفراد هذا المجتمع أو ذاك.

وعلى ما سبق، فإن كلمة «ثقافية» إذا أضيفت لكلمة «ثورة» فالمراد من مصطلح«الثورة الثقافية» هو الحركة المجتمعية الرافضة،، والهادفة إلى تغيير، ما استقر فى المجتمع من أفكار عامة وأمور اعتقادية ورؤى عامة للكون،، وبطبيعة الحال، تختلف الثورة الثقافية عن الثورات السياسية، فهذه الأخيرة تهدف عادة إلى إعلان الرفض للسلطة القائمة، والإفصاح العام عن رغبة الناس فى التغيير أو بالأحرى التبديل: تبديل حاكم بحاكم آخر، تبديل نظام الحكم بنظام آخر، تبديل النسق السلطوى العام بنسق سلطوى آخر.. فينادى الثوار بقائد ثورتهم بديلا عن الحاكم الحالي، أو بتغيير النظام الملكى إلى نظام جمهوري، أو بالخروج من قبضة استعمار ما إلى إقرار حكومة وطنية مثلا.

وعادة ما تقترن الثورات السياسية بالعنف والعنف المضاد، لأن السلطة السابقة لا تتنازل بسهولة عما هى فيه من سيطرة، فتقمع الثائرين ضدها بالإجراءات العنيفة الرادعة، فينكسر الناس أو يواجهون العنف السلطوى بما هو أعنف. ومعروف أن أى شعب، إذا اتحد، فهو لا محالة أقوى من حاكميه، وأقدر منهم على إملاء ما يريد.. أقول: إذا اتحد!

أما الثورة الثقافية، فهى لا تنطوى بالضرورة على صخب علني، أو مواجهات عنيفة كتلك التى نعرفها

فى الثورات السياسية وحركات التحرر. لأن الثورات الثقافية تستهدف الأفكار غير المحسوسة، وتأثيرها لا يجرى على نحو مباشر أو صدامى بالضرورة، ولا يقع التغيير المنشود منها على المدى القريب، لأنه يتم على مستوى البنية العميقة للعقل الجمعي، وليس على مستوى استبدال حاكم بآخر، كما هو الحال فى الثورات السياسية.

ومع ذلك، فإن أى ثورة سياسية ضد حاكم مستبد أو مستعمر لن تخلو من سمات ثقافية ذات طبيعة ثورية، إذ لا يمكن أن يثور شعب إلا إذا قام أفراده، أو بعضهم، بإعادة النظر فى المفاهيم التى كانت سائدة من قبل. وبإعادة النظر فى المعانى المعروفة لإعادة بنائها فى الوعى العام، فمن ذلك معاني: الحرية، الفهم، الخنوع، المقاومة، الرضا، الرغبة فى التغيير.. وهذه كلها «افكار» تحرك الجموع وتقودها إلى طريق الثورة السياسية.

وهناك مفاهيم أخرى ترتبط بمفهومى الثورة الثقافية والثورة السياسية، لكنها لا تتطابق بالضرورة مع واحدة منهما، وقد لا تنعكس عليهما. فمن ذلك الثورات المعرفية التى يتطور بها العلم الإنسانى من مرحلة إلى أخري، كتلك الثورة المعرفية التى قام بها الطبيب اليونانى العظيم «أبقراط» عندما دون العلم وكتبه، فجعله متاحا بغير شرط التلقين وصحبة الأستاذ، وكان العلم من قبل «سرا» ينتقل من سابق إلى لاحق، بالتلقى المباشر. ومن الثورات المعرفية ما أحدثه اكتشاف العرب لصناعة الورق، السر الصينى القديم، وتقديمهم هذا الاكتشاف للعالم أجمع، مما أدى إلى طفرة معرفية كبرى بسبب سهولة الانتقال والتفاعل المعرفى عبر وسيط متاح وقليل التكلفة نسبيا، بالمقارنة بوسائط أقدم كورق البردى (النادر فى غير مصر) والرقوق الجلدية (صعبة الانتاج نسبيا)والنقش على الحجر أو ألواح الطين الهشة.. ومن الثورات المعرفية، ما جرى على يد«كوبر نيكوس» الذى عكس الفكرة الأولية الأقدم، وهى مركزية الأرض ومحورية الإنسان، الى نقيضها: الأرض تدور حول مركز هو الشمس، والمجموعة الشمسية تدور فى مجرة، والمجرات تدور فى كون لا نهائى الأبعاد.

وبعد.. ففى هذه المقالة الافتتاحية، حسبما الإشارة إلى مفهوم «الثورة الثقافية» وما يرتبط بها من مفاهيم ثورية أخري، بينها اختلاف وائتلاف. وفى بقية مقالات هذه السباعية، وفى لقاءاتنا الأسبوعية المقبلة، سوف نتوقف عند نقاط تالية، منها تبيان التشويه الذى جرى لمفهوم الثورة الثقافية فى الصين، على يد ماوتسى تونج، وفى إيران على يد الإمام الخوميني.. ومنها تحديد الطبعة الراديكالية للثورة الثقافية، واقترانها بإرادة التغيير السياسي، حسبما جرى فى بلادنا عقب اندلاع الأحوال فى الإطار الذى سمى احتفاء«الربيع العربي» ثم انصدم الناس فى المسمى فلم يعد معظمهم يطيق سماعه.

فإلى لقاءات مقبلة.









الثلاثاء، 14 أكتوبر 2014

حرب أكتوبر وما بعدها .. الرواية المحجوبة

حرب أكتوبر وما بعدها .. الرواية المحجوبة 

حرب أكتوبر وما بعدها .. الرواية المحجوبة

محمد سيف الدولة

إنَّ حرب أكتوبر أسمى بكثير من أن يتم توظيفها سياسيًا كما كان يحدث دائمًا على امتداد العقود الماضية:

فتارة تستخدم شرعية النصر لتمرير الصلح مع إسرائيل وتسليم مصر للأمريكان.

وتارة أخرى يتم توظيف "الضربة الجوية الأولى " لتأليه مبارك وتأبيد حكمه وتمرير استبداده .

وتارة ثالثة تستخدم لإجهاض ثورة يناير وإعادة إنتاج نظام مبارك.

أما الدروس والعظات الحقيقية لملحمة 6 أكتوبر وما قبلها وما بعدها، فلا يرغب أحد من النظام الحاكم فى التوقف أمامها، لما سيترتب علي ذلك من كشف وفضح التوجه والخط السياسى الذى تلى الحرب والذى لا يزال يحكم مصر حتى اليوم.

ولذلك أتصور أن أفضل طريقة لإحياء هذه الذكرى هو التعرف على الرواية الحقيقية لكل ما جرى، وقد يندهش الكثيرون، خاصة من الشبا ، من حجم الارتباط بين نتائج ما بعد الحرب وبين ما نعيش فيه الآن.

***

أهداف العدو :

قال موشى ديان أن أهداف العدوان على مصر هى :
 
1) تحطيم القوات التى تحاول إخضاعنا
 
2) تحرير ذلك الجزء من أرض الوطن الذى يحتله الغزاة
 
3) تأمين حرية الملاحة فى مضايق تيران وقناة السويس ".
 
كما قال أثناء العدوان ((أن قواتنا الجنوبية تحارب الآن عبر الحدود للقضاء على جيش النيل وحشره فى أرضه))
 
***
 
وقال مناحم بيجين بعد توقيع معاهدة السلام مع مصر عام 1979 :((سنضطر إلى الإنسحاب من سيناء لعدم توافر طاقة بشرية قادرة على الاحتفاظ بهذه المساحة المترامية الأطراف . سيناء تحتاج إلى ثلاثة ملايين يهودى على الأقل لاستيطانها والدفاع عنها. وعندما يهاجر مثل هذا العدد من الإتحاد السوفيتى أو الأمريكتين إلى إسرائيل سنعود إليها وستجدونها فى حوزتنا))

 
***

الرواية كامل :

أكتب هذه السطور للجيل الجديد، محاولا فيها أن ألخص حكاية صراعنا مع العدو الصهيوني، لعلهم يحفظوها ظهرا عن قلب، ويتموا ما بدأه آباءهم وأجدادهم

المقدمات:
 
  • زرع الاستعمار الغربى، الكيان الصهيوني في فلسطين منذ بدايات القرن العشرين وأعطاه دولة باطلة عام 1947 ، ودعمه فى الحرب ضدنا عام 1948 ، وهى الحرب التى أسفرت عن اغتصاب 78 % من ارض فلسطين .

  • ​ثم قدم له كل أنواع الدعم المالي والعسكري على امتداد اكثر من 60 عاما لتمكينه من الانتصار علينا واغتصاب مزيد من أراضينا.1
     
  • ولقد وقفت مصر منذ البداية مع كافة إخوتها من الأقطار العربية صفا واحدا ، ضد المشروع الصهيوني وكيانه ، فما كان منه الا ان قام بالعدوان علينا عدة مرات في 1955 و 1956 و1967.
     
  • ​ولقد نجح العدو للأسف الشديد بسبب أخطائنا الكبرى ، في الاستيلاء عام 1967 على سيناء والجولان وغزة والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية . وهى الهزائم التى لا نزال نسدد أثمانها الفادحة حتى يومنا هذا .
     
  • ولكن شعبنا الكريم في مصر و باقي الوطن العربي رفض قبول الهزيمة ورفض شروط الأمريكان لاستعادة سيناء وبعض الاراضى المحتلة .
     
  • و كانت شروطهم ان نعترف بإسرائيل وننسى فلسطين ونتعايش مع الكيان الصهيوني ، ونقبل وجوده بيننا الى أبد الآبدين .
     
  • وفى الخرطوم اجتمع القادة العرب فى أول سبتمبر 1967 واتفقوا جميعا على مواصلة القتال ، وعلى عدم الاعتراف بإسرائيل وعدم الصلح او التفاوض معها .
     
  • وتفرغت مصر شعبا وجيشا للإعداد للمعركة، ونجحت بفضل الله فى تفجير حرب التحرير فى السادس من أكتوبر 1973، وهى الحرب التي أثبتت للصهاينة والأمريكان إننا أمة باقية لا يمكن إفناءها.
     
  • وفى هذا الوقت من كل عام، وعلى امتداد 41 سنة، تركز وسائل الاعلام المصرية على عبقرية الإعداد والتخطيط للمعركة وعظمة بطولاتها وتضحياتها، وصلابة الجبهة الوطنية فى سنواتها الست، وكلها قضايا حقيقية تستوجب الاحتفاء والتذكير والتثمين والاقتضاء.
     
ولكن الجانب المحجوب الذى لا يتعرض له أحد، سواء فى الإعلام الرسمى أو الخاص شبه الرسمى، هو ما حدث بعد الحرب، والذى جاء مخالفا على طول الخط لما اتجهت اليه إرادة الشعب وإرادة الأمة على امتداد قرن من الزمان وهذه هى

التفاصيل:

 
خلاصة حرب أكتوبر وما بعدها:

  • 6و7و8 أكتوبر عبرت القوات المسلحة المصرية قناة السويس فى عمل بطولي خارق أذهل العدو والعالم أجمع ونجحت بالفعل فى تحرير شريط بعمق متوسط من 10 ـ 12 كم شرق القناة محققة هذا النجاح بواسطة 80 ألف مقاتل .
     
  • 11 أكتوبر أصدر الرئيس السادات قرارا بتطوير الهجوم داخل سيناء معللا ذلك برغبته فى تخفيف الضغط على سوريا .
     
  • 14 أكتوبر تم تنفيذ القرار وذلك بدفع الفرقتين المدرعتين 4 و 21 الاحتياطيتين من غرب القناة إلى شرقها .
     
  • 16 أكتوبر استغل العدو الوضع الجديد الذي كشفته له طائرات التجسس الأمريكية ، ونجح في اختراق جبهتنا بثغرة مضادة مستغلا المساحة الخالية بين الجيشين الثاني والثالث وعبر بقواه الى الضفة الغربية للقناة وحاصر الجيش الثالث ومدينة السويس .
     
  • رفض الرئيس السادات القضاء على الثغرة خوفا من تهديدات كيسنجر طبقا للتصريحات التى أدلى بها فيما بعد .
     
  • 20 أكتوبر طلب الرئيس السادات وقف إطلاق النار .
     
  • 22 أكتوبر صدر قرار مجلس الأمن بوقف إطلاق النار .
     
  • من 22/10 الى 28/10 لم يلتزم العدو بالقرار .
     
  • 28/10 / 1973 تم الإيقاف الفعلي لإطلاق النار
     
  • بدأت الضغوط الأمريكية على القيادة السياسية المصرية للقبول بشروط انسحاب القوات الإسرائيلية من الضفة الغربية للقناة .

     
18/1/1974 خضعت مصر للضغوط وقبلت الشروط الأمريكية الإسرائيلية و ووقعت مع إسرائيل الاتفاق الأول لفض الاشتباك والذي بموجبه وافق السادات على ما يلى :
  • سحب 70 ألف جندى مصرى من سيناء شرق القناة وإعادتهم مرة أخرى الى مواقعهم قبل العبور .
     
  • مع الإبقاء على 7000 جندى مصري فقط فى سيناء .
     
  • سحب اكثر من 1000 دبابة مصرية من شرق القناة وإبقاء 30 دبابة فقط
     
  • منع وجود اى صواريخ بعمق 30 كم غرب الخط المصرى
     
وقد سجل الجمسى اعتراضه ، ولكن تم توقيع الاتفاق بأوامر من القيادة السياسية .
 
1/9/1975 وقع السادات اتفاق فض الاشتباك الثانى مع العدو الصهيونى والذى كان اهم ما جاء فيه:
 
  • إنهاء حالة الحرب مع اسرائيل وذلك باتفاق الطرفين على ان النزاع بينهما لا يتم حله بالقوة المسلحة .
     
  • قبول مصر بدخول مراقبين "أمريكيين" مدنيين الى سيناء لاول مرة لمراقبة تنفيذ الاتفاق وهو ما اصبح قاعدة لما حدث فيما بعد فى اتفاقية السلام حيث أسندت مهمة الإشراف على القوات المتعددة الجنسية الموجودة الآن فى سيناء الى الولايات
    المتحدة الأمريكية ( خرج الصهاينة ودخل الأمريكان )
1977 ـ 1979 مفاوضات السلام بين مصر وإسرائيل تحت الرعاية الامريكية.
26 مارس 1979 توقيع معاهدة سلام مع العدو الصهيوني بمقتضاها تنسحب قواته من شبه جزيرة سيناء بشرط :
تجريد ثلثى سيناء المجاور لفلسطين (إسرائيل) من اى قوات مسلحة مصرية

وبشرط تقييد وجود وسلاح القوات المصرية فى الثلث الباقى من سيناء المجاور لقناة السويس بما يوازى ربع القوات التى عبرنا بها بدمائنا فى حرب اكتوبر والتى قبل السادات بإعادتها فى 18/1/1974 كما تقدم .

وبشرط ان تقوم قوات أجنبية غير خاضعة للأمم المتحدة تحت قيادة أمريكية بمراقبة القوات المصرية فى سيناء من خلال معسكرات ونقاط مراقبة محددة على ارض سيناء

وبشرط أن تنسحب مصر من المعركة العربية الدائرة ضد العدو الصهيونى ، وتقف على الحياد فى اى صراع قادم وأن ينحشر جيش النيل فى أرضه كما قال موشى ديان

وبشرط ان تعترف مصر بدولة (إسرائيل) وتتنازل لها عن 78 % من فلسطين .

وبشرط ان تقيم علاقات طبيعية مع (إسرائيل)على كافة الأصعدة

وبشرط أن تتعهد بأن تبيع لها ما تريده من البترول .

وبشرط أن تلتزم بمحاكمة كل من يرتكب أى نشاط هدام ضد اسرائيل كالإثارة والتحريض والعنف .

وبشرط أن يتم إنشاء نظام سياسي جديد يلتزم فيه الكافة بالاعتراف بإسرائيل وبالسلام معها ، وان يحظر على المعارضين المشاركة فيه .

وبشرط أن تقود مصر حملة لدفع الدول العربية والقيادات الفلسطينية للاعتراف بإسرائيل ، وان تشارك فى تصفية اى مقاومة او فعل مسلح ضدها .

وبشرط أن يترك للأمريكان مهمة إعادة صياغة مصر سياسيا و اقتصاديا وعسكريا وطبقيا وتعليميا وثقافيا ودينيا ..الخ ، وان تكون لهم الكلمة الأولى في كل ما من شأنه أن يهدد أمن إسرائيل
 


***


وبالفعل خرج الصهاينة من سيناء ودخلها الأمريكان كما دخلوا مصر كلها، و تم تنفيذ كل شروطهم حرفيا ، فيما عدا نقطة واحدة عجزوا جميعا عن تحقيقها وهى :
انتزاع حب فلسطين وكره (اسرائيل) من قلوب وضمائر الشعب الطيب وقواه الوطنية
فرغم مرور 35 عاما على المعاهدة مع العدو، الا ان رفضها والنضال ضدها والمطالبة بإلغائها تتزايد يوما بعد يوم .

***

انتهت الحكاية، ولكن الصراع قائم لم ولن ينته، إلى أن يوفقنا الله فى تحرير مصر من الهيمنة الأمريكية ومن اتفاقيات كامب ديفيد ومن نظامها، ويوفقنا فى استرداد كامل سيادتنا على سيناء وكامل التراب الفلسطيني المحتل وإنهاء المشروع الصهيونى .

الاثنين، 13 أكتوبر 2014

ما الذي تنتظره الرياض من القاهرة؟
خالد الدخيل *
الأحد ٢١ يوليو ٢٠١٣
من الواضح أن استقرار مصر وخروجها من حالتها الثورية المضطربة بات من وجهة نظر السعودية ودول الخليج العربي مصلحة إقليمية، وذلك في ضوء ما حصل للعراق وسورية قبل ذلك. من هنا، مسارعة السعودية، ومعها الإمارات والكويت، إلى دعم تحرك الجيش بإزاحة الرئيس محمد مرسي، وتقديم مساعدة مالية كبيرة وعاجلة لحكومة المرحلة الانتقالية التي انبثقت عن ذلك. هل يعبر هذا الدعم عن موقف هذه الدول من حكم «الإخوان» في مصر؟ الأرجح أن الأمر كذلك. لكن السؤال الأهم في ضوء ما تمر به المنطقة هو: ما الذي تنتظره الرياض وتأمله من القاهرة الآن على افتراض أن المرحلة الانتقالية التي فرضها الجيش ستمر بسلام، وسيتم انتخاب برلمان جديد، وسيتحقق التوافق على دستور جديد، وأخيراً سيأتي صندوق الاقتراع بثاني رئيس لمصر في جمهوريتها الثانية؟
هناك أكثر من زاوية يمكن النظر منها إلى هذا السؤال. هناك الزاوية المصرية، والزاوية السعودية والخليجية. ثم هناك الزاوية الأخلاقية، أو زاوية الأخوة العربية وما تفرضه من واجبات. كل هذه الزوايا وغيرها يجمعها في الأخير إطار واحد هو الإطار السياسي. أفعال الدول تعبر بها عن رؤيتها، وعن مصالحها وفقاً لهذه الرؤية. والأخوة العربية هي أحد التعبيرات عن هذه المصالح. وبما أنها كذلك فهي مشتركة ومتبادلة، أو يجب أن تكون كذلك، وتسير بالتالي، أو يجب أن تسير في اتجاهين، بل أكثر من ذلك وليس في اتجاه واحد.
انطلاقاً من ذلك، فإذا كانت المساعدات التي قدمتها الدول الخليجية الثلاث تحقق لمصر مصلحة حيوية في هذه المرحلة الحرجة، وهي تستحق ذلك، فإنه يجب أن يكون لها مردود يحقق مصلحة للدول الخليجية الثلاث أيضاً. الفرضية المضمرة هنا أن مصلحة هذه الدول العربية متبادلة. وبما أن المصلحة المصرية بدأت بالتحقق بمجرد البدء بتحويل الأموال التي تم التعهد بها، يبرز السؤال عن إمكانية وكيفية تحقق المردود الذي تنتظره السعودية. ليست هناك معلومات رسمية عن الدوافع وراء الخطوة السعودية. لكن الأرجح أنها لم تقدم على خطوة الدعم الكبيرة هذه من دون معطيات ومؤشرات تلقتها من القاهرة مباشرة.
هناك من يقول إن إسراع السعودية إلى تهنئة الرئيس الموقت، عدلي منصور، حتى قبل أدائه القسم، كان لإيصال رسالة دعم للمؤسسة العسكرية، وأنها ليست مكشوفة من دون دعم إقليمي، وذلك في وجه التردد الذي بدا عليه الموقفان الأميركي والأوروبي، والرفض التركي والإيراني خطوة الجيش المصري. واللافت هنا هو موقف السعودية ودول الخليج الداعم للجيش المصري أمام كل هذا الرفض أو التردد الإقليمي والدولي. ما الذي تنتظره الرياض من كل ذلك؟ يمكن القول إن الرياض تأمل من القاهرة أن تحقق أربعة أمور: داخلياً تأمين المرحلة الانتقالية، والعبور بسلام إلى توافق على نظام سياسي مستقر وفاعل. ثانياً، عودة مصر إلى لعب دورها الإقليمي كدولة عربية معنية بتأمين الساحة العربية من التدخلات المفروضة من دول غير عربية، وضداً على المصالح العربية. ثالثاً، إخراج الموقف المصري من حال التردد التي كان عليها أيام حكم الرئيس مرسي من النفوذ الإيراني في كل من العراق وسورية، والعودة به إلى تبني ضرورة إنهاء هذا النفوذ كشرط لتعاون عربي - إيراني مثمر. رابعاً، دعم الحل السياسي في سورية من خلال حكومة انتقالية تتمتع بكامل الصلاحيات، وأن لا يكون الرئيس الأسد، بعد كل المجازر التي ارتكبتها قواته، جزءاً من هذا الحل.
من الناحية الاقتصادية يبدو أن الوضع في مصر أصبح كارثياً. كتب رجل الأعمال المصري حسن هيكل أن مصر تخسر في الأزمة الحالية بليون جنيه يومياً، أي ما قيمته بليونا دولار شهرياً. وخلال السنتين الماضيتين خسرت مصر 500 بليون جنيه، أو خمسين بليون دولار. كما خسرت الحكومة المصرية من احتياطها النقدي 40 بليون دولار، ما أضاف مديونية بحجم 10 بلايين دولار (500 بليون جنيه مصري). وقد صل حجم الديون إلى 50 بليون دولار. وتتجاوز نسبة الفقر 40 في المئة. تؤكد هذه الأرقام الدقيقة مدى التردي الذي وصل إليه الوضع الاقتصادي. ووفق تقديرات هيكل (بعد إعلان المساعدات السعودية الخليجية) لا تزال مصر في حاجة إلى مساعدات من الدول العربية (أي الخليجية) بخمسين بليون دولار، و25 بليون دولار مساعدات دولية للخروج من أزمتها الخانقة. وهو ما يعني أن المساعدات الخليجية الأخيرة، والودائع القطرية قبل ذلك، أقل مما يتوقعه المصريون. وبما أن الحل السياسي مرتبط في كل الأحوال ومتداخل مع الحل الاقتصادي، فإن ما تنتظره الرياض من القاهرة أمامه طريق طويل، ومتطلبات كثيرة.
لا يقل المشهد السياسي قتامة عن المشهد الاقتصادي. بعد أكثر من سنتين من الثورة تبين أن مصر من دون طبقة سياسية ناضجة ومحترفة تستطيع أن تجترح الحلول السياسية في اللحظات الحرجة. فشلت هذه الطبقة (وهي تشمل «الإخوان» ومعارضيهم) في الاتفاق على أي شيء. الأمر الذي فرض تدخل الجيش لإزاحة «الإخوان» عن الحكم لمصلحة معارضيهم بغطاء ديني. أي أن الجيش بعد أكثر من ستين عاماً على انقلاب يوليو 1952 لا يزال هو أقوى مؤسسات الدولة، وأغناها، وأكثرها قدرة على فرض الحلول على الجميع. في ضوء هذه الحقيقة هل يستطيع الجيش أن يؤمن التوافق المطلوب للعبور من مرحلة الثورة إلى مرحلة الدولة المستقرة، وهو التوافق الذي عز على الجميع طوال أكثر من سنتين، وأوصل الأمور إلى ما وصلت إليه؟ أين سيكون موقع «الإخوان» بعد كل ما حصل، وهم الأكثر شعبية إلى جانب الجيش وشباب الثورة، في الحل السياسي المطلوب؟ ماذا لو تطلب الأمر تولي العسكر الحكم حتى يمكن التوصل إلى الحل السياسي المطلوب؟ وما هو حجم الدور الذي تلعبه «الدولة العميقة» في ما حصل ويحصل بعد سقوط حسني مبارك؟
واللافت أن القوى الأكثر شعبية في مصر، كما يبدو، هي ما يعرف بشباب الثورة، وهم من دون قيادة، و «الإخوان»، وهم من دون تجربة حكم، والجيش الذي يخضع لقيادة متماسكة، ولتراتبية مؤسساتية قديمة، وخبرة في الحكم لا تقل عن ذلك. واللافت أيضاً أن هذا الجيش يكاد أن يكون القوة الوحيدة التي لها علاقة جيدة ومتينة مع السعودية. ما عدا ذلك تتراوح مواقف القوى الأخرى من السعودية بين الغموض والعدائية المعلنة. فما عدا عمرو موسى، مثلاً، لا يمكن القول إن أعضاء الجبهة الوطنية للإنقاذ تربطهم بالسعودية علاقة ودية. بل إن بعضهم يتخذ من السعودية موقفاً غير ودي، وإن يكن مضمراً في الظروف السائدة. أحد أعضاء هذه الجبهة، حمدين صباحي، يميل موقفه إلى الاضطراب منه إلى الاضطراد عندما يتعلق الأمر بعلاقات مصر الخارجية. فهو مستعد مثلاً، وكما قال في حديثه المطول لصحيفة «الحياة»، للتسامح عن جرائم الرئيس السوري بشار الأسد، من أجل الحفاظ على وحدة سورية. وفي الوقت نفسه لم يكن مستعداً للتسامح مع الرئيس مرسي، بل قبل بالمجازفة بمستقبل مصر من أجل إزاحته عن الحكم. وهذا موقف لا يمكن أن يكون مريحاً بالنسبة إلى الرياض. الأكثر من ذلك أن أحد مؤسسي حركة «تمرد»، والمتحدث باسمها، محمود بدر، يتخذ من السعودية، ومن الحكم السعودي تحديداً، موقفاً معادياً ومعلناً. ومحمود بدر هذا كان أحد ممثلي حركة «تمرد» في الاجتماع الذي دعا إليه الجيش للتشاور قبل إعلان عزل محمد مرسي عن الرئاسة. وهو الاجتماع الذي ضم شيخ الأزهر، ورئيس الكنيسة القبطية، ورئيس حزب «النور»، إلى جانب ممثل جبهة الإنقاذ. وقد ألقى محمد بدر بيان «تمرد» المؤيد لعزل مرسي من على المنبر نفسه الذي أعلن منه الفريق عبدالفتاح السيسي بيان العزل، وتعطيل الدستور، وتعيين الرئيس الموقت، وتم بثه على التلفزيون الرسمي. ومن الواضح الآن أن علاقة السعودية مع «الإخوان» تكاد تقترب من حال القطيعة. تضمر هذه المعطيات أن ما تنتظره الرياض من القاهرة فيه الكثير من التفاؤل، وربما يتطلب ما هو أكثر من تقديم المساعدات المالية. فلو افترضنا أن نتيجة المرحلة الانتقالية جاءت بحكومة من جبهة الإنقاذ، والمستقلين، وشباب الثورة، والتيارات الإسلامية، فإن التوازنات داخل هذه الحكومة لن تسمح بأن تكون سياستها الخارجية قريبة مما تأمله السعودية.
ولعل السؤال الذي يفرض نفسه بإلحاح: لماذا لم تلعب الرياض دور الوسيط في الأزمة المصرية قبل أشهر من انفجارها؟ ولماذا انتظرت لحظة انفجار الأزمة لبدء التعاطي معها؟ ثم لماذا عندما فعلت ذلك، اقتصر تعاطيها على المساعدة المالية؟ لقد فشلت هذه المساعدات من قبل في تحقيق مصالح سياسية راسخة للرياض. والسبب واضح، وهو أن المساعدات المالية من دون دور سياسي إقليمي فاعل، وثقل عسكري ملموس، وإطار مؤسساتي ودستوري يؤطر هذه المساعدات ويوفر لها الدعم في الداخل قبل الخارج، تبقى مجرد مساعدات مالية تفقد قيمتها وتأثيرها مع الوقت. ووفق الأرقام المصرية، كما رأينا، فإن ما قدمته السعودية والإمارات والكويت، وقبلها قطر، أقل بكثير مما تحتاجه مصر. الأمر الذي يؤكد مرة أخرى حاجة السعودية إلى مراجعة سياستها الخارجية، وموقع المساعدات المالية فيها.
* كاتب وأكاديمي سعودي

الأحد، 12 أكتوبر 2014

إلا إذا كان الهدف هو وراثة المصاب بالمرض، فيمكن حينها التفنن في إدعاء علاجه وانتظار موته لوراثته».

الدوحة – «القدس العربي»: مثل صرعات الموضة العالمية التي تجوب الدول من دون حدود، وتنتشر في كل مكان من دون استئذان، تكتسح الساحة الإعلامية مؤخرا بيانات الحركات الجهادية التي أعلنت مبايعتها لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام وتبنت خياراته مؤسسة لمرحلة جديدة من مسار مكافحة الجماعة.
موجة التنظيمات التي خرج بعضها من العدم وأخرى لم يسمع بها من قبل، وهي تتسابق للإعلان عن ولائها لـ»داعش» بدأت تثير مخاوف السكان، والسلطات لخطورة الأمر على حياتهم وسلامتهم، وخشيتهم من العمليات الاستعراضية لهذه التنظيمات غير المعروفة والتي بدأت تتفنن في عمليات الفتك بضحاياها وفق أساليب جديدة ومستنسخة في الوقت نفسه. ووقف العالم مدهوشا ومذهولا من سرعة تنفيذ جماعة «جند الخلافة» الجزائرية والتي أعلنت فجأة ارتباطها بـتنظيم الدولة الإسلامية حكمها بإعدام الرهينة الفرنسي هيرفي غورديل، والذي اختطفته في وقت سابق في منطقة جبلية بشماليالجزائر. وجاء شريط الفيديو تحت عنوان «رسالة دم للحكومة الفرنسية» وبدأ بعرض صور للرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند من المؤتمر الصحافي الذي أعلن فيه مشاركة بلاده في الحملة التي تستهدف تنظيم الدولة، ثم يظهر بعدها الرهينة جاثيا على ركبتيه محاطا بأربعة مسلحين ووجهه مخفي. هذه التمثيليات أمام الكاميرات وبثها عبر الفضاء الافتراضي ألهبت حماسة المنظمات الجهادية التي بدأت تتسابق في إعلان ولائها لـ»داعش» العلامة التجارية الأكثر رواجا في الوقت الحالي دون أي تنظيم آخر، والتي تحصد اهتمام وسائل الإعلام العالمي، وهي محل متابعة ورصد وتنظير الحكومات الغربية التي تحشد تحالفا دوليا لمحاربته ليتحول إلى العدو رقم واحد لمختلف الدول.
ومن باكستان المعروفة بتموج ساحتها بحركات جهادية متعددة الأشكال والارتباطات والمتداخلة في مستوياتها مع كل الأجهزة والمنظمات، أعلنت حركة «طالبان» المحلية ولاءها لـ «داعش» وأمرت عناصرها في أنحاء المنطقة بمساعدة التنظيم في حملته لإقامة «خلافة» إسلامية. وجاء الإعلان بعدما سمى زعيم «القاعدة» أيمن الظواهري، في أيلول/سبتمبر القائد السابق في طالبان عاصم عمر «أميراً» للفرع الجديد للقاعدة في جنوب آسيا، والتي دبرت هجمات 11 ايلول/سبتمبر2001 على الولايات المتحدة.
وعلى الرغم من عدم وجود دليل على تحالف وثيق بين «داعش» وقادة «طالبان» المرتبطين بالقاعدة، فإنه تم رصد نشطاء من التنظيم في الآونة الأخيرة في مدينة بيشاور الباكستانية يوزعون منشورات تشيد بـ «داعش». كما شوهدت أيضا أعلام داعشية في مسيرات في شوارع الجزء الخاضع لسيطرة الهند في كشمير. وتثير هذه التطورات قلقاً بالغاً لدى القوى العالمية التي تحاول جهدها مواجهة التحولات المتسارعة للتطرف الإسلامي على المستوى الدولي. وأكدت طالبان في رسالة بمناسبة عيد الأضحى أنها تؤيد أهداف «داعش» وقال المتحدث باسم طالبان، شهيد الله شهيد، في رسالة أرسلت بالبريد الإلكتروني إلى وسائل الإعلام من مكان غير معلوم «نحن يا إخواننا فخورون بكم وبانتصاراتكم، نحن معكم في أفراحكم وأتراحكم». وناشد جميع التنظيمات الإسلامية المقاتلة تنحية الخلافات جانباً والتحلي بالصبر والثبات.
ومن القارة الآسيوية إلى القارة الإفريقية عبَرَ التنظيم ذهابا وإيابا، وحشد حوله المزيد من الجماعات، وقامت تنظيمات أنصار بيت المقدس داخل سيناء المصرية الواقعة في القارة الأفريقية، وفي قطاع غزة الواقع في القارة الآسيوية بمبايعة تنظيم الدولة الإسلامية بالعراق والشام استجابة للدعوة التي أطلقها «داعش» بإقامة الخلافة الإسلامية إضافة إلى بروز تلك الجماعات داخل غزة وتبنيها خطف 3 مواطنين إسرائيليين مما يثير قلق حركة حماس التي تفرض سيطرتها على القطاع حال تغلغل تلك التنظيمات وسيطرتها علىغزة. وشجعت هذه البيانات التي تصدر من هنا وهناك كافة التنظيمات التابعة للقاعدة على شن مزيد من العمليات داخل نيجيريا والصومال وأفريقيا جنوب الساحل، والشرق الأوسط ومصر والسودان وشمال افريقيا.
وكانت بعض مساجد درنة في ليبيا شهدت في الأيام الماضية خطبا نارية لدعاة من الخارج حثوا فيها الناس على ضرورة إقامة دولة الخلافة في ليبيا، بعد مبايعة مجلس شورى شباب الإسلام في درنة «داعش». كما ذكرت تقارير إعلامية جزائرية أن عدة كتائب وسرايا مرتبطة بتنظيم القاعدة في بلاد المغربالإسلامي أعلنت، انشقاقها عن زعيم التنظيم عبد المالك دردوكال المكنى أبو مصعب عبد الودود، ومبايعة من أطلقت عليه وصف «خليفة المسلمين أبو بكر البغدادي».
ومن تونس التي كانت التنظيمات المسلحة محاصرة بدأت تغزو الدولة جماعات متعددة المشارب تتحصن في المناطق المهمشة ومرتفعات الجبال المتاخمة للحدود الجزائرية، وأعلنت مؤخرا مجموعة إسلامية مسلحة تونسية تعرف باسم «كتيبة عقبة بن نافع» تنتمي إلى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي مبايعتها تنظيم الدولة الإسلامية ودعته للتحرك خارج سورياوالعراق. وتأتي مبايعة كتيبة عقبة بن نافع تنظيم داعش بعد أيام من دعوة فرعي القاعدة في المغرب الإسلامي واليمن الجماعات المسلحة في سورياوالعراق إلى الاتحاد ضد التحالف الدولي الذي بادرت واشنطن لتشكيله بهدف القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية. وتذهب بعض القراءات إلى أن التحالف الدولي الذي تتزعمه الولايات المتحدة الأمريكية للقضاء على «داعش» أثار حالة من التلاحم بين التنظيمات الإسلامية، وجعلها في سباق للتضامن مع بعضها وإعلان الولاء للتنظيم، باجتذاب جهاديين من عدة مناطق وتفريخ تنظيمات أخرى بعضها أفلس في وقت سابق، وأخرى ظلت نائمة من دون غطاء حتى لاح لها في الأفق علامة الدولة الإسلامية. وتستدعي التطورات الحالية القائمين على التحالف الدولي لمحاربة «داعش» إعادة النظر في الخطط والاستراتيجيات الموضوعة وتحيينها وفــق معطيات الواقع الذي يشير إلى أن المعركة ستطول وسوف تأخذ أبعادا أعمق من التصريحات التي يطلقها الساسة من كل مكان.
يرى الباحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية علي حسين باكير في تصريح خاص لـ»القدس العربي» أنه للقضاء على تنظيم «داعش» أو محاربة الإرهاب عموما فإن العملية تفترض انسجاما مع النفس ومبدئية في التعامل، بحيث «لا يجوز تصنيف بعض الجماعات إرهابية وشن حروب ضدها فيما يتم اعفاء جماعات إرهابية أخرى كتلك التابعة لإيران في سوريا من تبعات أعمالها الاجرامية وغض النظر عن جرائمها لمجرّد أنّها مدعومة من قبل دولة، أو لمجرد أنه هناك حاجة لها كحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الانفصالي الذي سبق له التعامل مع النظام السوري وقمع ثوار عرب وأكراد واشتبك مع المعارضة السورية المسلحة، وإلا فان كل ما سيتم فعله سيفسر على أنه التقاء مع هذه المجموعات الإرهابية في الأهداف وهو الأمر الذي سيعزز من الشعور بالقهر والتآمر ووجود صفقات، على اعتبار أن محاربة طرف واحد هو في حقيقة الأمر إفساح في المجال للطرف الآخر للتسيد عمليا على الأرض». ويضيف ومن دون أخذ هذه العناصر بعين الإعتبار، فان أي عملية عسكرية ضد «داعش» في سوريا ستفشل حتما وإن بعثرت التنظيم وأضعفته على المستوى التكتيكي، إلا أن مفاعيلها الاستراتيجية ستؤدي إلى إنتاج «دواعش» أخرى أكثر توحشا». ويشدد باكير على أن بعض الأمور لا تحتاج الى اختراع، فهناك بديهيات للتعامل معها، ولا شك أنّ محاربة تنظيم «الدولة الإسلامية لا يحتاج إلى اختراع وصفة، وإنما إلى إرادة سياسية صادقة تبتغي معالجة المرض، وليس تسكين الألم إلا إذا كان الهدف هو وراثة المصاب بالمرض، فيمكن حينها التفنن في إدعاء علاجه وانتظار موته لوراثته». ويعتبر أنه «من هذا المنطلق، لا يمكن القضاء على «داعش» من دون التعامل مع نظام الأسد، فإعطاء «داعش» الأولوية مع تجاهل تام لجرائم الأسد التي تفوق بمئات المرات جرائم «داعش» كما وبشاعة يعطي رسالة خاطئة مفادها أننا نقاتل «داعش» لمصالحنا الخاصة وليس لهدف سام، أو لانقاذ ضحايا «داعش» من وحشية التنظيم». ويشدد على أنه لا «يمكن القضاء على «داعش» إلا من خلال المجتمع السني، وهذا يتطلب بدوره أمرين: الأول، تأمين البيئة المناسبة لإعادة المهجرين والنازحين إلى مناطقهم التي تحوّلت إلى مناطق خالية، مما سرع من عملية سقوطها بيد «داعش» وذلك من خلال التحضير لمناطق آمنة معززة مع تعطيل أو تدمير المطارات أو ما تبقى من الطائرات لدى نظام الأسد أو شل حركتها عبر منطقة حظر طيران حتى تعود الناس وهي آمنة على نفسها. أما الثاني، فهو تسليح المعارضة السورية بما يمكنها كمّا ونوعا من مواجهة الأسد وتنظيم «داعش». وعلى الرغم من أنها عملية صعبة جدا، الا انّ الثوار أثبتوا قدرتهم على الصمود بأسلحة متواضعة جدا في وجه عدة اعداء يفوقونهم قوة دفعة واحدة». ويؤكد أن «داعش» تمتلك أسلحة أمريكية وصينية حديثة وبكميات كبيرة، وهذه لا يمكن مواجهتها إلا بما يقابلها على الأقل من حيث الحداثة كما ونوعا. وفي ظل الفيتو الأمريكي المستمر على تسليح المعارضة بأسلحة نوعيّة وكذلك رفض إقامة منطقة آمنة أو عازلة، فإن المهمّة الأمريكية تبدو بعيدة كل البعد عن أهداف المعارضة السورية والشعب السوري. ويركز الباحث في مقاربته حول محاربة «داعش» إلى أن مواجهة الموارد المالية للتنظيم أمر مهم لكن قصف منشآت النفط وأماكن تخزين القمح لن يضر بالتنظيم فقط، بل سيؤثر على حياة الناس العاديين في المناطق المنكوبة والذين هم في أمس الحاجة إلى الوقود والقمح لاسيما وانّ فصل الشتاء حل، وعمليا سيواجهون ظروفا هي الأصعب على الإطلاق حتى اليوم. ويعتبر باكير أن مفتاح مواجهة التنظيم يمر حتما عبر «تمكين الحكومة السورية المعارضة من ممارسة مهامها داخل سوريا، وتوسيع قدراتها على التمويل الذاتي من خلال تسليمها حقول النفط والمصافي بدلا من تدميرها، وكذلك الأمر بالنسبة إلى المعابر الحدودية، لأن تدمير هذه المصادر الحيوية دون تأمين بديل للشعب المحروم والذي يعاني الجوع في الداخل مع تراجع مساعدات الأمم المتحدة قد يؤدي إلى زيادة نقمة الناس، ليس على «داعش» وإنما على واشنطن والتحالف الدولي، ما يعني أنّ التحالف يقوم عبر هذه الطريقة بتأمين آلية تجنيد جديدة للتنظيم. ويرى الخبير الاستراتيجي أن «الضربات الجوية التي تشنها قوات التحالف الدولي، أمر مهم لإضعاف تنظيم «داعش» لكنّها الآن تفتقد إلى المعلومات الدقيقة، ولذلك فان عددا كبيرا منها أخطأ أهدافه، وهذا يفترض ويتطلب التنسيق مع عناصر بشرية على الأرض للحصول على الإحداثيات المناسبة والدقيقة، وهي المهمة التي يمكن للمعارضة السورية أن تؤديها، خصوصا وأن الضربات الخاطئة أو تلك التي تصيب المدنيين تعزز من حالة النقمة وقد تدفع العديد من الناس الى التحوّل إلى صف «داعش».
سليمان حاج إبراهيم

Locations of Site Visitors
Powered By Blogger