الخميس، 19 فبراير 2015

الأزهر يحسم الجدل: "الحجاب" عادة وليس فريضة إسلامية


الجمعة | 13-06-2014 - 09:19 مساءً
 144K  3183 Google +94  43
وطن للأنباءمنح الأزهر شهادة الدكتوراه للشيخ مصطفى محمد راشد في الشريعة والقانون، بتقدير ممتاز، عن أطروحته التي تناول فيها ما تشيع تسميته بـ "الحجاب" (غطاء الرأس الاسلامي) من الناحية الفقهية، مؤكدا أنه ليس فريضة اسلامية.
وأشار الشيخ في رسالته إلى أن "تفسير الآيات بمعزل عن ظروفها التاريخية وأسباب نزولها" أدى إلى الالتباس وشيوع مفهوم خاطئ حول "حجاب" المرأة في الإسلام "المقصود به غطاء الرأس الذي لم يُذكره لفظه في القرآن الكريم على الإطلاق".
واعتبر الشيخ راشد أن بعض المفسرين رفضوا إعمال العقل واقتبسوا النصوص الدينية في غير موقعها، وأن كل واحد من هؤلاء فسرها إما على هواه بعيدا من مغزاها الحقيقي، وإما لنقص في "القدرات التحليلية لديهم ناتج عن آفة نفسية"، والسبب في ذلك يعود إلى تعطيل الاجتهاد رغم أن المجتهد ينال حسنة من الله حتى وإن أخطأ.
ويرى أصحاب هذا الرأي أن السبب في ذلك يكمن في قاعدة "النقل قبل العقل" المعتمدة في البحث الاسلامي.
آيات خصت بنساء الرسول وأخرى اقتصرت على ستر النحور
وينطلق معارضو فرضية "الحجاب" في الإسلام من تفسير غير صحيح من وجهة نظرهم للآية (53) من سورة "الأحزاب"، التي جاء فيها {وإذا سألتموهن متاعًا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما}، إذ يرى هؤلاء أنها تخص أمهات المؤمنين فقط، وضرورة وضع حاجز بينهن وبين صحابة الرسول.
وجاء أيضا في الآية (59) من السورة ذاتها: {يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يُدنين عليهنّ من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما}، والتي نزلت بحسب قولهم لتحض الحرائر على وضع ما يستر وجوههن كي لا يكن عرضة لرجال يسترقون النظر إليهن كما يفعلون مع الجواري.
كما يؤكد من يتبنى هذا الفكر أن الآية رقم (31) من سورة النور: {وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الاربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون}، نزلت للإشارة بستر النحر، أي أعلى الصدر والعنق، بسبب انتشار حالة سادت عند نساء العرب لا يسمح بها الإسلام.
ويرى مهتمون أن الأزهر قطع الشك باليقين، وأنهى النقاش الدائر حول الحجاب وما إذا كان "عادة أم عبادة" ليصرح وبشكل قاطع أن الدين الاسلامي لم يفرضه.
- See more at: http://www.wattan.tv/ar/news/79837.html#sthash.l16dRPkz.dpuf 







الأحد، 15 فبراير 2015


تشويه الإسلام والجدل حول مفهوم الإرهاب

لماذا يعتمد إرهابيون كالذين قاموا باعتداءات باريس على الإسلام مرجعيةً لهم؟ رغم أن أفعالهم لا تَمُتُّ بأية صلة إلى ما يؤمن به معظم المسلمين. الكاتب والصحفي الألماني دانيال باكس يسلط الضوء على ذلك لموقع قنطرة.
Mahnwache für Terroropfer am Brandenburger Tor 13.01.12014
كما هي الحال دائمًا بعد الاعتداءات ذات الدافع الإسلاموي، يؤكد المسلمون على أنَّ هكذا إرهاب "لا يمتُّ إلى الإسلام بأيَّة صلةٍ". ووزير الداخلية الألماني توماس دي ميزيير بدوره بات يستخدم الآن هذه الصيغة. الأمر مفهوم، لأنَّه ليس في هذا الإرهاب أيّ شيءٍ مشتركٍ مع الإسلام الذي تمارسه الغالبية العظمى من المسلمين، وخصوصًا في أوروبا. بيد أنَّه في الوقت ذاته تنمو ريبة في أوروبا تجاه الإسلام، لأنَّ الإرهابيين يعتمدونه في الواقع مرجعيةً لهم، كما حدث في فرنسا مثلاً، فكيف يمكن تفسير هذا التناقض؟
بعبارة أخرى: أيُّ خاصية في الإسلام الحالي، تجعله عرضةً للاستغلال من قِبَلِ مرتكبي أعمال العنف؟ هناك ديانات أخرى يتم استغلالها أيضًا، كاليهودية في الشرق الأوسط من قِبَلِ المستوطنين المتطرفين، أو كالمسيحية في الولايات المتحدة الأمريكية من قِبَلِ قتلة مناهضي الإجهاض، أو البوذية في ميانمار التي يتم استغلالها من قِبَلِ الرهبان الذين يُلاحِقون المسلمين. لكنْ فقط للإسلام المتطرّف قوة تجذب الشبَّان القابعين على هامش المجتمع، بحيث يسافر بعضهم ليشارك في الحرب الأهلية في سوريا أو يقوم بالاعتداءات في بلاده الأصلية، مثل ما حدث مؤخرًا في باريس. فلماذا يحصل ذلك؟
Picture-Teaser Wahhabismus - eine globale Bedrohung?
دوافع الإسلام المتطرف: "إنَّ التأويل السعودي للإسلام متطرِّفٌ للغاية، فهو تأويلٌ يفصل بشكلٍ صارمٍ بين الجنسين، ولا يتسامح مع أصحاب الرأي المختلف، ويطبق عقوبات بدنيَّة عفا عليها الزمن"، بحسب ما يكتب دانيال باكس.
نظرًا للتاريخ، يثير هذا التطوُّر الدهشة، فالمجتمعات العربية إسلامية الطابع كانت حتى أواخر العصور الوسطى تسبق مجتمعات أوروبا على صعيد التسامح والثقافة والعلوم بأشواطٍ كبيرةٍ. وكانت لدى المفكرين المسلمين والقادة السياسيين رؤيتان لمواجهة الأزمة التي نجمت عن نهضة أوروبا العسكرية والثقافية، واستعمارها للبلدان ذات الطابع الإسلامي.
إحدى الرؤيتين كانت تتمثل في الأخذ الجذري بالنماذج الأوروبية – القومية، والاشتراكية، والعلمانية باعتبارها الطريق إلى الخلاص. وكانت الأصوات الأخرى خافتة في البداية، فطالبت بالعودة إلى الإسلام لاستعادة النفوذ السابق.
فهمُ الإسلام بشكلٍ متزمِّتٍ
بعدما أخفقت الأنظمة العلمانيَّة في المنطقة في تحقيق الرخاء والمشاركة والعدالة لمواطنيها، نشطت الحركات الإسلامويَّة التي ألبست الخطاب المعادي للإمبريالية مصطلحاتٍ دينيةً وقدَّمت نفسها على أنَّها البديل. وكلما زاد القمع الذي تعرَّضت له عنفًا، زاد جزءٌ منها تطرُّفًا.
يضاف إلى ذلك، أنَّ المملكة العربية السعودية الشديدة المحافظة، قد تمكَّنت من جمع ثروة هائلة ومن الصعود لتكون أهم قوة إقليمية عربية في الشرق الأوسط حاليًا، وذلك من خلال الوفرة النفطية التي تكاد لا تنضب، وباتت المملكة تصدِّر فهمها المتزمِّت للإسلام إلى جميع أرجاء العالم.
إنَّ التأويل السعودي للإسلام متطرِّفٌ للغاية، فهو تأويلٌ يفصل بشكلٍ صارمٍ بين الجنسين، ولا يتسامح مع أصحاب الرأي المختلف، ويطبق عقوبات بدنيَّة عفا عليها الزمن. ومع أنَّ هذا يبدو وكأنه من العصور الوسطى، إلا أنَّه يعود في الواقع إلى مدرسةٍ فكريَّةٍ حديثةٍ نسبيًا، تأسَّست في القرن الثامن عشر على يد الداعية محمدٍ بن عبد الوهاب، ورُفع شأنها في القرن العشرين لتصبح دين الدولة في المملكة العربية السعودية، الأمر الذي يدفع إلى وصف هذه الطريقة في الإسلام بالوهابيَّة أو السلفيَّة.
هذا الإسلام السعودي المتصلِّب نُظر إليه في البداية في المجتمعات الأخرى ذات الطابع الإسلاميِّ باعتباره جسمًا غريبًا. بيد أنَّ هذه السلفيَّة حققت في العقود الأخيرة انتصاراتٍ متواصلةً ورسخت إيمانًا بوجوب النقاب، وفسَّرت القرآن بشكلٍ جامدٍ، ورفضت التديُّن الشعبيَّ التقليديَّ، واتـَّخذت منحىً إرهابيًا، يجد أشكاله الأكثر تطرُّفًا في أيديولوجيا حركة طالبان الأفغانيَّة، وميليشيات "تنظيم الدولة الإسلاميَّة" أو "بوكو حرام" في نيجيريا.
فاشلون في حياتهم في أغلب الأحيان
في الوقت ذاته سرعت التدخلات الغربيَّة في عملية تفتت دول في الشرق الأوسط على طول حدود دينية-عرقية، مثل ما حدث مؤخرًا في العراق وليبيا. والآن تتغلغل جماعات إرهابية سلفية كهذه في هذا الفراغ.
يوجد في ألمانيا آلاف السلفيين حاليًا، وحقًا لا تجنح إلى العنف سوى قلَّة منهم، إلا أنَّ هذه القلـَّة تشكل خطرًا كبيرًا، وبخاصَّةٍ بعد عودتها من الحرب الأهليَّة في سوريا. والملفت للنظر أنَّ هؤلاء ينتمون في كثيرٍ من الأحيان إلى صغار المجرمين السابقين والفاشلين في حياتهم، كما كانت حال المعتدين في باريس. وهم يستخدمون مصطلحاتٍ إسلاميَّةً مثل "الجهاد"، فيُسقِطون معناها الأصلي ويحوِّرون تفسيرها، لكي يبرروا فِعلاتهم وليرفعوا من شأنها.
بغية فهم هذا الإسلام، المصنوع على طريقة "افعل الأمر بنفسك" (do it yourself)، باعتباره التعبير الأصيل عن هذا الدين، أو حتى باعتباره حتمًا التأويل الصحيح للقرآن، لا بدَّ من تجاهل عدَّة قرونٍ من الفقه الإسلامي والممارسة الدينية – وهذا بالضبط ما يفعله الإرهابيون، ولكن أيضًا ما يفعله الكثير من "منتقدي الإسلام" المفرطين في حماستهم، الذين يقتطفون فقراتٍ من القرآن بشكلٍ اعتباطيٍ، بهدف وضع الدين الإسلامي برمَّته تحت الاشتباه العام.

لا توجد في الإسلام كنيسةٌ من شأنها أنْ تطرد مثل هؤلاء الإرهابيين، ويخشى المسلمون من إعلان هؤلاء "كفَّارًا"، لأنَّ هذا بالضبط هو أسلوب الإرهابيين، أي حلَّ دم خصومهم. لكنَّ كلَّ المرجعيات الإسلامية المهمَّة، والسعودية منها أيضًا، وجميع الجمعيات الإسلامية في أوروبا، أدانت الإرهاب الذي وقع في باريس بالإجماع، وانتقدت استغلال معتقدها وهذا التشويه لدينها.
معظم
 الضحايا من المسلمين
ذلك لأنَّ هؤلاء الإرهابيين يشكِّلون تهديدًا لتماسك المجتمعات التي يهاجمونها – وبخاصَّةٍ للأقليات المضطهدة مثل المسيحيين في الشرق الأوسط، أو اليهود في أوروبا، ولكنْ أيضا لكلِّ الآخرين. وتصبح الاستباحة التي يمارسونها باسم الإسلام ضربًا من العبث من خلال حقيقة أنَّ معظم ضحايا الإرهاب الإسلامويِّ هم من المسلمين.
إلى جانب إجراء التدابير الأمنيَّة اللازمة التي ينبغي اتـِّخاذها، يتوجَّب على الساسة في أوروبا المضي في دمج الإسلام هنا، بغية تعزيز قوة المسلمين المسالمين. ولا بدَّ لهم من عدم التوقف عن تبيان أنَّ خط المجابهة لا يقع بين المجتمعات الغربية والمسلمين، بل بين الديمقراطيين والإرهابيين.
دانيال باكس
ترجمة: يوسف حجازي

الملك سلمان يُواجه مرحلة حُبلى بالمشاكل والمخاطر

هل هى عودة لاجواء الخمسينيات ؟

بقلم سعد محيو - بيروت


الملك السعودي الجديد سلمان بن عبد العزيز لدى حضوره مراسم أقيمت في قصر الديوان الملكي في العاصمة الرياض مساء السبت 24 يناير 2015. (swissinfo.ch)
الملك السعودي الجديد سلمان بن عبد العزيز لدى حضوره مراسم أقيمت في قصر الديوان الملكي في العاصمة الرياض مساء السبت 24 يناير 2015.
(swissinfo.ch)

هل حُسِمت مسألة الخلافة في المملكة العربية السعودية، بتعيين أحد أبرز أمراء الجيل الثالث من آل سعود، محمد بن نايف، وليّا لولي العهد؟

ظاهرياً، يبدو الأمر كذلك. فالسرعة التي تم فيها الإعلان عن تعيين الأمير مُقرن بن عبد العزيز ولياً للعهد، ثم فوراً تقريباً تعيين محمد بن نايف نائباً له، أوحى بأن الملك الجديد سلمان حسم بسرعة خاطفة الجدل الكبير داخل الأسرة حول مسألة انتقال السلطة من الجيل الثاني من آل سعود إلى الجيل الثالث.
بيد أن المظاهر قد تكون خادعة في الكثير من الأحيان، خاصة في نظام كالمملكة العربية السعودية يلف نفسه وصراعاته الداخلية بسرية مطلقة. فما يجري فيها فوق السطح اليوم، لن يعكس بالضرورة ما قد يطفو من تحت هذا السطح غدا. وهذا يصحّ على وجه التحديد بسبب الحقيقة أن معركة الخلافة الراهنة لا تتعلق بأشخاص بعينهم، بل بفروع عائلية كاملة تتشعب من آل سعود الذي يناهز تعداد أمرائهم الـ15 ألفاً (على ما يُشاع). فروع تنافست تاريخياً، ولا تزال، في ما بينها بضراوة على السلطة والنفوذ والمال.
مبايعة الملك سلمان عبر تويتر تدخل تقاليد انتقال الحكم الى عصر الاعلام الحديث
بايع الالاف من السعوديين، الشباب منهم خصوصا، الملك الجديد سلمان عبر تويتر مدخلين تقاليد انتقال الحكم في المملكة الى عصر الاعلام الحديث.
وغرد عشرات الالاف في المملكة مستخدمين الوسم (هاشتاغ) #انا_ابايع_الملك_سلمان ومؤكدين ولاءهم للملك الجديد منذ اللحظات الاولى لوفاة الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز.
وتحول تويتر خلال السنوات الاخيرة الى المنبر الاول للراي العام في الخليج وخصوصا في السعودية التي اعتبرت عاصمتها الرياض في 2012 عاشر مدينة مغردة في العالم.
وفي 2013 تجاوز عدد مستخدمي الموقع النشطين في المملكة خمسة ملايين شخص، ليسجل تويتر في هذا البلد اعلى نسبة انتشار له في العالم بالمقارنة مع عدد السكان.
ويستخدم الموقع الجميع تقريبا في المملكة، من السلفيين المتشددين الى الليبراليين، ومن الامراء والوزراء الى اشخاص مجهولين اصبحوا نجوما.
وكان خبر وفاة الملك شاع عبر تويتر قبل ساعات من اعلانه رسميا، لا سيما من خلال تغريدة للمغرد "الشبح" الاشهر مجتهد المعروف بنشره معلومات من داخل دوائر الحكم اصابت احيانا ولم تصب احيانا اخرى.
وبعيد اعلان وفاة الملك، بدأ مغردون سعوديون بمبايعة ملكهم الجديد عبر تويتر، وايضا من خلال نشر افلام يعلنون فيها المبايعة عبر موقع يوتيوب.
وقال الشاب سلمان العتيبي لوكالة فرانس برس "بايعت الملك عبر تويتر لاننا نتقدم تقنيا ولا نتخلى عن هويتنا وتقاليدنا". واعتبر ان "البيعة واجب على كل مسلم".
وتتخذ البيعة او المبايعة في السعودية بعدا دينيا وآخر قبليا.
ومن الناحية الدينية، يرتكز نظام البيعة الى الحديث الشريف الذي يقول "من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية".
وقد شدد مفتي السعودية الشيخ عبد العزيز آل الشيخ فور اعلان انتقال السلطة على كون البيعة واجب على مسلم في المملكة.
ومن الناحية القبلية، فان البيعة تعني موافقة مجموع القبائل والمجموعات وتسليمها بالامر والطاعة لولي الامر الجديد.
وبعد ساعتين من دفن الملك عبد الله، توافد عشرات الالاف من الاعيان والشخصيات وممثلي القبائل الى قصر الحكم لمبايعة الملك سلمان، بالسلام عليه وتقبيل كتفه او يده.
وبشكل مواز، بايعه الالاف الاخرون بالتغريد.
(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية أ ف ب بتاريخ 26 يناير 2015) 

مرحلة انتقالية خطرة

بالطبع، تتمثل الأولوية القصوى لكل الأجنحة السعودية في الحفاظ على سلطة العائلة، التي تعود جذور علاقتها بالسلطة إلى القرن الثامن عشر، حين خاض مؤسسو العائلة وقادتها صراعات مدهشة في عنادها ونجحوا، بعد تدمير دولتهم مرتين على يد العثمانيين والمصريين، في إقامة دولتهم الثالثة الراهنة العام 1932.
لكن في المقابل، ليس ثمة شك بأن المرحلة الراهنة ستكون حُبلى بالمشاكل والمخاطر أمام الأسرة لأسباب عديدة.
فحكم الملك سلمان (79 عاماً) سيكون حتماً قصيراً، لأنه يُعاني من بعض الأمراض أخطرها العته (Dementia) حسب عدد من المصادر، وهو مرض عضوي في الدماغ يضرب الذاكرة ويتسبب باضطرابات نفسية. أما ولي العهد مقرن، فأمامه عقبات واضحة في طريقه لتسنّم العرش، إضافة إلى معاناته من بعض الأمراض. هذا ناهيك عن أن الملك الراحل عبد الله خرق التقليد حين عمد إلى تعيين المرشح لولاية العهد، وهو قرار كان متروكاً في السابق للملك الجديد.
ثم إن تعيين الأمير محمد بن نايف، الذي ينتمي إلى الفرع السديري من العائلة كما الملك سلمان (تيمناً بالزوجة المفضلة لدى الملك عبد العزيز حصة بنت أحمد السديري)، ولياً لولي العهد بالسرعة التي تم بها، سيثير من دون شك حفيظة العديد من أمراء الجيل الثالث وفي مقدمهم الأمير خالد بن سلطان، والأمير مُتعب بن عبد الله، والأمير خالد الفيصل، والأمير بندر بن سلطان وغيرهم كثير.
يقول سيمون هندرسون، الخبير بشؤون العائلة السعودية في مؤسسة واشنطن لدراسات الشرق الأدنى: "على رغم أن العديد من الناس يقولون أن عملية الإنتقال ستكون سلسلة، إلا أن ثمة مروحة من الأسباب التي تدفع إلى الإعتقاد بأن السعودية تتجه نحو أوضاع صعبة... فالمناورات داخل العائلة الملكية ستكون كثيفة للغاية، على رغم أن الأمراء يكرهون الإعتراف بهذه الحقيقة".
لكن، إذا ما نحينا جانباً بشكل مؤقت، لأغراض التحليل، الطبيعة البشرية التي تدفع الأخوة والأقارب إلى التناحر (الذي قد يكون دموياً أحياناً) على السلطة، منذ بدء التاريخ البشري (قابيل وهابيل نموذجا)، ما هي العوامل الجديدة الآن التي تجعل الصراعات أكثر خطورة؟
هنا، يُمكن للتاريخ الحديث أن يُضيء طريقنا قليلا. ففي الخمسينيات من القرن الماضي، شهدت المنطقة العربية صعود نجم الحركة القومية العربية التي نادت بالحداثة والوحدة والتحرير، وأطلقت تيارات عاطفية ضخمة في المنطقة تجسدت بالتفاؤل بإمكانية إعادة بناء الحضارة العربية الإسلامية الباهرة. هذا التطور سرعان ما اجتاح مملكة السعوديين الذين كان ملكهم سعود، الذي حل مكان والده عبد العزيز المتوفي في عام 1953، غارقاً في الفساد ورافضاً بناء مؤسسات الدولة بما يتلاءم مع العصر.
هذه الحقبة أفرزت حركتين داخل الأسرة: الأولى تكوّنت من "الأمراء الأحرار"،على رأسهم الأمير طلال بن عبد العزيز، الذي تعاطفوا مع الحركة القومية (في شقها الناصري) ودعوا إلى تحويل الدولة إلى مملكة دستورية. أما الثانية فقادها الأمير السُديري فهد بن عبد العزيز، وطالبت بتنحي الملك سعود وتعيين الأمير فيصل مكانه كي يقوم بالإصلاحات الضرورية، وفي الوقت نفسه إجهاض حركة "الأمراء الأحرار".
بقية تاريخ هذا التطور معروفة. لكن ما يهمنا هنا هو أن الامراء الأحرار، كما الأمراء الأصلاحيين، لم يتحركوا في الواقع إنطلاقاً من معطيات عاطفية أو شعورية وحسب، بل كان هناك أيضاً تقاطع واضح بين استبعادهم عن السلطة وبين استخدامهم الإيديولوجيا الجديدة في المنطقة لصالح تحقيق أهدافهم الذاتية.

الخمسينيات مُجددا؟

واقعة الخمسينيات هذه يمكن أن تتكرر الآن في الهزيع الأول من القرن الحادي والعشرين. فالمنطقة تمر حالياً في تمخضات قد تكون أخطر بكثير حتى من تطورات الخمسينيات، حيث يجد الإسلام السعودي، الذي شكّل درعاً قوياً في السابق ضد الموجة القومية والناصرية، نفسه في أحرج المواقف.
فهو مضطر، بسبب الضغوط الدولية غداة أحداث 11 سبتمبر 2001 في أمريكا، إلى إشهار الحرب على الجهاديين في المنطقة (النصرة، داعش، السلفيين المتطرفين.. ألخ) الذين ينتمون إلى الجذور الوهابية نفسها للإسلام السعودي. لكنه في المقابل يجد صعوبة فائقة في مواجهة أصول هذه الجذور في الداخل المتمثلة في المؤسسة الدينية الوهابية التي تنشر المبادئ (الداعشية والنصروية) نفسها.
وفي المقابل، لم يستطع الإسلام السعودي التعايش مع فكرة وصول جماعة الإخوان المسلمين إلى السلطة في مصر وبقية الدول العربية، لأنه اعتبر أن مشروع الإسلام السياسي الخاص بهذه الجماعة يذهب بعيدا في عملية تزويج الإسلام إلى الديمقراطية (على حساب مبدـأ "إطاعة أولي الأمر"). وهذه مسألة لم تستطع بعض أجنحة الأسرة المتصلبة ابتلاعها.
الحل الذي خرجت به النخبة الحاكمة لهذا التخبط، إضافة إلى نثر عشرات مليارات الدولارات في الداخل والخارج لشراء الولاء، كان إعلان "الجهاد على الجهاديين" في الخارج، والقيام ببعض الاصلاحات في الداخل (مجلس الشورى، توسيع دور المرأة، تعديل مناهج التعليم.. ألخ). لكنها إصلاحات لم تمس في الواقع شعرة واحدة من نفوذ السلطة الدينية الوهابية.
بيد أن هذا الحل سيُثبت أنه مؤقت من بعض الأوجه، وخطر من كل الأوجه: فهو لن يُرضي القوى الدولية التي عاد الإرهاب الأصولي يطرق أبوابها وسيدفعها إلى استئناف الضغوط على المملكة لضرب جذوره الفكرية والتربوية في مؤسساتها؛ وهو سيُغضب بعض الشباب السعودي الذي يرى التناقض واضحاً بين تربيته الوهابية وبين دعوته إلى مقاتلة أشباهه في المذهب من داعشيين وجهاديين شتى. وهذه المعضلة، بالمناسبة، هي التي خلقت في ظروف مشابهة أزمة الهوية الطاحنة لدى أسامة بن لادن، وحوّلته من رجل أعمال "دنيوي" ينتمي إلى الدولة السعودية، إلى رجل حروب غوار "آخروي" يقاتل باسم "الثورة الوهابية".
ن

إلى أين؟

الآن، إذا ما كانت المعضلة في المرحلة الإنتقالية الراهنة في السعودية على هذا القدر من التعقيد، فإلى أين من هنا؟
العديد من المراقبين يعتقدون أن الأمر بات يحتاج إلى تيارات تغيير شبيهة بثورة الأمراء الأحرار أو الإنتفاضة الاصلاحية الفيصلية. لكن هذه المرة في شكل يؤدي إلى الإخضاع التام لـ "الثورة الوهابية" لصالح الدولة الوطنية.
بيد أن هذا الامر يحتاج إلى أمرين متلازمين كي يتحقق: الأول، حفز وتشجيع الأمراء الإصلاحيين الجدد على توضيح مواقفهم علنا، من خلال بروز قوى مجتمع مدني موحدة تتكوّن من عشرات آلاف الطلاب الذين تعلموا في الغرب، ومن العناصر النسوية ومئات آلاف العاطلين عن العمل والهيئات المطالبة بالاصلاحات الدستورية. والثاني، انحياز كيانات قَبَلية وعشائرية ذات وزن إلى تيار الأمراء الإصلاحيين.
هذان الأمران لايبدوان في الأفق الآن. لكن بروزهما يبدو حتمياً في وقت غير بعيد، بسبب المخاطر غير المسبُوقة التي تتعرض إليها الأسرة السعودية في الداخل والخارج على الصعد كافة الإستراتيجية والفكرية والثقافية والديمغرافية (طفرة الشباب الضخمة).
في الوقت الراهن، ستكون الإستمرارية هي الشعار في الداخل وربما أيضاً في الخارج على صعيد "حرب النفط " مع إيران (وروسيا) ودعم مصر السيسي والمعارضة السورية. لكن تقاطع معركة الأجيال داخل الأسرة مع المعارك الإيديولوجية والإقليمية الضخمة، إضافة إلى التغيرات الهائلة في المجتمع السعودي، ستجعل مثل هذه الإستمرارية مجرد "سحابة صيف" عابرة.
وقديماً قال ابن خلدون: "إذا ما تبدّلت الأحوال جملة، فكأنما تبدّل الخلق من أصله وتحوّل العالم بأسره و كأنه خلقٌ جديد".
بقلم سعد محيو - بيروت ,

Locations of Site Visitors
Powered By Blogger