الأربعاء، 2 فبراير 2011

معادلات جديدة في المنطقة مع "سقوط" مبارك

خسارة واشنطن حليفها فادحة لكنها حتمية

2011 الثلائاء 1 فبراير


ستعاني واشنطن من سقوط حليفها الرئيس المصري حسني مبارك خسارة فادحة، كونه الحليف العربي الأساسي في المنطقة. وحتى في حال بقائه فإنه لن يعود من أعمدة إستقرار المنطقة كما كان في الماضي.

لا يخرج المصريون إلى الطرقات إحتجاجا على علاقات نظامهم الطيبة مع إسرائيل والولايات المتحدة، وإنما طلبا للتغيير الشامل بسبب الوضع الإقتصادي والمعيشي المزري من جهة والطغيان السياسي من الجهة الأخرى.

وإذا كانت ثمة مشاعر وسط المتظاهرين معادية للأميركيين، فهي بسبب وقوف الولايات المتحدة كأكبر سند للرئيس المصري حسني مبارك - مهندس الوضعين الإقتصادي والسياسي - في سنوات حكمه المديدة. ومن جهتها فإن واشنطن، التي تغاضت عن تجاوزات عهد مبارك الشنيعة على مدى ثلاثة عقود بسبب أنه مفيد لها في قضايا المنطقة الحسّاسة من إسرائيل حتى إيران، ستعاني خسارة فادحة بفقدها حليفا عربيا أساسيا مع سقوطه من كرسي السلطة.

في عهد بوش كانت واشنطن، وفقا لتصوّر وزيرة خارجيتها كوندوليزا رايس، تحلم بتحالف عربي - إسرائيلي يسحق إيران وسوريا وحزب الله وحماس. لكنها كانت واهمة بالطبع، وإن ظل هذا الحلم يراود البيت الأبيض. والآن فالأرجح، وفقا لمحلل الشؤون الدولية توني كارون*، أن رحيل مبارك المتوقع سيغير الترتيب الإقليمي بشكل يتصادم مباشرة مع هذا الحلم وقد ينسفه مرة والى الأبد.


خاسر في كل الأحوال

بالطبع فإن الوضع في مصر يظل موغلا في الهلامية، بحيث يستحيل التنبؤ تقريبا بما سيحدث تاليا. لكن هذا لا يعني أن تشبث مبارك بالسلطة سيستمر إلى الأبد، وعلى هذا الأساس فهي مسألة وقت قبل أن يحزم حقائبه ويأتي بثلاثين عاماً من حكمه الى ختام.

وحتى إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما بدأت تنأى بنفسها عن الرجل الذي ظلت تصفه بأنه أحد أعمدة الإستقرار في المنطقة. والواقع أن البيت الأبيض ظل يقف على عتبة مطالبته بالتنحي صراحة. فدعا لـ"انتقال سلس" و"حكومة بالمشاركة الديمقراطية"، وطالب قوات الأمن المصرية - التي يموّلها من خزينته - بالإمتناع عن العنف ضد المتظاهرين. وفي حال الإستجابة لهذا فسيعني عمليا أن الرئيس المصري صار في خبر كان. وحتى إذا اختار ان يبقى بالقوة، فسيكون قد أزاح مصداقيته كأحد أعمدة الاستقرار في المنطقة. ما أطول الأسبوع في دنيا السياسة!

البرادعي؟
في حال فتح بوابة العملية السياسية للجميع، فعلى الأرجح أن الرجل الذي سيخلف مبارك هو محمد البرادعي. وهذا لأنه يتمتع بميزة لم تؤت لغيره، وهي أنه مدعوم من قبل الأحزاب والجماعات العلمانية، وأيضا والأهم، أنه مرضي عنه من لدن الإخوان المسلمين وهم أكبر كتل المعارضة وأهمها على الإطلاق.

والبرادعي معتدل وديمقراطي. لكن مشكلة واشنطن معه ذات شقين. الأول أنه لا يقاسمها خوفها المَرَضي من الجماعات الإسلامية، والثانية أنه لم يتردد في نقد إدارة الرئيس أوباما في ما يتعلق بتعاملها مع برنامج إيران النووي، عندما كان مديرا لوكالة الطاقة الدولية وأيضا بعد تقاعده.

وثمة ملاحظة لا بد من ذكرها وهي ان واشنطن تلقت - قبل وقت طويل من أحداث مصر الدائرة الآن - تحذيرا من "مرحلة انتقالية عسيرة بالنسبة لواشنطن بعد مبارك حتى وإن كانت في إطار نظامه نفسه". فقد ورد في إحدى البرقيات الدبلوماسية التي سربها موقع "ويكيليكس" ويعود تاريخها إلى أيار- مايو 2007 أن خليفته، بغض النظر عن هويته، "سيكون ضعيفا مقارنة به، ولهذا فسيلقي على كاهله، قبل كل شيء، مهمة تعزيز موقعه والحصول على الدعم الشعبي. ومن أجل هذا فسيركب على موجة العداء الشعبي للولايات المتحدة وسيُظهر هذا في خطبه الأولى على الأقل حتى يطمئن الشارع الى انه يقف معه يدا على يد".

الإخوان

البرقية تحذر أيضاً من أن أي رئيس جديد سيسعى للتصالح مع حركة الإخوان المسلمين المحظورة حالياً، إن كان له ان يدعم نظامه. وبغض النظر عن كيف تنظر واشنطن إلى الإخوان، فإن الحركة الديمقراطية في مصر لا تعتبرهم ذلك الشر المستطير الذي تضعهم الإدارات الأميركية المتعاقبة في إطاره.

وقد قال البرادعي عنهم: "لا علاقة لهم بما يحدث في إيران أو بنوع التطرف السائد في أفغانستان وغيرها"، وأسماهم "جماعة محافظة أثبتت على مدى خمسين عاما أنها ترفض العنف وتوالي الديمقراطية العلمانية وحقوق الإنسان، وكجزء من المجتمع المصري، فلا مناص من إشراكها في أي عملية سياسية مقبلة".
داخل الثلاجة

إسرائيل مصابة بالهلع وهي ترى مبارك، أهم أصدقائها في عموم المنطقة، يحصي أيامه الأخيرة ربما، بينما الولايات المتحدة عاجزة عن فعل أي شيء غير الوقوف متفرّجة مثل الآخرين. وقالت تقارير إن بنيامين نتنياهو اتصل خلال عطلة نهاية الأسبوع بواشنطن وعواصم الإتحاد الأوروبي يرجوها تخفيف لهجتها الناقدة لمبارك "لأن سقوطه سيقود إلى قلاقل تتعدى حدود مصر إلى الجيران القريبين والبعيدين".

ومع ان الأرجح هو ان أي حكومة مقبلة في القاهرة ستتفادى خوض حرب جديدة ضد إسرائيل، فالأرجح أيضا هو أنها، في استجابتها للمزاج العام، ستضع علاقاتها بإسرائيل "داخل الثلّاجة". والمؤكد أن دور مبارك في "التوسط" لدى الفلسطينيين، كلما أرادت إسرائيل أو الولايات المتحدة الضغط عليهم لقبول شيء ما، سيزول بزوال حكمه وأن الحكومة الجديدة ستمتنع عن أدائه. وبالقدر نفسه فستفقد إسرائيل التعاون المصري في فرض الحصار الاقتصادي على غزة سعيا للتخلص من حماس وقادتها.

عبّاس وآخرون

إسرائيل ليست الوحيدة القلقة على مصير مبارك الآن. فهناك أيضا الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي إتصل بالرئيس المصري السبت ليعرب له عن تضامنه معه والذي وجّه قوات أمنه بمنع تظاهر رعاياه تضامنا مع المصريين. والسبب في هذا هو أن مبارك ظل يوفر الغطاء لعباس في تعاملاته مع إسرائيل والولايات المتحدة وساعده كثيرا في الضغط على حماس. وهذا بالإضافة الى أن عباس نفسه لا يجلس على رأس نظام ديمقراطي حقيقي ويخشى من أن يجد مواطنو الضفة القدوة في ما يحدث الآن على الشارع المصري.

ومن جهتهم فإن "الطغاة المعتدلين" الآخرين في المنطقة لم يجدوا ما يطمئنهم في استعداد الرئيس أوباما للتلويح وداعا لمبارك رغم ثلاثين سنة من خدمته المصالح الأميركية في الشرق الأوسط، ورغم إعلان جو بايدن، نائب أوباما، الأسبوع الماضي فقط أن مبارك "حليف لا غنى لأميركا عنه".

معسكر الشامتين

في الجهة المقابلة فهناك بالطبع الشامتون المحتفلون بمصير مبارك، وعلى رأسهم سوريا وإيران، وهذا على الرغم من ان موجة الغضب الشعبي التي تجتاح القاهرة يمكن ان تأتي بمثيل لها سواء في شوراع دمشق أو طهران.

والواقع أن أحداث مصر تنقض مقولة الرئيس جورج بوش، وهي "المعتدلون ضد الراديكاليين"، التي أقام عليها سياسته في الشرق الأوسط. فمع ان سقوط مبارك خسارة لمعسكر "المعتدلين"، تبعا لتصنيف بوش، فهو ليس مكسبا لمعسكر "الراديكاليين" تبعا للتصنيف نفسه. والمعطى الجديد محل كل هذا هو أن الشعوب العربية تتطلع الى أن تمسك زمام أمورها ومصائرها بنفسها بدلا من تلقيها جاهزة كناتج لصراع القوى الدولية.
نقلا عن ايلاف

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


Locations of Site Visitors
Powered By Blogger